سقطت الديمقراطية في مصــــــر على يد الديمقراطيين!!
    الخميس 4 يوليو / تموز 2013 - 21:57
    محمد ضياء عيسى العقابي
    إذا لم تسقط الديمقراطية في مصر ولأمد غير منظور، بعد أن أعلن وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي بيان القوات المسلحة عصر يوم الإثنين 1/7/2013 الذي وضعت فيه القوات المسلحة نفسها فوق الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية المنتخَب، الذي هو القائد العام للقوات المسلحة، ما يعني أن إنقلاباً عسكرياً أبيض قد حصل، رغم نفي القوات المسلحة لهذا الأمر لفظاً، – فهي، أي الديمقراطية، قد تأخذ وقتاً طويلاً لتبصر النور ثانية.
    وهذا أمر يجب أن يسبب غاية الحزن والأسى في نفوسنا لأنه ليس هناك من أمل في مستقبل كريم مزدهر دون ديمقراطية علماً أن لمصر دوراً قيادياً محورياً في المنطقة العربية التي تمر باسوإ حال إذ تتكالب عليها المشاريع المدمرة.
    ذكرتُ مفردة "ثانية" بمعنى الوقت الذي ستستطيع فيه الديمقراطية المصرية أن تخطو الخطوة الأولى كما خطت عند إنتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية قبل عام في إنتخابات حرة ديمقراطية لم يطعن بها أي من المتنافسين.
    نعم ستستغرق الديمقراطية وقتاً طويلاً لتعود إلى نقطة البداية أي إنتخاب رئيس جديد تحترمه وتتصرف معه الأطراف السياسية، بأغلبها إن لم تكن بأجمعها، تصرفاً ديمقراطياً إعتيادياً معهوداً ومسؤولاً حياله وحيال حكومته الجديدة المنتخَبة. لأننا لو تناسينا أن مصر تمر الآن في ظروف الإنقلاب والتشنج والتحديات والعناد والإهانات والإستفزازات، ولو إفترضنا أحسنَ الإحتمالات المتمثل بإقالة أو إستقالة الرئيس مرسي وقيام العسكر بتحديد موعد لإنتخابات رئاسية جديدة وقبول الإخوان بالمشاركة فيها - عندئذ سينشأ أحد أربع إحتمالات: أما فوز جماعة الإخوان ثانية أو فوز الجبهة المعارضة أو فوز الفلول (أي أنصار العهد السابق) أو فوز رئيس تدعمه القوات المسلحة.
     في أي من الحالات الأربع سيعود تصرف الجهات الثلاث الخاسرة، أو واحدة منها بالأقل، إلى نفس التصرف الذي مارسته قوى المعارضة الآن حيال حكومة الرئيس محمد مرسي وجعلت منه، التصرف، سابقة خطيرة تسببت في سقوط الديمقراطية لأمد غير قصير. ما الذي سيمنعها من ذلك؟ إحترام الشرعية الدستورية؟ سيأتيك جواب الأخوان المسلمين في حالة خسارتهم: ولماذا لم يحترموا هم الشرعية عندما كنا في سدة الحكم؟
    وإذا فاز الإخوان فسيأتيك جواب الآخرين: إنهم سيعودون إلى أخونة الدولة بأشد عزماً ويفرضون الفاشية وهذا خروج على مبادئ ثورة 25/1/2011 الأمر الذي يقتضي التصدي لهم ثانية بإسم "الشرعية الثورية" أي يعيدون عزف إسطوانة اليوم ثانيةً وثالثةً.
    وهكذا دواليك، ونحن مازلنا في حالة إفتراض "أحسن الإحتمالات". فما بالك، لا سامح الله، إذا حصل صدام مسلح بين أنصار الرئاسة والجيش أو بين المدنيين من أنصار الرئاسة والمعارضة أو إذا  تمسَّك العسكر بالسلطة بحجة منع الإشتباك لأَجَل غير مسمى وذلك بعد الإنذار الذي أصدروه في 1/7/2013 والذي أمهل المتصارعين 48 ساعة لتسوية الأمور والإستجابة لمطالب الشعب .... وإلا؟
    تتوفر لدى الطرفين نفس آليات الإثارة والتحشيد المستخدمة الآن وهي: أنتم خونة وعملاء لأمريكا لأنكم لم تلغوا إتفاقات كامب ديفيد مع إسرائيل. إنكم أفقرتم الشعب المصري لأن الفقراء أصبحوا أكثر فقراً والأزمات الإقتصادية والأمنية تتوالى ....  وغير ذلك من الإتهامات.
    علماً أنه أياً كان المستخدم لهذه الإتهامات فهو لا يزيد عن كونه ديماغوجياً لأن الحكومات الجديدة، حتى في الدول الديمقراطية المستقرة الآمنة والغنية، تتطلب وقتاً غير قليل لترتيب أوضاعها قبل الإقدام على إجراءات سياسية أمنية خطيرة من هذا القبيل أو إنجازات إقتصادية بهذا الوزن ناهيك عن أن تكون الحكومة المعنية هي حكومة مصر وهي بلاد محدودة الموارد وبحاجة لمساعدات أجنبية ما يجعلها عرضة للضغوط السياسية الخارجية. فكيف تطالب الحكم الجديد وفي فترة قصيرة تحقيق أمرين متضادين: طلب المعونة الخارجية للنهوض الإقتصادي وبنفس الوقت إلغاء إتفاقات كامب ديفيد؟ علماً أن الحكومة تولَّت السلطة في أعقاب ثورة ما يعني أن هناك قوى النظام السابق، أي نظام القطط السمان وفلولهم، التي سوف لا تتنازل عن سلطتها ومنافعها بيسر فتلجأ إلى التخريب بل حتى إلى الإجرام والإرهاب كما حصل وما زال في العراق.
    إنا لستُ، هنا، بصدد تفحص سجل الأطراف المتصارعة والفاعلة على الساحة المصرية منذ قيام ثورة 25/1/2011. فهذه قضية أخرى وأميلُ فيها إلى موقف القوى اليسارية بحكم كوني ماركسيا ولكنني سأتناول منها القدر الذي يتعلق بمدى الحرص على الديمقراطية من حيث المبدأ أو مدى الإستهتار والتفريط بها. فصيانة الديمقراطية وتطويرها يجب أن تقفا على رأس المهام الآنية للجميع. القضية الأساسية هي من تسبَّبَ في سقوط الديمقراطية أي من الذي هيّأ الأجواء ودفع بالعسكر إلى إتخاذ الخطوة الإنقلابية خارج إطار الشرعية الديمقراطية؟ ومن هو الذي طالب الجيش بإستلام السلطة وإنقاذ البلاد؟ ومن الذي بارك للعسكر إصدارهم بيان 1/7/2013 الإنقلابي؟
    الجواب: إنها المعارضة "الديمقراطية" التي يدعمها الفلول والقوات المسلحة على ما تكشف خلال الأيام الأخيرة.
    لا أعتقد أنها من الحكمة بشيء ولا من الصالح العام أن تدفع قوى المعارضة العلمانية الرئيس مرسي إلى إتخاذ مواقف سيئة للغاية حيال الطائفة الشيعية وحيال سوريا بعد أن إزداد الضغط عليه فأضطروه إلى التنازل لتكفيريي الداخل ولأصحاب النفوذ في الخارج عله يحصل على بعض الدعم فزاد الطين بلة.
    كانت الإنتخابات في مصر، كما هو الحال في كل بلدان العالم، هي الحد الفاصل الذي أنهى "الشرعية الثورية" ولم يعد يحق لأحد أن يتذرع بها بعد الإنتخابات إلا في حالة إقتراف رئيس الجمهورية جريمة "الخيانة العظمى" وتواطأ معه الجهازان التشريعي والقضائي . وهذا لم يحصل في الحالة المصرية.
    أما إذا كانت سياسة الحكومة المنتَخَبة لا تروق لهذا أو ذاك من أفراد وجماعات فما عليهم إلا تنبيه الشعب إليها وإقناعه للتصويت ضد حزب الحكومة في الإنتخابات القادمة أو محاولة سحب الثقة من الحكومة في المجلس التشريعي أو التأسيسي.
    أعتقد أن هناك معضلتان كبيرتان وقفتا في وجه البناء الديمقراطي في العراق والآن تقفان بوجه البناء الديمقراطي في مصر وقد تطيحان بالديمقراطية.
    تتجسد المشكلة الأولى في عدم الإيمان بالشعب. الجميع يدعي الشغف بالشعب وحقوق الشعب وسيادته وكونه مصدر الشرعية وصاحب السلطة العليا. غير أن الواقع، للأسف، أظهر أن معظمهم لا يعني ما يقول بل يحتقر الجماهير الشعبية ويستهين بها عن وعي أو عن غير وعي. 
    فبعض القوى، كمعظم الطغمويين(1) في العراق ومعظم الفلول في مصر وجميع التكفيريين في العراق ومصر هم رافضون للديمقراطية وحقوق الإنسان وسواسية البشر أساساً وهؤلاء خارج الصدد في مجال البناء الديمقراطي وهم يمارسون الإرهاب أو يتسترون عليه.
     أما المؤيدون للديمقراطية في مصر والعراق فمعظمهم لا يؤمن بالشعب. من هذا، فما أن تباشر حكومة الأحزاب الإسلامية، المنتخبة ديمقراطياً على أسس مدنية، أعمالَها حتى يواجهوها بعرقلة مسيرتها وممارسة التخريب والإرباك أملاً في تسقيطها ومن ثم إسقاطها. إنهم يقومون بهذه الأعمال لإعتقادهم أن الحكومة إذا تُركت تواجه النقد البناء فقط دون طعنها وعرقلة مشاريعها (مثلاً عرقلة قانون البنى التحتية في العراق) وتسقيطها فستستحوذ على عقول البسطاء "المغيبين"(2) وتسيطر سيطرة أبدية على المجتمع وتصبح قادرة على تمرير أسوأ التشريعات والمفاهيم والسياسات على المجتمع دون إعتراض. 
    هذا هو الإستخفاف بالشعب وعدم الإيمان بحسه الإنساني الغريزي وقدرته على التمييز بين الصالح والطالح لمجرد أن الأمي البسيط لم يسعفه الحظ ليأخذ نصيبه في التعليم بمختلف مراحله ليكون في عداد المثقفين أو المستثقفين والمتحذلقين الذين تنعموا بخيراته وتعالوا عليه وتنكروا له.
     في مصر إحتج الأديب علاء الأسواني على منح حق التصويت المتساوي لأستاذ الجامعة والفلاح الأمي. لقد تراجع الرجل بعد النقد الذي وُجِّه إليه. وفي العراق كتب المستثقف المتحذلق الدكتور خالد القشطيني عن ديمقراطية الأميين (وأسماها "الأميوقراطية") التي يقيمها "الغوغاء والرعاع" على حد قوله(3).
    لقد ناقش هذا الموضوع بنضوج كبير وإنتصر للجماهير المرشح للرئاسة المصرية الإسلامي المستقيل من جماعة الأخوان المسلمين الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في إجتماع إنتخابي للمصريين والعرب في إحدى قاعات جامعة مونتريال بكندا. وهذا يعني أن الموضوع له صدى بين أعداد غير قليلة من مثقفي المجتمع المصري.
    أما المشكلة الأخرى فتتجسد في الحكم المسبق، المستند إلى الإيديولوجيا والعقيدة، على هذا الحزب الإسلامي أو تلك الحركة الإسلامية فيتم رفضها، حتى إذا نجحت في إنتخابات نزيهة، والإمتناع عن التعامل معها تعاملاً عملياً (براغماتياً) بل تتم مجابهتها بوسائل غير ديمقراطية وغير نزيهة. يمثل هذا تغليباً للعقائدية على السياسة وهذا هو السلوك الدوغمائي الجامد بعينه.
    أعتقد أن القوى العالمية وحلفائها في المنطقة (إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا) العاملة على تشتيت الدول العربية والإسلامية وتقسيمها وتفتيت كل واحدة منها داخلياً(4) للقضاء على ممانعتها للتمدد والإستحواذ الإسرائيلي والنفطي على المنطقة ولتصفية القضية الفلسطينية وللإطاحة بالدولة السورية والجيش العربي السوري وللسيطرة على نفط وغاز المنطقة – أن هذه القوى نَفَذَت بوسيلة أو أخرى من وسائلها الشيطانية(5) إلى الأوساط العلمانية بمعظم أطيافها في كل من مصر والعراق  عبر هتين البوابتين، أي بوابة عدم الإيمان الحقيقي بالشعب وبوابة الحكم المسبق، لمحاولة خنق الديمقراطية وفق السيناريو التالي الذي طبقوه في العراق وأفشلته الجماهير الشعبية الملتفة حول التحالف الوطني وإئتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي والتحالف الكردستاني ولكنه قد ينجح في مصر إذا لن يتراجع الجيش عن إعلانه الإنقلابي وينصاع إلى الشرعية ويدعو المعارضة إلى إنهاء الإعتصام والحوار والإحتكام إلى الدستور:
    أعتقد أن الديمقراطية الحقيقية في الدول العربية وخاصة في مصر لا تروق لإسرائيل وللقوى العالمية ذات المصالح الأنانية في المنطقة ويتخوفون منها لأن الشعب الحر سيتخذ المواقف الصحيحة عاجلاً أو آجلاً وخاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية. لقد دخلت هذه الديمقراطية لبعض البلدان العربية، فما هو السبيل لإبطال مفعولها وإفراغها من محتواها؟ السبيل هو إعادة الدور السياسي للجيش الذي يسهل التعامل معه بدل التعامل مع ممثلي الشعب المنتخبين ديمقراطياً. كيف السبيل إلى ذلك بعد أن أبعدت الجماهير نفسها الدور السياسي للقوات المسلحة يوم هتفت في الشوارع: "يسقط حكم العسكر"؟ السبيل هو التالي:
    يتلخص السيناريو بتنظيم جبهتين شعبيتين متواجهتين (كما هو حاصل الآن في مصر) لا يمنع تصادمهما المسلح إلا العسكر الذي يستغل الموقف لتكون له اليد العليا ويبدأ بالسيطرة على كلا الجبهتين بتخويف إحداها بالأخرى.
     لجأوا إلى تقنية إستغلال إنقسام المجتمع طبيعياً بعد التغيير الثوري وإقامة النظام الديمقراطي إذ ستبقى الفلول (والطغمويون في العراق) والتكفيريون معارضين للتغيير الديمقراطي (أيٌّ كان في الحكم علمانيون أو دينيون) ومحاولين إعادة العجلة إلى الخلف. هنا تحصل المواجهة الأولى؛ علماً أن الفلول لا يفصحون عن أنفسهم صراحة بل إنهم يندسون بين صفوف القوى الثورية المعارضة؛ كما إن لهم وجوداً طبيعياً في الأوساط الإقتصادية والمالية والإعلامية وصفوف القوات المسلحة والأمنية والشرطة وخاصة على مستوى القادة.
    أما المواجهة الثانية والتي تتصدر المشهد المعارض فهي قوى الثورة الساعية للديمقراطية ولكنها المصابة بالإشكالين اللذين ذكرتهما قبل قليل أي عدم الإيمان بالشعب والحكم المسبق.
    بهذا تصبح للجيش اليد العليا.
    أتوقع أن يُعاد الإعتبار السياسي للجيش التركي، الذي نزعه منه أردوغان، وفق هذا السيناريو أيضاً لا بسبب غفلة القوى المعارضة لأردوغان بل بسبب رعونة سياسته الإستفزازية المتغطرسة.
    لم يُستثنَ العراق من هكذا مخططات. حاول الأمريكيون خلق جيش ثالث في العراق وهو جيش الصحوات لتصبح هناك ثلاث جيوش متقابلة (الجيش العراقي "الشيعي"، قوات البيشمركة "الكردية"، وقوات الصحوات "السنية"). وبوجود طغمويين كمعظم قادة إئتلاف العراقية كانت ستحصل المواجهات التي تضطر العراق إلى إبقاء القوات الأمريكية لـ "فك الإشتباك" بين هذه الجيوش المتناحرة ويصبح العراق تحت الإحتلال إلى أجل غير مسمى.
    أفشل الوطنيون العراقيون بجميع أطيافهم القومية والدينية والمذهبية والفكرية هذا المخطط. وهنا برز دور رئيس الوزراء نوري المالكي وأبناء الصحوات الغيارى الذين فطنوا للّعبة وتعاونوا مع الحكومة لإفشال المخطط.     
    ولما فشلت هذه الخطة عمدوا إلى سيناريو إنقلابي دموي في ساحة التحرير يوم 25/2/2011 كان سينفذه الطغمويون والتكفيريون ونجحوا في إستدراج الصدريين إليه لولا إنسحابهم منه قبل يوم من تنفيذه بعد أن كشفه وحذر منه السادة علي السيستاني وجلال طالباني ونوري المالكي ومقتدى الصدر.
    قضى المخطط أن تحصل مذبحة وحرائق ومهاجمة سفارات وقتل من يمكن قتلهم من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء ليُصار إلى تكليف مجلس الأمن للقوات الدولية الموجودة في العراق للسيطرة على الموقف وتشكيل حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني. وهكذا يتحقق الهدف.
    خلاصةً: الديمقراطية الحقيقية سلاح بيد الشعوب ومصدر قلق لأصحاب المصالح غير المشروعة لذا فهم يتآمرون على وأدها.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع أحد الروابط التالية http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
    http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
     http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
    (2): طالما يردد الفاشلون والمفلسون وصف الجماهير العراقية بـ "المغيَّبة" لتبرير فشلهم وإفلاسهم.
    (3): أعتقد أن هناك من المستثقفين من هم في الواقع طائفيون ببرقع علماني ليبرالي؛ وهؤلاء يحقدون على الجماهير البسيطة لأنها شخصت بحسها الغريزي أن الديمقراطية العراقية تمثل ضرورة موضوعية للحفاظ على سلامتها، أي سلامة الجماهير، من التطهير العرقي والطائفي والإرهاب الذي نشهده حتى هذا اليوم. كما إن هذه الجماهير أثبتت كونها عصية على التجاوب مع كم هائل من مواد الدعاية المغرضة والتشويش والتلفيق والإثارة والتحريض يقوم بها محترفون متخصصون مدفوعو الأجر، وتمرُّ عبر فاشلين ومغفلين. لذا فقد أصبحت هذه الجماهير البسيطة هي السد المنيع ضد محاولات أعداء الديمقراطية من الطغمويين والتكفيريين للإطاحة بدولتهم الجديدة. وهذا هو سر الحقد على هذه الجماهير وتحقيرها.
    (4): الفيدرالية والأقاليم والمحافظات سلاح ذو حدين. فإذا أُحسن إستخدام هذه الآليات الإدارية المتطورة فيمكن خلق بلد يستطيع أن يختط طريقاً إنسيابياً للتنمية والتقدم خالٍ من التوترات والتناحرات الداخلية التي تؤول في نهاية المطاف إلى التمزق والتقسيم غير المحمود.
    بنفس الوقت يمكن إستخدام تلك الآليات للإضعاف والتناحر والتآمر ومنفذاَ للتدخل الأجنبي.
    أعتقد أن الطريق الذي إختطه العراق لنفسه في هذا المضمار كان سليماً؛ علماً أن حق تقرير المصير مفهوم ديمقراطي حضاري لا صلة له بالإنفصال أو التقسيم الجائر غير المحمود.
    (5): للتعرف على حذاقة إحدى وسائل الإختراق النخبوي والجماهيري في العراق، ما عليك إلا مراقبة فضائية (الحرة – عراق) التي يشرف عليها الكونغرس الأمريكي. فهي قناة راقية جداً على العموم إلا أنها تدس السم بالعسل في برامجها الحوارية حيث يوجَّه الحوار بطريقة تأليبية تسقيطية تنال من الجهات السياسية العراقية التي لا يطمئن لها الأمريكيون   وخاصة التحالف الوطني وبالأخص إئتلاف دولة القانون. مثلاً: تتغافل هذه البرامج تماماً عن مسؤولية الأمريكيين في جوانب عديدة من الحياة العراقية وتحاول تلبيس كامل المسؤولية بالحكومة العراقية كمسائل الأمن والفساد وسوء الخدمات والمحاصصة والتستر على الإرهابيين داخل العملية السياسية وضعف التسلح وضعف أجهزة المراقبة والكشف الأمني وغيرها.    
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media