تطرّف وتطريف!!
    الأحد 26 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 17:18
    د. صادق السامرائي
    في لسان العرب: يُقال طرّف الرجل حول المعسكر أو القوم.
    وتطرّف عليهم: أغار.
    المُطرّف: الذي يأتي أوائل الخيل فيردّها على آخرها.
    التطريف: أن يرد الرجل عن أخريات أصحابه.
    وتطرّف الشيئ: صار طرفا.
    وطرفَ كل شيئ منتهاه.
    وتطرّفتِ الشمس: دنت للغروب.
    والتطريف باللهجة العامية: قص الأطراف.

    التطرف قانون كوني وجودي طبيعي يتوافق مع جميع الظواهر البايولوجية والفيزيائية والكيميائية والإحصائية والسلوكية وغيرها.
    ولا يوجد تجمع لعدد من المخلوقات مهما كان نوعها إلا وأوجدت من بينها نسبة من المتطرفين ,  متوافقة مع ظروفها الموضوعية وتفاعلاتها الذاتية وتحدياتها.
    وهذا هو ديدن قانون الإنتشار الطبيعي للموجودات الأرضية كافة , وينطبق على الأعماق البشرية وحالاتها النفسية والفكرية.

    والقول بالقضاء على التطرف , كالقول بالقضاء على أطراف الليل والنهار , أو المد والجزر , أو كالقضاء على الحروب , التي هي سلوك متطرف منذ أن بدأت وتطورت وتنامت توافقا مع زيادة عدد البشر.

    والقراءة المتأنية للسلوك البشري تبدي لنا تلازم التطرف معه , فأي تجمع كحزب أو دين أو فئة أو طائفة أو غيرها , تجد فيها نسبة من المتطرفين متوافقة مع عدد أعضائها أو المنتمين إليها , فالقول بإلغاء المتطرفين فيها يعني إلغاؤها.

    والتطرف طاقة منحرفة أو منبعجة لعدم توفر المنافذ القادرة على تصريفها وإستيعابها والإستثمار فيها , ولهذا تتحول إلى طاقة سلبية ذات تأثيرات تدميرية , وكل طاقة تنحبس أو تختنق تنحرف عن مسارها المتفق مع المعدل العام السائد في موضعها.

    فلو أخذنا مئة عضو من أي حزب أو جماعة أو عقيدة , ودعوناهم لإبداء الرأي في موضوع ما , فسنجد الغالبية منهم متقاربين في رؤيتهم , وسيميل عدد قليل منهم بعيدا عن الرؤية التي سادت , وهؤلاء القلة بإهمالنا المتواصل لهم يزداد تطرفهم وتتنامى تفاعلاتهم فيتشقق حزبهم , ولهذا نرى الإنشقاقات في الأحزاب والجماعات والعقائد متواصلة , فلا يوجد حزب في الأرض إلا وحصلت فيه إنشقاقات , ولا دين إلا تفرعت منه مدارس ومذاهب وطوائف وصيرورات ذات إتجاهات في حقيقتها متطرفة شديدة الإنغلاق.

    ويبدو أن التطرف من ضرورات المحافظة على الإعتدال والإمساك بأطراف منحناه ومنعه من الإنفلات والتبعثر والإضطراب.

    وهذا ليس دفاعا عن التطرف ولكن لشرح طبيعته وحقيقته وأنه حالة ملازمة للحياة , ولكي تقضي عليه يجب أن تجعل جميع أصحاب الظاهرة الموجود فيها أمواتا , وهذا أمر لا تسمح به إرادة الحياة ومقتضيات توازناتها وحتميات دورانها.

    فالتطرف يُعالَجُ بالإهتمام بالنسبة العظمى لإستيعاب النسبة الصغرى وتحجيمها وتذويبها , وتأهيلها لعدم الجنوح والإنفلات , وذلك بتقليل طاقاتها ومصادر تنميتها , وجذبها للتفاعل الإيجابي مع النسبة العظمى في محيطها المكاني والزماني.

    فعلى سبيل المثال ,وفقا لمنحنى الإنتشار الطبيعي , النسبة العظمى من المسلمين هم من المعتدلين المتفاعلين إيجابيا مع الحياة ,  والمعبرين عن القيم الرحيمة السامية لدينهم , ومن بينهم نسبة ضئيلة  من المتطرفين كما هو الحال في أي دين آخر.

    لكن التطرف الديني المنسوب للإسلام إنبعج وتفاعل بهذه الطاقات السلبية التي تتداولها وسائل الإعلام , لأن النسبة العظمى المعتدلة تعاني الشدائد والحرمان , والضغط المناهض لما يمت إليها بصلة ويشير إلى هويتها , وأمعنت وسائل الإعلام بإلغاء وجودها ومزجها بالنسبة المتطرفة المتعارف عليها عند غيرها , وأصبح على النسبة العظمى أن تثبت أنها لا تمت بصلة للنسبة الصغرى.

    هذا الضغط المُسلط على النسبة العظمى يساهم بقوة في ميل منحنى الإنتشار الطبيعي إلى جهة اليسار , مما يعني تنامي قوة النسبة الصغرى وتأثيرها الأكبر على النسبة الكبرى , وهذا يجري ربما عن قصد ودراسة وبرمجة وبآليات سلوكية مجربة ومدروسة.

    فلكل ظاهرة وحالة أطراف يتوطنها التطرف!!

    ومعضلة النسبة الكبرى أنها تستكين وتنكمش ويتملكها الشعور بأنها المتهمة ولا حيلة عندها بردّ ذلك , وهذا أحد الأسباب التي أدّت إلى إيجاد طاقات تعبّر عن هذا السلوك , الذي يساهم في تنمية إرادة التطرف وإنحراف الطاقة التي فيها بإتجاهات ضارة لها.

    والمطلوب أن تفرض النسبة الكبرى قوتها وقدرتها وتُفاعل طاقاتها , وتستثمرها بما يؤكد وجودها الصحيح المتفق مع رؤيتها ومنطلقاتها ومبادئها , وأن لا تكون وسطا مروّجا لسلوك التطرف  , وحاضنا لطاقاته المستغلة لإستكانتها , وبهذا تتحرر من تأثيرات التطرف ونوازعه السلبية.

    فالتطرف يمكن تطريفه وتقطيفه وتوظيفه وتطويقه وتطويعه , ولا يمكن إزالته والقضاء عليه ,  لأن في ذلك مخالفة لقوانين الدوران ودستور الأكوان!!

    فهل لدينا قدرات تجفيف حواضنه , وتعزيز المناعة من أضراره؟!!


    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media