مواطنو الموصل يرزحون تحت الانهيار الاقتصادي وقمع «داعش»
    الأربعاء 29 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 07:28
    ليوك هاردينغ  «الغارديان» - يقول سكان الموصل ان الأوضاع داخل مدينتهم قد تدهورت بشكل كبير، مع نقص حاد في الغذاء والمياه، وتوقف المؤسسات العامة عن العمل، فيما الاقتصاد المحلي يشارف على الانهيار التام.
    وعبر مقابلات مع السكان المحليين في الموصل رسم هؤلاء صورة قاتمة للحياة تحت حكم "داعش”، ويقولون ان السخط من الارهابيين الذين اجتاحوا المدينة منذ نحو خمسة أشهر آخذ في الازدياد. كما توقفت معظم المؤسسات العامة عن العمل ولا تستطيع توفير أي خدمات. فضلا عن توقف نشاط القطاع الخاص ومشاريع البناء التي كانت تمولها الحكومة، ما جعل الآلاف من العمال عاطلين عن العمل الآن.
    ويؤكد المتحدثون من سكان الموصل، أن الحقيقة هي بعيدة كل البعد عن دعاية "داعش” التي تتحدث عن انسانيتها ورعايتها للمسنين والمرضى في مراكز صحية وتنظيف الشوارع وغيرها، ويتحدث السكان المحليون عن شحة  تجهيز الوقود لفصل الشتاء المقبل، وأن الكثيرين أنفقوا مدخراتهم وليس لديهم الآن أي دخل، وقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد، فيما تنتشر القمامة في كل الشوارع.
    ويقول زياد، وهو عامل بناء عمره 34 عاما، أنه يقضي معظم وقته في المنزل، ويحاصره القلق حول مستقبل عائلته، ولا يوجد عمل مهما كان، أما أصحاب العمل فيدفعون القليل جدا من المال.
    أما سعر النفط الذي بات يستعمل للطبخ فقد ارتفع أكثر من ثلاثة أضعاف سعره منذ حزيران الماضي من 95 ألف دينار للبرميل الواحد قبل الأزمة إلى 300 ألف دينار. وقد ارتفعت مستويات التضخم وازدادت سوءا منذ استعادة قوات البيشمركة السيطرة على معبر ربيعة الحدودي مع سوريا، لأنه خط الامدادات الرئيس” لداعش”.ويتوقع "صبحي”، وهو أحد الباعة وعمره 48 عاما، أن سعر النفط سيقفز إلى أبعد من ذلك، منذ أن فقدت” داعش” السيطرة على ربيعة واقتراب فصل الشتاء. أما بشأن الكهرباء، فتقول خالدة البالغة من العمر 49 عاما، وهي موظفة حكومية: "نحصل على ساعتين من الكهرباء كل أربعة أيام وأحيانا لكل أسبوع”، مضيفة: "هناك مولدات القطاع الخاص التي يمكن أن توفر طاقة كهربائية إضافية، ولكن بما أنه لا يوجد عمل في المدينة، فإن الناس لا يملكون المال لدفع فواتير المولدات وغيرها من الخدمات، وكانت الحكومة المركزية توفر مواد التموين الرئيسة كالسكر والرز وزيت الطعام والطحين، لكن سقوط الموصل بيد "داعش” أوقف هذه الخدمة، التي لا يستطيع الارهابيون توفير بديل عنها.
    الطلبة يعانون أيضا. فبالنسبة لهم فإن الحياة تحت نير "داعش” تعني أنهم لا يستطيعون أداء الامتحانات النهائية لهذا العام، ما دفع  بعض العائلات لخوض رحلة خطرة إلى كردستان العراق لكي يستطيع أطفالهم أداء الامتحانات وعدم خسارة سنة كاملة من التعليم. وتظهر بيانات وزارة التعليم أن طلبة الموصل لم يستطيعوا أداء الامتحانات فيها. ففي إحدى مدارس البنات الثانوية، دخلت 13 طالبة من أصل 118 طالبة في الامتحانات النهائية، فيما تمكنت ثلاث فقط من النجاح. 
    عندما استولى داعش على الموصل في الصيف، اغتر عدد من السكان بخروج الجيش العراقي من المدينة، وكانوا سعداء لرؤية المسلحين وهم يجوبون شوارع مدينتهم، لكن العديد من الأهالي الآن توصلوا إلى استنتاج مفاده أن حكم "داعش” هو أسوأ ما تعرضوا له من الأحكام.
    غادر "دارا” الموصل قبل شهرين ويعيش الآن في السليمانية. وهو على اتصال منتظم مع الأصدقاء والأقارب في الموصل، ويقول: "لقد أصبح الناس فقراء جدا وخيم اليأس عليهم لدرجة انهم سيكونون سعداء ويرحبون بأي جهة تأتي لتخلصهم من داعش وتحرر مدينتهم، ولا يمانعون بدخول الجيش العراقي إليها.
    ويقول السكان أن جوا من القمع والترهيب ساد المدينة في الأشهر الأخيرة، عندما أجبرت " داعش "المسيحيين والأقليات الأخرى على مغادرة المدينة. وقامت بقطع رؤوس عدد من الأفراد الذين تعدهم تهديدا لها، بما في ذلك الأطباء والبرلمانيون والمواطنون العاديون. وفي مطلع هذا الشهر، أعدم ارهابيو”داعش” الصحفي مهند العكيلي، كما قتلوا المحامية البارزة، سميرة صالح علي النعيمي، التي كانت قد نشرت تعليقات على صفحتها في "الفيس بوك” تشجب النسف "الهمجي” للمساجد والمراقد من قبل داعش، فأدانتها محكمة داعش بجريمة "الردة”، حيث قتلت بإطلاق النار عليها من قبل المسلحين.
    أما بالنسبة لأئمة الجوامع، فقد أدرك الارهابيون أنهم لا يستطيعون قتل 33 إماما وخطيبا رفضوا مبايعة ما يسمى زعيمهم، ابو بكر البغدادي، لأن لدى الأئمة تأثيرا كبيرا. لكنهم بعد ذلك بوقت قصير، منعوا الأئمة من الوعظ ثم اعتقل ستة منهم على الأقل. أما الخطيب الأبرز فهو تحت الإقامة الجبرية. ويحافظ مئات المصلين على الصلاة في مسجد "قباء "الذي كان الخطيب يصلي فيه، حيث تزداد الحشود الممتدة على الشوارع الجانبية المؤدية إلى المسجد. فالمصلون يعلمون أن إمامهم رفض اعطاء البيعة لداعش، وهو تحد كبير يسمح بتقويض مصداقية داعش في أعين سكان الموصل.
    فضلا عن تزايد العصيان المدني، تواجه داعش تهديدا عسكريا من الضربات الجوية الاميركية. إذ كانت الطائرات العراقية تقصف المواقع العسكرية لداعش التي يتحصن مقاتلوها في المناطق السكنية. وتوقفت الغارات العراقية لتبدأ بعدها طائرات أميركية بلا طيار تقصف وتحوم باستمرار في السماء، ويقول السكان ان الضربات الجوية هي الآن سمة الحياة اليومية، لكنها تستهدف في معظمها أماكن خارج الموصل والمناطق الريفية المحيطة بها.

    ترجمة - مرتضى صلاح
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media