اوراق الغربة.. مسيرة مناهضة للديكتاتورية ..... ذكريات من الهند
    الجمعة 7 يناير / كانون الثاني 2011 - 06:17:25
    لم تكن مغادرة الوطن بالامر السهل لكن الملاحقات والاعتقالات والتعذيب والتسقيط السياسي وهتك الاعراض والاعدامات اجبرت الناس على ترك الوطن والبحث عن ملجأ يحميهم من بطش السلطة ، فالبعض غامر بالسفر الى مدن كوردستان عسى ان يلتحق باحدى قواعد البيشمركة والانصار او قوى المعارضة التي كانت تحتمي بالمناطق الوعرة من جبال كوردستان ، والبعض فضل السفر وترك العراق سيرا على الاقدام الى دول مثل الكويت و سوريا ، ومنهم من وصل الى اليمن الجنوبي ، ولم تكن السفارات الاجنبية ببغداد تمنح تاشيرة الدخول ( الفيزا) الى بلدانها فكان المواطن يقف في طوابير طويلة امام السفارات الاوربية دون جدوى .
    كانت المعركة مع نظام صدام حسين قاسية وشرسة فما ان تسلم الحكم عام 1979 م حتى كشرت اجهزة الشرطة والامن عن انيابها في ملاحقة المواطنين المعارضين لنظام البعث ، اضافة الى الاسلوب المفضل لدى السلطة البعثية الغاشمة في تهجير المواطنين بمختلف الحجج ، وتعرض الالاف من الكرد الفيليين الى تهجير مرير ، كما غادر الاف المواطنين الى الخارج هربا من الملاحقات والتعذيب والاعدام .
    رياح الحرب مع الجارة ايران بدأت تهب على بغداد ، واخذ النظام يشدد اجراءات التجنيد وتضييق الخناق على المواطنين والقاء القبض على السياسيين .
    كنت من بين الذين اضطروا لمغادرة الوطن عام 1979 م الى الهند ، لم استطع الحصول على تاشيرة دخول – فيزا – لاية دولة اوربية ، السفارات تغص بالعراقيين الذين يرغبون مغادرة العراق ، اذكر حين رغبت في الحصول على فيزا لالمانيا وجدت الناس امام باب السفارة بالعشرات منذ الفجر وقبل ان تفتح السفارة ابوابها .
    استطعت الحصول على اجازة من دائرتي المؤسسة العامة للكهرباء وغادرت الى نيودلهي .
    وصلت العاصمة نيودلهي تموز 1979 وكان في استقبالي في المطار بعض الاصدقاء - واخي ضياء الذي سبقني الى الهند ليدرس الماجستير في الرياضيات - اذ حصل لي اخي على قبول في جامعة نيودلهي من أجل البقاء اطول مدة ممكنة في الهند ريثما تنتهي الايام الصعبة التي كنا نظن انها لن تكون سوى اشهر قليلة ، اندلعت الحرب مع ايران ، وطال مكوثي في الهند ست سنوات بالتمام والكمال ، كنت خلالها انهيت دراسة الماجستير في جامعة نيودلهي وحصلت على الميدالية الذهبية في الاداب ، والتحقت بجامعة عليكرة الاسلامية فقدمت بحثا عن الادب العربي وحصلت على درجة الدكتوراة فيها عام 1984 . ثم غادرت الى الجزائر عام 1984 لاعمل هناك استاذا للادب في جامعة تيزي اوزو .

    المصباح
    خلال وجودنا في الهند استطعنا تشكيل جمعية طلابية عراقية ضمت عددا قليلا من الاصدقاء ، اصدرنا صحيفة طلابية اخترنا لها اسم المصباح ، نكتبها باليد لعدم توفر طابعة عربية لدينا ، طلبنا من المنظمة الطلابية العراقية في لندن وكذلك في براغ وموسكو تزويدنا بطابعة ولكنهم اعتذروا .
    كانت الصحف الهندية التي تصدر باللغة الاوردوية تطبع بالحروف العربية مع تحوير و تشكيل اضافي لبعض الحروف المقتبسة من الفارسية واخرى اضيفت لها علامات خاصة لتعبر عن بعض الاصوات الهندية ، كانت لديهم اجهزة طباعة خاصة لم نستطع الاستفادة منها بسبب اختلاف الحروف اختلافا كبيرا يصعب معه استخدامها للصحافة العربية ، فاستفدنا من المطابع التي تنشر الصحف باللغة الاوردية - مطابع اللاينو - لطبع جريدتنا (المصباح ) التي كنا نكتبها باليد على ورق خاص - لاينو - ، حين ارسلناها الى بعض المنظمات الطلابية في بريطانيا وموسكو وبراغ ، ذكرها الكاتب الراحل مصطفى عبود في بحث كتبه عن الصحافة المعارضة في الخارج اشاد فيه بالطلبة الذين اصدروا المصباح واعتبرهم روادا كولمبسيين – نسبة الى كولمبس - ولا اعرف ما ذا حل بتراث الراحل مصطفى عبود الذي كان احد الكتاب والمثقفين المعارضين المرموقين في الخارج ، علما اننا اودعنا بعض اعداد جريدة المصباح لدى منظمة الطلبة في براغ ولكني لا اعلم مصيرها بعد كل هذه السنوات .
    كانت المنظمة الطلابية التي شكلناها في الهند تتالف من مجموعة من الطلبة ومن العديد من الاصدقاء الذين كانوا يزودوننا باخبار العراق حين يزورون الوطن في العطل الصيفية والاجازات ، وكذلك اخبار السفارة والملحقية الثقافية التي كنا نستفيد منها في كشف السلبيات التي تواجه الطلبة في الهند .
    كان الملحق الثقافي في الهند لايعرف الانجليزية ، رجل بسيط من ازلام النظام .
    غالبا ما كانت السفارة تطلب اساتذة جامعيين من الهند وتستعير اطباء ومهندسين بكثرة للعمل في العراق خلال الحرب مع ايران ، وفي احدى المرات تحدث أحد الاساتذة الهنود لطلبته العراقيين عن غباء الملحق الثقافي اذ انه قدم شهادة الاستاذية في العلوم DSC وهي شهادة اعلى من الدكتوراة ، فواجهه الملحق الثقافي قائلا من خلال المترجم : لا لا... قل له : نريد شهادة دكتوراة !!! ظنا منه ان شهادة الدكتوراه PhD اعلى من شهادة دكتوراة العلوم .
    ولما طالت الحرب العراقية الايرانية واشتد اوارها ، راينا ان ننظم تظاهرة ضد الحرب ، فتمكنا بعد الاتصالات مع الطلبة الهنود والطلبة الايرانيين ان نشترك بمسيرة في العاصمة نيودلهي ضد الحرب العراقية الايرانية ، بمناسبة ذكراها الخامسة ، عام 1984 م.
    بعد الاتصالات وترتيب المسيرة خرجنا نحمل شعارات ضد النظام الصدامي والحرب ، سرنا في شوارع العاصمة قرب البرلمان – راجيا سبها - ونحو القصر الذي كانت تقيم فيه السيدة انديرا غاندي لتسليمها مذكرة بصفتها رئيسة دول مجموعة عدم الانحياز ، كانت تظاهرة ناجحة كتبت عنها الصحف ونشرت صورها ، رغم ان الهند كانت على علاقة جيدة مع النظام العراقي .
    وفي الصورة – مؤيد عبد الستار - يحمل لافتة كتب عليها : النصر لشعبنا العراقي البطل .... والموت لنظام صدام الفاشي .
    و يظهر في الصورة ايضا الطالب انور مكي عبد القادر وهو من بغداد اكمل ماجستير رياضيات وغادر الهند الى اليمن حوالي عام 1985 . كما شارك في التظاهرة الاخ عباس الدليمي ، يقيم حاليا في كندا، وكذلك الاخ منذر رضا ، يقيم حاليا في كندا ايضا، كان له دور متميز في الاتصال بالطلبة الايرانيين واتحادات الطلبة الهنود.

    -- --
    تشكيل جمعية الطلبة العراقيين في الهند
    تشكلت جمعيتنا بجهود فردية وشخصية ولم تكن مرتبطة بحزب او جهة سياسية عراقية ، ولكننا بعد تشكيلها اتصلنا بالمنظمات الطلابية في الخارج وحصلنا على دعم منظمة الطلبة العراقيين في لندن ، ومنظمة الطلبة العراقيين في براغ ، وارتبطت جمعيتنا بالاتحاد العام لطلبة العراق وكانت بيننا وبين المركز في براغ مراسلات مفيدة .
    اصدرنا بوسترا عن الشهيد الراحل توفيق رشدي الذي اغتالته السفارة العراقية في اليمن اوائل الثمانينات – كان اعادة نشر لبوستر صادر من اليمن حسبما اذكر - اذ كانت تصلنا ادبيات اليمن عن طريق سفارة اليمن الجنوبي في دلهي ، كان السفير اليمني شخصية طيبة متواضعة يزور الطلبة اليمنيين في الاقسام الداخلية فتعرفنا عليه ، يزودنا بالادبيات والصحف اليمنية ، مما كان يسهل اطلاعنا على اوضاع الجالية العراقية في اليمن الجنوبي ونشاطاتهم الفنية والثقافية .
    ويجدر بي ان انوه الى طبيعة الديمقراطية السياسية في الهند بمثال ارتبط بنشاطنا ضد النظام الصدامي ، فقد اصدرت القوى الوطنية العراقية ملصقا سياسيا – بوستر – يمثل مشبكا حديديا يرمز الى قضبان السجن و المعتقلات ، تخرج من بين القضبان يد تطلب الحرية ، وكتب على البوستر العراق باللغة الانجليزية IRAQ على شكل سجن ، طبعنا- استنساخ - نسخا كثيرة منه عام 1983 ووزعناه على القوى والمنظمات السياسية في الهند وكانت لدينا سفرة الى كشمير فاخذنا البوستر معنا ، في المساء خرجنا في مدينة سري ناغر عاصمة كشمير الصيفية وقمنا بلصق البوستر في الشوارع ، لكن لدهشتنا ان البوسترات رفعت في نفس الليلة دون ان يعترض طريقنا اي شرطي ولم نعثر على اي منها صباح اليوم التالي ، والظاهر ان الشرطة السرية كانت تجمعها بعد ان نقوم بلصقها مباشرة ، اذ ان كشمير كانت ولاية قلقة فيها مشاكل سياسية كبيرة وتخضع لرقابة امنية مشددة ، غالبا ما كانت التظاهرات تندلع فيها .
    -- --
    تمتاز ( سري ناغر ) عاصمة كشمير بجمالها الاخاذ ، تتوسطها بحيرة جميلة استغلت لاغراض السياحة اجمل استغلال ، تنتشر على ضفافها الفنادق العائمة المصنوعة من الخشب المزخرف الجميل ، يتجول فيها السياح بزوارق فارهة جميلة مريحة مزركشة ، وغالبا ما تقترب من السياح زوارق صغيرة ، اشبه بدكاكين تحمل البضائع السياحية المختلفة تعرضها على السياح في البحيرة ، كما توجد مطاعم مشهورة على ضفاف البحيرة وتتوسطها جزيرة صغيرة جدا فيها مقهى ومطعم يدعى جهار جنار ، والاسم مقتبس من شجرات اربع في الجزيرة .
    بعد تعدد نشاطاتنا وتطورها ، عقدنا اجتماعا لتوزيع اعمال جمعية الطلبة العراقيين بيننا ، اضطررنا لعقده في مدينة بوبهال وسط الهند عام 1983 ، المدينة التي حدث فيها فيما بعد انفجار خزانات وقود شركة لوكهيد الامريكية وراح ضحيته عشرات العمال الهنود – عقدنا الاجتماع في مدينة بوبهال لكي نبتعد عن عيون السفارة العراقية ، اذ كانت تجند العديد من الطلبة العراقيين والعرب لمراقبة اي نشاط مناهض لحكومة صدام ، ولوجود بعض اصدقائنا يدرسون في جامعتها ، اتفقنا على توزيع المسؤوليات والمهام والصورة المرفقة التقطت في بوبهال تمثل هيئة قيادة الجمعية وهم من اليمين الى اليسار :
    منذر رضا ، طالب هندسة ، من بغداد / هاجر الى كندا ويقيم فيها حاليا ، مسؤول العلاقات الخارجية .
    فؤاد انور مصطفى ، طالب ماجستير هندسة / من راوندوز / انتقل الى المجر و اكمل دراسته ثم هاجر الى السويد وعاد الى كوردستان بعد التغيير ، مسؤول العلاقات الداخلية.
    مؤيد عبد الستار ، طالب دكتوراة اداب / من بغداد ، مسؤول العلاقات الثقافية .انتقل بعد ذلك الى الجزائر و ليبيا ثم السويد.
    حميد لازم عباس ، طالب دكتوراه علوم / من البصرة ، استقر في ليبيا وعمل استاذا للعلوم في جامعة بنغازي وتوفي هناك عام 1994.
    انور مكي عبد القادر طالب ماجستير رياضيات / من بغداد ، مسؤول المالية ، وطباعة الجريدة، غادر الى اليمن وظل يعمل هناك مدرسا، ولا اعلم مصيره في الوقت الحاضر.

    •     فصل من سيرة ذاتية للكاتب بعنوان : اوراق الغربة
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media