سجالات التدخل الدولي البري
    الأربعاء 22 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 04:08
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
    ارتفعت في الفترة الأخيرة، وربما تحتدم لاحقاً، وتيرة الاختلاف في الرأي، ولا أقول الخلاف، بين القوى والتيارات السياسية حول مدى حاجة العراق إلى قوات دولية – أميركية على أرضه لضمان وسرعة دحر وهزيمة "داعش" والقوى الإرهابية الأخرى في العراق (وربما في سوريا أيضا التي تشكل خاصرة العراق الضعيفة) وذلك لكي نتحاشى التهديد الدائم المقبل منها للعراق.
    لقد أبدى عدد من المسؤولين وغير المسؤولين، بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزارء وكذلك عدد من ممثلي الكتل والقوى السياسية، رأيهم بعدم حاجة العراق الآن إلى قوات دولية على أرضه، في حين أعلنت قيادات سياسية مسؤولة في كردستان والانبار وصلاح الدين الحاجة الى مثل هذه القوات وحتى القواعد. وإذا كان هنالك من يعارض هذه الدعوات، فان هنالك أكثرية صامتة، في معظم مناطق العراق (تبعاً لعدد من الاستطلاعات) تؤيد الحاجة لمثل هذه القوات.
    وبطبيعة الحال، فان مسألة عدم الموافقة، او الموافقة، على قدوم قوات دولية – أميركية إلى العراق لمساندة قواتنا المسلحة وقوات الحشد الشعبي والعشائر في الحرب على "داعش"، هي قضية مهمة وحساسة، يستوجب اتخاذ موقف إزاءها الشعور العالي بالمسؤولية وبُعد النظر، ومراعاة المصلحة الوطنية العليا للعراق وليس أية مصلحة أخرى.
    وهذه المصلحة الوطنية العليا تقتضي بأن لا نستمر في التركيز وإثارة ضجة حول مسألة غير مطروحة الآن أصلاً، فلا الحكومة أو البرلمان طالب أية دولة من التحالف الدولي بحاجتنا إلى قوات وقواعد على الأرض، وكذلك لم تطلب أية دولة من دول التحالف، رسمياً، من الحكومة العراقية مثل هذا الطلب، وإنما أبدى عدد منها الاستعداد للنظر أو الاستجابة لأي طلب تتقدم به الحكومة العراقية رسمياً، وهو مالم يحدث حتى الآن .
    وإذا كان من حق القائلين بعدم حاجتنا لمثل هذه القوات، أو رفض الدعوة لقدومها والاستعانة بها، فكذلك من حق القائلين بحاجتنا إلى مثل هذه القوات التعبير عن رأيهم بذلك أيضا. غير إن ممارسة هذا الحق ينبغي أن يكون متروياً ومتفحصاً لنتائج وتداعيات هذه الممارسة للحق المشروع والدستوري.
    إن التعبئة والاستعجال في اتخاذ المواقف إزاء هذه القضية، ضد أو مع حاجتنا لقوات دولية على الأرض، يضر بالمصلحة الوطنية للعراق، فإذا كانت الدعوة أو المطالبة العملية لاستقدام هذه القوات، خارج السياقات الدستورية ومؤسستيها (الحكومة والبرلمان)، فان التعبئة المسبقة ضد حاجتنا لمثل هذه القوات ستضر من ناحيتين: الأولى عرقلة أو قطع الطريق على إقرار الموافقة الدستورية على حاجتنا لتلك القوات إذا ما جاء اليوم الذي ترى فيه القوات العسكرية والأمنية و(الحكومة والبرلمان) ان اللحظة قد أزفت لإقرار حاجتنا الى هذه القوات وبالتالي القيام بتوفير الغطاء الشرعي والدستوري لها لدرء أخطار أعظم تحيط بالعراق.
    أما الضرر الثاني، فهو مرافقة دعوات الرفض المسبق لأمر غير مطروح بعد أساسا، بحملات واسعة بأن إقرار قدوم هذه القوات، هو مس بالسيادة الوطنية، فضلا عن التشكيك بدعم ومساندة التحالف الدولي للعراق على الصعد العسكرية والسياسية أو القول بأن المساندة الجوية غير مجدية وغير جدية .. والى غير ذلك من تشكيك وإدانة لهذا التحالف الدولي. ولعل الضرر الأكبر من هذه المواقف – إذا ما تمادى الداعين لطرحها – قد يدفع التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة إلى التراجع عن دعم ومساندة العراق وتبرير ذلك بعدم القدرة عن تقديم هذا الدعم بوجود (بيئة) معادية بما يترتب على ذلك من احتمالات العمل على إفشالنا في محاربة "داعش"، فضلاً عن قيامها بدعم القوى الاقليمية المعادية لنا وكذلك القوى الداخلية المعادية للعملية السياسية، أو قيامها هي بإيذائنا بشتى الوسائل!.
    لقد أعلن رئيس الجمهورية د. فؤاد معصوم في نيويورك وكذلك رئيس الوزراء د. حيدر العبادي في جلسة البرلمان السبت الماضي انه إذا ما جاء اليوم للاستعانة بقوات دولية برية على الارض العراقية، فان ذلك يمر عبر البرلمان كممثل للشعب العراقي.
     أما المرجعية الدينية في النجف التي عرفت بتحفظها الحذر من وجود قوات اجنبية فقد اوضح معتمدها في كربلاء في خطبة يوم الجمعة الماضي، بأن لا ضير في الاستفادة من مساندة ودعم القوى الصديقة، وهو ما يعني، دون تصريح، قوى المجتمع الدولي الذي يخوض مع العراق الحرب ضد "داعش". إن التعامل مع الاختلاف في المواقف كي لا يؤدي إلى انقسام، إنما يتم عبر الأخذ في الاعتبار التداعيات السلبية والايجابية المحتملة لأي موقف يتخذ إزاء استقدام قوات دولية برية على الأرض العراقية.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media