هل يستطيع السيد العبادي تنفيذ برنامجه الوزاري
    السبت 18 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 18:20
    فرات المحسن
    مثلما جوبه سلفه السابق السيد المالكي السيئ الفعل والصيت،  يبدو أن هناك توجه عام عند السياسيين العراقيين من مختلف اتجاهاتهم على وضع وزر جميع مشاكل العراق على عاتق السيد العبادي ثم الوقوف خلفه والصراخ بأعلى الصوت ( (حله ولك حله) وبعدها تأتي المرحلة التالية حين يبدأ الجميع باتهام السيد العبادي بالتفرد والدكتاتورية والتخبط السياسي وانعدام الرؤية والمنهجية في صياغة الحلول .
     وتلك الطرق والأساليب في الضغط واللوم التي اتبعتها الكتل السياسية وضعت رئيس الوزراء الجديد ومنذ بداية مشواره في الزاوية الضيقة، فإما العمل بما سارت عليه العملية السياسية سابقا من تبني مشروع تقاسم الثروة والقوة في إدارة الدولة وفق مبدأ المحاصصة، أو المواجهة والخصومة المستدامة . ولم يجد السيد العبادي بداً من القبول والاستسلام لرغبات الشركاء ليس فقط التحالف الكردي والقوائم السنية وإنما من داخل وسطه الشيعي أيضا. ومنذ بداية الشوط  سار على خطى سلفه المالكي وعاف ما تعهد به عند استيزاره وقبل بما فرض عليه من شخوص لإدارة السلطة. لا بل بزت وزارته ما سبقها في طبيعة الترهل وانعدام المهنية. ولم يلبي طموح التغيير سوى رغبات تبادل المواقع وبذات الوجوه التي قادت العملية السياسية إلى التخبط والفشل طيلة السنوات العشر الماضية.
    حزمة المشاكل تبدو حلولها ليس بالسهولة التي يظن المرء بأن السيد العبادي قادر على مواجهتها وحلها منفردا، ولكن في ذات الوقت فأن توجهات القوى السياسية ورغباتها تنحوا لدفع السيد العبادي ووضعه وحيدا في المواجهة، لتبدأ بعد ذلك عملية تعليق الأخطاء على عاتقه دون غيره. ففي نظرة شاملة لمجريات الأمور على الساحة العراقية، نجد أن ليس أمام رئيس الوزراء  لو أراد تنفيذ ما يطمح لحله غير خيار التفرد ببعض القرارات الصعبة التي تمكنه من إنقاذ ما يمكن إنقاذه في وضع العراق الذاهب نحو الانهيار. فخارطة الطريق التي وضعت أمامه وشاركه الحلفاء بوضعها باتت أكثر عسرا وأشد صعوبة مع التغير المتسارع في المشهد اليومي. وسوف يجد السيد العبادي نفسه في نهاية المطاف غير قادر على أخذ زمام المبادرة وإيجاد سبل واقعية لحلها. وسوف يواجه من شركائه صدودا وجحودا ورغبات رافضة لما يقدمه أن ابتعدت أو تجاوزت قراراته مصالحهم التي من أجلها شاركوه السلطة .
     ومثلما أشتغل هؤلاء الشركاء طيلة الفترات الوزارية السابقة على تصعيد مطاليبهم والضغط لانتزاع ما يمكن انتزاعه بما يتوافق والأطماع الشخصية والكتلوية الطائفية والقومية. فالوقائع اليومية تسفر عن نواياهم لإعادة وتكرار ذات العملية وبنفس الإيقاع. وجميع تلك الرغبات والمطالب دائما ما وجدناها تفرض فرضا بالين تارة وغالبا بالتهديد والوعيد، وفي مجملها مطالب تهمل ما يحدث من خراب للعراق كوطن. وسوف تكون هذه التوجهات وليس غيرها المحك في التعامل مع سلطة رئيس الوزراء ، وهذا ما أظهرته خيارات التشكيلة الوزارية وما بينته مجريات الوقائع السياسية اليومية و الضغوط التي تواجه السيد العبادي في اختيار قادة وزارتي الداخلية والدفاع .
    منذ غزو داعش للعراق واحتلاله مدن الموصل وصلاح الدين وبعض أجزاء من كركوك وديالى والرمادي وبمراجعة بسيطة لحراك قادة الكتل المشاركة في السلطة وخطابهم اليومي نجد أن تلك المصالح الذي ذكرناها تتقدم على ما يعنيه هذا الغزو من مقتلة للعراق والعراقيين . فالتحالف الشيعي ما زال يفكر بالكيفية التي تحافظ على المكاسب التي حصل عليها في السلطة، ويدفع لجعل المعركة بزخم ذا بعد طائفي، ولن يتحرك هذا الوسط لردع داعش بغير مقدمات تتبنى مواقف تحمل السلاح بيد وباليد الأخرى تلوح ببيارق الطائفية، وتدعو  للحذر من الأخر والتوجس من خططه، وتعلن بأن الخصومة حاصلة ولن تكون هناك فترة توافق مع توجهات السيد العبادي أن أراد الرضوخ لضغوط الأطراف الأخرى والنأي بعيدا عن الطائفة. وجميع تلك الشروط والاستحكامات لم ولن تكون بعيدة عن توجهات الطرف الإيراني ورغباته في صياغة أسس السياسات المتناغمة مع هواجسه ومطامعه الإقليمية.
     وفي الجانب السني يوجد هناك تعدد في المشاهد، فمرة يتمظهر بحراك رسمي وتارة أخرى بحراك شعبي،يبدو أنهما  يتقاطعان في بعض الرؤى والمهام، ولكن في مجمل الحدث هما جبهة واحدة لن تحيد عن الطائفية في تعاملها مع الأحداث. ولا تخطأ العين في تشخيص توافق الحراك الشعبي السني مع رغبة التصعيد لدى قادة القوائم السنية بالضد من الطرف الأخر الذي تمثله قيادة السيد العبادي. فمازالت مشاعر الغبن والخسارة التي تعرض لها أهل السنة تلاك يوميا وسط الحراك الشعبي ومثله وسط قادة الكتل الممثلة له، ولذا فضلت رؤوس كثيرة منهم مجارات ذلك الحراك والاصطفاف معه ومع رغباته في التقرب من مجاميع المنظمات الإرهابية على وفق مبدأ عدم القبول بالخسارة وواجب استعادة السلطة من الشيعة الصفويين مهما كان الثمن، ولا ضير من التحالف مع الشيطان لهذا الغرض . ودائما ما كانت مواقف الكتل السياسية الممثلة لهذا الطرف تذهب لبلورة ذات الرؤى والأهداف الطائفية والرغبات السياسية عبر عمليات ضغط داخل الوسط السلطوي والسياسي ومن خلال عمليات أرباك داخل مؤسسات الدولة بتفكيك مفاصلها ووضع المتاريس والمصدات أمام مهام حشد القوى لمحاربة داعش.في نفس الوقت محاولة إعطاء صورة عن مقاومة غزو عصابات الإرهاب، وكأنها عمليات متداخلة ملتبسة في أهدافها ومراميها، وأن الغاية الأساسية من هذه الحرب هي مهام طائفية ضد المكون السني قبل أن تكون ضد أي شيء أخر. ولذا نجد بعض قادة الكتل السنية يضعون شروطا لكيفية إدارة المعارك وأين ومتى وكيف تكون الحرب ضد الإرهاب بعيدا عن إيذاء حواضنه، ولن يكون هناك توافق على مجمل ما يطرحه رئيس الوزراء دون أن تسبقها الموافقة على مطالب المكون السني ، بالرغم من أن تلك المطالب هي ذاتها بل هناك ما هو أكثر إلحاحا وحاجة منها في المناطق الشيعية المنكوبة. ويلاحظ أن جميع تصريحات قادة الكتل السنية لوسائل الإعلام تشير لمثل تلك المطالب وتنأى بعيدا عن الدعوة الصريحة والتحريض ضد داعش وباقي التنظيمات الإرهابية والحواضن المشاركة معها في قتال السلطة العراقية.

    ويمثل موقف الطرف الكردي تجاه سلطة السيد العبادي ومنذ بداية مشواره، موقفا متشنجا رافضا لأي حوار يسبق تلبية شروطهم. ويرحل ذات الموقف المتشنج الذي اتخذ على عهد السيد المالكي وقبله السيد الجعفري نحو رئيس الوزراء الجديد، حيث يتهم السيد العبادي مجددا مثل سلفيه، بمواقف بعيدة كل البعد عن مبدأ الشراكة الحقيقية في إدارة العراق. وتلك المواقف تخص في الأساس مسائل ميزانية الإقليم والبيشمركه والنفط والمادة 140 من الدستور. وفي مجمل الأحاديث عن تلك العقد المفصلية يتقدم التشكيك والريبة في ما تطرحه السلطة الاتحادية من رؤية بانتظار أن يحسم الصراع لصالح الإقليم دون اعتبارات لرأي السلطة الاتحادية أو متطلبات التوافق في العملية السياسية أو ما أتفق على تسميته  بالشراكة الوطنية. ويظهر أن عض الأصابع بات خيارا مرجحا ، بعيدا عن استخدام لغة الحوار واعتمادا على مواد الدستور لحسم الخلاف بما يضمن حقوق الجميع دون ضجيج التهديد والوعيد المتكرر. ومواقف التهديد والوعيد تذهب لغرض دفع الطرف الأخر لاتخاذ ذات المواقف الرسمية المتشنجة والتي ربما تكون متكأً لإنهاء ملف العلاقة المتوترة لينفرط بعدها سيناريو الشراكة الوطنية المهلهل، وهو الخيار المرجح لإنهاء الصراع .ويبدو أن واحدة من أوراق الضغط تتمثل أيضا في احتضان خصوم السلطة والسماح لهم بتوجيه رسائل إعلامية مناوئة دون تحفظ . ومواقف الكرد من كل هذا تتماثل وباقي مواقف الأطراف السنية وأيضا بعض القوى الشيعية التي ترغب بوضع جميع المشاكل في العراق في جعبة السيد العبادي وتركه وحيدا في مواجهتها ثم كيل اللوم والتقريع له أن نجح في تلك المهمة أو أخطأ في أخرى . ومثل هذا الموقف غير الحصيف كان دائما ديدن الأخوة الأعداء الشركاء في إدارة السلطة العراقية منذ سقوط الصنم ولحد الآن. فمهام إفشال مساع الأخر ووضع العراقيل والعوائق في طريقه، يبدو خيارا مفضلا يمنح السعادة والنشوة لدى الحلفاء ـ الخصوم، وتلك طباع شخصية اجتماعية موروثة،تلعب في ساحة الرياء والخداع لتنعكس على واقع العملية السياسية وتقربها من مسرح السخرية والهزل ثم الخراب العام. ولكن تضع ممارسيها في مواقع النفاق الأخلاقي وتبعد عنهم أي حصافة وذكاء أو بعد نظر اجتماعيا كان أم سياسيا. وهي في مجملها ذاهبة لجعل المصالح الفئوية والحزبية والطائفية فوق أي اعتبار أخر، متناسين أن الوطن دائما أكبر من الجميع، فهل يوجد في قاموس هؤلاء مثل هذا التعبير. أم أن رغبة دفع الأخر لارتكاب الخطأ أو ترديد القول، أذهب أنت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون،هي حصيلة فكر ومعرفة أكتسبه جميع هؤلاء من حياتهم السياسية والاجتماعية. وإن دفع العراق نحو الخراب والتمزق بات هاجس يتلبس الكثير من هؤلاء.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media