درويش تائه، وعاشقة يهودية في "قواعد العشق الأربعون"
    الثلاثاء 21 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 12:00
    ملهم الملائكة
    تُزاوج الكاتبة التركية أليف شفق في روايتها "قواعد العشق الاربعون" حياة المتصوف الشاعر جلال الدين الرومي وعلاقته بشمس الدين التبريزي ،التي قادت الى مقتل الأخير ، بقصة حب خائنة من عام 2009 تنتهي بخيبة فاجعة. ملهم الملائكة في قراءة للرواية.

    بجرأة القرن الواحد والعشرين، دلفت أليف شفق الى عالم المتصوفة من القرن الثالث عشر ميلادي. الرواية تحكي تفاصيل من حياة المتصوّف الأفغاني، الإيراني، التركي، جلال الدين الرومي. زمن الحكاية قبل وبعد سقوط دولة الخلافة العباسية على أيدي المغول حيث تنتهي الوقائع سنة 1260 ميلادية.
    الى " مولانا " الخطيب المفوه، سعى الدرويش المشرد شمس الدين التبريزي، وحين التقيا، سلب شمس لبّ وعقل مولانا الرومي، فاسكنه الأخير بيته بين افراد اسرته ، وانشغل عن العالم كله بهذا الدرويش التائه. شمس يقول" في نهاية المطاف، ماذا يهم في أي مدينة أمكث، مادام الرومي ليس بجانبي، فحيثما يوجد، توجد قبلتي".
    هما يفسران هذا الوله بينهما باعتباره عشقا معرفيا صوفيا، لكن الكاتبة أليف لا تسعى ان تقنع القارئ المعاصر بهذا الانطباع.
    "الكفر الحلو" نص يخلط حدود الزمن
    تكنيكيا، يصلنا النص من خلال مسودة رواية" الكفر الحلو" التي أُرسلت الى اليهودية الامريكية إيلا روبنشتاين الساكنة في بوسطن لتقيّمها، فتقع في حب كاتبها العولمي الشخصية، عزيز ز، المتحول من ملحد يساري الى مسلم متصوف والساكن في امستردام.
    تنمو علاقتهما رغم أّنّها ام لثلاثة ابناء كبراهم جانيت في السابعة عشرة تريد ترك البيت، فيما زوجها ديفيد لا يفتأ يخونها. من خلال سرد الكفر الحلو ومراسلتهما نعرف قواعد العشق الاربعين تباعا، فيلخص عزيز مفهوم مولانا عن العالم بالقول" كما ترين يا إيلا، كل ما يمكنني أن أمنحك إياه هو اللحظة الراهنة، هذا كل ما املكه، وفي الحقيقة لا أحد يملك أكثر من ذلك". وهو بهذا يردد تصور الرومي عن العالم وتنكشف للقاري تفاصيل علاقة غامضة بذلها المتصوف الخطيب مولانا للدرويش التائه، وتصل الى الأمور الى حدود قصوى، حين تسير الأحداث باتجاه تزويج شمس الدين من ربيبة مولانا الساكنة في بيته " كيميا" العذراء ذات الخمسة عشر ربيعا، ليضمن بقاء الدرويش الى جنبه.
    تدريجيا ينمو الهاجس الحسي لدى القارئ ، هاجس محموم يفترض أن علاقة الايميلات بين إيلا وبين عزيز" كريغ" بدأت تنمو باتجاه التماس الجسدي، كما كانت العلاقة الصوفية الغامضة تثير لدى محيط الرجيلين هواجس حسية غامضة.
    لماذا عاف الدرويش التائه عروسه اليانعة ؟
    وبنفس المقدار، وقبل 8 قرون ينمو هذا الشعور لدى القارئ، حين يعجز شمس الدين عن مقاربة عروسه الجميلة ليلة زفافهما، ويبقى بعيدا عنها بعد تلك الليلة رغم محاولاتها التي تعلمتها من المومس السابقة "زهرة الصحراء" ربيبة مولانا الأخرى لإثارته وتحريك فحولته. ولن يتمكن أي قارئ نبيه الا أن يفترض أنّ ما بين الرجلين هو الذي يحول دون مضاجعة شمس لامرأته. علاقة الرجلين قد يفسرها قول الرومي الشهير" كل الأشياء تصبح أوضح حين تفسر، غير أنّ هذا العشق يكون أوضح حين لا تكون له أي تفسيرات".
    بنفس المستوى، تتحدى علاقة إيلا بالمصور الكاتب التائه "عزيز" مستوى التفسير، فهي ترحل اليه مجذوبة بسحر علاقة الرومي بشمس ، لتجده  يُعلن  لها انه مريض لم يترك له مرض السرطان سوى 14 شهرا ، وبذا فإنه لا يريد ان يخرّب حياتها لأجل نزوة.
    التشابه بين الحالتين يكتمل، حين يتآمر أهل قونية على قتل شمس التبريزي، كما تآمر السرطان على قتل عزيز- كريغ!
    علاقات تتجاوز الزمن وحدود الأديان
    قواعد العشق الأربعون تتخطى حدود الأديان، والاستقطاب الطائفي الديني العالمي السائد في يومنا هذا، فمولانا متزوج من "كيرا " المسيحية ، وقبلها كانت زوجته "جوهر" بهائية،  وهو لا يهتم أن تختلف الأديان ما دام المعشوق" الله" واحد، وينطبق هذا الى حد بعيد على شمس، فهو لا يهتم لحدود الاسلام، ويطلب من مولانا ان يشتري قناني خمر، ويشربها في الحانة ليفقد احترام الناس له، فيكون حبه خاليا لله، وليس حبا للثواب المنتظر من الله!
    ففي القواعد الأربعين جاء أنّ " الاسلام يعني السلام الداخلي وضمنا الاستسلام، والاستسلام لا يعني أن يكون المرء ضعيفا أو سلبيا ، ولا يؤدي الى الأيمان بالقضاء والقدر، بل على العكس تماما". وهو بهذه الطريقة يختلف مع كل ما ذهب اليه فقهاء الاسلام من المذاهب كافة
    بنفس المقاربة، فإن إيلا اليهودية لم تمانع أن تقيم علاقة حب بملحد- مسيحي-متحول الى الإسلام الصوفي، ولم تمانع أن تتحدى ضوابط الديانة الموسوية الصارمة التي تحرّم ارتباط اليهود بآخرين أو أخريات من خارج ملّتهم بشكل قاطع. لكن تلك التضحية الجسيمة، ومثلها هجرانها لدفء أسرتها الميسورة  في "نورثامبتون" ، تفتت على صخرة عجز فرضه مرض العصر السرطان، ولم تتفتت على صخرة علاقة غامضة تربط ديفيد بطرف ثالث. شخوص الرواية الاخرى، بقيت في الظل، في ضوء تنامي العلاقة رباعية الأطراف عبر القرون.

    ملهم الملائكة

    * أليف شفق: كاتبة تركية ولدت في فرنسا، و تكتب بالتركية والإنكليزية، وقد ترجمت اعمالها الى 30 لغة كما تشير الموسوعة الشعبية ويكيبيديا . نشرت روايتها " قواعد العشق الاربعون " عام 2010 في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقام بترجمتها عن الإنكليزية خالد الجبيلي ونشرت عن دار طاوي سنة 2012.   
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media