نظرية الإمامة لدی الشيعة.. عرض و نقد -1-
    الثلاثاء 9 أكتوبر / تشرين الأول 2012 - 20:47
    خالد سندي
    الإمامة هي أکثر المسائل إثارة للجدل بين الشيعة والسنة،وأساس الخلاف الدائر بينهما منذ قرون، کلفت الأمة جهدا کبيرا، وبسببها تعرضت إلی هزات عنيفة عبر تاريخها الطويل کادت تٶدي بها إلی النهاية لولا أن منَّ الله عليها بحفظها من الزوال.
    لذلك أتناول في هذه الحلقة والحلقات القادمة هذا الموضوع بشيء من التفصيل، وأعرض نصوص القائلين بها علی کتاب الله تعالی الذي هو دستور الإسلام، لنری هل حقا أن الله عزوجل قال بها وأمرنا بها، أم لا ؟ وکذلك أتعرض للآثار التي تترتب علی القول بها سلبا أو إيجابا.    
    الإمامة والإمام:
    الإمامة هي القيادة والرئاسة، والإمام هو المقدم في الأمر كالإمام في الصلاة، كما يطلق على الأمير والخليفة لأنه مقدم في أمور الناس. يقول الماوردي في کتابه (الأحكام السلطانية والولايات الدينية):  الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
    ومن ثم هل إختيار الإمام هو حق للأمة أم هو لله تعالی وهو الذي يعينه ؟ يری جمهور الأمة قديما وحديثا أن إختياره هو حق للأمة، وهي التي تختار من بينها من تراه يصلح لذلك، لأن أمرهم شوری بينهم، ولم يشذ عنهم إلا الشيعة الإمامية، فهم يقولون أن لیس للأمة فيها إختیار، بل تعيينه واجب علی الله عزوجل، وفي ذلك يقول عبدالحسين دستغيب: " یجب أن یتم تعیینه من قبل الله کما هو الحال في الرسول ". (1) ويقول الخميني: " إن الإمامة یجب أن یعینها الله ". (2)
    ويروون عن أبي عبدالله (رحمه الله جل شأنه) أنه قال: " إن الامامة عهد من الله عزوجل معهود لرجل مسمى ". (3)
    وحسب عقیدتهم أن الإمامة ترب النبوة، إذ يقول صاحب ( کشف أسرار): " کل من له أدنی إطلاع علی إبتداء ظهور الإسلام، والأیام الأولی لدعوة رسول الإسلام، یوقن أن الإمامة کانت ترب النبوة منذ الیوم الأول إلی النفس الأخیر ". (4)
    وفي ذلك ينقلون نصا عن أبي عبدالله (رحمه الله تعالی): " الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله، فأما ماخلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله ". (5)
    والذي  يلاحظ من النصوص السابقة أن إختيار الإمام هو من الله تعالی، وأن إختياره واجب علیه تعالی. وفي هذه الحلقة سوف نرکز علی مسألة الأولی، وفي حلقات أخری سوف نتناول المسألة الثانية بإذن الله تعالی.  
    هل الإمام متعين من الله تعالی ؟
    بادیء ذي بدء ينبغي القول أن القول بإمامة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنها متعينة من قبل الله تعالی ولا خيار فيها للأمة کما هو الحال مع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، يحتاج إلی دليل من القرآن. فإذا کان فيه کان لابد من الأخذ به وإلا کان القول مردودا علی صاحبه، ويکون تَقَوَّلا علی الله جل وعلا. وقد هدد الله جل شأنه الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)، رغم ما له من المقام والمنزلة عند الله تعالی، إن تَقَوَّلَ عليه بعض الأقاويل، وفي ذلك يقول: ﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ﴿٤٤﴾ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴿٤٥﴾ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴿٤٦﴾ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴿٤٧﴾ سورة الحاقة.  إذا کان هذا التهديد موجها إلی رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)، وهو سيد الأولين والآخرين، فما بالك بمن هم دونه مقاما ؟ وماذا يکون نصيبهم من العقاب عندما يتَقَوَّلون عليه ؟
    والذي يرجع إلی کتاب الله سوف تصادفه لا آية ولا آيتين ولا حتی عشرات الآيات، بل سوف يقرأ مئات الآيات الصريحة والواضحة الدلالة التي تتحدث عن الأنبياء والمرسلين، وقصصهم مع أقوامهم، وحتی سوف يری أسماء خمس وعشرين منهم، کنوح وإبڕاهيم وموسی وعيسی، وإسماعيل و إدريس، وأيوب وغيرهم، وحتی تکررت قصصهم وأسماٶهم مرات عديدة فيه، وحتی أن عددا من السور سُمَّيت بإسمائهم.  
    ولتوثيق الکلام السابق نذکر هنا طرفا من تلك الآيات التي جاء فيها ذکر رسل الله وأنبيائه، ونترك الباقية لمن يراجع کتاب الله ويسجل أرقام الآيات التي تتحدث عن رسل الله وقصصهم مع أقوامهم، ليری کم هو عددها ؟   
    يقول الله تعالی: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّـهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٢١٣﴾ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ ﴿٢١٤﴾ سورة البقرة، وقوله تعالی: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّـهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ..﴾ سورة البقرة/253،   
    ويقول: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿٧٩﴾ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿٨٠﴾ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴿ ٨١﴾ سورة آل عمران، وکذلك قوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ سورة النساء/64، ويقول أيضا: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ سورة يونس/47، وقوله: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ سورة الرعد/38، وقوله: ﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴾ سورة إبراهيم/44، وقوله تعالی: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّـهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ سورة النحل/36،
    إضافة إلی قوله تعالی: ﴿ اللَّـهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ سورة الحج/75،
    ويخاطب الله تعالی نبينا (صلی الله عليه وآله وسلم) قائلا: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ سورة غافر/78.
    وأما عن أسماء الأنبياء والمرسلين الذين وردت في القرآن، فمثال ذلك نقرأ في قوله تعالی: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٢٦﴾ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٢٨﴾ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٢٩﴾ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٣٠﴾ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٣١﴾ وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٣٢﴾ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٣٤﴾ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١٣٥﴾ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٦﴾ سورة البقرة.
    وبخصوص نبينا محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) فرغم أن الإقرار بكون شهادة (محمد رسول الله) هو الركن الثاني من الشهادتين ولا يدخل أحد الإسلام ما لم يشهد بە، فقد ورد ذكره أربع مرات في القرآن بإسمه الصريح، محمد، ومرة بإسم أحمد، على أنه رسول الله، إضافة إلى وجود سورة بإسم (محمد)، وذلك لقطع الطريق علی کل مکابر يدعي أن الرسول ليس بمحمد بل هو شخص آخر.
    وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ سورة آل عمران/144، ويقول: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ سورة الفتح/29 ، ويقول أيضا: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ سورة محمد/2. وكذلك قوله تعالی: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ سورة الأحزاب/40، إضافة إلی قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ سورة الصف/6.
    هذه الآيات التي مرت دلالاتها واضحة جلية في بعثة الأنبياء والمرسلين، لا يحتاج المرء إلى جهد لفهمها، ولا إلى تأويل متعسف لبيان معناها أو إستنباط حكم منها، إذ العالم وغير العالم سواء في فهمها. وكل من يجيد اللغة العربية يستطيع أن يفهمها ببساطة، وأما أصحاب اللغات الأخرى فيستطيعون فهمها أيضا بسهولة بعد ترجمتها إلى لغاتهم.
    ومن الأهمية بمکان الإشارة إلی أن القرآن ذکر مسائل کثيرة ليست من العقيدة کمسألة الحيض علی سبيل المثال،
     ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ.. ﴾ البقرة/222. وقوله تعالی: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ الطلاق/4.
     وذکر الله تعالی قصة لقمان، وحتی أن ثمة سورة في القرآن بإسمه، مع أنه ليس بنبي، وکل ما في الأمر أنه کان مٶمنا ونصح إبنه نصيحة فذة، فذکره الله ونصيحته في کتابه، کما جاء في قوله تعالی: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّـهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿١٢﴾ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّـهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿١٣﴾ سورة لقمان. ومن ثم الآيات (16- 19) تذکر نصيحته.
    وأشار إلی قصة جالوت في الآيات (47- 48) من سورة البقرة، ولم يکن نبيا، وکذلك تعرض القرآن لمسألة التبني وقصة زيد في سورة الأحزاب، مع أن المسألة إجتماعية وليست من العقائد، بينما لا نص عن إمامة علي فيه.
    ولیس هذا فحسب، بل سأل الصحابة (رضوان الله تعالی عليهم) رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) مسائل کثيرة، منها عقدية ومنها إجتماعية، وحتی غير المسلمين کانوا يأتون إليه ويسألونه، وفي کل مرة کانت الآيات تنزل وتشير إلی أسئلتهم وأجوبتها، في حين لم يسأل أحد إمامة علي، وحتی علي بن أبي طالب نفسه لم يسأل الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) عن إمامته لينزل القرآن بشأنها وليتم تثبيتها فيه. وهنا أشير إلی طرف منها:
     ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.. ﴾ سورة البقرة/189. وقوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ.. ﴾ سورة البقرة/215. وقوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّـهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ.. ﴾ سورة البقرة/217. ويقول: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ سورة البقرة/219. وکذلك قوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ سورة البقرة/ 220. وقوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّـهُ..﴾ سورة المائدة/4. ويقول: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سورة الأعراف/178. وقوله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ سورة الأنفال/1. ويقول: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ سورة الإسراء/ 85. وقوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ﴾ سورة الکهف/83. ويقول: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴾ سورة طه/105. وقوله تعالی: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ سورة النزعات/42.
    بعد هذا، نطرح السٶال المهم والمرکزي، والذي ينبغي أن يسأله کل واحد منا نفسه، إذا کانت إمامة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) من عند الله فأين الآيات الصريحة في إمامته أو أحد من أبنائه ؟ وإذا کانت إمامة علي (رضي الله عنه) ترب النبوة كان ينبغي أن تنزل بشأنها آيات واضحات بيّنات کتلك التي نزلت بشأن الأنبياء والمرسلين، وبشأن نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) كما مرّ وبتلك الكثرة الكاثرة، لماذا لا توجد حتی آية واحدة واضحة وصريحة في إمامته ؟ أين النص الإلهي ؟ ولماذا کل المسائل السابقة وردت في القرآن بشکل واضح لا لبس فيه ولا غموض، بينما لا خبر عن إمامة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أو أحد من ذريته ؟ ألم تکن تستحق حتی آية واحدة صريحة ؟ وکيف تکون أمامته من أصول الدين ولا يأتي ذکرها في دستور الإسلام ؟  
    أليس بعد هذا، يکون القول بأن إمامة علي (رضي الله عنه) متعين من الله عز وجل إفتراء عليه تعالی ؟
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ( الإمامة: عبدالحسين دستغيب. ترجمة: أحمد القبانجي. ص5).
    (2) (کشف أسرار - بالفارسیة - الخمیني ص 112).
    (3) (بحار الأنوار. ج23. باب 3، ان الامامة لا تكون الا بالنص ، ويجب على الامام. النص على من بعده ).   
    (4) ( کشف أسرار - بالفارسیة - الخمیني).
    (5) (بحار الأنوار. ج27. باب 18 : خصائصهم عليهم السلام).  

    © 2005 - 2025 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media