في احتفالية (الشيوعي العراقي) باليوبيل الذهبي لـ 14 تموز احتشدت الناس وكأن الثورة في أيامها الاولى
"الأخبار" بغداد (ماتع) - المسرح الوطني ببغداد غصّ بالحضور الكثيف حتى غدا الواقفون أكثر من الجلاس، فيما افترش العشرات الأرائك في رواق المبنى. لساعتين والأعلام العراقية والحمراء ترفرف، والأكف ما انقطعت عن التصفيق. البهجة وروعة الاوبريت غناءً ورقصاً ولوحاتٍ أنست الحشد الكبير قيظ تموز والحرّ المتصبب عرقاً من انعدام التبريد في القاعة، رغم همّة الرفاق في جلب المراوح العمودية وتشغيلها.
وعندما انتهى عرض الاوبريت، ظل الجمهور يستعيد و يردد الأغاني، وصعد الرفاق من قادة الحزب على المسرح يحيون وينشدون ويصفقون لتموز وللشعب العظيم.
انتهى الحفل والحضور ماكثون في القاعة حتى اجبرهم زحف الليل على المغادرة.
لسنين قادمة، سوف لا تنسى بغداد أن شقيقتها الجنوبية "البصرة" قد منحتها فرحاً في زمن شح فيه الفرح، وأحيت نهارا منورا من أجمل نهاراتها ولياليها.
بغداد في 12 تموز 2008 عاشت يوما كأنه من الأيام الاولى للثورة الخالدة، وشاهدت عرضاً حرمت منه منذ "بيادر الخير" و"المطرقة".
فمن "موطني" النشيد الوطني الذي غرد به الأطفال، إلى كلمة الحزب الشيوعي التي ألقاها عضو المكتب السياسي محمد جاسم اللبان (نصّها مرفق)، إلى الشاعر المبدع المعروف موفق محمد وهو ينثر على الجماهير جميلات الأبيات من قصيدته (سفينة النجاة) التي قال فيها :
"يمه آني لفيت صورتك بالورد
وذبيتها بالحزب الشيوعي"
فأريد أن أراك شجرة فيه
أستريح بظلها وأتنفس ثمارها اليانعة
وأرى العراق بيديك الطاهرتين يرتب أعشاشها
فمازالت الطيور المهاجرة ترفرف فوقها
أفكلما سرقوا عشبة العراق من يديك، هبطنا للجحيم؟
ويجري العراق بما لا يشتهي شهداؤه
ونحن ننظر بخجل إلى صورهم المؤطرة في قلوبنا
فما من سفينة قادرة على حمل العراقيين جميعا غير سفينتك التي يغفو قوس القزح آمناً في شراعها وأنت ربانها الأمين في الصعود إلى العراق.
ثم الاوبريت الجميل "انته أمس وانته باجر" الذي قدمته فرقة "الناس" البصرية بالاشتراك مع دائرة السينما والمسرح ـ فرقة الفنون الشعبية في البصرة
فكرة وأغاني : الشاعر فالح حسون الدراجي
سيناريو وتوليف : الشاعر علي العضب
ألحان وتوزيع : الفنان المبدع طارق الشبلي
تدريب اللوحات : الفنان جبار عبود
الإنتاج : لازم كريم السراجي
إخراج : الفنان محمد سعيد الربيعي
حضرات الأساتذة والضيوف الكرام
الاخوة الأفاضل
الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء
نلتقي هذا اليوم في مهرجان جديد للفرح والتفاؤل، والثقة المطلقة بشعبنا، مهرجان الاحتفاء بالذكرى اليوبيلية لثورة (14) تموز المجيدة. هذه الثورة التي غيرت وجه المجتمع العراقي، ووضعته على أعتاب الحداثة، بعد أن أعادت رسم وتشكيل خارطته الطبقية والاجتماعية، ووفرت فرصة تاريخية، قلما يجود الزمان بمثلها، للخروج من نفق التخلف والاستبداد والتبعية إلى شمس الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.
كانت الأوضاع السياسية، والاقتصادية- الاجتماعية في العهد الملكي الرجعي، سيئة إلى ابعد الحدود، فالقمع وإرهاب الدولة لاسيما في زمن الوزارات التي ترأسها"نوري السعيد" كانا هما السائدين، فأعتقل وعذب وشرد آلاف المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، واعدم العديد من خيرة أبناء شعبنا العراقي، وفي مقدمتهم، قادة حزبنا الأماجد "فهد، حازم، صارم" وجوبهت المظاهرات السلمية بالحديد والنار. وساد الثالوث المقيت المتمثل بالجوع والفقر والمرض حياة العراقيين. وقد بلغ التفاوت الطبقي مديات فلكية في المدينة والريف، حيث بلغ هذا التفاوت على سبيل المثال في ملكية الأرض الزراعية حداً لا مثيل له في أي بلد من بلدان العالم. ولم تكتف الأقلية الحاكمة بكل ذلك، بل كبلت العراق أيضا، باتفاقيات جائرة، مع الدول الاستعمارية وزجت به في حلف بغداد العدواني، فتحولت بذلك الى عقبةٍ كأداء في طريق تطور وازدهار بلدنا، وانتفت في ذات الوقت أية إمكانية لإزاحتها سلمياً.
وكما هو معروف، فعندما تفشل محاولات الإصلاح المتكررة، تتقدم الثورة صفوف المشهد السياسي، وتصبح حقاً واجباً، وهذه ما فعلته ثورة الرابع عشر من تموز وقادتها الميامين.
استطاعت الثورة أن تستقطب في عامها الأول ملايين العراقيين، الذين انخرطوا في نشاط سياسي وجماهيري، قلّ نظيره، كانوا محرومين منه في سنوات الحكم الملكي، وانضموا بأعداد غفيرة إلى مختلف الاتحادات والجمعيات والمنظمات والأحزاب، تعبيراً عن رغبتهم في المساهمة ببناء وطنهم الزاهر، السعيد.
ومن الانجازات البارزة، التي حققتها الثورة، بالإضافة إلى هذه الحريات الواسعة التي تمتعت بها الجماهير الشعبية العريضة، إصدارها قانون الإصلاح الزراعي رقم (30) لسنة (1958)، وقانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، وهو أول قانون مدني ينظم العلاقات العائلية في العراق، بعد أن كانت تخضع لشرائع، وأعراف مختلف الطوائف والأديان المتواجدة فيه. كما صدر القانون رقم (80) لسنة 1961، الذي حرر 99.5% من مناطق امتياز شركات النفط الاحتكارية.
وأعلنت الثورة خروج العراق من كتلة الإسترليني، ومن حلف بغداد وعقدت الاتفاقيات الاقتصادية، والفنية والتجارية مع الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى التي ساعدت على نهوض البلاد صناعياً وزراعياً، وعلى تحقيق الاستقلال الناجز.
ورغم ما حققته ثورة تموز من انجازات هائلة على مختلف الصعد، نجد من ينعتها لحد الآن، بالانقلاب لغاية في نفس يعقوب، متناسين الفوارق الجذرية بين الانقلاب العسكري، الذي لا يعدو كونه تغييراً فوقياً للنخبة الحاكمة، وغير معني أصلاً بإجراء إصلاحات وتحقيق انجازات لصالح الجماهير، التي تبقى مغيبة، وبعيدة عن المساهمة في صنع القرار السياسي، وبين الثورة التي تحدث تحولات عميقة في المجتمع.
إن ثورة (14) تموز المجيدة، التي فجرها القائد الوطني، النزيه والغيور على مصلحة شعبه ووطنه، الزعيم"عبد الكريم القاسم" ومعه تلك الكوكبة الرائعة من محترفي حب الوطن وفداء الشعب، لم تستطع مع الأسف الشديد تجذير مسيرتها، وتنامت تدريجياً الميول الفردية واللاديمقراطية لقيادتها، فأصابت منها مقتلاً في (8) شباط الأسود على أيدي أعداء العراق، أعداء الشعب والوطن.
استلهاما لأهمية وفرادة هذا الحدث المتميز في حياة شعبنا ومجتمعنا لا يسعنا إلا التذكير بدروس وعبر هذه المناسبة العزيزة، وأولها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية، شعاراً وممارسة، وبشقيها السياسي والاجتماعي، فوحدة القوى الوطنية والديمقراطية، ونبذ الطائفية والمحاصصة على اختلاف تجلياتها، هي أحد أهم الدروس التي نحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى. كما إن الديمقراطية السياسية التي جرى التغاضي عنها، والتقليل من أهميتها بعد ثورة تموز، ينبغي أن لا نغمض العين عنها أبدا، يرافق ذلك عدم السماح بكيل الوعود المعسولة دون تطبيقها ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب حقاً، لا خداعاً ، وعدم الاستقواء بالأجنبي، قريباً كان أم بعيداً، لأن مشاكل العراق لا يحلها إلا العراقيون أنفسهم.
وربما من أهم وأبلغ دروس ثورة تموز، هو ضرورة تجذير الثورة في مختلف مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لان المراوحة في ذات المكان، لا يعني إلا تراجعاً ونكوصاً، سوف لا يجنى الشعب منهما غير المعاناة والعذاب والتهميش.
وعلى أبناء ثورة تموز، والمؤمنين بأهميتها وأصالتها ان يعززوا ثقافة العيش المشترك، وشراكة الجميع في عراقنا الحبيب، عرباً وكرداً وتركماناً، كلداناً وسرياناً وآشوريين، وسائر مكونات شعبنا العراقي.
لنجعل من الذكرى الخمسين لثورة (14) تموز المجيدة، حافزاً وملهماً لتعزيز وتطوير النجاحات المهمة التي تحققت على الصعيد الأمني وفي بقية المجالات الأخرى، ومضاعفة الجهود لإنقاذ بلدنا مما يعانيه من مشاكل وصعوبات لا تعد ولا تحصى، سواء ما تعلق منها بإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، أو بتوفير الخدمات، وإعادة الإعمار، ومكافحة البطالة، والقضاء على الإرهاب، وتجفيف منابعه القذرة، أو ما تعلق باستعادة استقلالنا وسيادتنا الوطنية المنقوصة، عبر تحشيد وتعبئة كل القوى الخيرة والمخلصة لهذا الوطن، لكي تحافظ الاتفاقية أو مذكرة التفاهم المزمع توقيعها مع الإدارة الأمريكية، على مصالحنا الوطنية، ولا تفرط بها، ولكي لا نسمح بالتهاون في الثوابت الوطنية التي اتفق الجميع عليها، وصولاً إلى ما نطمح إليه في بلوغ وطننا وشعبنا ذرى التقدم والسلام والديمقراطية.
عاشت الذكرى الخمسون لثورة (14) تموز العظيمة.
عاش الشعب العراقي المناضل، صانع الثورات، والتحولات الجذرية.