لاجئون في أوربا.. الهجرة من العراق تنتهي بالعودة إليه
    الأربعاء 1 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 05:06
    بغداد (IMN) - تحوّلت مطارات دول أوربية مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا في الاشهر القليلة الماضية، الى احضان دافئة لسكان الاقليات في العراق، بعدما فتحت لهم هذه الدول، فرص الاقامة والحصول على اللجوء الانساني والسياسي، على حد سواء.

    وفي الاسبوع الماضي، استعد المترجم محمد علي مع مجموعة من موظفي اللجوء، وباحثين اجتماعيين، في باريس، لاستقبال نحو مائتي لاجئ مسيحي، نقلتهم طائرة فرنسية من مطار أربيل في اقليم كردستان في العراق.

    وفي حين قال اللاجئ فوزي شمعون (50 ) سنة لـ(IMN) انه "ترك مدينته الموصل على مضض"، الا انه يعترف بانه "لا يستطيع العيش فيها في ظل سيطرة عصابات (داعش) الارهابية على مقدرات المدينة".

    وفي اتصال هاتفي معه، قال ان "المئات من المسيحيين والايزيديين، في اربيل واسطنبول في تركيا، ينتظرون السماح لهم بالهجرة".

    وفي حين يعِد شمعون بالحديث في مناسبة اخرى عن تفاصيل ما لاقاه من اهوال من قبل عصابات "داعش" حين اجتاحت الموصل في العاشر من حزيران/يونيو الماضي، فانه يختم حديثه بالتأكيد على "استحالة" العيش الان في الموصل، ليس بالنسبة لأفراد الاقليات فحسب، بل والمسلمين ايضا".

    وفي المانيا التي وصلتها مجموعة من النازحين العراقيين الذي كانوا يقيمون في تركيا، يؤكد رمزي غسانلـ(IMN)، وهو صابئي عراقي، وكان يعمل صائغا في الموصل، ووصل الى برلين بصحبة زوجته وابنه، ان "الهجرة القسرية من العراق غيّرت مجرى حياته، وحوّلته من شخص منتج وفاعل في المجتمع، الى لاجئ في أوربا".

    ولان غسان يعتقد ان بقاء عصابات "داعش" الارهابية في الموصل، ستحوّل اهالي تلك المناطق الى لاجئين ونازحين بسبب بغض الناس لهم، فانه يدعو الحكومة العراقية والمجتمع العالمي الى "سرعة تحرير الموصل والمناطق الاخرى قبل ان يستفحل الخطر بصورة اكبر".

    وتابع أن "جميع الذين التقيتهم في اقليم كردستان، وفي تركيا، يؤكدون على ان العصابات الارهابية حوّلت اهالي الموصل الى شعب مشرد"، مؤكدا على ان "الحفاظ على الشعب كثروة بشرية، يكمن في حفظ الامن وسرعة تحرير المدن والقضاء بشكل نهائي على الارهاب".

    ولا تختلف قصة غسان، عن حكاية المئات من أفراد الاقليات في الموصل، فإما التحول الى "الاسلام"، والتطوع في صفوف التنظيم المسلح، واما القتل.

    وكانت تنظيمات مسلحة، وعلى رأسها عصابات "داعش" الارهابية، اجتاحت مساحات شاسعة من العراق وسوريا، وأعملت السيف في رقاب الكثيرين، وهجّرت الناس، واقامت محافل لإعدامات جماعية، وسبت النساء وعذبت الرجال.

    وفي حين يعرب النازحون العراقيون الذين وصلوا حديثاً الى أوربا، عن أملهم في ان تؤدي الهجمات الجوية الى اضعاف التنظيمات الارهابية، فان الضابط العراقي المتقاعد من الطائفة المسيحية، بهنام يوسف، ووصل الى باريس الشهر الماضي يشير لـ(IMN)،الى "صعوبة هزيمة داعش من دون هجوم بري"، مؤكدا على ان "هذه العصابات التي تدرّبت على حروب الشوارع والمدن تجيد الاختفاء والذوبان بين السكان تجنبا لقصف الطائرات".

    وينقل اللاجئون العراقيون بعد وصولهم الى العواصم الاوربية، الى أماكن اقامة مؤقتة في الفنادق وقصور الاستقبال الضخمة، تمهيدا

    لمنحهم اماكن سكن دائمية، توزّع على المدن المختلفة، في خلال بضعة اشهر، فيما يلتحق الاطفال بالمدارس في اسرع وقت ممكن. كما تُحتسب رواتب اعانة اجتماعية شهرية لهم، بحسب عدد افراد الاسرة.

     وفي حين استقبلت دول اوربية مثل فرنسا والمانيا اعدادا من النازحين العراقيين، فان هذه الاعداد متواضعة قياسا الى الاعداد الهائلة من النازحين الذي تجمعوا في مدن اقليم كردستان وفي تركيا، فيما لم تبد دول اخرى، الرغبة في استقبال اللاجئين، وفضّلت إرسال المساعدات الانسانية الى مناطق تواجدهم.

    وبحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الجمعة الماضي، فان الحرب في سوريا والعراق وانعدام الاستقرار في مناطق أخرى، دفعت مزيدا من الناس الى طلب اللجوء في الدول الغنية، وان الطلبات بلغت في 2014 رقما قياسيا، لم يحدث منذ 20 عاما.

    والى جانب ذلك، ابدت هذه الدول حماسا في الانضمام الى "ائتلاف" دولي لضربات جوية ضد التنظيمات الارهابية في العراق وسوريا.

    ويقول محمد التميمي العامل في شؤون اللاجئين في بلجيكا، في اتصال هاتفي ان "القصف الجوي سوف لا يقلل من اعداد اللاجئين ونتوقع استمرار موجات النزوح طاما هنالك اعمال عسكرية في المنطقة".

    وانخفض عدد السكان المسيحيين في العراق إلى أكثر من النصف خلال العقد المنصرم، من نحو مليون شخص قبل 2003 إلى 400 ألف شخص تقريبا بحلول تموز/ يوليو هذا العام.

    ويؤكد التميمي لـ(IMN) ان "الدول الاوربية تتعرض الى ضغوط لاستقبال المزيد من النازحين"، مشيرا الى ان "ارسال المساعدات اليهم في العراق وسوريا وتركيا، لن يكون كافيا".

    على صعيد متصل، فان وسائل الاعلام الغربية، تتحدث عن وصول عشرات النازحين بصورة غير "شرعية"، بواسطة شبكات التهريب الى أوربا.

    ويؤكد التميمي ذلك بالقول ان "الاسر ذات الامكانات المادية الجيدة تدفع الاف الدولارات الى المهربين لكي تصل الى أوربا".

    ويعترف عماد الطائي من الموصل الذي وصل الى هولندا الاسبوع الماضي، لـ(IMN) انه "دفع الى المهربين نحو سبعة الاف دولار لكي يصل الى اوربا".

    وتابع القول "طلب المهرب اكثر من هذا المبلغ بكثير، لكنه تساهل معنا، لمعرفته بعدم قدرتنا على دفع اكثر من هذا المبلغ".

    وفي القصر الاثري الذي يسكن فيه الطائي، الى جانب العشرات من المهاجرين الذين وصلوا الى أوربا بطرق مختلفة، يستعد الطائي لبداية جديدة في حياته في تعلم اللغة، واتباع دروس في الاندماج المجتمعي، والثقافة الهولندية.

    ومن بين نحو ستين شخصا يسكنون في القصر الاثري الذي حولته السلطات الهولندية الى "مركز استقبال للاجئين"، يقول الطائي ان "نحو عشرين عراقيا من بين نحو مائة وعشرين نازحا من مختلف انحاء العالم، يسكنون في هذا المكان الواقع في عمق الغابة المحاطة بأشجار كثيفة وبراري واسعة".

    وبحسب احد موظفي ادارة شؤون اللاجئين فان "اعداد اللاجئين العراقيين ارتفعت، منذ بدية العالم الجاري".

    ففي فرنسا، وبحسب وكالة رويترز هذا الاسبوع، "وصل 40 مسيحيا من شمال العراق في نهاية أغسطس/ آب وفقا لمعايير صارمة بأن لديهم روابط عائلية في فرنسا وموارد تكفي للعيش هناك. ووصل 60 مسيحيا بوسائلهم الخاصة".

     وفي الوقت الذي يتمتّع به اللاجئون الذين يصلون عن طريق منظمات الهجرة الدولية، والامم المتحدة، بالامتيازات والراحة وسهولة ترتيب الاوضاع والتسجيل في البلديات، فان الذين يصلون عبر "التهريب" ينتظرون نتائج التحقيق معهم، لحين البت في مسالة بقائهم من عدمه، وفي الغالب يستغرق ذلك شهورا عدة.

    وفي كلا الحالين، فانّ الأمر نسبيّ، لمن يريد ان يبدأ حياته في مجتمع جديد في عاداته وتقاليده ولغته.

     وفي حين يتخوف البعض من مستقبل "مجهول" ينتظره، خصوصا اولئك الذي تلقوا تعليما "بسيطا"، أو لم يتعلموا في وطنهم الأم، فان الاكاديميين وخريجي الجامعات والمعاهد، يجدون آفاقا أمامهم، في الدراسة والعمل، اذا ما اجادوا اللغة والانخراط في المجتمع.

    وغالبا، ما يجد المهاجرون "الأميون" صعوبة في الاندماج والعمل، فيما يتمكن المتعلّمون والخريجون من اقتناص الفرص بسهولة.

    ويؤكد ذلك سعد الشمري المهندس الكهربائي، المتخرج من الجامعة التكنولوجية في 2009، حيث أكمل تعلم اللغة الهولندية في خلال سنة، ونجح في تقييم شهادته الاكاديمية، ويتوجب عليه الان الدراسة لمدة سنتين فقط، للحصول على الماجستير على نفقة الدولة.

    وفي حين ينظر البعض الى الشمري، باعتباره "كفاءة" تخسرها البلاد، التي صرفت عليه الاموال الطائلة لتعليمه وتأهيله، الا ان الشمري يهوّن من ذلك، و يعتقد ان "اكمال دراسته ستتيح له تعلم تقنيات ومعارف جديدة، وسيكون في وسعه العودة الى بلده لخدمته في اللحظة التي يتيح له الاستقرار الامني والاقتصادي ذلك".

    وبطبيعة الحال، لا يبدو ذلك بعيداً، في نظر الذي يرغب في المشاركة في بناء بلاده واعمارها، واضطرته الظروف القاسية الى الهجرة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media