من منصة الاعدام السوداء الى منصة التتويج الباهرة ..!!
    الثلاثاء 21 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 19:12
    علي فهد ياسين
    يستمر المبدعون العراقيون في الداخل العراقي وفي دول الشتات التي أُجبروا على اللجوء اليها في أزمنة القمع , بالرد النوعي على أنشطة الدكتاتورية البغيضة التي أستهدفتهم طوال الخمسة عقود الماضية من حكم العصابات , التي أعتمدت أساليب مختلفة لتحويل الشعب الى قطيع يُسبًح  بحمد الحكام الأجلاف على علاتهم , وافضت الى الخراب العام الذي طال حياة العراقيين بكل تفاصيلها ومازال .
    هذه المرة فارسنا من طراز خاص , هو رجل مسرح , ممثل ومخرج ومؤلف وسينوغراف وباحث وكاتب رواية وقصة , هو مدرس سابق في جامعتي ( كانت ) و ( أنتورب ) البلجيكيتين , ومشرف في معهد الدراسات العليا للفنون في أمستردام ( داس آرتس ) , وهو مدير سابق لمحترف ( صحراء 93 ) المسرحي ومدير حالي لـ ( جماعة زهرة الصبار ) المسرحية البلجيكية .
    فارسنا هو ( حازم كمال الدين ) , جذور أجداده في ( النجف ) , مولود في بابل في العام 1954 , مطلع شبابه في كربلاء , وبدايات تدفقه الأبداعي في بغداد في منتصف سبعينات القرن الماضي , قبل أن يُجبر على مغادرة العراق في العام 1979 اثر الهجمة الفاشية لنظام ( صدام حسين ) على القوى الوطنية العراقية والحزب الشيوعي العراقي تحديداً , لأفراغ الساحة العراقية من غير البعثيين الموالين لمخططاته الأجرامية .
    في بيروت عمل مع المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية في مرحلة الصراع الشرس مع أسرائيل لغاية عام 1982 ,وأجبر بعدها  مرةً أُخرى على المغادرة الى دمشق , مع رحيل المقاتلين عنها وفق الترتيبات الامنية المعروفة لتهدئة الاوضاع في لبنان , قبل أن يغادرها الى بلجيكا ( التي يحمل جنسيتها الآن ) في العام 1987 , ولازال يحتفظ بهويات مشرفة لتأريخه الانساني المقاوم للظلم والأحتلال , هويات من منظمة التحريرالفلسطينية , والجبهة الشعبية التي أهداها له ابن عمه ( زهير كمال الدين ) والجبهة الديمقراطية التي أهداها له القائد الفلسطيني ( ياسر عبد ربه ) , اضافة الى علاقته بالحزب الشيوعي اللبناني من خلال المناضل والمسرحي ( مالك الأسمر ) , الذي يقول أنه تعلم منه ( أن الثورة موجودة بالفطرة , وهي خارج الايدلوجيات والأديان ) .
    هذا العنوان العراقي ( المضيئ ) , لم ينزوي في بلجيكا , البلد الذي وفر له الأمان الذي كان أفتقده في بلد مولده العراق , وفي محطات تنقله التي كان وفياً فيها للمبادئ الانسانية التي آمن بها ودافع عنها متحملاً المخاطر الجسيمة التي كادت تودي بحياته في أكثر من توقيت , بل ثابر وأجتهد وكافح بأصرار نوعي أوصله الى مستويات باهرة على طريق طموحاته الابداعية , بعد أن أيقن أن ( لابيانات ثقافية سوى الفعل الابداعي , لابكاء بقدر ماننظر بواقعية لما يحدث لوطننا , لنضع النقاط على الحروف ) , ومازال مجتهداً على ذات الطريق الذي أختطه منذُ كان برعماً نوعياً في بغداد التي أحبها ومازال .
    حازم كمال الدين ( البلجيكي الجنسية الآن , والعراقي الأصل والفصل والجذور ) , فاز بجائزة أفضل نص مسرحي ( للكبار ) في المسابقة السنوية التي تقيمها ( الهيئة العربية للمسرح ) , دورة  هذا العام , عن نصه ( السادرون في الجنون ) , من بين ( 134 ) نصاً مسرحياً مقدماً من ( 19 ) دولة عربية , وهو تتويج باهر يستحق التقدير والأعتزاز , بعد مارثون أبداعي كبير ومستمر طوال ربع قرن من المثابرة في الغربة , أفضى عن تقديم أعماله المسرحية التي تجاوزت الخمس وعشرين نصاً , في مهرجانات عالمية للمسرح , اضافة الى تقديمها على مسارح في بلجيكا وهولندا وانكلترا وكندا , ناهيك عن جهوده المتواصلة في مجالات عمله الابداعي متعدد الفروع والالوان في مجال المسرح والرواية والقص والبحوث .
    ولأننا ومعنا ( حازم كمال الدين ) وكل الوطنيين , لانكيل الا بمكيالِ واحد , تعالوا نعتمد الكيل العادل بعد مايقرب من أربعة عقود على غربة هذا المبدع الكبير وآلاف المبدعين غيره , وملايين العراقيين المجبرين على مغادرة الوطن أو مغادرة مدنهم  , تعالوا نُقارن بينه وبين الجلاد الذي حكم عليه بالاعدام اكثر من مرة , لنخلص الى نتائج أفعال الجلاد وأفعال الضحية , وعلى أساس المقارنة العادلة , يكون حازم المجتهد وغيره الآلاف ممن أجبرهم الدكتاتور على مغادرة العراق, واللذين لازالوا مجبرين الى الآن على البقاء خارجه, يمثلون اللوحة المضيئة في تأريخ العراق واجتهاد أبنائه النجباء , فيما يمثل الجلاد و ( السادرون في الجنون ) على شاكلته الآن , الصورة السوداء المخزية في التأريخ العراقي المُثقل بالمآسي والويلات نتيجة سياساتهم التي كانت ولازالت لاتمت للأنسانية بصلة .
    تحية وتهنئة من القلب والضمير, لهذا الأنسان والفنان الذي كان ولازال ( وجعه أكبر من جيل ) ,  حازم كمال الدين , الذي شرفنا جميعاً باجتهاده , الذي أرتقى به منصة التتويج التي أستحقها , بديلاً عن منصة اعدامه ! .

    علي فهد ياسين
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media