بعد ان غابت طيور اللقلق عن قباب بغداد ... بقايا نوارس الرافدين تُطرَد من العراق !!؟
    الأربعاء 15 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 08:16
    نزار ياسر صكر الحيدر
    من من العراقيين الذين عاشوا سبعينات وستينات القرن الماضي لايتذكر طيور اللقلق ؟ التي كانت تعشعش فوق قباب ومآذن بغداد وهي تزقزق وتصفق بأجنحتها ومناقيرها لتصدر اصواتا تدهشنا وتدعونا لمراقبتها وهي تحتضن فراخها وكنا نسأل من يكبرنا عمرا ماهو سر هذه الطيور الوديعة التي تختارالعيش في العراق ؟؟ فيجيبوننا بأنها تختار أن تعيش في مدن يسودها السلام والأمان ؟
    لكننا فوجئنا بعد سنوات وبعد ان مرت على العراق ايام صعبة فقد فيها العراقيون السلام والامان ان هذه الاعشاش أمست خالية من شاغليها ولم نعد نستمتع ونحن نتأمل حركات تلك اللقالق عندما كنا نمر بقربها !!؟
    هكذا فقدت بغداد احدى اجمل علامات أمنها واستقرارها بسبب الحروب والاضطربات اللعينة وفقدنا هذا الطائر الذي يضيف جمالا لطبيعة بغداد !
    اليوم ومنذ اكثر من عشر سنوات ونيف تسرب أغلب نوارس الرافدين ( المندائيون ) الذين تربوا وتعبدوا تقربا للخالق على حافات دجلة والفرات لان ديانتهم موغلة بالتطهر من خطايا وعوالق الحياة الزائلة بالماء الجاري الحي والذي هو اساس الحياة وسر كينونتها فكانوا يشكلون حلقات صغيرة ترتدي الابيض علامة الطهر والنقاء لتتعمد في مياه النهرين في أيام الآحاد من كل أسبوع وفي كل الفصول لاتمنعهم عن أداء فروضهم الدينية  تقلبات الجو ولا زمهرير الشتاء أو لهيب شمس تموز !!
    فكانوا هم والنوارس التي تتنقل بين ضفاف الانهار اصدقاء تربطهم مشتركات عديدة أهمها أن كليهما لايستطيع العيش بعيدا عن الماء الذي هو سر الحياة فتكون بينهما تناغم هارموني واصبحا جزء من لوحة جميلة اعتاد ان يراها العراقيون وهم سعداء !
    إن مايمر على العراق والعراقيين من محن متلاحقة خلال العقد الماضي الذي انفرط فيه عقد السلم الاهلي والذي يتكون من كل مكونات الشعب العراقي الإثنية والدينية المختلفة والذي يحتل الصابئة المندائيون (نوارس العراق )  مكانة القفل لهذا العقد كونه أصغر جزء فيه وما يحتله القفل من اهمية تماسك مكوناته بالرغم من صغر حجمه فأن فقدان او عطب هذا القفل لايصلح ان يزين رقبة العراق مهما كانت لمكوناته حجم أو قيمة مادية ولايصبح له اهمية لانعدام امكانية استخدامه !!
    أن مايجري في العراق من استعار للنزعة الطائفية والتي كبرت ككرة الثلج التي تدحرجت منذ عقد من السنوات  والصراع المذهبي الذي تقف وراءه جهات اقليمية لها مصالح جيوبوليتكية لقد تطور هذا الصراع الطائفي الدامي وطحن الاخضر واليابس بين فكي رحاه والذي لاتبدو له نهاية على المدى المنظور لقد كان من ابرز سمات هذا التطاحن الطائفي هو تشريد الاقليات الدينية المتواجدة على ارض العراق والتي تحولت الى ضحية لأيدلوجية التطرف الديني  والذي يسعى لخلق دويلات طائفية بعد تقسيم العراق  والتي تعمل جادة بتفريغ دويلاتهم القادمة من الاقليات الدينية غير المسلمة أن خطة انشاء دويلاتهم المزعومة تحتم عليهم ( تنظيف ) وتهيئة ارضيتها لأعلان دويلاتهم الاسلامية الطائفية مستغلين احتدام الصراع وانشغال الرأي العام المحلي والعالمي بالاقتتال وتحت مظلة غبار الصراع كي يمرروا جريمتهم بالتطهير العرقي والديني لدولتهم القادمة المزعومة لتكون الاقليات الدينية ضحية هذه الايدلوجيا مقتدين بالافكارالنازية التي انتهجتها المانيا بالتخلص من اليهود بشتى الاساليب لتفريغها كي تكون دولة ذات اتجاه عنصري واحد غير مبالية بما سيصيب تلك الاقليات من دمارانساني وضرر مادي ومعنوي كبير لقد قدمت طائفة الصابئة المندائيين مئات الضحايا من ابنائها ثمنا لهذا الصراع المقيت الدامي لا لشيء وانما لان اطراف الصراع تريد ان تهيء الارض لانشاء دويلاتهم المسخ غير مبالية بما قد يصيب الاقليات من ضرر يستهدف وجودهم ان المندائيين هم اهل الارض ونوارسه وقفل العقد واقلية الاقليات فلو عرفنا ان نسبة عدد المندائيين لنفوس الشعب العراقي يعادل 1 الى 750 عراقي وبمعادلة بسيطة يمكننا ان نعرف حجم الجريمة  التي ارتكبت ضدهم خلال عقد واحد قياسا بعدد نفوسهم !!
    ان تكرار حوادث الاختطاف والتسليب والابتزاز والقتل والتمثيل بالجثث واختطاف النساء واجبارهن على تغيير ديانتهن وارتداء الحجاب وتهجير العوائل من مناطقها التي ولدوا وعاشوا فيها والتمييز بينهم بالتعامل ونعتهم بالنجاسة وشتمهم من على المنابر او التحريض على اهانتهم فأن جميعها تصب في مجرى واحد الا وهو ترهيب الصابئة المندائيين واشعارهم بعدم الامان واشاعة الخوف من المستقبل وما قطع الرؤوس والاعدامات الجماعية وسبي النساء واغتصابهن واختطاف الاطفال وتهجير العوائل الآمنة من بيوتها الا لزرع الخوف وبث الرعب حاظرا ومستقبلا ويحمل رسالة صريحة وواضحة لهذه الاقليات الدينية بأن لامكان لها في ارض العراق فكيف الحال بأقلية الاقليات الصابئة المندائيون التي يمنعهم دينهم حتى من حمل السلاح وحتى الدفاع عن انفسهم !! ؟
    لقد ادرك المندائيون هذه الرسالة وبدأوا يهيمون على وجوههم في ارض الله الواسعة وهاهم ينتشرون في دول العالم من نيوزلندة الى كندا معرضين انفسهم الى خطر الانقراض مضحين بالغالي والنفيس تاركين كل ارثهم الحضاري والديني ولم يعد المندائيون بعد الآن نوارس بين النهرين وهم يواجهون مستقبلهم المجهول وبقائهم كديانة توحيدية قديمة تمتد جذورها الى ابعد من السومريين !!
    فبالرغم من انهم اهل ارض مابين النهرين الا انهم اضحوا غرباء وغير مرغوب فيهم وكل هذا حصل بسبب الشعور بالخوف والترهيب والتهديد  الذي يحصل في ظل الانفلات الامني وغياب شرعية الدولة والقانون لكن المشكلة لاتزال متفاقمة يواجهها العديد من بقايا المندائيين الذين لازالوا يعيشون في العراق مجبرين لاسباب كثيرة اهمها  ان الاغلبية منهم ليس لديهم القدرة المادية على ترك العراق والعيش في دول الانتظار ليحصلوا على الهجرة والعيش لفترات طويلة قد تصل لعدة سنوات بانتظار اجراءات منظمات الامم المتحدة البطيئة والمثقلة بالبيروقراطية والتعامل غير المنصف للمندائيين حالهم حال آلاف المهاجرين والتي تطبقها المنظمة وليس هناك جهة تستطيع ان تهجر بقايا هذه الطائفة الذين يستحيل بقاؤها بعد الان في العراق بسبب مايتعرضون اليه من استهداف ممنهج ومنظم لأخلاء دويلاتهم المسخ القادمة من غير المسلمين لأن خطة هؤلاء الطائفيين هي طرد كل الاشخاص من الطائفة الاخرى والاستحواذ على اكبر مساحة من الارض بالقوة من خلال حملات التطهير الطائفي العرقي فكيف يمكن ان يقبلوا بمن يدينون بدين آخر !!؟
    لقد تعرض المندائيون الذين لازالوا يعيشون في العراق الى جرائم بشعة  تزايدت باضطراد فلا يمر اسبوع الا وترتكب جريمة اختطاف ثم قتل وتمثيل بالجثث وتشريد وابتزاز وتهجير واختطاف مندائيات واجبارهن على اعتناق الدين الاسلامي اضافة الى هروب العديد من العوائل المندائية المنتشرين في محافظات الوسط والشمال من خطر داعش الذي اجتاح مناطقهم مما اضطرهم الى الهرب من مساكنهم  تاركين وراءهم كل مايملكون فارين بجلودهم الى محافظات الجنوب وهناك عليهم ان يتعايشوا مع عشائر واشخاص يعتقدون ان مدنهم وارضهم اصبحت طاهرة لايحق لغير المسلم العيش فوقها ويدنسها !!
     ويلاقون اسوء انواع الاضطهاد والتعسف بالتعامل مع المندائيين ويصفونهم احتقارا ( بالنجاسة ) ولايزال المندائيين متشبثين بأرضهم وانهارهم المقدسة وماهم الا ملح ارض العراق ونوارسها فهل تستطيع النوارس العيش في غير هذه البيئة؟ التي خلقت لها  وكيف يمكن ان يوازن المندائي بين تشبثه بأرضه ودينه وبين الخوف والترهيب والقتل اليومي البشع وهو لايملك الا ان يواجه مصيره  وبدون اي حماية ومستقبل مظلم بدون أي ضوء في آخر النفق !!؟
    الشيء المؤسف والمحزن ان مستقبل نوارس العراق سيكون حتما كمصير طيور اللقلق التي ماعادت تعيش في العراق واختفاؤها عن اعشاشها حطم الصورة الجميلة لاستتباب السلام والامان في العراق والى أجل غير منظور وهنا يكمن السؤال المهم هل ستعود طيور اللقلق الى العراق ان استتب بها الامن وعاد السلام ؟؟
    وهل ستبقى طيور النورس تحلق على شواطئ دجلة والفرات بدون ان تتراقص فوق حلقات المندائيين الذين كانوا يتعمدون في مياه الرافدين الحية بعد ان يطرد آخر مندائي من العراق ؟
     بعد حمى التطهير الطائفي وحمى تأسيس دولة شيعية وأخرى سنية خالصة وخالية من غير المسلمين ولنا في التأريخ عبرة عندما طرد اليهود من الجزيرة العربية لتقام عليها دولة الاسلام وكأن تلك الدولة العتيدة لاتستقيم الا على حساب آلام الغير .

    ماساتشوستس / وستر
     14 اكتوبر 2014
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media