صناعة الفشل في العراق
الأحد 17 مارس / أذار 2013 - 20:58
أ. د. أقبال المؤمن
يعاني الشعب العراقي من تهديد حقيقي, خوف حقيقي, اهمال حقيقي, فساد حقيقي ,فشل حقيقي, ارهاب حقيقي, فالعملية السياسية بالعراق أذن مهددة و فاشلة بشهادة رجال الاعلام و الدين والسياسة ومن يطبلون جهارا نهارا ببرامجهم المتلفزة وصحفهم المقروءة وخطبهم المسموعة فانعكست هذه التصريحات على سلوكيات عموم الشعب .
فضرب البلاد زلزال من الخوف واليأس واللامبالات واصبحنا نعيش عروض الكوميديا السوادء نكذب كل ما نسمع ونصدق كلما نرى ونستهزء بكل شئ بسبب أو بدون سبب ولم نشعر بدولة لها دستور وحكومة وبرلمان و مشاريع منجزة او قيد الانجاز واصبح لا يهمنا من ننتخب ومن يرشح للانتخابات لان الجميع ادرك اللعبة الكل يركض وراء كعكة العراق لا وراء العراق كدولة وشعب !!!!
هناك مثل صيني يقول البيوت السعيدة لا صوت لها !! اما في العراق فلا نسمع الا الصراخ . صراخ افقدنا راحة البال صراخ رجال الدين والسياسة ومن خلال اغلب الوسائل الاعلامية. فأعلامهم وقنواتهم لا ترحمنا وتحاول زرع اليأس في كل شبر من ارض البلاد فأثمر الارهاب والقتل والدمار وتشظي الرؤى ! أذن
كيف تمكن هؤلاء من زرع كل هذه التناقضات في نفوسنا ؟
الحقيقة التى يجب ان يدركها ساسة العراق ان كل ما حصل ويحصل بالعراق هو بفعل المؤسسات الاعلامية التي تسرح وتمرح بأسم الحرية بكل وسائلها المسموعة والمرئية والمقروءة ,مؤسسات يراد لها ان تكون في العراق لترعى مصالحهم وتردد اكاذيبهم لتضيع الحقائق وتخلط الاوراق !! وكلنا يعرف من هم !
مؤسسات اعلامية غايتها زراعة الفشل في العراق وقتل الامل في النفوس .
في العراق اليوم اكثر من 60 مؤسسة اعلامية محلية مجهولة التمويل من بينها محطات تلفازية واذاعية تبث على مدار الساعة واصدارات مطبوعة بشكل يومي ومواقع اخبارية الكترونية ، بالاضافة الى اكثر من 70 مؤسسة اعلامية محلية اخرى تتلقى دعما فنيا وماليا من حركات سياسية واحزاب عراقية وجهات اقليمية وعالمية معروفة ولكن بشكل سري مقابل فرض توجهات معينة في سياسية المؤسسة الاعلامية العراقية .
الامر الذي اصبح التمويل السري و المجهول مستساغا من قبل المؤسسات الصحفية والاعلامية وعدد كبير من الصحفيين والاعلاميين والفنيين في هذا المجال .
يعد التمويل السري لهذه المؤسسات من اهم اسباب اختراق عالم الصحافة والاعلام العراقي وبخاصة القنوات الفضائية ,علما لايوجد قانون للاعلام يوضح مساره وتمويله وحمايته , ناهيك عن ان الابقاء على سرية التمويل الاعلامي يتنافى مع استقلالية وحرية الاعلام حسب الدستور العراقي .
فلهذه السرية في التمويل سحرها ومفعولها في السلب قبل الايجاب في فرض وتسويق افكار الكثير من الجهاة النكرة على المجتمع العراقي الامر الذي خلقت فجوة بين الشعب والحكومة و سعت الى تشتيت اراء الشعب العراقي و تحيد ولائه او توجيهه بصورة خاطئة نحو معتقد ما عوضا عن الوطن , ودفعت به للبحث عن الحقيقة من مصادر اخرى غير عراقية واحيانا معادية للعراق فزاد الطين بله وبدل ان تسود الحقيقة سادت الاشاعات المحيرة والداعية للقلق وخلق الحكايات والمؤامرات والسيناريوهات التي تدفع للتكتل او التعصب نحو مكون ما او طائفة ما او مذهب ما خوفا من المستقبل المجهول وبالنتيجة خلق دولة فاشلة لا تستطيع السيطرة على الوضع وبالفعل نرى اليوم للعشيرة والمليشيات والاحزاب والتكتلات تأثير قوي على المواطن اكثر من تأثير الحكومة عليه الا القلة القلية التى تحاول ان تؤمن بدولة المواطن !
وللأسف الشديد الاعلام الشبه رسمي بالرغم من انه يعمل بالعلن وبرأس مال لا بأس به مدعوم من الدولة وله تاريخ بالمصداقية في نقل الاخبار الا انه مضغوط ومقيد بالحراك السياسي ويحاول قدر الامكان ان يركن الى جانب السلطة وليس الدولة لانها الممول لهذا الكيان ويحاول المسؤول عن هذه المؤسسة ان يلتزم الحياد احيانا واحيانا تميل الكفة لصالح الحكومة شاء ام ابى و على حساب العمل الاعلامي حرصا على مركزه او خوفا من التجديد والتحدي و النقد او عدم الثقة من قدرات العاملين بهذا الحقل ,ولهذا نجد المؤسسة بكل كيانها تمثل رأي شخص او مسؤول واحد يعمم افكاره عليها ويحدد مسارها فهو المرشد والمحرك والناقد والمشجع والدافع لسير العمل الامر الذي يبعدها عن الابداع ويدفعا ان تقع في مستنقع الروتين والرتابه وبالتالي ابتعاد المتلقين عنها والبحث عن وسيلة اخرى تشبع رغباته في الاثارة والتنويع وملاحقة الاحداث اول بأول وبوجهات نظر و مصادر مختلفة ولو على حساب المصداقية .
ولذا خسر هذا الاعلام المسؤول ان صح التعبير الشارع العراقي بما فيهم من يعمل ضمن هذه المؤسسة !
علما ان عدم وجود قانون للاعلام العراقي بالحماية والمحاسبة جعل الحبل على الغارب و فتح الباب لكل من هب ودب ان يعمل في هذا المجال بعيد عن اصول العمل الاعلامي اضف الى ان المؤسسات العلمية الاعلامية بعيدة كل البعد منهجيا عن اعداد كادر اعلامي علمي تقني حر واثق من تخصصه لان اغلب المواد التى تدرس في كليات الاعلام اعدت منذ عام 1960 وبأشراف انظمة دكتاتورية شمولية لا تؤمن بحرية الرأي والرأي الاخر ولا تساعد على خلق جيل مبدع مؤثر, فأكثرها مناهج اكل الدهر عليها وشرب نظرية اكثر منها تطبيقة وتفتقر مفرداتها للعلوم الانسانية كعلم النفس والاجتماع والجمال والنقد وغيرها من العلوم التى تساعد الاعلامي على النقد والتحليل وقراءة الواقع بوجهة نظر علمية ممنهجة ناهيك عن ان كليات الاعلام لا زالت لا تعترف بالاعلام الالكتروني ووسائله وفنونه وتقنياته ولا توجد مادة واحدة تتطرق لهذا الاعلام الذي غير وجه العالم ! هذا من ناحية اما من ناحية اخرى
تراجع دور الاعلام المستقل امام الاعلام الحزبي السياسي والديني والطائفي والقومي والكثير الكثير من الاجندات الاخرى الساعية لخراب العراق فاغلب الكثل والاحزاب والساسة والمذاهب والقوميات يملكون وسائل اعلام متنوعة تبث افكارهم وتروج لها وهذا ما دعا الى تشظي الشعب وانقسامهم كما هو حال اعلامهم و ساستهم ,علما ان الاعلام المستقل ان وجد سيكون اكثرا نجاحا من الاعلام الحزبي والحكومي كون الاول يتصف بالحياد ولا يجامل او يضع على اقل تقدير حدودا لعمله ضمن المعايير الدولية للأعلام الحر والصادق نسبيا والبعيد عن الفبركة و يستقطب كوادر مهنية علمية لها باع في مجال الاعلام .ولكن كون الاعلام سلعة استهلاكية تعتمد على رأس المال ولو من الاعلانات التجارية فهذا يعني اننا لا نعول الكثيرعلى هذا الاعلام المستقل في العراق او نطمح الى ما يميزه عن البقيقة الباقية من الاعلام المنتشر على الساحة العراقية كون الساحة العراقية في صراع فكري مستمر او يمكن ان يكون من اسخن الساحات الفكرية في المنطقة .
دور الاعلام في تسقيط اغلب ساسة العراق
للاسف الشديد الكثير من السياسين لا يجيدوا التعامل مع ماكنة الاعلام و اغلبهم يعتبر مجرد ظهوره على الشاشة نصرا له. ولا نسمع من اي منهم غير الصراخ والتهديد والتوعيد ونشر الملفات الجاهزة للتسقيط والتشهير بالأخر كالأحزاب والكتل و الشخصيات العامة والرموز والهجوم على الحكومة واظهار ولائه لمكونه او طائفته وتسخيف الدستور والبرلمان وما الى ذلك المهم ان يبعد اي تهمة عنه او عن فشله في الوزارة او البرلمان متناسيا انه جزء من العملية السياسية ويقع على عاتقه الكثير مما ذكره .
طبعا من مصلحة الجهة الاعلامية المضيفة له ان تستدرجه الى اقصى حد ليفرغ كل ما في جعبته لتكسب المشاهدين وتشحن الوضع بنوع من الاثارة وتلبس هي ثوب الحمل الوديع الذي يدافع عن حقوق الشعب المظلوم وانها وضعت يدها على الكنز بهذا التشهير .علما ان كل هذه السيناريوهات المتكررة من قبل هذه القنوات لا تمت للاعلام بصلة .بل بالعكس هي نوع من الشو الرخيص له غاياته واهدافه يدفع ثمنه السياسي والعملية السياسية برمتها !
ولا بد للسياسي ان يدرك انه بهذه الطريقه قد انهى مسيرته السياسية بيده وكان يجب عليه قبل ان يخوض هذا المضمار ان يعرف اصوله من حيث النطق والالقاء والسيطرة على الانفعالات وذكر الحقائق وليس انصافها ومناقشة الاهم قبل المهم وتجاوز ما يثير الشبهات ومعرفة مستوى الجمهور وكيف له ان يرفع الذوق العام وماذا يريد من هذا البرنامج وماهي الرسائل التي يجب ان يرسلها للمشاهد ومعرفة الغايات والاهداف التى تبحث عنها الجهة المضيفة ولماذا هو بالذات وهل ما يدلوا به يصب في مصلحة العراق وشعبة وهل من الضروري ان يدلو بها في هذا الوقت بالذات وعليه ان يأخذ بنظر الاعتبار ان سقوط العملية السياسية معناه سقوطه بالمقابل .
في الدول التي تدرك دور الاعلام وهدفه بالتغيير والتأثير تفرض على اغلب ساستها ان يخضعوا لدورات ودروس في ادارة الحديث اعلاميا كي لا يخسروا الكثير من جمهورهم بما فيهم اكبر رؤساء العالم ورجال الدين والعلم لان اي صورة او حديث لا يحسب له حساب سينهي قائله مهما كان ولذا نرى المناظرات في الانتخابات هي من تزكي او تنهي المرشح استنادا لما يطرحه من برامج وخطط لبناء المستقبل بالتعاون مع حزبه .
اغلبنا تابع كيف تصرف ساستنا من خلال البرامج الرمضانية او الانتخابية من خلال الشاشات الفضائية و للأسف كانت برامج بنسخ تقليدية لبرامج عالمية خسروا بها الكثير بل اصبح الجمهور يتندر على اقوالهم و فضائحهم وبالإمكان متابعة اليوتوب او الفيسبوك او التويتر لتتعرفوا كيف ينظر لهم الجمهور .
فالاشكالية الحالية في الاعلام العراقي تقع على عاثق الساسة بالدرجة الاولى الذي اصبح الواحد منهم ينافس رجالات الفن والطرب في الظهور على الشاشات فجاءت نقاشاتهم بائسة فارغة لا تظر ولا تنفع بعيدة كل البعد عن الفكر السياسي ومنهجية الطرح والاستقراء والعلاج وانما لارضاء مقدم او مقدمة البرناج وغالبا مايكون هذا المقدم او هذه المقدمة اكثر منهم بؤسا .
لم اسمع يوما سياسيا ناقش برنامج انتخابي او قانون لا يخدم العراق او يتفلسف بموضوعة تخص الشباب او الشيوخ او فند المؤامرة على العراق او سرقة حقول النفط كحقل خورمالا واين يذهب انتاجه او ما دور الامريكان في العراق بعد الانسحاب او شرح لنا مواد الدستور واين تكمن نقاط الضعف والقوة فيه او يذكر لنا لماذا الدستور لا يقر اننا بلد اسلامي وانما نتبع الدين الاسلامي واللغة العربية بأمكان تغيرها بتصويت ثلث الاقليم ولا يوجد قانون للاحزاب حتى الساعة والاقاليم مقرة دستوريا او اي موضوع غير الهجوم على شخص واحد لانه من مكون اخر. للاسف لم نرى او نسمع من و الى اين يدفع بالعراق نحو الهاوية ؟؟ هل هم حقا لا يعلموا ما يجري وما يخطط للعراق وبأنهم لعب خيوطها بايادي لا تريد للعراق الاستقرار؟
وهل هم لا يعلموا حقا ان الفشل صنيعتهم ؟ ام هم فعلا وعلى رأى الالمان عندما لا يفهوا شئ يقولوا (Bahnhof بان هوف ) محطة قطار لكثرة الضجيج والعجيج و عدم الفهم !!!!
هل تعلموا ياساسة العراق بأن اي صورة او حديث او معلومة اعلامية عن الرئيس او البيت الابيض ممنوع نشرها او بثها بأي وسيلة مهما كان ثقلها الا بموافقة اوباما شخصيا هذا الاعلام المسؤول !!!!
على كل حال المخطط ماشي على قدم وساق لشل حركة الحياة في العراق وبيد من اختارهم الشعب العراقي وعلى ما اعتقد سيستمر الحال كما هو الى اشعارا اخر لان الاوامر لابد ان تصدر من جهات عليا تمكنت من العراق و اذا ما سخرنا الاعلام جيدا امام الرأي العام العالمي سنبقى في دوامة الطائفية والفساد والمظاهرات والاعتصامات والفشل الحكومي والعصيان وبرلمان خارج نطاق التغطية وتفاهم بالاحذية رغم حرية الرأي المكفولة والحصانة البرلمانية .
فالأعلام السياسي هو من يصنع الفشل في العراق من خلال طروحات الساسة المتلفزة والتى نوجزها بما يلي :
اولا: التبريرات واتهام الاخرين للتهرب من المسؤولية .
ثانيا : ضبابية الاهداف لعدم وجد الخطط والدراسات التي تعتمد البناء والتغيير بتحديد الاهداف .
ثالثا : العجز عن التميز بين الصالح والطالح لغياب المعاير .
رابعا: طرح شعارات جوفاء لا تخدم العملية السياسية ولا الصالح العام او بعيدة عن الواقع او مستهلكة لا تفي بالغرض .
خامسا : اعجاب كل ذي رأي برأيه ولا يسمح لاي من كان بمناقشته او التلاقح مع افكاره لذا نرى اغلب الساسة والوزراء يختارون مستشاريهم الاعلاميين من الاقل معرفة وعلمية منهم وغالبا ما يكون قريبه او ابنه او صديقة ردا للجميل .
سادسا :الطاعة العمياء للحزب او الكتلة او الطائفة وتفضيلها على الوطن او الصالح العام في بعض الاحيان .
سابعا : كثرة الاقوال وقلة الافعال .
ثامنا : الغرور وعدم الثقة بالاخر .
وعلية فالمؤسسة الاعلامية بيدها موت او أحياء العراق كبلد موحد حر له حضارة وتاريخ عريق وشعب يتطلع الى بناء دولة المؤسسات دولة الموطن من خلال برامج محلية وعالمية ذات رسائل اعلامية تخدم مصالح العراق , علما ان غزو العراق بدأ بالأعلام وسقوط اغلب الانظمة الشمولية كانت بسحر الاعلام ونجاح اغلب الدول أعتمد هو الاخر على الاعلام .
فالأعلام أذن سلاح ذو حدين من جهل اصوله عمد الى صناعة الفشل ومن عرف مكامنه وسحرة يستثمره في بناء الانسان الناجح .
فدعونا نستثمره كوسيلة فاعلة في بناء الانسان لان الانسان هو عماد بناء الوطن فيا ساسة متى يبدأ البناء ؟؟؟
د أقبال المؤمن