أطفـــــال الخـــلافــة
    «داعش» يعد جيشاً منهم قد يتحتم على الغرب محاربته على مدى الأجيال القادمة
    الأربعاء 29 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 07:38
    كيت برانين «فورن بولسي» - يوقفونهم في الصف الأول لكي يشهدوا عن كثب عمليات قطع الرؤوس والصلب التي تجري في الرقّة، معقل "داعش” في سوريا. هؤلاء اعتادوا عمليات نقل الدمّ كلما أصيب مقاتلو "داعش” في المعارك .. وتدفع لهم المبالغ مقابل أي وشاية أو معلومة ينقلونها عن أشخاص لا يوالون "داعش” أو يتكلمون بالسوء عنها .. وهم يتدربون لكي يصبحوا انتحاريين في المستقبل .. هم أطفال قد لا تتعدى أعمار بعضهم ست سنوات، وهم الذين تعمل "داعش” على تحويلهم إلى جنودها المستقبليين.لقد وضعت "داعش” نظاماً حسن الإعداد بعيد المرامي لتجنيد الأطفال وتعبئتهم عقائدياً بمعتقدات الجماعة المتطرّفة، ومن بعدها تلقينهم مهارات القتال الأولية. هؤلاء المتشدّدون يعدّون العدّة لحرب طويلة الأمد، وهم يأملون بأن المقاتلين الصغار الذين يدربونهم اليوم سوف يكونون في الميدان يقاتلون لسنين آتية.
    على الرغم من غياب الأرقام المؤكدة عن أعداد الأطفال الذين يزج بهم في هذا المعترك فإن روايات اللاجئين والأدلة التي تجمعها الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والصحافة تشير إلى أن عملية التعبئة العقائدية والتدريب العسكري للأطفال واسعة الانتشار.
    استخدام الأطفال في الحروب ليس بالأمر الجديد، فعشرات الجيوش والميليشيات الافريقية تستخدم الأولاد الصغار كمقاتلين، وجزء من السبب وراء هذا هو أن البحوث تثبت أن الأطفال يفتقرون إلى البوصلة الأخلاقية المتزنة، ولذلك يسهل التغرير بهم وجعلهم يرتكبون أفعالاً متسمة بالعنف والقسوة.
    ولكن مقاتلي "داعش” الصغار بشكل خاص قد يمثلون تهديداً خطيراً بعيد الأمد، لأنهم يتم عزلهم عن مدارسهم العادية لتغرس في أدمغتهم بدلاً من ذلك جرعات مستمرة وثابتة من الدعاية الإعلامية المصممة خصيصاً لنزع إنسانيتهم وإقناعهم بنبل القتال والموت من أجل عقيدتهم.
    يقول الفريق "أتش آر مكماستر” المكلّف بمهمة استقراء المخاطر المستقبلية والتخطيط لمستقبل الجيش الأميركي: "تتعمد داعش أن تمنع التعليم عن الناس في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وهذا ليس كل شيء، فهم يعرضون الأطفال لعملية غسيل دماغ ويمارسون سوء المعاملة معهم على أوسع نطاق، فصغار السن يعرّضون للقسوة البالغة وتنتزع منهم إنسانيتهم بصورة منظمة. وهذه مشكلة سوف نبقى نواجهها لأجيال عديدة.”
    لقد عاد مؤخراً من زيارة للعراق مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان "إيفان سيمونوفيتش” حيث أجرى مقابلات في بغداد ودهوك وأربيل مع عراقيين تم تهجيرهم من مناطقهم. يقول سيمونوفيتش: ان هناك برنامجاً واسعاً وخطيراً للتجنيد يجري العمل به. وفي حديث مع مجموعة من المراسلين في الأمم المتحدة أضاف أن مقاتلي "داعش” يغرون الصبية وصغار السن، وهم لديهم خبرة مشهودة في التلاعب بعقول الشبان والأطفال، على حد تعبير المسؤول الأممي. ثم يمضي فيقول: انهم يعكسون للصغار صورة المنتصرين ويقدّمون لهم وعوداً بأن الذي يسقط منهم في ساحة المعركة سوف يذهب مباشرة إلى الجنّة.
    ويتابع سيمونوفيتش قائلاً: "الأمر الذي أذهلني هو أني التقيت بأمهات يقلن لي أنهن لا يدرين ما يمكن أن يفعلنه إزاء هذا. قالت تلك الأمهات: ان ابناءهن يتطوعون وأنهن لا قدرة لهن على منعهم.”
    على خطوط الجبهة في العراق وسوريا يرسل الأطفال الذين اختطفتهم "داعش” إلى معسكرات تدريب دينية وعسكرية مختلفة كل حسب عمره. في تلك المعسكرات يتعلم الأطفال كل شيء، بدءاً من تفسيرات "داعش” للشريعة الإسلامية وانتهاء بكيفية استعمال السلاح. بل أنهم يتدرّبون حتى على أعمال قطع رؤوس الآخرين ويعطون دمى للتمرّن عليها، كما أورد موقع "سوريا ديبلي” في شهر أيلول الماضي، وهو موقع مكرّس لتغطية الحرب الأهلية السورية.
    كذلك يرسل الأطفال إلى ساحات المعارك حيث يستخدمون كدروع بشريّة على الخطوط الأمامية أو للتبرع بالدم لمقاتلي "داعش”، كما تقول "شيلي وتمان” المدير التنفيذي لمنظمة "روميو دالايير” المتخصصة في القضاء على ظاهرة استخدام الأطفال كجنود. وقد أخبر شهود عيان الأمم المتحدة أنهم رأوا في مدن عراقية، مثل الموصل وتلعفر، أطفالاً مسلحون بأسلحة لا يكادون يقوون على حملها ويرتدون زي مقاتلي "داعش” وهم يقومون بأعمال الدورية في الشوارع ويعتقلون الناس.
    كذلك تلقى خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تقارير موثوقة تفيد بأن أطفالاً لا تزيد أعمارهم على 12 أو 13 سنة يتلقون التدريب العسكري على يد "داعش” في مدينة الموصل. ورد هذا في تقرير مشترك أصدره مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ومكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق.
    وأضاف التقرير المذكور أن أعداد الصغار الذين يقفون في نقاط التفتيش في مدينة الشرقاط في محافظة صلاح الدين قد تصاعدت تصاعداً مريعاً خلال الأسبوع الأخير من شهر آب الماضي. وفي قضاء مخمور في سهل نينوى سيق الذكور الذين في أعمار المراهقة خلال شهر آب إلى دورة تدريب على أيدي مقاتلين متمرسين من تنظيم "داعش”. وأفاد بعض هؤلاء الفتيان فيما بعد، كما يقول التقرير، بأنهم أرغموا على التوجه إلى الخطوط الأمامية لكي يحتمي بهم مقاتلو "داعش” أثناء العمليات القتالية، كما أرغموا على التبرّع بالدم للمقاتلين الجرحى.
    أبو ابراهيم الرقّاوي، وهو الاسم المستعار لرجل في الثانية والعشرين من عمره كان يقيم في سوريا إلى ما قبل شهر من الزمن، هو مؤسس حساب تحت عنوان "رقّة تذبح بصمت” على موقع تويتر وكذلك صفحة على موقع فيسبوك لتوثيق فظاعة الحياة التي تعيشها مدينة الرقّة، وهي المدينة التي تربى فيها. فبالإضافة إليه وثلاثة آخرين معه يعيشون الآن خارج سوريا هناك اثنا عشر شخصاً من داخل مدينة الرقّة يساهمون بإرسال الصور والمعلومات عما يدور في تلك المدينة.
    تحدث أبو ابراهيم الرقّاوي مع مجلّة فورن بولسي على موقع "سكايب” فقال: ان "داعش” آخذة بتصعيد وتائر تجنيدها لليافعين وصغار السن، بما في ذلك إنشاء معسكر للصبيان يتم فيه تدريبهم على المهارات القتالية. ويمضي أبو ابراهيم مبيناً أن فتيان الرقّة يتم تدريبهم ثم يرسلون على وجه السرعة للقتال في مدينة كوباني على الحدود السورية التركية حيث تخوض "داعش” معارك ضارية مع المقاتلين الكرد منذ عدّة أسابيع. وقد نفذت الطائرات الأميركية والتحالف الذي معها أكثر من 135 ضربة جويّة على أهداف تابعة لداعش في تلك المدينة وحولها ما أسفر عن مقتل مئات من المقاتلين المتطرّفين.
    ويضيف الرقّاوي أن "داعش” في مدينة الرقّة، حيث استبدّ الفقر وانتشر بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، تقوم في كثير من الأحيان بإغراء الأهل بمبالغ مالية كي يرسلوا أطفالهم إلى المعسكرات. وفي بعض الأحيان تقوم بإغراء الأطفال مباشرة حيث تقيم احتفالات خاصة للتجنيد وتعرض على الأطفال مبالغ مالية مقابل التقدّم للتطوّع. ولأن المدارس جميعها قد أغلقت لا يبقى أمام الأطفال من بديل، كما يقول الرقّاوي.
    يمضي الرقاوي مستطرداً فيقول أن هناك معسكرات معروفة في أنحاء مختلفة من الرقّة مخصصة لتدريب صغار السن واليافعين مثل معسكرات الزرقاوي وأسامة بن لادن والشرقرق والطلائع والشريعة. وحسب تقديره أن هناك ما يقارب 250 إلى 300 طفل في معسكر الشريعة وحده الذي خصص للأطفال دون سن 16 عاماً، وقد أرسل صوراً لأطفال يتدرّبون في هذا المعسكر من بينها صورة لصغار يجلسون لتناول الطعام معاً وأخرى لفتى يبتسم بعد إكماله دورة في اجتياز الموانع. وهو يقول: ان التدريب يتسارع عندما تكون هناك معركة تدور مثل تلك التي في كوباني.
    في العراق أيضاً هناك أدلة كثيرة على أن الأطفال يقسرون على الانخراط في التدريب العسكري. فقد أجرى "فريد أبراهامز”، المستشار الخاص لمنظمة "هيومان رايتس واتش” لحقوق الإنسان، مقابلات مع الأيزيديين العراقيين الذين نجحوا في الإفلات من سجون "داعش”. يقول هؤلاء الأيزيديون أنهم شهدوا بأنفسهم مقاتلي "داعش” وهم ينتزعون الأولاد من عوائلهم لأغراض التدريب العسكري أو الديني. ويقول رجل أيزيدي تمكن من الإفلات أنه رأى آسريه وهم يفصلون 14 فتى تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و12 سنة عن عوائلهم بعد أسرهم في سنجار ثم يأخذونهم للتدريب وتحويلهم إلى مقاتلين جهاديين.
    خلال الصيف الماضي نجحت وكالة "فايس نيوز” الاخبارية في النفوذ بصورة استثنائية إلى أحد معاقل "داعش” ثم بثت شريط فيديو وثائقي في خمسة أجزاء يصوّر الحياة تحت سيطرة هذه الجماعة، وقد تم التركيز بصورة خاصّة على إعداد الأطفال للمستقبل. يظهر في الشريط رجل يقول محدثاً مراسل فايس: "نحن نؤمن بأن هذا الجيل من الأطفال هو جيل الخلافة. وهذا الجيل هو الذي سيقاتل الكفّار والمرتدين بإذن الله من الأميركيين وحلفائهم.”
    يظهر شريط الفيديو طفلاً عمره تسعة أعوام وهو يقول انه قد توجّه إلى معسكر التدريب بعد شهر رمضان لكي يتعلم كيف يستخدم بندقية الكلاشنكوف. ويقول متحدث باسم "داعش” مخاطباً المراسل: ان من تقل أعمارهم عن 15 سنة يرسلون إلى معسكر الشريعة لكي يتلقوا تعليماً دينياً، أما من تتعدى أعمارهم 16 عاماً فإنهم يذهبون إلى معسكر التدريب.
    كذلك تشارك قيادة "داعش” لحملة التواصل الاجتماعي في إقناع الناس من شتى أنحاء العالم بالسفر إلى العراق وسوريا للانضمام إلى الجماعة. جزء من هذا المسعى يتضمن استخدام الأطفال كأدوات للدعاية حيث تعرض صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يرتدون زي مقاتلي "داعش” ويسيرون جنباً إلى جنب مع المقاتلين الكبار. ويقول تقرير الأمم المتحدة: ان "داعش” دخلت في منتصف شهر آب مستشفى للسرطان في الموصل وأكرهت طفلين على الأقل من الأطفال المرضى على رفع علم "داعش” ثم بثت الصور عبر الإنترنت.
    لقد أثبت مسعى "داعش” للتجنيد عبر الإنترنت نجاحه، حيث تمكن من اجتذاب أكثر من ثلاثة آلاف من الأوروبيين. ويقول مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي”: ان لديه معلومات عن أكثر من عشرة أميركيين يقاتلون بين صفوف الجماعة ولا يستبعد المكتب احتمال وجود عدد أكبر. وفي الأسبوع الماضي ألقي القبض في فرانكفورت بألمانيا على ثلاث طالبات أميركيات من ولاية كولورادو في مرحلة الدراسة الثانوية عندما كنّ يحاولن على ما يبدو الالتحاق بتنظيم "داعش” في سوريا. وتفيد التقارير بأن الفتيات الثلاث قد تمت تعبئتهن بالفكر المتطرّف عبر شبكة الإنترنت.
    يظهر شريط وكالة فايس رجلاً بلجيكياً سافر إلى الرقّة ومعه ولده الصغير الذي لا يتعدى عمره كما يبدو 6 أو 7 سنوات. كان الأب يحث ولده أن يقول للمصوّر انه "داعشي” وليس بلجيكياً، ثم يسأله إن كان يريد أن يصبح جهادياً أم انتحارياً يفجّر نفسه فيرد الصبي "أصبح جهادياً”.
    أخبر الرقّاوي مجلة فورن بولسي بأنه رأى، عندما كان يعيش في الرقّة، امرأة أميركية ومعها زوجها الجزائري وابنتهما التي بدا أن عمرها لا يزيد على أربع سنوات. كما رأى فرنسياً جاء للقتال وقد أحضر معه طفليه الصغيرين، وهما صبي أشقر لا يزيد عمره على 6 سنوات وطفلة يقدّر عمرها بسنة واحدة.
    يقول الرقّاوي: "كنا نرى في المدينة أجانب كثيرين .. إنه أمر مفزع.”
    في سوريا والعراق لا يتعرض الأطفال للتعبئة الفكريّة المتطرّفة فقط بل أيضاً لمستويات بالغة من العنف المطلق كل يوم. ويعرض الرقّاوي صوراً التقطها عندما كان في مدينته لأطفال يراقبون عمليات صلب ثم يقول ان الأطفال لا يلبثوا أن يألفوا منظر الإعدامات بحيث لا تعود صورة رأس إنسان وهو يفصل عن جسده تهزّهم.
    يقول الرقّاوي: "داعش تدمّر طفولتهم وتدمّر قلوبهم.”تقول "مستي بوزويل”، وهي مستشارة منطقة الشرق الأوسط في منظمة "انقذوا الأطفال” ومقرها الأردن: "ليست مبالغة أن نقول بأننا يمكن أن نخسر جيلاً كاملاً من الأطفال جرّاء الصدمة والأذى النفسي.” وتضيف بوزويل أن أطفال اللاجئين الذين أجرت مقابلات معهم يعانون من كوابيس تراودهم وهم يتجنبون الكلام مع أقرانهم وتظهر عليهم أعراض عدوانية تجاه الأطفال الآخرين.
    تقول بوزويل: "لقد التقيت بأطفال انقطعوا عن الكلام وبقوا منقطعين عنه أشهراً بسبب مشاهد مريعة وقعت عليها أعينهم. وهؤلاء هم المحظوظون الذين تمكنوا من النجاة واجتياز الحدود بسلام.”
    وتمضي بوزويل موضحة أن هؤلاء الأطفال يمكن أن يتعافوا مع مرور الزمن وتلقيهم معالجة صحيحة. عندئذ قد يعودون شيئاً فشيئاً إلى الحياة الطبيعية، كما تقول، ولكن اولئك الذين لا يزالون في الداخل ويرون هذه المشاهد بشكل يومي فإن الآثار البعيدة المدى سوف تكون خطيرة عليهم للغاية.
    تقول بوزويل: ان أي لاجئ تكون لديه رغبة شديدة في العودة إلى موطنه ومسكنه متى ما انقضى الموقف واستقرت الأوضاع وعاد السلام، ولكنها حين سألت لاجئي سنجار هذا السؤال قبل أسابيع صعقها جوابهم. تقول: "كانت هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أناسا مشرّدين يقولون لي ان ما جرى لهم والأهوال التي رأوها – والتي رآها أطفالهم – كانت على درجة من الفظاعة تجعلهم يرفضون العودة لأن الذكريات التي تركوها وراءهم كثيرة وسيئة.”

    ترجمة: أنيس الصفار
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media