في ذكرى مولد واستشهاد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء الثامن
    الخميس 23 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 16:22
    عبود مزهر الكرخي
    حلقات خاصة بمناسبة أسبوع الولاية

    الإمام علي(عليه السلام)وسورة البراءة

    وهي سورة التوبة، التي نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الأوّل من ذي الحجّة 9ﻫ، وهي قوله تعالى: (بَرَاءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنّ اللهَ مُخْزِي الكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلّا الّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ ثمّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللهَ يُحِبُّ المُتّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُواْ المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَآتَوُاْ الزّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ...).(1)

    وعهد النبيّ  إلى أبي بكر أن يمثّله في أهالي مكّة ليقرأ عليهم بنودا من سورة البراءة وما قنّنه الإسلام من أحكام لمن طاف في بيت الله الحرام ، وهذه بعضها :

    أوّلا : لا يطوف في البيت عريان ، وكانت العادة المتّبعة أن يطوف الرجل عريان.

    ثانيا : لا يدخل الجنّة إلاّ من آمن بالله ورسوله.

    ثالثا : من كان بينه وبين رسول الله مدّة فأجله إلى مدّته.

    رابعا : إنّ الله ورسوله بريئان من المشركين.(2)

    وسار أبو بكر حاملا رسالة النبيّ، فهبط الوحي على النبيّ يأمره بإسناد هذه المهمّة إلى الإمام أمير المؤمنين وإقصاء أبي بكر، وبادر الإمام مسرعا فأدرك أبا بكر في الطريق فأخذ الرسالة منه(3)، وقرأها على أهالي مكّة ، وقفل أبو بكر راجعا وملء إهابه ألم ممضّ ، فلمّا رأى النبيّ بكى وقال : يا رسول الله ، حدث فيّ شيء؟ ..

    فهدّأ النبي روعه وقال له :

    « ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل منّي ... ».(4)وكان هذا التبليغ في يوم العاشر من ذي الحجة.

    وهذه البادرة من الأدلّة التي تمسّكت بها الشيعة على إمامة الإمام أمير المؤمنين، فقد قالوا : إنّه لو كانت لأبي بكر مرشّحات للخلافة لما عزلته السماء عن أداء هذه الرسالة التي هي من أبسط المسئوليات وأقلّها أهمّية.(5)

    ولنورد هذه الحادثة من مصدر آخر ومن مصادرهم : علي أمير المؤمنين من طريق زيد بن يثيع قال رضي الله عنه: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر رضي الله عنه ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم. فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر رضي الله عنه فقال:

    يا رسول الله! نزل في شئ؟ قال: لا. ولكن جبريل جاءني فقال: لا. فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.(6)

    وهذا تفسير العياشي يفسر آية البراءة إذ يقول : عن علي (ع) : أنّ النبي (ص) حين بعثه ببراءة قال : يا نبي الله !.. إني لست بلسنٍ ولا بخطيب ٍ، قال : إما أن أذهب بها أو تذهب بها أنت ، قال : فإن كان لا بدّ فسأذهب أنا ، قال : فانطلقْ فإنّ الله يثبّت لسانك ويهدي قلبك .

    ثم وضع يده على فمه وقال : انطلقْ فاقرأها على الناس ، وقال :

    الناس سيتقاضون إليك ، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضِ لواحد حتى تسمع الآخر ، فإنه أجدر أن تعلم الحقّ .

    فهل توجد حجة أخرى على إمامة أمير المؤمنين وولايته لكل مؤمن ولكن هو التحريف والتزوير ولكن نقول أن شمس الحقيقة لا يحجبها غربال الغش والخديعة والتزوير والتي بمرور الزمن تنكشف الحقيقة وتظهر الحقيقة كالشمس في عز الظهيرة.

    عليّ (عليه السلام) في اليمن

    استمراراً في نشر الإسلام أرسل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى اليمن خالد بن الوليد وجمعاً من الصحابة ليدعوا قبيلة (همدان) إلى الإسلام ، وظلّ خالد نحواً من ستة أشهر دون أن يحقّق نجاحاً ، فلم يتمكّن من إقناع همدان في اعتناق الإسلام ، فبعث إلى النبيّ يخبره بعدم إجابة القوم له وانصرافهم عنه ، عند ذاك بعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وطلب منه أن يُعيد خالداً إلى المدينة ويحلّ محلّه في مهمّته ، ويبقي معه من يشاء من المجموعة المرسلة مع خالد .

    روي عن البراء بن عازب الّذي كان مع خالد وبقي في سريّة عليّ (عليه السلام) : كنت ممّن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ، ثمّ إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث عليّاً (عليه السلام) وأمره أن يقفل خالداً ويكون مكانه ، فلمّا دنونا من القوم ؛ خرجوا إلينا وصلّى بنا عليّ (عليه السلام) ثمّ صفّنا صفاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بإسلامهم ، فأسلمت همدان جميعاً وأرسل عليّ (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالخبر السارّ ، فخرّ رسول الله ساجداً ثمّ رفع رأسه وقال : السلام على همدان.(7)

    وروي : أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أرسل عليّاً في مهمّة ثانية إلى اليمن ليدعو (مذحج) إلى الإسلام ، وكان معه ثلاثمائة فارس ، وعقد رسول الله له اللواء وعمّمه بيده، وأوصاه أن لا يقاتلهم إلاّ إذا قاتلوه ، فلمّا دخل إلى بلاد مذحج ؛ دعاهم إلى الإسلام فأبوا عليه ورموا المسلمين بالنبل والحجارة ، فأعدّ عليّ (عليه السلام) أصحابه للقتال، وهجم عليهم فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرّقوا وانهزموا فتركهم ، ثمّ دعاهم إلى الإسلام ثانية فأجابوه لذلك ، وبايعه عدد من رؤسائهم ، وقالوا : له نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ الله.

    وروي : أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، تبعثني إلى قومٍ وأنا حديث السنّ لا أبصر القضاء ، فوضع يده على صدري وقال : اللّهمّ ثبت لسانه واهدِ قلبه ، ثمّ قال : إذا جاءك الخصمان فلا تقضِ بينهما حتى تسمع من الآخر ، فإنّك إذا فعلت ذلك ؛ تبيّن لك القضاء . قال عليّ (عليه السلام) : والله ما شككت في قضاءٍ بين اثنين.(8)

    ثمّ إنّ عليّاً جمع الغنائم فأخرج منها الخمس وقسّم الباقي على أصحابه وبلغه خبر خروج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى مكّة لأداء فريضة الحجّ ، فتعجّل (عليه السلام) السير ليلتحق بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) في مكّة ، وروي أنّ بعض من كان في سريّة عليّ (عليه السلام) اشتكى من شدّته في إعطاء الحقّ ، فلمّا سمع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ذلك قال : أيّها الناس ، لا تشتكوا عليّاً فو الله إنّه لأخشن في ذات الله من أن يشتكى منه.(9)

    وعن عمرو بن شاس الأسلمي أنّه قال : كنت مع عليّ (عليه السلام) في خيله التي بعثه بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى اليمن ، فوجدت في نفسي عليه(10)، فلمّا قدمت المدينة شكوته في مجالس المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوماً ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالس في المسجد ، فلمّا رآني أنظر إلى عينيه نظر إليَّ حتى جلست إليه ، فقال : إيه يا عمرو ، لقد آذيتني، فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون أعوذ بالله والإسلام من أن أؤذي رسول الله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : ( من آذى عليّاً فقد آذاني ).(11)

    ونقول ان من آذى علياً فقد آذى الرسول محمد(ص) والذي يعني آذى الله فلك الله يا سيدي ومولاي يا أبا الحسن الذين ما أعطوك حقك وبخسوا قدرك وآذوك وغصبوا حقك في الخلافة وهجموا على بيتك واحرقوا دار زوجتك الزهراء(ع) واسقطوا جنينها وربطوك بالحبال من اجل اخذ البيعة وتآمروا عليك في بيعة السقيفة الباطلة جملة وتفصيلاً ولا ادري كيف يلقون نبينا الأكرم محمد(ص) وربهم وهم قد تبؤوا بهذا الإثم المبين؟ والذي هو مشاققة الله ورسوله والذي أنذر الله في محكم كتابه بقوله سبحانه وتعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.(12) وأيضاً {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.(13)

    وقبل أن نطوي الحديث فلنرى ماذا يقول الباحث العلامة باقر القريشي(رحمه الله)عن جهاد الإمام ومناجزته للمشركين نذكر ما أدلى به الأمام علي(ع)في وصف جهاده قال  :

    نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ؛ ما يزيدنا ذلك إلاّ إيمانا وتسليما، ومضيّا على اللّقم، وصبرا على مضض الألم، وجدّا في جهاد العدوّ؛ ولقد كان الرّجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان أنفسهما؛ أيّهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرّة لنا من عدوّنا، ومرّة لعدوّنا منّا، فلمّا رأى الله صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النّصر، حتّى استقرّ الإسلام ملقيا جرانه، ومتبوّئا أوطانه. ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدّين عمود، ولا اخضرّ للإيمان عود.(14)

    لقد جاهد الإمام كأعظم ما يكون الجهاد في سبيل الإسلام فحارب الأقارب وناهض الأرحام ولم تأخذه في الله ومة لائم.

    ولهذا نجد في دعاء الندبة وهو من الادعية الماثورة اذ يقول {...وَ كَانَ بَعْدَهُ هُدًى مِنَ الضَّلَالِ ، وَ نُوراً مِنَ الْعَمَى ، وَ حَبْلَ اللَّهِ الْمَتِينَ ، وَ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ ، لَا يُسْبَقُ بِقَرَابَةٍ فِي رَحِمٍ ، وَ لَا بِسَابِقَةٍ فِي دِينٍ ، وَ لَا يُلْحَقُ فِي مَنْقَبَةٍ ، يَحْذُو حَذْوَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا ، وَ يُقَاتِلُ عَلَى التَّأْوِيلِ ، وَ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، قَدْ وَتَرَ فِيهِ صَنَادِيدَ الْعَرَبِ ، وَ قَتَلَ أَبْطَالَهُمْ ، وَ نَاهَشَ ذُؤْبَانَهُمْ ، فَأَوْدَعَ قُلُوبَهُمْ أَحْقَاداً بَدْرِيَّةً وَ خَيْبَرِيَّةً وَ حُنَيْنِيَّةً وَ غَيْرَهُنَّ ، فَأَضَبَّتْ عَلَى عَدَاوَتِهِ ، وَ أَكَبَّتْ عَلَى مُنَابَذَتِهِ ، حَتَّى قَتَلَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ ، وَ لَمَّا قَضَى نَحْبَهُ وَ قَتَلَهُ أَشْقَى الْآخِرِينَ يَتْبَعُ أَشْقَى الْأَوَّلِينَ ، لَمْ يُمْتَثَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فِي الْهَادِينَ بَعْدَ الْهَادِينَ ، وَ الْأُمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلَى مَقْتِهِ ، مُجْتَمِعَةٌ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمِهِ وَ إِقْصَاءِ وُلْدِهِ ، إِلَّا الْقَلِيلَ مِمَّنْ وَفَى لِرِعَايَةِ الْحَقِّ فِيهِمْ ، فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ ، وَ سُبِيَ مَنْ سُبِيَ ، وَ أُقْصِيَ مَنْ أُقْصِيَ ، وَ جَرَى الْقَضَاءُ لَهُمْ بِمَا يُرْجَى لَهُ حُسْنُ الْمَثُوبَةِ ، وَ كَانَتِ الْأَرْضُ ﴿ ... لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)}.

    ولهذا كره الصحابة وقريش اجتماع النبوة والخلافة في بيت وهذا وماقاله صراحة الخليفة عمر إلى أبن عباس في مجاورة طويلة نأخذ منها ماقاله عمر حيث قال : ...كرهت قريش أن تجتمع فيكم النبوَّة والخلافة فتجخفوا جخفاً (15) ، فنظرت قريش لنفسها فاختارت فأصابت!.(16)

    وكيف أصابت وإنها قد خالفت أمر الله ورسوله ورجعت إلى الموروث الجاهلي وأدرانه في أنها قد رجعت بالجاهلية الأولى والى نظرة الحكم والكرسي والتي نهى الله سبحانه وتعالى عن مخالفته ومخافته رسوله إذ يقول في محكم كتابه {... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(17)والتي باجتماع السقيفة قد أسست أول دعامة لنظرية الحكم ونظرية كرسي الحكم عقيم لتكون هي تلك الأمة التي مهدت بالتمكين لقتال وحرب أهل بيت النبوة ولتتابع المصائب تلو الأخرى على الأمة المحمدية والتي هي ماثلة ولحد وقتنا الحاضر وهذا ماحذر منه كتابنا الحكيم بقوله {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(18)وقد ذهبت أمتنا وأصبحت امة ضعيفة لا حول ولا قوة لها والتي لن نستطيع الخلاص منها إلا بظهور قائم آل محمد(عج) والذي بظهوره يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بع أن ملئت ظلماً وجوراً.

    عمل نبينا الأكرم محمد(ص) في خلق المجتمع الإسلامي

    ومن هنا عمل النبي الأعظم على خلق القاعدة الواسعة والعريضة للمجتمع الإسلامي المنشود والذي كنت رسالته المحمدية مبينة على ذلك في خلق مجتمع رسالي جديد وبالتالي تتسع رقعة الإسلام ليسود الإسلام جميع إنحاء المعمورة وهذا كانت تتجه على محورين :

    المحور الأول : هو توعية الأمة الإسلامية وتهيئتها وبصفها الرعية وجعلها الرعية الواعية والمثقفة والقادرة على حمل رسالة الإسلام والدعوة له وكان للأمام علي(ع) الدور الفعال في هذا المجال فانّه يمكننا القول بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان مشغولاً بتوسيع رقعة المجتمع الإسلامي طولياً ، وكان عليّ (عليه السلام) مشغولاً بتعميق الرقعة عرضياً ، فكانت مهمّته تكملة لمهمّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) .

    والمحور الآخر: هو إعداد وتوعية الصفوة التي اختارها الله سبحانه لِتَخْلُفَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في غيابه لقيادة المجتمع والرسالة الإسلاميّة وصيانتها عن الانحراف والزيغ ، إعداداً على مستوى قيادة التجربة وعلى مستوى الحاكمية عليها ، وقد أعدّ النبيّ عليّاً ليتسلّم التجربة الإسلاميّة من بعده من خلال إشراكه في كلّ المواقف المهمّة والمعقّدة والصعبة ومن خلال تثقيفه ثقافة خاصة لم يشاركه أحد فيها ، فقد روي عنه (عليه السلام) أنه قال: ( علّمني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من العلم ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب ).(19)

    وهذا مالاحظناه من تعهد الرسول محمد(ص) بتربية الأمام علي(ع) منذ صغره وكفلته وتنشئته حتى صار ملازم له وأقرب الأشخاص وحتى تصريحه في محضر عشيرة بني هاشم عند جاءه أمر الله سبحانه وتعالى بنشر الدعوة علنا بقوله لعشيرته عن الأمام علي ((إنَّ هذا أخي ، ووصيِّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا)).(20)

    وكان الأمام علي يملك من المؤهلات التي تبيح له ذلك فهو تربى في حجر الرسالة المحمدية وكان والنبي من نفس واحدة وهذا ما صرح عنه القرآن الكريم في آية المباهلة وبصورة واضحة عندما قال {أنفسنا وأنفسكم}فكان وكما بحثنا في مقالات سابقة بدايته أنهم خلقوا من نور واحد وخلقهما الله سبحانه وتعالى قبل خلق آدم بأربعة الآف سنة وهذا ماذكره نبينا الأكرم محمد(ص) في حديثه الشريف بقوله {كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام, فلما خلق آدم قسم ذلك النور جزئين: فجزء أنا وجزء علي}.(21)

    ولهذا كان نبينا نبي الرحمة محمد (ص) يعد الأمام علي(ع) لتحمل المسئولية وتهيئته لتحمل أعباء الخلافة وقيادة المجتمع الإسلامي ولهذا كان يصرح في كل مناسبة وموقف بان الأمام أخوه ووزيره بل اتّخاذه أخاً ومساوياً له في كلّ شيء ما عدا النبوّة .

    وكان تكليفه بالمهمات الصعبة هي لأكبر دليل على ذلك وصحة ما نقوله وكمثال : المبيت في فراش النبيّ ليلة الهجرة ؛ وردّ الودائع ، وحمل الفواطم إلى المدينة . ومن درجة اهتمام النبيّ بعليّ في هذه المرحلة ؛ أنّه لم يدخل المدينة عند هجرته إليها ، وصرّح بعدم اتّخاذها مقرّاً جديداً له حتى يلتحق عليّ به ، وتبليغ سورة (براءة) مثال آخر فقد أخذ عليّ (عليه السلام) السورة من أبي بكر وبلّغها .

    وحين اضطرّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله)للمواجهات العسكرية لم يكن يعطي رايته إلاّ لعليّ (عليه السلام) ، وكان يرسله في كلّ المواقف المستعصية التي تتطلّب كفاءة عالية ، فكان عليّ (عليه السلام) يؤدّيها على أتمّ وجه وهذا ما تطرقنا إليه آنفاً في مقالنا البحثي.

    وفي مرحلة جديدة بعد أن امتاز عليّ (عليه السلام) من غيره من الصحابة بصدق سريرته وعمق إيمانه وتفانيه من أجل العقيدة والمبدأ أشار النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلى أهميّة أهل بيته (عليهم السلام) ووجودهم وعظيم حبّه لهم ، وميّز عليّاً (عليه السلام) ، وقد دعم القرآن الكريم موقف النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بقوله : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى).(22)

    وأشار النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلى طهارة عليّ وأهل بيته من الرجس المادي والمعنوي ، ولم يأذن لأحد بالمرور بمسجده على كلّ حال إلاّ لعليّ وبقى بيت الأمام علي مفتوح على المسجد وسد كل الأبواب.

    ولم يزل النبيّ يوجّه القاعدة الشعبية للالتفات حول عليّ ، ويأمرهم بحبّه والتعلّق به عند حلول المشاكل أو المستجدات المستعصية ، ووضّح لهم ضرورة فهم شخصية عليّ (عليه السلام) في شدّة إيمانه وقوّته في ذات الله وعمق فهمه للعقيدة الإسلامية وسعة علمه ، فكانت الأحاديث : (أقضاكم عليّ . أعلمكم عليّ . أعدلكم عليّ ) وقد أثبتت الأحداث والوقائع صحّة ذلك .

    وقد صدق رسول الله عندما قال{أعطيت في علي تسعا: ثلاثاً في الدنيا ،وثلاثاً في الآخرة واثنتين أرجوهما له وواحدة أخافها عليه، فأما الثلاث التي في الدنيا فساتر عورتي والقائم بأمر أهلي ووصيي فيهم، وإما الثلاث التي في الآخرة فاني أعطي لواء محمد فأدفعه إلى علي بن أبي طالب ويسمى لواء الحمد واعتمد عليه في مقام الشفاعة ، ويعنيني على حمل مفاتيح الجنة، وإما  اللتان أرجوهما له : فإنه لا يرجع ضالاً وكافراً ، وإما التي أخافها فغدر قريش من بعدي}.(23)

    وهذا يعطي دلالة على ضرورة الالتفاف حول أمير المؤمنين واعتباره وصي رب العالمين وخليفة الله على أرضه والتي أضحت واضحة في آخر منسك من مناسك الإسلام أشرك النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) عليّاً في حجّة دون غيره من المسلمين وقد صرّح بذلك ، وقاما معاً بنحر الهدي وجاءت حجة الوداع والذي كان الأمام علي(ع) مع نبينا الأكرم محمد(ص) بعد أن رجع من اليمن وكان يغذ السير للحاق برسوله ومعلمه الأول كما أسلفنا وفي خطبة الوداع الذين يصرون المذهب المقابل بأنها آخر خطبة  ولنورد الشيء المهم الذي قال فيه نبينا وسيدنا محمد(ص) وهو التحذير من الفتن وغدر الأمة بوصيه وخليفة الأمام علي ويوصي بأهل بيته حيث يقول في خطبة اشتملت على عدة محاور ولكن نقتطف أمرين مهمين وهو أنه نعى نفسه روحي له الفداء ثم الوصية بأهل بيته والتحذير من افتراق الأمة ويضربون بعضهم بعضاً والذي حصل ما تنبأ به نبينا الأكرم محمد(ص) والذي لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى إذ يقول في خطبته { فكان من قوله بمنى أن حمد الله وأثنى عليه ثم أما بعد: أيها الناس ! إسمعوا مني ما أبين لكم ، فإني لاأدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا} ثم { إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد}.(24)

    وهذا التحذير هو أكبر دليل على أن الأمة المحمدية سوف تتفرق وتكون هناك دعوات جاهلية وليرجعوا كفاراً كما كانوا سابقاً حيث لم يستطيع الرسول وكذلك الإسلام أن ينظفهم من أدران الجاهلية وبقت عالقة فيهم وما اجتماع السقيفة وحجب الخلافة عن أمير المؤمنين والتنصل عن ما قاله نبيهم محمد(ص) في خطبة الغدير إلا خير دليل على ما نقول.

    المهم كانت هذه الخطوات إعداداً وتهيئة الأرضية لإعلان الغدير حين وقف النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بعد إتمام مراسم حجّة الوداع ليعلن للملأ أنّه سيغادر الدنيا ويخلف عليّاً كقائد ومرجع للاُمّة بعده ، وأنّ هذا الإعلان والتنصيب صادر عن الله تعالى ، وتمّت بيعة الناس لعليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ونزل الوحي الإلهي ببلاغ تمام النعمة وكمال الدين.

    والذي سوف نكمل في جزئنا الأخير إن شاء الله إن كان في العمر بقية خطبة الغدير وأسانيدها التي نستند إليها ومن مصادرهم والتي الكثير من وعاظ السلاطين ينكرون ذلك أو يقولون في أحسن الأحوال أنه حديث ضعيف مع العلم إن كل مصادرهم تذكر بصحة خطبة الغدير وواقعتها.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



    المصادر :

    1 ـ [التوبة 1ـ5].

    2 ـ  التنبيه والأشرف : 186.

    3 ـ   مسند أحمد بن حنبل 1 : 3. خصائص النسائي : 20. كنز العمّال 4 : 246. تفسير الطبري 10 : 46. مستدرك الحاكم 3 : 51. صحيح الترمذي 2 : 183. تذكرة الخواص : 37.

    4 ـ  أمالي المرتضى 1 : 292.

    5 ـ موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج  ٢ الأمام في عهد النبي وفترة الخلافة باقر شريف القريشي.ص 63.

    6 ـ أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والحافظ أبو الشيخ، وابن مردويه، وحكاه عنهم السيوطي في الدر المنثور 3 ص 209، وكنز العمال 1 ص 247، والشوكاني في تفسيره 2 ص 319، ويوجد في الرياض النضرة 2 ص 147، وذخاير العقبى 69، وتاريخ ابن كثير 5 ص 38، وفي ج 7 ص 357، وفي تفسيره 2 ص 333، ومناقب الخوارزمي ص 99، وفرائد السمطين للحمويي، ومجمع الزوائد 7 ص 29، وشرح صحيح البخاري للعيني 8 ص 637، ووسيلة المآل لابن باكثير، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني 3 ص 91، وتفسير المنار 10 ص 157.

     7 ـ  أعيان الشيعة : 1 / 410 ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : 2 / 300 ، والسيرة النبوية لابن كثير ك 4 / 201 .

    8 ـ  السيرة النبوية لابن كثير : 4 / 207 .

    9 ـ  سيرة ابن هشام : 4 / 603 ، والسيرة النبوية لابن كثير : 4 / 205 مثله .

    10 ـ  المستدرك على الصحيحين : 3 / 134 .

    11 ـ  السيرة النبوية لابن كثير : 4 / 202 .

    12 ـ [النساء : 115].

    13 ـ [الأنفال : 13].

    14 ت موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - ج  ٢ الأمام في عهد النبي وفترة الخلافة باقر شريف القريشي.ص 63.

    15 ـ جخف: تكبر.

    16 ـ تاريخ الطبري : 3/289 ، السقيفة وفدك ، الجوهري : 131 ، الكامل ، ابن الأثير : 3/62 في حوادث سنة 23 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 12/53.

    17ـ [الحشر : 7].

    18 ـ [الأنفال : 46].

    19 ـ أئمّة أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف ، الشهيد السيد محمد باقر الصدر ك 95 .

    20 ـ تاريخ الطبري ٢ : ٢١٧ ، معالم التنزيل في التفسير والتأويل / البغوي ٤ : ٢٧٨ ، الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٦ ، الترجمة من تاريخ ابن عساكر ١ : ١٠٠/١٣٧ و١٣٨ و١٣٩ ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل/ الحاكم الحسكاني الحنفي ـ تحقيق محمَّد باقر المحمودي ـ مؤسسة الأعلمي بيروت ١ : ٣٧٢ ـ ٣٧٣/٥١٤ و٤٢٠/٥٨٠ ، كنز العمَّال ١٣ : ١٣١/٣٦٤٦٩.

    21 ـ رواه احمد ابن حنبل في فضائل الصحابة:2/262.

    22 ـ [ الشورى : 23] .

    23 ـ تاريخ أهل البيت : :نقلاً عن الأئمة الباقر والصادق والرضا والعسكري عن آبائهم (عليهم السلام)برواية كبار المحدثين .تحقيق السيد محمد  رضا الحسيني.مؤسة آل البيت (ع)لأحياء التراث أمالي الطوسي: ١٣٠. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٠ - الصفحة ٢٨.

    24 ـ بن شعبة الحراني  & في تحف العقول/30.


    1. في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) - عبود مزهر الكرخي
      11/05/2014 - 06:34 مقالات
    2. في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) / الجزء الثاني - عبود مزهر الكرخي
      15/05/2014 - 21:52 مقالات
    3. في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء الثالث - عبود مزهر الكرخي
      21/05/2014 - 17:35 مقالات
    4. في ذكرى مولد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء الرابع - عبود مزهر الكرخي
      29/05/2014 - 20:44 مقالات
    5. في ذكرى مولد واستشهاد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام)/ الجزء الخامس - عبود مزهر الكرخي
      16/07/2014 - 14:16 مقالات
    6. في ذكرى مولد واستشهاد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء السادس - عبود مزهر الكرخي
      15/10/2014 - 08:19 مقالات
    7. في ذكرى مولد واستشهاد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء السابع - عبود مزهر الكرخي
      18/10/2014 - 12:54 مقالات
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media