(السومرية نيوز) البصرة - أعلنت منظمة طبيعة العراق، الثلاثاء، أنها تستعد لإطلاق حملة لحماية حيوان القضاعة ذو الفراء الناعم الذي يستوطن مناطق الاهوار من الانقراض، ولفتت الى ان وجوده بات نادراً جداً نظرا لتدهور التنوع الاحيائي في الأهوار، وتعرضه للقتل من قبل الصيادين، فيما أعربت لجنة إنعاش الأهوار في البصرة عن أسفها لمصير هذا الحيوان وأكدت ان انقراضه "سيؤثر كثيراً على تنوع الأهوار الاحيائي".
وقال مدير مكتب منظمة طبيعة العراق في الجنوب جاسم الأسدي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "حيوان الـ Otter ذو الفراء الناعم الذي يطلق عليه سكان الأهوار اسم (جليب الماي)، بات وجوده نادراً جداً بعد ان كان يعيش في الأهوار بأعداد كبيرة"، مبيناً أن "هذا الكائن الجميل الذي لا يعيش في أي مكان آخر من العالم، تعرض خلال العقود الماضية الى القتل بشكل مكثف من قبل صيادين يبيعون فراءه بأسعار مرتفعة وصلت الى 100 ألف دينار لكل قطعة".
وأشار الأسدي الى أن "المنظمة رصدت حيوان القضاعة آخر مرة في العام 2006 في الجزء الشمالي من هور الحمار، وعلمت لاحقاً من صيادين محليين بوجود عدد قليل منه في هور الحويزة"، مؤكداً أن "هذا الحيوان سوف ينقرض ما لم تتم حمايته بجدية وإهتمام".
ولفت الى أن "المنظمة تستعد لتنفيذ برنامج لحماية ما تبقى من حيوان القضاعة من ضمنها حملة توعية لسكان الأهوار الوسطى لإقناعهم بعدم ملاحقة هذا الحيوان النادر"، معتبراً أن "عمليات الصيد، وظاهرة الجفاف، شكلتا اسباباً إضافية تهدد وجوده ووجود كائنات حية أخرى في الأهوار بات وضعها مهدداً".
يشار الى أن حيوان القضاعة الذي يطلق عليه ايضاً تسمية ثعلب الماء، وكلب الماء، هو من صنف الثدييات البرمائية التي تنتمي الى فصيلة العرسيات، وتتغذى على الاحياء المائية، وتسكن في جحور تحفرها قرب ضفاف الأنهار والمستنقعات، وبحسب المنظمة العالمية للحفاظ على القضاعات IOSF فان هناك سبعة أجناس منها تنتمي الى 13 نوعاً يواجه بعضها خطر الانقراض، فيما أدرج الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها IUCN القضاعة ذات الفراء الناعم واسمها العلمي Lutrogale perspicillata على اللائحة الحمراء للحيوانات المهددة بالإنقراض.
وكان الرحالة كيفن يونغ أكد في مؤلفه الشهير (العودة الى الأهوار) ان الكاتب وعالم البيئة الاسكتلندي غافين ماكسويل أعجب لدى زيارته أهوار العراق خلال خمسينيات القرن الماضي بكلاب الماء ناعمة الفراء، ونقل واحدة منها الى لندن قبل أن يكتشف انها من نوع لم يسجل علمياً من قبل، فمنحها العلماء البريطانيون آنذاك اسماً علمياً، كما ذكر يونغ في كتابه ان مناطق الأهوار تزخر بكلاب الماء وهي مألوفة تماماً لدى السكان، وتتكاثر في شهري شباط وآذار، ويصطادها السكان لبيع فرائها في مراكز المدن".
من جانبه، أفاد سكرتير لجنة انعاش الأهوار في مجلس محافظة البصرة الباحث المتخصص في شؤون الأهوار علاء هاشم البدران بأن "من المحتمل ان تكون كلاب الماء ذات الفراء الناعم قد انقرضت مؤخراً بشكل كامل من مناطق الأهوار"، معتبراً في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "فقدانها يؤثر كثيراً على التنوع الاحيائي في الأهوار لانه يحدث خللاً في السلسلة الغذائية للكائنات الحية التي تعيش فيها".
واضاف أن "محمية الجبايش الوطنية في محافظة ذي قار، اتخذت هذا الحيوان الثديي شعاراً لها كونه من الحيوانات الأصيلة في بيئة الأهوار".
وتغطي الأهوار مساحات من محافظات البصرة وميسان وذي قار تبلغ نحو 8635 كم2، وهي تزخر بالأسماك النهرية والكثير من الأحياء المائية الأخرى مثل الروبيان (الجمبري)، إضافة الى أنواع مختلفة من النباتات أهمها القصب والبردي، وتقصدها نتيجة لاعتدال مناخها أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة، التي تستقر وتتكاثر فيها خلال فصل الشتاء لتعود من ثم الى مواطنها الأصلية ضمن هجرات كبرى تمتد عبر القارات، كما كانت تستوطن الأهوار بعض أنواع الحيوانات التي انقرضت مثل الأسود الآسيوية، فيما ظلت حيوانات وحشية أخرى تعيش فيها مثل القطط البرية والغريري وبنات آوى والخنازير وأنواع من الأفاعي.
وكان مئات السياح العرب والأجانب يقصدون خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي مناطق الأهوار لجمال طبيعتها، إلا أنها تضررت كثيراً من جراء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، كما قام النظام السابق بتجفيف مساحات واسعة منها وتهجير الكثير من سكانها الذين يعرفون محلياً بـ"المعدان" ويعتمد غالبيتهم في معيشتهم على الزراعة وصيد الأسماك والطيور المهاجرة وتربية الجواميس، وقد اختلف المؤرخون وعلماء الانثربولوجيا في تعيين أصولهم، لكن الباحثين العراقيين يرجحون أنهم أحفاد السومريين الذين بنوا حضارة عظيمة في بلاد ما بين النهرين، قبل نحو خمسة آلاف عام.
يذكر أن محافظة البصرة، نحو 590 كم جنوب بغداد، تتميز بتنوعها الجغرافي، حيث توجد مناطق الأهوار في أطرافها الشمالية، فيما تضم الأجزاء الغربية منها مناطق صحراوية تعد امتداداً للبادية الجنوبية، كما أنها تطل على شمال الخليج من أقصى جنوبها، وتحديداً عند منطقة "رأس البيشه" التي تعني رأس الشيطان باللغة السريانية الآرامية القديمة، وقد أوجد التنوع الجغرافي في البصرة حالة من التنوع الاحيائي الفريد من نوعه على مستوى المنطقة.