ام كلثوم وشعراء عرب و الوحدة ألعربية
    الأحد 5 يونيو / حزيران 2011 - 00:03:17
    مقدمة
    أن الحديث عن أم كلثوم يثير الكثير من العواطف عند العرب، و لا احد يجهل مكانتها في الفن العربي ايام القرن العشرين و حتى منذ رحيلها الى يومنا هذا.

    هناك من القى اللوم على ام كلثوم في انها كانت عقار تخدير تم حنقه في وريد الامة العربية و تجاوز البعض و حملها مسؤولية حرب الايام الستة. لا شك ان هذا التعليل، و الذي كان شائعاً ايامها، يعكس تخلف الشعب العربي و افتقاره الى التحليل العلمي في دراسة انتكاستاه و المضي قدماً في عملية التطور.

    تجاوز البعض الى تشويه سمعتها و سمعة بقية الفنانين العرب في السبعينيات من القرن الماضي، و الكثير من ذلك كان من انجازات المخابرات المصرية. ترى هنالك تلميح الى انها كانت امرأة مولعة بالنساء و مثلية الميول ، قد ظهر في أ كثر من كتاب، تشترك جميعها بان غير صالحة للقراءة في اي زمان و مكان.

    ولكن الكثير يتفق بان العالم العربي من المحيط الى الخليج توحد بالرغبة بسماع اغانيها و التي امتد انتاجها عبر فترة زمنية تجاوزت النصف قرن. بلا شك لو عملت الجهات المختصة استفتاء بالشؤون العربية لكانت نسبة الاتفاق حول ام كلثوم و مكانتها أكثر بكثير من اي قضية أخرى. بعبارة أخرى كانت رمز الوحدة العربية التي لا وجود لها في الواقع. و من هذه النقطة بالذات يتناول هذا المقال السيدة ام كلثوم.

    شاعر من اصل تونسي
    أبتدأ بالأستاذ بيرم التونسي و الذي سيرته معروفة للجميع. كان مصرياً من اصل تونسي و منح الجنسية المصرية في عمر متأخر. آخر أغنية انشدتها أم كلثوم له بعد رحيله كانت “القلب يعشق كل جميل” و قبلها “هو صحيح الهوى غلاب”.

    تميز الاستاذ الراحل بان كلمات أغانيه كانت خالية من اي تكلف و مطابقة للواقع بدون زيادة او نقصان. اذا تمعن السامع الى أغنية "أنا بانتظارك" تراه يوصف حال المرأة التي تنتظر حبيبها بكل وضوح :واضعة يدها على خدها دون تأمل للنجوم و القمر و سماع الرعد والى ما شابه ذلك. و في هذه الاغنية بالذات توجد الى أول اشارة للبعد الرومانسي في الاغنية العربية بل و أجمله:

    النسمة احسبها خطاك
    والهمسة احسبها لقاك

    كانت تلحين معظم أغانيه من نصيب زكريا احمد و الذي بدوره قرب أغنية أم كلثوم لجميع طبقات الشعب المصري و العربي على حد سواء، و يعتبر الكثير من الباحثين الغربين بان الحان زكريا أحمد تمثل العصر الذهبي لسيدة الغناء العربي. كان تأثير العمل الفني لزكريا أحمد واضحاً على تلميذه بليغ حمدي، و المقارنة تصعب بين الاستاذ و تلميذه لاختلاف الزمان. لكن براعة التلميذ تجسدت في اغنية الف ليلة و ليلة و الذي اعاد تلحينها بفترة قصيرة جداً بعد ما اعترضت أم كلثوم على غنائه لبعض من اللحن الاول في حفلة عيد ميلاد احد الفنانات. تسلم بليغ حمدي بعدها كلمات الحب كله لأحمد شفيق كامل، و رغم ان الأغنية كانت ناجحة الا ان غزو الانغام و الايقاع الهندي كان واضحاً و الذي اصبح وباء ابتلي الفن العربي به الي يومنا هذا. الأغنية العربية الحديثة هي أقرب الي الحان شاشي كابور من سيد درويش، و يعكس ذلك التدهور الحضاري للامة العربية و عدم قابليتها على تطوير فنونها الرفيعة.

    أديب رفيع من لبنان
    كانت اغنية هذه ليلتي عام ١٩٦٨نجاحاً باهراً للسيدة أم كلثوم. كلمات الاغنية للأستاذ جورج جرداق، و تميزت بأناقتها و لمعانها و خلوها من المشاعر المظلمة. أضاف الاستاذ محمد عبد الوهاب لحناً راقصاً لم تسمع الجماهير مثله من قبل، و تألقت بعدها السيدة سهير زكي في اروع أداء للرقص الشرقي عل أنغام الاغنية نفسها.

    صاحب نجاح الاغنية و رقصة سهير زكي بعض من الخرافات كما هو الحال في الكثير من الامور التي تلاقي شعبية واسعة. كان رقص سهير زكي على أنغام هذه ليلتي يتكرر عبر قنوات التلفزيون العراقي و أشيع بانه ذلك كان شفرة سرية لجهاز الامن و المخابرات العراقية. لا احد يعرف الحقيقة، و لكن المنطق يقول بان تلك الإشاعة كانت من تأليف و نشر المخابرات العراقية لأعلام الناس بانهم تحت مراقبة عيون لا تنام.

    كان الاديب و الشاعر الراحل جورج جرداق من اعلام الادب العربي المعاصر. تميزت كتاباته برقتها والتلهف لقراءتها أكثر من مرة، و بعد رحيله قبل سنوات ترك فراغاً في الادب العربي اللبناني لم يملأه احد بعد.

    شاعر من ألسودان ألمضطرب
    بعد نجاح أغنية هذه ليلتي تشجعت أم كلثوم على الغناء لشعراء عرب خارج مصر، و كانت لها النية بان تغني لشاعر من كل قطر عربي. بعبارة أخري كان مشروعاً وحدوياً فنياً. تسلم الأستاذ محمد عبد الوهاب كلمات أغداً القاك للشاعر الهادي آدم و انتج أغنية أغدا ألقاك.

    ليس هناك عملاً سيئاً من ألحان عبد الوهاب و أداء ام كلثوم و لكن الأغنية لم تلاقي نفس النجاح مثل هذه ليلتي. الشاعر هادي آدم من أعلام الشعر العربي في العصر الحديث و لكن هذا لا يمنع احد من القول بان كلمات أغنية أغداً ألقاك كان خالية من الرقة و الاناقة و غير صالحة للغناء. و ما عليك الا ان تتأمل في المقطع الثالث:

    هذه الدنيا سماء انت فيه القمر
    هذه الدنيا كتاب انت فيه  الفكر
    هذه الدنيا عيون أنت فيه البصر
    هذه الدنيا سماء أنت فيه القمر

    لا احد يغازل حبيبته بمثل هذه الكلمات أبدآ.، و تصور رد فعلها ان كانت جميلة و ذكية في ان الوقت .

    لكن عبد الوهاب، و بعبقرتيه، ملأ اللحن بحركات موسيقية فيها الكثير من الالحان المقتبسة و عزف منفرد لعمر خورشيد كان ناجحاً و اكثر بكثير من اللحن نفسه.

    كانت تلك بداية فشل العمل الوحدوي لام كلثوم و الذي أنتهى تماماً بأغنية من آجل عينيك.

    كلمات من ألسعودية ونهاية الوحدة
    كانت أغنية من أجل عينيك أسوء أغنية لام كلثوم و اسوأ لحن للأستاذ رياض السنباطي. غنت أم كلثوم للسنباطي أكثر من غيره من الملحنين و أكتشف بديع صوتها في أغنية غٌلبت أصالح في روحي.

    كتب كلمات هذه الاغنية المرحوم السيد عبد الله الفيصل و الذي ينتمي لآل سعود و البيت السديري. أحاطه الوصط الفني ايامها بنوع من الرومانسية و لقب بالمير المحروم. غنت له أم كلثوم “ثورة الشك” و اعادت الكرة و سلمت كلمات تلك الاغنية للسنباطي. لم تكن ثورة الشك أغنية ناجحة، و لكن أم كلثوم كانت ماضية قدماً في مشروعها الوحدوي و اختارت تلك القصيدة التي أهداها الشاعر لها. تسلم السنباطي الكلمات و تحير في تلحينها. ترى المقدمة الموسيقية فيها حركات جلو من الاطلال و اثار الفيروس الهندي في عزف منفرد للغيتار و الاورغ. بعدها كل الحركات الموسيقية و اللحن مقتبس من أغنية “أقبل الليل” التي كانت رائعة فنية بحد ذاتها و قفزة في الموسيقى العربية لم و لن يستوعبها الجمهور الي يومنا هذا. و لكن ترى الأستاذ عبد الوهاب يومها يقول:” آن مقدمتها الموسيقية تصلح لسيمفونية”. رغم ذلك لا احد ينكر ان هناك مقطع واحد جميل في أغنية من أجل عينيك:

    استشف الوجد في صوتك آهات دفينة
    يتوارى بين  انفاسك كي  لا  استبينه
    أهو   الحب   الذي   خفت    شجونه
    أم  تخوفت من اللوم فأثرت السكينة


    وبالطبع آثرت السيدة السكينة و انتهي المشروع الوحدوي لام كلثوم و توجهت نحو رامي و سيد مكاوي لتغني يا مسهرني.

    أن مسيرة ام كلثوم بين العالم العربي تعكس الكثير لم جرى و يجري في العالم العربي، واترك البقية لخيال القارئ.


    سداد جواد التميمي
    كاردف المملكة ألمتحدة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media