في زحمة الفكر
    السبت 18 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 17:01
    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    عادة ما تجتمع الاسباب  لدفع اي شعب الى السقوط في زمن المحنة  كما هو في زمن المخاض الصعب وضمن مساحات التخلف الشاسعة، فتتباعد و تتعقد الحلول و يصعب الوصول الى  جوهر الاسباب الحقيقية لذلك الهبوط أو السقوط .
    و من اهم تلك الاسباب:
    1- عندما يتغلب الجهل على العقل والمنطق  فيصادر كل ادوات المنطق و العقل و الرأي، ويسيطر على  كل المجالات  المتوفرة. و هذا ما يحصل في العراق اليوم مع الاسف، و بدون اي تحفظ او نفاق و بدون الادعاء بالبطولات الزائفة التي تهيمن على ذهنية الشعب العراقي بأجمعه ولو بدرجات مختلفة معينة و باستثناء الاقلية الصامتة و الخاملة التي تلوذ بالصمت خوفاً من بلطجية وبلاء الجهلة المهيمنين على الاوضاع في عراق اليوم.
    ٢-  و بنفس الاهمية، هو ان هؤلاء الصامتين الخاملين من كل طبقات المجتمع العراقي من اقصى اليسار الى اقصى اليمين و من الإسلاميين الى العلمانيين، انها حالة من الضياع التي تمر على الشعوب في مرحلة معينة من مراحل مسيرتها الاجتماعية و التاريخية .

    اي عراق نريد .
    عراق العلم من اجل التطور لا عراق الجهل الذي اسسه و  فرضه عهد البعث و جرذ ابن العوجة لاربعة عقود سوداء مظلمة. نريد عراق التسامح عن طريق الفهم لا عن طريق الخوف و النفاق، عراق الجميع لا عراق الطوائف و الكتل و المناطق، و لا عراق المشايخ و الاحزاب المناطقية و العرقية و الطائفية .
    تكلم رئيس الوزراء عن الالقاب و مساوئها و اقترح رفضها، لماذا اذاً يخاطب اجهل العراقيين مثل مقتدى الصدر بسماحة السيد مقتدى، او سماحة السيد الحكيم؟؟ هل استسلم حتى العلم الى النفاق كما استسلم كل العراق و العوائل  و تسلسل توارثها؟.
    لقد تم مؤخرا منح الطفل الجاهل مقتدى الصدر شهادة دكتوراة فخرية من احدى الجامعات العراقية (غير معروفة وغير مرخصة)، فنشر الخبر على نطاق واسع في الإعلام الى حد عرضه على اليوتيوب. و محتوى الفديو اخطر من عملية منحه الشهادة العلمية بدلالة النفاق الذي صاحب هذا الفديو ، و الجمع الذي تيمن بهذا الجاهل فهلل و بسمل و عظم، واذا بهذا الجاهل آية من آيات الله العظمى. كيف يمكن ان تحصل مثل هذا الامر في عراق القرن الواحد و العشرين؟
    حقاً ما قاله الشاعر:
    لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.... ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا
    ان وجود مقتدى هو الجهل بعينه و تخوف المثقفين من السياسيين و المفكرين هو ثاني مراحل هذا التخلف. فتصور إنسان جاهل مثل مقتدى يخاطب بحجة الإسلام وآية الله...الخ، ويتمتع بصلاحية إصدار الفتاوى على غرار الفتاوى العرعورية.. فكيف نريد للعراق أن تقوم له قائمة في هذا الزمن الرديء؟

    اكتب عن هذه القضية منذ اكثر من ستة اعوام و لي اسبابي التي اعتقد بها جازماً، و بأنها قمة التخلف العقلي و الغباء السياسي، و لا اعتقد و لا لمرة واحدة ان هناك تحليل منطقي للسكوت عن هذه الظاهرة  من قبل كل السياسيين و المثقفين و المفكرين و لا حتى من العقلانيين  ناهيك عن سكوت المرجعية الحكيمة إذ كما قال حكيم: "أنت لست مسؤولاً فقط عما تقوله، بل ومسؤول حتى عما لا تقوله في وقت يتطلب منك القول".
    فمن يتابع الاعلام الغربي سيتعرف على بعض تلك الاسباب، ولا يهمني هنا ان كان ذلك الاعلام مغرضا او متوهما، وما يهمني هو الخوف من الحدث الذي تسببه تلك التصرفات الطفولية الجاهلة و مردودها المدمر على المكون الشيعي قبل أي مكون آخر، بل وعلى عموم العراق .اخذت تتصاعد المقالات عن مساوئ ومخاطر المليشيات الشيعية التي تخيف المكون السني. كتبت زيفا ، لانها راحت تحرك ضمائر الاصدقاء و الاعداء على حد سواء. فماذا يتصور الجاهل مقتدى الصدر عندما يجيِّش اكثر من مليون من أتباعه؟ ألا يكون هناك ردود افعال داخليا و خارجيا في وقت نحتاج فيه الى مؤازرة كل العالم في دعم العراق في حربه على داعش؟ و من هذه الامور انه اخذت تتوالى الاخبار صادقة ام مغرضة، بان التطرف و مسيرات المليشيات الشيعية تهدد السلم في العراق كما يهدد الدواعش كل العراق، لماذا يتزاحم  ويناقس هذا الجاهل ما صدر من المرجعية الحكيمة بدعوتها للدفاع الكفائي؟ و لماذا لا تتكلم المرجعية بصراحة الحكماء ان هذه المليشيات تضر العراق و تفرقه اكثر مما تنفعه؟
    يتواجد الخبراء الاجانب في العراق ( وخصوصا في كردستان) ضمن حملة مكافحة داعش. فلماذا لا نقولها صراحة انهم جاءوا لمساندة العراق، وأننا بحاجة لهم، كما نقول اننا لا نقبل بوجود جيوش اجنبية على ارضنا متحججين بالكرامة والسيادة؟.
    إنها لحالة حرجة تسبح في مياه آسنة يعكرها غياب المصداقية التي هي من صلب و اهم اهتمامات الشعب العراقي، فاذا كان الهدف بناء عراق  سليم ومتطور او في طريقه للتطور، عراق يبنى على اسس علمية لا على الجهل المدقع يقودها اناس لا هم لهم الا الاستغلال و النفاق، و يقودهم رجال لا نعرف مصادر تمويلهم و لا من زرعهم و لا من يوجههم، و نستمر ندعى السير في طريق التطور و التقدم  وهو في حقيقته تحلف وتراجع. فاي تقدم نتوقع من قيادات لا هم لها الا التسلط على رقاب الناس و محاصصة وصلت الى حد القرف تنخر تركيبة الدولة العراقية لتصل الى اصغر المناصب .

    حالة حرجة فاسدة تغطي كل مساحات العراق بدءً من أربيل و العلاقة المشكوك بها بين الاقليم و تركيا  لتصل  بنا اننا نتقبل و بكل خنوع، ان دويلة اصغر من أهوار الجبايش مثل قطر راعية الارهاب الاولى تتحد اليوم بهتانا معنا لمكافحة ما اسسته منذ عشر سنوات من الارهاب في العراق. و كم من سكان المناطق الغربية تتنوع علاقتهم بالارهاب؟ من الحواضن الى المساندة الى التطوع الى الخيانة الى التآمر و تصل الى الحرب على الشعب العراقي، ثم يطالبون و يستجاب لهم ان يتوقف القصف الجوي العراقي على مناطق الداعش، بينما لا يعترضون على القصف الاجنبي على مناطقهم. كيف يحلل هذه الحالة السيد العبادي حامل شهادة الدكتوراة في العلوم الهندسية من جامعة بريطانية عريقة، وليست مثل شهادة الدكتوراة الشرفية الأخيرة التي منحت لـ،"سماحة" السيد مقتدى، واين المنطق؟
    حالة حرجة قد تصل الى حالة ميؤوس منها اذا استمر الضحك على الذقون بهذا الشكل الفاضح.. حالة سائرة دون ان يعترف بها اي شجاع ما ، حالة سائرة الى التقسيم، فلماذا ترسل هذه الجموع الخيرة من الشباب لتقاتل في غير مناطقها في وقت  يشكك بها و تسمى بمليشيات شيعية تسبب الانتماء الى الدواعش كرد فعل .
    ما يفتقده العراق اليوم الصراحة، فبدون الصراحة والشفافية لا يمكن بناء بلد و لا حتى رسم الخطط. تنقصنا صراحة الفكر و تنقصنا شجاعة القائد.
    اما  حالة  العراق اليوم ، فهي حالة قيادات فاشلة منخوبة كاذبة بكل صلافة لكنها اصبحت مقبولة و متعارف عليها، قيادات اثيل النجيفي و مقتدى الصدر، و ظافر العاني، و عمار الحكيم والمهرج فائق الشيخ علي، و نواب عددهم  328  لم يحضر الكثير منهم جلسات مجلس النواب . وحتى ليوم واحد و نحن في حالة حرب ضروس .
    لماذا لا يطالب السيد رئيس الوزراء الامريكان بتسليم السلاح والطائرات وما اتفق عليه في وقت هم من اعترفوا فيه بضرورة السلاح الجوي لمحاربة داعش و الحد من توسعهم .
     
    ارى ان بارومتر الثورة الشعبية يتصاعد وقد وصل حداً خطيرا سيغير اوضاع الشعب العراقي و العراق كله  كبلد و كوطن في احد الاتجاهين .
     
    اما الثورة الشعبية العارمة الشاملة في وسط و جنوب العراق، و التي قد تؤدي الى تقسيم  العراق اذا بقى وضع الجهلة من ابناء رجال الدين الشيعة في مقدمة قادة العراق والمسيطرين الفاعلين بحرية اهوائهم، يفشل العراق ككل و سيفشل بعد التقسيم  .
    او الضياع الذي سيهدم اي بناء اجتماعي عراقي على قلة ما تبقى و هشاشته، و سيصبح العراق دويلات متعاونة و متخاصمة  في نفس الوقت و كل حال حسب المواضيع و الظروف و الامور التي سيتفق او يختلف عليها.
    انا لا ارى مشكلة مع الغرب، فالغرب يعمل من اجل مصالحه، فماذا عملنا نحن من اجل العراق ومن اجل مصلحة الشعب ؟
    ليخلوا كل منا مع ضميره ! و سنبقى نكتب و ننشر ما نكتب على الهواء تتقاذفه التيارات و الاهواء .
     
    عبد الصاحب الناصر
    لندن في 19/10/2014
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media