أربيل: بن فان هيوفيلين «واشنطن بوست» - في حين ينزلق باقي العراق إلى دوامة عنف متصاعد، يسعى إقليم كردستان، الذي يحظى باستقلال ذاتي، لطلب العون من حليف غير متوقع، تركيا، لتحقيق حلم الاستقلال الذي طال انتظاره.
ويتصرف إقليم كردستان بالفعل، في نواح عدة، كدولة مستقلة، إذ تقدم السلطات الكردية كل الخدمات العامة، ولها جيشها الخاص وتسيطر على حدودها الخاصة، بما في ذلك الحدود الجنوبية شديدة التحصين مع المحافظات ذات الأغلبية العربية، بل إن معظم المباني الحكومية في أربيل، عاصمة الإقليم، ترفع كل العلم الكردي، لا العلم العراقي ـ كما أن الجيل الجديد من الشباب لم يتعلموا اللغة العربية على الإطلاق ولا يتحدثون سوى اللغة الكردية.
لكن الأكراد حتى الوقت الراهن ما زالوا يرتبطون بشكل وثيق ببغداد لأنهم يعتمدون على الخزينة العراقية في معظم ميزانيتهم الإقليمية. لكن ذلك ربما يتغير سريعا. فقد تخلى الزعماء الأتراك والأكراد عن العداء الذي استمر بين الجانبين سنوات طويلة، ويطبقون الآن اتفاقية شراكة في مجال الطاقة وقعت في وقت سابق من هذا العام، ويتوقع أن توفر هذه الاتفاقية لإقليم كردستان فيضا مستقلا من عائدات النفط.
الخطوة الرئيسة الأولى في الخطة كانت مد خط أنابيب يتجه بشكل مباشر إلى تركيا، بعيدا عن سيطرة بغداد، وسيبدأ العمل بنهاية العام، بحسب وزير الموارد الإقليمية لإقليم كردستان، آشتي هورامي، الذي قال: «من واجبنا كعراقيين إنشاء خطوط لتصدير النفط والغاز لتأمين مستقبلنا».
لكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والإدارة الأميركية عبرا عن قلقهما إزاء التحالف الناشئ بين تركيا والأكراد، مؤكدين على أن ذلك من شأنه زيادة تقويض الاستقرار في العراق بشكل أكبر. وعبر الجانبان العراقي والأميركي عن القلق من إمكانية تفاقم التوترات العرقية، مع الأغلبية العربية في العراق، وخاصة بين أولئك الذين يعيشون عبر الحدود المختلف عليها بين منطقة كردستان وبقية العراق، نتيجة لازدياد التوجه القومي لدى الأكراد. زعماء إقليم كردستان العراق حاولوا تهدئة مخاوف المسؤولين العراقيين والأميركيين وقدموا تطمينات بأنهم لا يعتزمون الانفصال رسميا عن العراق حتى وإن كانوا يضعون الأساس لتوسيع رقعة الحكم الذاتي، وقال مسؤول كردي بارز إن «الاستقلال هو طموح في قلب كل كردي، ولكن يتعين أن يكون استراتيجيا».
ومن المفارقات، أن تتحول تركيا إلى عامل أساسي في تحقيق الأحلام الكردية، وذلك بعد أن كان الزعماء الأتراك يعارضون في الماضي الحكم الذاتي السياسي لأكراد العراق خشية أن يشجع ذلك الأقلية الكردية الموجودة في تركيا على طلب الانفصال.
وكانت تركيا قد أرسلت قواتها عام 2008 إلى الحدود الجنوبية وشنت هجمات برية على المسلحين الأكراد في الأراضي العراقية مما دفع برئيس كردستان العراق مسعود بارزاني إلى التهديد برد عنيف. غير أن سياسة تركيا تجاه الأكراد لحق بها تغيير جذري، إذ تحسنت العلاقات في وقت رأت تركيا فيه تنامي الفرص الاقتصادية في كردستان العراق، بما فيها الكثير من عمليات استكشاف حقول النفط التي لم تستغل، في حين أن تركيا بحاجة إلى طاقة رخيصة وبكميات كبيرة لمواصلة النمو الاقتصادي على عجل. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد وقع في مارس (آذار) الماضي مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، اتفاقية شاملة للطاقة وتقضي باستكشاف النفط في أجزاء كثيرة من الإقليم وتيسير تصدير النفط والغاز الطبيعي عبر الأنابيب، ولكن معظم تفاصيل الاتفاقية ظلت سرية، لكن مسؤولين بارزين في الحكومة التركية، طلبا عدم ذكر اسميهما بسبب الحساسية السياسية، تحدثا عن خطوطها العريضة وأكدا توقيع الاتفاقية.
وبعيدا عن قطاع النفط، تسهم الشركات التركية في تحويل أربيل، واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، إلى عاصمة طموحة للتجارة تنتشر فيها ناطحات السحاب في الأفق. وقد قامت الشركات التركية، خلال السنوات الخمس الماضية، ببناء مطار دولي، واثنين من الفنادق الفاخرة، ومجمعات مغلقة للمغتربين ومتنزها إداريا شاهقا أطلق عليه اسم «إمباير وورلد».
لكن الاتفاق النفطي أثار الانزعاج في واشنطن، وعندما زار أردوغان الولايات المتحدة في مايو (أيار) شدد الرئيس أوباما على معارضة إدارته لهذا الاتفاق، بحسب مسؤولين حكوميين، أحدهما أميركي والآخر تركي، تحدثا عن اللقاء لكنهما غير مصرح لهما بالحديث إلى وسائل الإعلام. وحث البيت الأبيض تركيا على إعادة صياغة الاتفاق لمعالجة المخاوف التي تنتاب الحكومة المركزية في بغداد، والتي تدعي سيطرتها على صادرات وتطوير الحقول النفطية.
لكن هذا المقترح لم يلق صدى لدى الذين لا تزال ذاكرتهم مليئة بذكريات السياسات القمعية لحكومات بغداد السابقة. ويرى الأكراد أن إحدى الفوائد الرئيسة للتحالف مع تركيا يتمثل في سريان التفسير الفيدرالي الموسع للدستور العراقي الذي يدعي إقليم كردستان بموجبه استقلاله شبه الكامل. وقال فلاح مصطفى، مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان: «لقد تعلمنا الدرس من التاريخ، فقد عززت مواردنا الطبيعية من قوتنا وموقفنا ووزننا السياسي».
ووقعت الحكومة الإقليمية أكثر من 50 عقدا مع عشرات الشركات النفطية من بينها «إكسون موبيل» و«شيفرون». لكن الحدود المغلقة للأكراد هي القادرة على إقناع شركائهم في القطاع الخاص بإنفاق ما قيمته مليارات الدولارات من الإنتاج النفطي إذا كانت هناك طريقة موثوقة لنقل كل هذا النفط الخام للأسواق الدولية، وهذا يعني خطوط الأنابيب. كان الأكراد قد وقعوا عددا من الاتفاقات المؤقتة مع بغداد لتصدير النفط عبر البنية التحتية الفيدرالية العراقية. لكن بغداد، التي ترفض التغاضي عن الطموحات النفطية المستقلة، قبلت النفط الخام لإقليم كردستان في الوقت الذي حجبت فيه معظم العائدات المتوقعة. وقد قدمت تركيا ضمانات بتلقي كردستان العراق عائدات مباشرة مبيعات النفط والغاز، متجاوزة بغداد. وبدأت شركة «بوتاس» التركية المملوكة للدولة بناء خط أنابيب الغاز صوب الحدود التركية، بحسب مسؤول بارز في مجال الطاقة التركية الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب الحساسية السياسية. وبموجب بنود الاتفاق الذي جرى توقيعه في شهر مارس سيقوم إقليم كردستان بتصدير نحو 10 ملايين متر مكعب على الأقل من الغاز الطبيعي سنويا - وهو ما يكفي لتلبية خمسة متطلبات الاستهلاك التركية من الغاز في الوقت الراهن.