حوار مع الدكتورة وفاء سلطان
    الجمعة 16 مارس / أذار 2012 - 13:27
    د. وفاء سلطان
    د. وفاء سلطان - كاتبة وعالمة نفس أميركية من أصل سوري
    الحوار:
    دكتوره وفاء هل اشتقت لسوريا مسقط رأسك وذكريات طفولتك ؟


    ماذا تتوقع أن أقول؟ لا ….لم أشتق لسوريا؟؟
    الحنين يقتلني، وكلما تقدم بي العمر يزداد هذا الحنين.
    عندما هاجرت حملت سوريا بين قلبي والشغاف، وكما الجنين ينمو في رحم أمه، مازالت سوريا تنمو في أحشائي.
    صارت أكبر من أن يتسع لها قلبي، ولذلك راح هذا القلب يتوجع كما يتوجع جسد حشروه في زنزانة أصغر من أحلامه.
    ولأن سوريا تتوجع اليوم صار وجعي أشد ولم يعد قلبي يحتمله. أنا اليوم ضائعة، يقتلني الخوف على وطن أعشقه إلى حد الثمالة…

    قال أحدهم: (يهاجر الإنسان بحثا عن ضالته، يلف العالم ويعود بعد مضي العمر ليجدها في وطنه) أخشى أن يذهب الوطن كله و أعود بعد مضي العمر لأجده خواءا من ضالتي….
    منذ اللحظة التي هاجرت به وآلام الوطن تؤلمني، لقد طفحت كتاباتي تعبيرا عن هذا الألم…
    اليوم، الألم يزداد حدة بينما الوطن يتمخض من جديد…
    أتجنب أحيانا قراءة الأنباء الواردة من سوريا خشية على أعصابي من الإنهيار.
    الصور التي تحملها وسائل الإعلام تقض  مضجعي وتؤرقني، ولذلك أحاول التخفيف من حدة الألم بالهروب منها والتظاهر بالإبتعاد عنها.
    في لحظة ضعفه، يؤمن الإنسان بالمعجزات، وأنا اليوم أتعلق بمعجزة كما يتعلق الغريق بقشة، أتعلق بمعجزة تنقذ سوريا من دمار يكاد يكون أمرا واقعا.
    لا يستطيع إنسان أن يؤمن بالمعجزات إلا بعد أن يضع ملكاته العقلية وعلومه وحكمته جانبا، ويسلم أمره لقدر لا حول ولا قوة له به.
    أعيش اليوم لحظات أحس من خلالها بحاجتي الماسة لأن أضع حكمتي جانبا، وأحلم بسوبرمان يأتي من الغيب وينقذ حبيبي المشرف على الهلاك.
    إنها آلية دفاع يلجأ إليها الإنسان في اللاوعي عنده، كمحاولة للتخفيف من حدة الضغوط التي يعيشها في وعيه.
     فهل تستجيب السماء؟

    *********

    *ـ ما الذي يحصل في سوريا الان ؟

    …….

     ما يحصل في سوريا عملية إبادة للبشر والشجر والحجر! عملية إبادة تمتد جذورها عميقا في تاريخ المنطقة، وتستقر في عمق اللاوعي عند إنسانها. كنت من الأوائل الذين تتبعوا تلك الجذور في محاولة لفهم الواقع والتنبأ بالمستقبل.
    لكن ، وبغض النظر، عن تلك الأسباب والجذور أحمل الطغمة الحاكمة في سوريا المسؤولية المباشرة لما يجري.
    عائلة الأسد ارتكبت حماقات وجرائم كثيرة بحق الأغلبية الساحقة من الشعب وبمختلف طوائفه وانتماءاته، كان أكبرها بحق الطائفة العلوية.عندما يقبل رجل من أقلية أن يستلم مقاليد الحكم في وطن هويته الطائفية أكبر مقدساته يرتكب جريمة بحق طائفته أولا.
    عائلة الأسد تبيد اليوم من يقف في وجهها من أي طائفة كان. بالإضافة إلى هذا الواقع، لا شك أن ما يجري اليوم في سوريا هو تصفية حسابات محلية ودولية.

    *********

    * نظام الاسد يقول ان هؤلاء الثوار هم ارهابيون ، وانت اكثر شخص لديك ذكريات قاسية عن الارهاب ، فهل هؤلاء هم بالفعل ارهابيون كما يصورهم نظام الاسد ؟

    ……

    لا يهمني ما يقوله نظام الأسد، ولا يهمني في تلك اللحظة طبيعة هؤلاء الثائرين ضد نظامه.ما يهمني هو أن يسقط ذلك النظام ويذهب إلى مزبلة التاريخ بدون إراقة المزيد من الدماء.

    أربعون عاما من القهر و الفقر والتجويع والظلم يجب أن تأتي إلى نهايتها. لا يمكن أن يدوم وضع، وخصوصا عندما يكون ذلك الوضع ضد إنسانية الإنسان. لقد استفحل  الفساد وضرب الظلم أطنابه في حياة الناس، ولم يعد الواقع المؤلم محتملا.
    إسقاط الأسد دين مستحق الدفع منذ عقود، ولكن الثمن سيكون باهظا، وستدفعه كل الطوائف بلا استثناء. طالما يدعي السلفيون وجماعة الإخوان المسلمين بأنهم إلى جانب الثورة، لا أستطيع أن أمنح تلك الثورة شهادة حسن سلوك بالمطلق.
    هم مجرمون وإرهابيون، ودماء الأبرياء من شعب سوريا لم تجف بعد من على أيديهم.
    هم الشق التوأمي للطغمة الحاكمة، والبرئ من الشعب السوري مطحون بين هذا السندان وتلك المطرقة.
    لا فرق عندي بين الطرفين، يا ويلنا إذا استمر نظام الأسد ويا ويلنا إذا تسلل الإرهابيون إلى الثورة السورية اليوم وتسلموا السلطة، في كلا الحالتين سنخسر الوطن.
    لقد  استطاعت الطغمة الحاكمة بقيادة عائلة الأسد من جهة وجماعة السلفين والإخوان المسلمين من جهة ثانية أن يقطبا الوطن ـ إذا صح التعبير ـ
    انقسم السوريون بما فيهم الطبقة "المثقفة ” إلى قطبين الهوة بينهما ساحقة جدا جدا. لا أحد في أي طرف يرى أخطاء وجرائم الطرف الآخر. وطالما لا يوجد جهات معتدلة ترى الواقع على حاله، وتحارب التطرف لدى الطرفين، الوطن لا محالة مقبل إلى دمار! عندما أتابع الإعلام العربي المؤيد للنظام والمعارض له، أرى قطبين لا أحد بينهما.
    أنصار الأسد يمجدونه إلى حد الإلوهية، ولا يستطيعون أن يروا الأبرياء تحت مدافع دبابته، والمناصرون للجانب الثائر يتعامون بالمطلق عن حوادث الخطف والقتل التي يرتكبها المندسون من الإرهابين بين الثوار والشعارات التي يرفعونها.
    لا أستطيع أن أسمع شعارات يرفعها الخارجون يوم الجمعة من المساجد السورية على سبيل المثال "لا نصارى و لا نصرية بدنا دول اسلامية” أو "النصارى عا بيروت والعلوية عا تابوت”، لا أستطيع أن أسمع تلك الشعارات وأبصم بنزاهة الثورة بالمطلق، وخصوصا عندما آخذ بعين الإعتبارات تاريخ الأقليات في سوريا، وطبيعة التعاليم الإسلامية المملوءة بالحقد الطائفي والديني.
    حتى الإعلام الغربي ـ بما فيه الإعلام الأمريكي ـ لم يكن نزيها في نقله لما يجري، نقل ما تفعله السلطات السورية بحق شعبها، ولكن لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما يفعله المندسون من الإرهابين في صفوف الثوار.
    نريد أن نتخلص من الاسد بأسرع وقت، ولكننا لا نريد أن ننتهي في دولة طالبانية تعيد الوطن إلى القرن السابع.
    سوريا لوحة من الفسيفساء، لا نستطيع أن نزيل منها لونا، وإلا ستخسر هويتها وجمال تنوعها، ولكن وجود العرعور والقرضاوي وأمثالهما ، وتجاهل العامة من المثقفين لهم لا يبشر بالخير!
    في سوريا اختلط الحابل بالنابل ولم نعد قادرين على أن نميز بين ما يفعله كل طرف، وهنا تكمن الخطورة.
    الشعب يموت طحنا وكل طرف يتهم الآخر، وأنا لا أبرأ أي طرف فتجربتي مع الطرفين مرعبة جدا.

    ********

     ما رأيك بالعلويين اللذين على ما اعتقد متورطين كثيرا هم واعضاء حزب الله وعناصر من ايران في جرائم اباده في سوريا


    …….

    تعتقد بأن العلويين متورطون؟؟؟؟؟؟؟
    حتى أنت يا عزيز؟؟؟
    لا أقبل هذا السؤال من صحفي
    لو قلت لي (أعتقد بأن علويين متورطون) لبصمت لك بأصابعي العشرة

    أنا من خلفية علوية، وإن كنت لا أشتري الأديان ـ ناهيك عن المذاهب ـ بفلس أكله الصدأ، فهل أنا متورطة مع الأسد في جرائم إبادة؟؟
    لقد هربت من بلدي في عز شبابي وذروة عطائي، هربت من الظلم والفقر والقهر وسوء المعاملة، علما بأنني كنت كطبيبة من أعلى شرائح المجتمع اجتماعيا واقتصاديا
    أنا على ثقة من أن أفقر فقراء سوريا موجودون في الطائفة العلوية، فأين العدل أن تضع كل
    العلويين مع الأسد في نفس قفص الإتهام؟
    الأسد ـ كرئيس أية عصابة في العالم العربي ـ عمد إلى تسخير أبناء الطائفة لحمايته، وسقط بعض فقرائها وضعاف النفوس في نفس المصيدة
    كان بشار الأسد، ومن قبله والده، أكثر وحشية في تعامله مع من رفض طاعته العمياء من أبناء تلك الطائفة
    هناك قرية علوية في ريف محافظة اللاذقية  تدعى  (بسنادا)، لم يترك الأسدـ الأب والأبن ـ شابا واحدا فيها إلا زجه خلال فترة ما في السجن وأذاقه ابشع أصناف العذاب.
    لسبب أو لآخر، هناك نسبة عالية من الشباب العلويين ينتمون إلى أحزاب يسارية، وخصوصا على ما أذكر "رابطة العمل الشيوعي”. كان يخافهم الأسد الأب ولقد انتقم منهم ومن عوائلهم بطريقة ولا أبشع.
    نعم هناك علويون متورطون، وهناك سنة متورطون، وهناك متورطون من كافة أطياف المجتمع.
    للأسف من المثبت أنه يتم تقييم الأقليات في أي مجتمع من خلال أشرارها،  بينما تقيم الأكثريات من خلال أخيارها، وطبعا لن تخرج مجتمعاتنا العربية المبرمجة على الطائفية والكره عن هذه القاعدة
    لم يكن صدام حسين أقل إجراما عن الأسد، ولكنني لم أسمع يوما صحفيا يطرح سؤالك هذا على مفكر سني
    هل من العدل أن تحاسب سنة العراق بناء على ما ارتكبه صدام حسين من جرائم؟؟
    ألم يكن بعض السنة متورطين معه في ارتكاب تلك الجرائم؟؟
    ثم لماذا تسألني عن تورطه مع عناصر من حزب الله، ولم تطرق على تورطه مع حماس؟؟؟
    هل كانت علاقته بحزب الله أقوى من علاقته بقادة حماس؟؟؟
    لا أتصور
    ولكن لأسباب طائفية صرفة، انسحبت حماس من ساحته عندما أحست بأنه وقع، وخرجت من الورطة كالشعرة من العجين

    اليوم يدعي قادة حماس بانهم يقفون بجانب الشعب السوري، أين كانوايقفون طيلة الأربعين سنة الماضية؟
    عندما كان خالد مشعل ـ بكرشه المندلق ـ يجتر على مائدة الأسد، كان الشعب السوري يذوق أقسى أنواع الفقر والحرمان والظلم حزب الله حركة ارهابية بالمطلق، وحماس حركة ارهابية بالمطلق، والأسد وطغمته من العلويين وغيرهم مجرمون وسينالون عقابهم
    أتمنى من كل قلبي أن ينال كل علوي متورط مع الأسد عقابه العادل، ولكن المشكلة التي لا مهرب منها  أن العلويين كلهم سيدفعون الثمن باهظا
    والدليل على ذلك الطريقة التي طرحت بها علي سؤالك
    سيدفعون جميعهم الثمن، لأنه في مجتمع يتبنى "الثقافة التكفيرية” لا يحتاج المهووسون دينيا إلى مبرر كي يقتلوا من يكفرونه، فما بالك وقد قدم لهم الأسد ذريعة قوية على طبق من ذهب، وراحت دول الخليج وعلى رأسها السعودية تصب الزيت على نار الطائفية
    تصور أن السعودية اليوم تدافع عن حقوق الإنسان في سوريا، هل هناك إهانة بحق السوريين أكبر من تلك
    لقد أوصلنا الأسد وطغمته إلى هذا الوضع المهين، التي انتفضت عنده السعودية، أسوأ دولة في التاريخ عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، انتفضت لحماية السوريين؟

    القذافي كان مجرما هو الآخر، لماذا لا يوصمه أحد بسنيته؟
    يقولون اليوم أن ليبيا تعيش حالة من الإنقسام الحاد بين الشرق والغرب، وكلا  القسمين يكرهان بعضها البعض إلى حد الإنتقام
    حكومة البحرين أبادت المتظاهرين من الشيعة، فهل من العدل أن نتهم سنة البحرين بحرب ابادة؟
    اليمن غارق حتى صلعته بالدماء، وهم على حد علمي سنة بالمطلق، فلماذا لا يتهم كل سنة اليمن بالإجرام؟
    أتمنى أن يثور أهل السعودية يوما على الظلم الذي يعيشونه، لأرى كم هي رحيمة حكومة  خادم الحرمين؟
    أظهرت كل وسائل الإعلام العالمية صوره الخادم وهو يحتسي الخمرة مع الرئيس بوش، لم أسمع أحدا يقول: وهابي ويشرب الخمرة؟

    إنها الثقافة الإسلامية المسؤولة عموما عن هذا الواقع المخزي
    إنها ثقافة الغزو  والسبي والغنائم
    إنها ثقافة ـ والله خير الماكرين ـ
    إنها ثقافة ـ الفرقة الناجية الوحيدة والآخرين في النار ـ

    إنها ثقافة قطع رأس كعب بن الأشرف وتقطيع جسد عصماء بنت مروان
    الديكتاتور ـ ياسيدي ـ عموما هو إرث إسلامي، والقتل وحرب الإبادة هي ثقافة اسلامية، بغض النظر عن كون القاتل علويا أو سنيا
    لم يكن هناك سنة وشيعة ولا علويون  عندما بقر المسلمون بطون خلفائهم الراشدين؟
    على كل حال، لا أملك إلا أن أحني رأسي ذلا وخجلا، من ابن عاق خرج مع شرذمة من ضعاف  النفوس، عن تربيته واصول طائفته التي لا تكفر ولا تقتل، وتتبنى الثقافة الدينية الأكثر شفافية والأقل تعصبا
    وكلي أملي أن يرتفع السوريون بمختلف انتماءاتهم إلى مستوى مسؤولياتهم

    ********

      *ـ ما السبيل للتخلص من نظام الاسد ؟


    …..

    هناك السبيل الأفضل والذي أحلم به، ولكنه يبدو مستحيلا،، وهو أن تتشكل قيادة واحدة من قوى معارضة تمثل جميع طبقات المجتمع وانتماءاته، وأن يتم دعم تلك القيادة معنويا وإعلاميا لتوعية الشعب السوري، أملا في أن تصبح الإنتفاضة عامة وتطيح بالطغمة الحاكمة، ومن ثم تنتقل السلطة انتقالا سلميا إلى حكومة ديمقراطية علمانية، تفصل الدولة عن الدين وتساوي بين جميع أطراف الشعب بلا استثناء.
    هذا مجرد حلم عاقل، لا يستطيع الإنسان السوري عموما أن يرتقي إلى مستوى تحقيقه، لأنه غير مؤهل تربويا وفكريا.
    والمعارضة السورية ـ كإفراز طبيعي ـ مشتتة كما هو الشعب الذي أتت منه،وتوجهها إنتماءاتها الطائفية والعرقية والسياسية، أكثر مما يوحدها حرصها على سلامة الوطن.
    لا أريد أن أنفي وجود طبقة واعية ومدركة لحقيقة الواقع ، ورغم أنها الأكبر حجما في المجتع السوري مقارنة بنظيرتها في أي مجتمع عربي آخر، لكنها محجمة ومهمشة وغير متعاونة.

    أما السبيل الآخر والذي يكاد يكون واقعا لا محالة، فهو أن يستمر ما يجري اليوم في سوريا حتى يسقط النظام، ويسقط معه الوطن في حلبة صراعات طوائف ومصالح وقوى سياسية تأتي على الأخضر واليابس.
    سيبدو الأمر للذي يراقب من الخارج وكأنه صراع بين السنة يمثلهم الطرف الثائر وبين العلويين يمثلهم الطرف السلطوي.
    لكن الحقيقة ابعد ما تكون عن ذلك.
    في ثقافة تفضل الأخ على ابن العم وابن العم على الغريب بغض النظر عن صحة وأخلاقية مواقفهم، سيختلط الحابل بالنابل ويصبح كل واحد ضد الآخر.
    سيجد الإنسان ما يفضله في نفسه على أخيه وسيجد الأخ ما يفضله في أخيه على ابن عمه، وهكذا حتى يصبح الوطن "حارة كل مين ايدو الو”
    تنحدر عائلة الأسد من الطائفة العلوية، وخلال أربعين عاما تعاملت مع العلويين كقطيع في اسطبلهم، توقعت منهم الطاعة العمياء والولاء بلا حدود، ومن خرج منهم عليها فنت كل أثر له.
    وطبعا كإفراز لثقافة (الأقربون أولى بالمعروف) لم تخرج عائلة الأسد عن الخط العام، فلجأت إلى ابناء الطائفة لحمايتها على مبدأ "الأخ ضد ابن العم وابن العم ضد الغريب”
    اليوم ينتهز السلفيون والإخوان المسلمين هذا الواقع الذي قدمته لهم عائلة الأسد على طبق من ذهب ، ليفرغوا حقدهم الموروث عبر مئات السنين وليمارسوا عقيدة "اقطعوا أيدهم وأرجلهم من خلاف” دون أن يأخذوا بعين الإعتبار أنه في الوقت نفسه لولا دعم القيادات الدينية السنية وتجار السنة لعائلة الأسد لما بقيت في الحكم يوما  واحدا.
    نسمع اليوم أصواتا تضع الطائفة العلوية دون غيرها على المحك، وتطالبها بأن تثور ضد الطغمة الحاكمة، وكأن كل الطوائف الأخرى ـ صغيرها وكبيرها ـ قد ثار ولم يبق سوى العلويين  في صف الأسد.
    دون أن يعترفوا بأن الأغلبية من السنة والطوائف الأخرى مازالت صامتة، وعندما تثور برمتها لن يبقى الأسد في السلطة يوما.
    أعود وألخص الأمر، بأن سوريا اليوم بين شرين، شر الطغمة الحاكمة وشر السلفيين والإخوان المسلمين وباقي الشعب قد سقط ضحية لهذين الشرين.
    المسؤول الأول عن هذا الوضع هو بشار الأسد وعائلته وزمرته والمتواطئين معهم من كانوا ويكونون.
    لم يعد وجود هذه الطغمة مقبولا أخلاقيا وضميريا، مهما كان حجم الخطر المحدق بالوطن من جراء سقوطها.
    التغيير مطلوب مهما كانت النتيجة.
    سيكون مخاضا عسيرا وسيدفع الكل ثمنا باهظا، ولكن لا أجد مخرجا آ خر.

    ******

    ـ هل الاصلاحات التي ينتهجها كما يدعي نظام الاسد كافيه لانهاء الازمة في سوريا

    …….

    أولا، ليس بمقدور النظام أن يجري أيا من الإصلاحات، فالأمر خرج من يديه.
    أربعون عاما من الفساد والتخريب العقلي والإفلاس الأخلاقي لا يمكن إصلاحها بين ليلة وضحاها، أو بقرار يخطونه على  ورق.
    الإصلاح يحتاج إلى زمن طويل، ويتطلب جهودا جبارة.
    الإنسان هو الذي تم تخريبه، ساهمت التعاليم الإسلامية بتخريبه، وقام نظام الأسد بتعزيز ذلك التخريب، ولن يصلح الوطن إلا بإصلاح ذلك الإنسان.
    حاول الأسد أن يثبت للسنة بأنه سني أكثر من ابن تيمة، فتغاضى عن عملية الأسلمة التي خضع لها الشارع السوري على مدى عدة عقود خلت.
    الحقد الطائفي استشرى في زمنه، وضاعت الحقوق على أساس المواطنة.
    حول البلد إلى دولة طالبانية، وأوهم الجميع بعكس تلك الحقيقة.
    السلفيون والإخوان المسلمون لا يحتاجون إلى مبرر جديد كي يقوموا بعمليات التطهير الطائفي، فهم محقونون على مدى أربعة عشر قرنا، ولكن الأسد قدم لهم ذريعة قوية وجديدة ليشبعوا عشطهم الدموي.

    *****

    ـ لماذا لم نجد تدخل دولي سريع كما حدث في ليبيا لحماية المدنيين في سوريا ؟


    ………

    لا أعرف، إذ ليس لدي مدخلا لدفتر الحسابات الذي تملكه القوى المتحكمة بالمنطقة، بما فيها أمريكا وروسيا وأوروبا، فأنا لا أمتهن السياسية ولا أستطيع قراءة الواقع سياسيا.
    كل ما أستطيع أن أستشفه كمراقب عادي لما يجري، هو أن مصالح تلك الدول في سوريا أقل بكثير مما هي عليه مصالحها في ليبيا أو العراق كدول  تعوم على بحر من النفط.
    لكنني لا أستبعد تدخلها في المستقبل القريب، وبعد أن تتقارب وجهات نظرها.
    الحالة مازالت ـ على الأقل من خلال منظار تلك الدول ـ في بدايتها، ومن المحتمل أنها تنتظر  كي يستفحل الأمر إلى حد تتشكل عنده الذريعة اللازمة للتدخل.
    شخصيا  لست مع التدخل، إلا إذا حمل إلينا ذلك السوبرمان الذي أحلم بأن يأتي وينتشل حبيبي من هلاك محقق.
    الأخبار التي تصلني من ليبيا تؤكد على أن الإنقسام مازال على أشده والبلد يعيش حالة من الفوضى المدمرة.
    ألا يحق لي أن أقلق حيال ما يجري وما نتوقع أن نصل إليه؟

    *******

    ـ كيف تصفين الموقف الروسي والصيني والايراني حيال المجازر التي ترتكب في سوريا

    ………..

    الأحرى بي أن أصف موقفهم أولا من شعوبهم، على حد القول”خيركم لأهله خيركم لغيره”
    هذه الدول المسماة اشتراكية أو ماركسية أو شيوعية (تعددت الأسماء والموت واحد) قد أوهمت شعوبها وحاولت أن توهم العالم بأنها جاءت لتحرر الإنسان من براثن الإستغلال، فساهمت في الإستغلال والقهر أكثر من أية حكومة في تاريخ البشرية شعب روسيا يعاني أكثر مما يعاني أي شعب عربي آخر.
    كنت أقرأ مؤخرا تقريرا عن المواد الغذائية في موسكو، حيث مد الصحفي يده إلى سلة سيدة تقوم بالتسويق، وأشار إلى علبة من الجبنة المعفنة فيها، فضربته السيدة على يده وقالت بغضب: اتركها…..على الأقل وجدت ما سآكله اليوم، حتى ولو كان معفنا.
    والوضع في الصين ليس بأفضل.
    عندما تدافع حكومات هذه الدول عن نظام الأسد هي في حقيقة الأمر تدافع عن نفسها وعن وجودها.
    الأمر في ايران يختلف، أعتقد بأن الإيرانيين هم أكثر شعوب المنطقة وعيا وانفتاحا وجاهزية ليتخلوا عن الإسلام، ويطوروا أنفسهم إلى دولة علمانية ديمقراطية
    لقد ذاقوا مرارة حكومة الملالي، وكل ما يحتاجون إليه بعض الدعم من الخارج ليطيحوا بها.
    لا أعرف مدى رغبة الغرب في تقديم هذا النوع من الدعم، أو ربما على حد قول المثل الأمريكي: لا تعطِ  فنجانا من القهوة لسكران!

    "المفكر"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media