الربيع العربي الإسلامي المعاصر: بين خطاب الحداثة وأزمة البوصلة والمنوال الثقافي الإسلامي
الثلاثاء 10 أبريل / نيسان 2012 - 21:36
د. ميلاد مفتاح الحراثي
خطاب الانتفاضات المعاصر في العالم العربي يجب أن يتضمن قضايا وشؤون التقدم والنهضة الإسلامية، من خلال مأسسة خطابها الالثورات.غادرة ثقافية تكريس أزمة الأمة الإسلامية التي دمرت أجيالها لعقود من الزمن.
خطاب يعتني بقضايا النهضة والحداثة والتي سوف تشكل تحولات القوة والديمقراطية في هذه الأقطار، ومدي تحقيق النجاحات لهذه الثورات .
إلى هذه اللحظة لم يتعرض العقل السياسي للثورات العربية الإسلامية المعاصرة، وكذلك الكتابات التي تصاحبها والتي تعكس أبعادها، إلي لغز الخطاب الحداثى، وحدوده سياسيا وإسلامياَ ونهضوياَ.
ولم تتعامل مع تمظهرأته من موقف العقل والعلم والتطور والثورة وتسريع منظومة الاستقرار والسلم الأهلي، وزجها في أتون معركة والاصاله والتجديد والتقليد في زمن الثورات الإسلامية المعاصرة، الأمر الذي قد يشكل بانو راما ثقافيه إسلامية جديدة، مجهولة الهوية والتوجه نحو ما يُعرف بالتقليد والاستنساخ الثوري والسياسي، والثقافي ! الأسئلة كثيرة . خطاب يتجاوز مقولات " الفوضى الخلاقة" والتي تعمل علي تخليق الفوضى في ثقافتنا وثوراتنا الإسلامية المعاصرة ! إن الانشغال الدائر الآن للثورات والانتفاضات العربية بالصراعات الداخلية والهوية، وتعطيل الاتفاق التعاهدى، وعدم التوافق علي عقد إجتماعى مجتمعي عربي الهوية، قد ينذر، مرة أخرى، بتكريس أزمة جديدة تضاف إلي رصيد أزمات الأمة، وانتكاسة المشروع العربي المُعطل.
لماذا مشروع الحداثة الإسلامي انهزامي؟ ولماذا تتقهقر لاءات الأصالة والتجديد في عموم الوطن العربي والعالم الإسلامي؟ وهل الحداثة سلعه استيرادية تخضع لجمارك عبور المكان والزمان ؟ أم هي ثمرة لصراع وتعاقب الأجيال؟ وهل مشروعات الحداثة والاصاله والتجديد والتقليد مهام مجتمعيه وثورية، أم دولاتية في العالم الإسلامي ؟ ولماذا لم تتوحد خطابات الثورات المعاصرة في تعاملها مع الحداثة والأصالة والتجديد وخلق جينومها الحداثى والتجديدي التمحور حول الأصالة و التثوير؟
ألدوله والمثقف، والنظام الرسمي الإسلامي، والثورات العربية المعاصرة جزء من تخبط كل من مشروعي الحداثة والأصالة والتجديد لعدم الاختصاص لبناء "الوعي الخلاق" عربياً من خلال الإقصاء المجتمعي في مراحل التجديد والحداثة والأصالة. أولى عناصر التأزم استباق عمليات صنع ألدوله القطرية لصنع المجتمعات القطرية في الحالة الإسلامية، والحداثة وان وجدت في أقطار غير عربية أو إسلامية فهي نتيجة لمرحلة عمليات استباق المجتمع وحراكه الطويل لوجود مؤسسة ألدوله وكيانها.
ومشروع الحداثة هناك لم يُعبر عن أراده سياسيه، بقدر ما يعبر عن حراك مجتمعي طويل أنتج بدوره مؤسسة ألدوله واستمر المجتمع في خلق الحداثة، وهذا هو سر نجاح ثوراتها في الماضي. والعقل العربي والإسلامي أقحم نفسه في هذا السياق من خلال الاستهلاك المغاير للذات . الدولة هي التي تصنع المجتمع السياسي وتصنع المثقف، وبالتالي هي المسؤل عن استيراد الحداثة بمعايير دولاتية وحتى في زمن ما يعرف بالعولمة، وهذا سبب فشل الدولة في المناطق التي أشعلت ثوراتها.
بهذا يمكن القول إن إشكالية الحداثة في الحالة ألإسلامية ليست لها علاقة بمبادئ القبول أو الرفض ، وليست لها علاقة بالعقم أو التلاقح الثقافي أو فشلها في ابتكار وسائل المُثاقفه مع الحداثة، وليست لها علاقة بجدلية السلطة الديموقراطيه في العالم الإسلامي، ولكن التمشكل يكمن في العقلانية الثقافية الإسلامية التي سمحت للاستعمار ولاحقاً الأخر بأن يخلق فكرة ألدوله قبل إن يُخلق المجتمع، فأسرعت الدولة القطرية العربية بتركيب مفردات مجتمعيه لكل مرحله تمر بها ألدوله القطرية الإسلامية لضمان وجودها وليس لضمان وجود مجتمعها، وتحولت ألدوله إلى صانع مجتمعي ، في حين كان ينبغي العكس.
مسارات التحضر والحداثة الاجتماعية والاقتصادية والابداعيه في الغرب تمت بصوره تدريجية ، والنتيجة الحداثيه التي افرزها كانت حصيلة التراكم الطويل للمعرفة وتتويجه لمؤسسة ألدوله بفعل التحولات المجتمعية، وبالتالي فالحداثة كانت عبارة عن حالة نضوج متواصل للمجتمعات هناك، بالرغم إن المجتمع هناك لم يلتحق بعربة الحداثة إلا في نهاية القرن التاسع عشر. فالحراك المجتمعي هو الذي سبق ألدوله وأسس لها لكي تواكبه، إما في الحالة الإسلامية ألدوله هي التي سبقت تأسيس المجتمع السياسي وهى التي تصوغه وتشكلهُ وفق منظورها التحولي.
لقد قُدمت الحداثة المشوهة باسم العصر وتُمارس بشكل اكراهى وقسري، وخلق تحضر ومدنيه فوضويه يغذيها الفقر والاقصاء ولاميه الابجديه والمعرفية ، فكانت خطابات الحداثة في الوطن العربي ومنذ الاستقلال والى اليوم تعتمد على تغيير الشعارات مثل " المقاومة" و " مكافحة الامبريالية" و الاستعمار " و " التبعية" و " والاستعمار الجديد" إلى شعارات " الرقى " و " التقدم" و " التنمية" و " التطور" و " المشاركة" و " التعددية" و " الحكم الرشيد" و " الانتخابات النزيهة" و "الديموقراطيه" و " حقوق الإنسان" ، وكأن الاختيار الذي صنعتهُ الحداثة الغربية هو الطريق الوحيد لخلق الحداثة والتمدن والتنمية عربياً.
ومثال علي ذلك، وبالمقابل رفعت الثورات العربية المعاصرة( لسنة 2011) شعاراتها، وباسم "الديمقراطية" و"العدالة والحرية" و"المشاركة السياسية " و"إنهاء الديكتاتورية " و"إنهاء الطغاة " و"محاربة الفساد "، والاستغراق فيها، وتجاهل الخطابات الأكثر حساسية، وأهمية لدي المواطنة العربية والإسلامية.
وبالنتيجة قد يتكرر نموذج مشروعات التجديد والحداثة، والاصاله، والتحولات النهضوية مرة أخري وبالإكراه القسرى عندما أخذت حكومات الاستقلال وما بعدها في الوطن العربي والإسلامي تحديث أبنيتها التقليدية والتي لم تفرز إلا المزيد من المفارقات القطرية المجتمعية في صورة إخفاقات متوالية للحداثة عندما انتهى " مشروع ألدوله القومية" إلى عكس ما قام عليه. فلم تتمخض عمليات الحداثة المشوهة عنها إلا عن نتائج كوارثيه لا تهىء القوى النخبوية المثقفة العربية والمسؤله عن الحداثة واستيرادها إلى أقطارها التي قام باسمها مشروع الحداثة والتقدم منذ الاستقلال حتى ألان للعب دورها التاريخي المفترض ودفع الوطن العربي باتجاه تقدمه وتوازنه الحداثى.
إن إخفاقات الحداثة السياسية والثقافية، ومشاريعها في الوطن العربي والإسلامي أتت كنتيجة لخيارات الدولة القطرية ونخبها وقادة الاستقلال لهذا المسار والتوجه لارتباطه للوهلة الأولى بأزمة منوال حداثى إسلامي عربي يستمد معطياته المفاهيميه والعقائدية من تجارب تاريخيه نشأت أصلا في تربة غير ألتربه العربية.
وبهذه النتيجة ألدوله القطرية العربية هي التي تخلق وتصنع المجتمع وهى، التي تصنع ثقافته ومثقفيه، وهى أيضا مسؤله عن استيراد الحداثة وخيارات وتوجهات مجتمعها. فالحداثة في الغرب لم تكن حرفه أو صنعه دولاتية بقدر ما تُعبر عن عقلانيه مجتمعيه من خلال حراكها الطويل نحو الحداثة ، لأن المجتمع هناك هو الذي صنع ألدوله فكان قادراً على ابتكار ثقافته وحداثته وتعميمها على الكون الثقافي ، وتشكل المشاهد (التونسي والمصري والليبي واليمني والسوري لطوفان سنة 2011 وثقافة الرحيل والهروب السياسي) حالة اختباريه ومعملية لوضع الحداثة وخطابها التجديدي في سكته الحقيقة، وهو ما سوف تكشف علية الأيام ألقادمة.
التمشكل الثقافي السياسي العربي والإسلامي في الحالة الحداثيه ومشروعها نحو والاصاله والتجديد ليس له علاقة بمفردات الاستعمار والامبريالية أو الصهيونية بقدر علاقته بسؤال السلطة وسؤال ألدوله وسؤال المجتمع ، إضافة إلى القراءة الثقافية السياسية الإسلامية والعربية لسؤال الحداثة والمغايرة لطبيعة التفكير العقلاني . وللخروج من مظلة التأزم العربي للتمشكل الحداثى والتجديد والأصالة يحتاج الأمر إلى إعادة صياغة مشروع التفكير العربي، وكيفية قراءة المد الجنونى اللامحدود لثورات وانتفاضات العصر، والحداثة وكيفية مقابلة ذلك للمشروع التجديدي والاصالى في عهد الثورات العربية المعاصرة؟ هذا التحليل والأسئلة والنتائج تقودنا إلى تقديم مطالعه مغايرة لاستهلاك الذات نحو الحداثة وقضاياها ألخمسه التي رشحتها هذه المطالعة.
الحداثة ليست إيديولوجيه
الحداثة ليست عقيدة، ولا أيديولوجيه ،والبحثُ فيها لا يتعدى مستوى الأسئلة والقضايا، ومحاولة استجلائها من خلال رفع النقاب عن كل أشكال الثوابت والمنطلقات بنظرة عقليه ومعرفيه . لأن موضوعها ليس بظاهرة مُوحدة المُنطلقات، بسبب افتقاره للمذهبية المُحكمة البنيان.
وهناك أبعاد عديدة للحداثة، تأخذ عدة تمظهرات مختلفة، منها "الاتصال" ثم "ألانفصال والتواصل إلا أنها في حركيه تجديدية دائمة، وبالتالي فالحداثة عبارة عن اصطدام وهيجان وتقاطع وصراع بين "والاصاله والتجديد والتقليد
ونحن هنا، في العالم الإسلامي، علينا فهم طبيعة ذلك الصراع مع ذاتنا باينه صراع بين ثلاثية "التجديد، بمعنى الحداثة، والاصاله والتقليد وهو ليس صراعاً اختياريا، بقدر ما هو إلا صراع يُجسد لنا كيفية جوهر الحياة . بمعنى كيف تكون عليه حياتُنا، ماديه أو روحيه، أو امتزاج الاثنين معاً . كيف كل ذلك يتم ظهر لنا؟؟
الحداثة لها بُعد لا نستطيع ملامسته ، فهي تُبرهنُ من جانب على عبقرية الإنسان المعاصر ومنجزاتهِ وتوظيفها بما يُحققُ نموهُ وتطورهُ، إلا أنها، في نفس الوقتِ ، تعملُ على سلب حقوقنا في التأمل والانتظار لمعرفة فوائد تلك الانجازات، وتنقيح رغباتنا والتمسك بايجابياتها ومدى ضررها على خصوصياتنا الثقافية، من جانب أخر. فهي تُطوع عقولنا لغزوها وتُرغمنا عن وعى، أو تبعية لناموسها المُتجه نحو التجديد الأتي من المستقبل بحيث تُصبح مزايا الحاضر جزءاً من الماضي !!
ومن هنا فاءن الحداثة عبارة عن حركه "اتصاليه وتواصليه وانفصاليه" في نفس الوقت ، بحيث كل قادم جديد وحديث يُولد من رحم الماضي للامه ، فيسعى لتطويرهِ وتحديثهِ ودمجهِ نسبياً أو كلياً في ظل إمكانية التخلي عنهُ. والحداثة، أيضاً، قطيعه واعية ومُدركه بزمنها ومكانها وهدفيتها مع التقليدي والتراثي رغبة في إعادة البناء، إلا أن الحداثة تُمارس نفس ألمنهاجيه على ذاتها. ومن هنا فاءن للحداثة مفهوم هلامي مُركب ، لكنهُ يُلامسنا في كياننا، من خلال الاتصال والتواصل، وحيناً من خلال الانفصال، وهى ليست بأيديولوجيه "دوغماتيه" ، وبالعقل تُتكتشف .
سؤال العقل والحداثة
سؤال الحداثة يعنى سؤالا العقل. فالعلوم ألمعاصره وثورتها المستمرة تُفيد بأنها علوم نسبيه وأن ثورة المعلوماتية والرقمية أيضاً نسبيه , وبالتالي فاءن الحداثة لأبد لها وأن تكون نسبيه. فاءن أية تحولات تمس الإنسان عبر زمانهِ ومكانهِ في اتجاه التغيير تُرافقها سِماتها وخصائصها المعرفية والمفاهيم والأبداعيه، وكل أشكال التمثُل المختلفة. ولكن ثورة الحدثويه قد تُعبر لنا عن ثورة العقل الأنسانى على ذاتهِ، والتي أفرزها تطور العلم والتقنية والمعلوماتية والرقمية و ثورة النانو- تكنولوجي .
فالمعلوماتية والنانو -تكنولوجى و"عصر ما بعد ألكتابه" وهو ما يعرف بخلق المعرفة أو تقديمها أو الحصول عليها عن طريق اللمس وعن بعد، بال أضافه إلى تغيير نظرة الإنسان إلى ذاتهِ أدت بهِ إلى إعادة اكتشاف نفسهِ، واستخراج قواهُ، وإعادة نظرتهِ إلى الوجود. وليس باء مكاننا تفسير الكون المادي والمعنوي" بعقل ما قبل الطبيعة" ، بل حوّل الإنسان عقلهُ من العالم اللأمرئى إلى الواقع . هذا الواقع الجديد أسهمت فيه ثورة المعلوماتية والتقنية، وكذلك العلوم الأنسانيه، حتى أصبح العلم نسبى، وتحول العقل إلى مجرد أله اصطناعية. إلا أن كل ذلك أنتجهُ العقل الأنسانى. ويظل المُثير في هذه التجاذبيه في أن الحداثة مرحليه وانتقاليه ومفتوحة على كل الأسئلة . فهي صياغة كونيه وإنسانيه تفرضُها رِهانات ثورة المعلوماتية والثورة الرقمية والنانو- تكنولوجى .
فالحداثة تُرغمنا على شق الطريق عبر التراكم لكل ما يُنتجه العقل. فهي توجه اللاءرادى، ومد جُنونى يغذيه العقل، وتُقدم لنا إكراهات تُطوقنا ثقافياً، وتُطوق وجودنا فيها، ليس ذلك فقط، ولكن تُلزمنا بالتفاعل معها رُغم إرادتنا. فهي من منظور أخر ممارسه عقليه لقوة الانتشار العقلاني، عبر المكان والزمان، مخترقةً كل ما هو تقليدي وتراثي غير قابل للانتقال إلى عربة المستقبل.
الحداثة وحضارة القلق السياسي
للحداثة موجات عرفها التاريخ الأنسانى وهى سارية المفعول، وهذه الموجات لا تخضع لاى تشخيص معرفي، أو ثقافي، أو حتى مفاهيمي، وإمكانية وصف البداية والنهاية لها، لأنها تستمدُ مشروعها من العقل والحتمية العقلانية . فهي موجات عقلانيه تعتمدُ على إحداث الصدمات المتوالية، وتقول لنا عدم الأستكانه لمِا نحن فيه، وما نحن عليه الآن، فهي طارده لكل ما هو آني . إنها حضارة القلق السياسي . فهي تجعلنا نعيش القلق دائماً حول مصيرنا ومتى البداية ومتى النهاية ومتى ألاستقرار ويبدأ السؤال تلو السؤال.
الحداثة هي كيفية صُنع حضارة القلق، بمعنى كيف يكون الإنسان مستعدًا باستمرار لفهم ذاتهِ ومحيطه، ولأنها تستهدف خصوصياته الثقافية، فتكون بذلك بمثابة النزعات الجديدة تقودهُ من جديد لتفكيك خصوصياته الثقافية بحثاً عن أُخرى أكثر منفعةً لعلها تُمكنهُ من تجاوز ظرفيه بنيوية سببها العقل والتطوير.
وحضارة القلق السياسي سببها الحداثة، لأن خصوصياتها تعتمدُ على الصراع. فالصراع بين الأصالة والتجديد والتقليد ليس اختياريا , إنهُ صراع مفتوح لا يخضعُ للقانون الدولي الأنسانى، ولا حتى للقوانين المحلية . فهو صراع بين الأجيال وعقولها وهو لاستثنى أحدًا. لعل ذلك يتعزز من خلال فهمنا من أن كل مرحله تحوليه مجتمعيه تحتاج إلى الدخول في مخاضات جديدة. فالحداثة تُجبر الإنسان دائماً على إثارة الأسئلة المستجدة لاستشراف المستقبل لصنع حضارة القلق، وكان سلاحها الفيس بوك والتويتر وثورة الدجيتيل!!!
فالحداثة ألمعاصره تغزونا كل يوم، بل كل ثانيه، وتحاول أن تُقلقُنا في كيفية التعامل مع الزمن والسرعة والتاريخ، وكيفية التعامل مع التقليد ومعانيه. وإذا ذهبنا إلى مظاهرها ودلالاتها، وجدناها فعلاً أنها تُعبر عن قضايانا. وبهذه المعاني فالحداثة هي كيفية صنع المسافة العقلانية لصنع الإنسان العقلاني الذي يختزل الماضي والحاضر للوصول إلى ألمستقبل ولعل التجربة التونسية والمصرية والليبية( ونماذج سوريا واليمن ومخاضهما) من خلال مشروعها الثوري الشعبي التلقائي، والعفوي المعبر عن أهم الثورات الشعبية في عصر العولمة تكون نماذج جديرة بالرصد والتحليل ، وكيف إن هذه الثورات وبشعاراتها تتجاوز ما يسمى بالمعارضة الكرتونية في الحالة العربية، تلك التي فجرتها حضارة القلق السياسي الشعبي !
قضايا في مفاهيميه الحداثة
ومن هنا فان ربيع الانتفاضات والثورات ملزم بتحديد خطاباته نحو أزمة النهضة والحداثة ، والعصرنة الثقافية والفكرية والسياسية في عموم العالم الإسلامي، وكيفية الانتقال إلي خطابات عقلانية تتحمل مسؤوليات هذه الثورات المعاصرة الوليدة؟ واهم التحديات التي سوف تواجه الثورات والانتفاضات المعاصرة والقادمة في العالم الإسلامي تتمثل في كيفية توفير الإجابات علي القضايا التالية وتضمينها في خطابها الثوري المعاصر:
القضية الأولى: وهى تكمن في التركيز على العوالم الطبيعية المادية دون غيرها من القضايا المعنوية والروحية، بمعنى التركيز على المحسوس المادي، ولذلك أنصرف العقل إليه وبعلومه وتقنياتهِ ومن ثم تحقيق رغباته المادية في تجاهليه تامة للشق الروحي. فهل الحداثة مثلاً سوف تمُدنا بأسباب التوازن النفسي والسعادة المعنوية والروحية ؟؟ لأن السعادة المنشودة في زمننا الحاضر تستدعى التعامل مع العالم المادي، من خلال الصراع مع الذات والعقل والطبيعة معاً، لاستكشاف القانون لتحقيق السعادة. لأن الحداثة، ومشروعها الأطلاقى المُتحرر من القيود، تُعطى الأولوية للقيم الأرضية الدنيوية عن الاخرويه، وبالتالي فهي تُحول اهتمام الإنسان وعقله من الاهتمام الروحي إلى الاهتمام بمنافع الأرض المادية. وبذلك وقعت الثقافة العربية في استشكال مع عناصر ومكونات الحداثة أو ألمعاصره من خلال تصادم عقلها الروحي وعقلها المادي.
القضية الثانية: تُعتبر الحداثة أن الإنسان جوهر الوجود، وهو معيار الأشياء، وبالتالي هو الغاية والوسيلة للحداثة. فهي تهدف إلى تحرير الإنسان من كوابح نفسه ومحيطه، لأنه صانع التطور والتاريخ عبر عقله. وتستمر الحداثة في تمجيد الإنسان وعقله، فهو القوى بعقلانيته لا " بمعتقداته وأمنياته الروحية الخالدة" !!!!!. "فالدين جزء من التراث والتقليد وهو يخضع أيضا لمسلمات الحداثة أو ألمعاصره !!!؟؟ مرة أخرى تتمشكل الحداثة مع عناصر الثقافة والمثقف والتثاقف الإسلامي .
القضية الثالثة: ليس هناك مجال للأيمان إلا بالعقل. فالإنسان عنوانا مجده العقل، وليس التراث والقيم الروحية، لأنه بفعل الحداثة داس على المنهج الاستدلالي واستعماله لمنهج الاستقراء العقلاني لتحقيق الحداثة. فهي لم تُعطى الأهمية لأي تشكيلات إنسانيه أخرى، مثل الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة والمجتمع والطائفة أو ألنخبه ،تُمجد الفر دانيه على حساب الجمعوية. وهى تفصلُ بين القيم والواقع من أجل الجمع بينهما مستقبلاً !!! وهنا شكل العقل الثقافي العربي حالة انفصاليه عن الحداثة من خلال استغراقه وتمسكه بمنهجي الاستدلال والاستقراء العقلي في أن واحد.
القضية الرابعة: فلسفة الصراع في ظل الحداثة, فالحداثة ينبغي أن تخلق فينا الصراع مع الذات، بمعنى كيف ننظر إلى ذواتنا ؟ وكيف ننظر إلى ألأخر؟ وكيف نختار؟ وكيف نتعامل مع المد الجنونى آللأمحدود وآللامتناهى لثورة العلم والفجوة الرقمية التي تحدثها فينا ؟ وكيف تتم عملية التسابق مع الذات من خلال إقصاء الصراع مع الأخر؟ إنها الحداثة التي تنتج حضارة القلق الأنسانى !! وهنا ترفض ثقافية الحداثة العربية فكرة الصراع كعامل من عوامل قيام الحداثة لأن ألدوله هي المُمسك بعصا الحداثة. فأين نحن في الوطن العربي من هذه التمظهرات ؟؟؟
القضية الخامسة: حدود ألمعاصره ، بمعنى الحداثة والتزامات والاصاله والتجديد، فالغرب قبل إن يصنع حداثته وعصرنته المجتمع سبق في خلق دولته وأسس لسؤال السلطة والهوية أولا ثم تحول إلى سؤال الحداثة وصياغة توجهها ، فحدد بذلك حدود الحداثة ولم يحولها إلى توجه صراعي مع ذاته ، بمعنى مؤسسة ألدوله أو سؤال السلطة وخياره كان في خلق مجتمعه أولا. وفى الحالة العربية تحولت الحداثة إلى مشروع أزمة وتأزم حول أسئلة السلطة والدولة والمجتمع من خلال نداءات والاصاله والتجديد وبآليات الأنا السياسي والنخبوي والطائفي والقبلي والانا الديني وثقافة الكاريزمه في مقابل الأخر.
أخيرا ، إن أقصى ما طمحت إليه هذه المطالعة هو ضرورة الانتباه إلى إن حتمية انتقال الخطاب السياسي والثقافي لربيع الثورات والانتفاضات المعاصرة من طور التردد في استلهام مضامين النهضة والحداثة والاصاله والمعاصرة معاً إلى مرحلة الفعل الايجابي، ومن هوة الاستهلاك المعرفي والمفاهيم واستيرادهما وجهل إسرارها إلى مجال إنتاجها وتوطينها إسلامياَ مدخلاً إلى عالم الحداثة، بمعنى ألمعاصره، أنها مرحلة توطين العلم والتراث التقني والمعرفي المفقودة. إن مجتمع ثقافية الحداثة المعرفية الذي يتوجب قيامه في العالم الإسلامي سوف لن يكون بديلاً مقنعاً لأجيالنا القادمة إذا لم ينطلق من رحم ألامه وصياغته عربياً . هذه المطالعة تقر بأهمية تجاوز الثورات العربية المعاصرة لمرحلة الصراع مع الهوية ولا يمكن ضمان حصانتها من خارج أسوارها، وان الوعي بها لا ينبع من الفكرة الدولاتيه الإسلامية أو القطرية بقدر انبعاثها مجتمعياً، وأن مظلة الأخر غير قادرة مهما اتسعت رقعتها وتوغلها على حمايتها من أعاصير الحداثة وتداعياتها.
وتكون الحداثة، وعلاقتها بالخطاب السياسي الإسلامي الكوني، في ظل الثورات المعاصرة، وبين الحاكم والمحكوم من أهم مستهدفاتها العمل علي تخليق خطابها الفكري والسياسي، ليس بخطاب سياسي يتصارع بين ثلاثة أجيال : الأول والمتوسطي والثالث، حداثة تستوعب متطلبات وحاجات الإنسان المواطنة، وليس جيل الثقة، وجيل الخبرة وجيل النخبة، وجيل الأقلية الحاكمة وعنفها .
لان حدود ألمعاصره الملتزمة بالأصالة تحتاج إلى قضبان تتناسب مع عربات الحداثة والمعاصرة. ليس ذلك فقط ولكن الفصل بين أزمة المثقف والشارع العربي والإسلامي وأزمة الواقع العربي والإسلامي، باعتبار إن أزمة المثقف والشارع الإسلامي والعربي وليدة صراعه مع واقعه وهويته ونظامه الداخلي، وان أزمة الواقع الإسلامي والعربي وليدة لعوامل خارجية وداخليه معاً ، وتظل تداعيات الحداثة والعولمة إحدى أوجه أزمة المثقف والواقع السياسي الإسلامي والعربي، وتحديات الثورات والانتفاضات وربيعها المعاصر. ولفك الاشتباك بين الأزمتين يتوجب حضور مثقف إسلامي قادر على تفكيك رموز أزمة ألامه وصنع الدور وتقديم المسؤليه ، مثقف إسلامي لا ينحاز إلى تيار التغريب أو تيار ألدوله أو تيار السلطة، وخطاب ثوري لا يعمل علي تكريس استمرار أزمة الأمة’ بل مثقف إسلامي وثورات منحازة إلى التيار المجتمعي المسلم قادر على حمل لواء رهان ألمعاصره، والعصر بعيداً عن الحداثة المشوهة لفقدانها للمنوال وانكسار اتجاهات بوصلتها.
الدكتور ميلاد مفتاح الحراثى /
قسم العلوم السياسية
كلية الاقتصاد/ جامعة بنغازي
/ بنغازي ليبيا