الاكتناز
    الأربعاء 29 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 08:12
    د. مظهر محمد صالح
     الاكتناز والادخار عند البعض هو أشبه ما بالجد والهزل وكأنهما اسمان لشيء واحد في عالم ما زال يفتقر الى المعنى!. من وحي هذه العبارة تعرضت المتابعات الاقتصادية الدولية الى ظاهرة شديدة الغرابة ما زال الاقتصاد العالمي يمرُّ بها حتى اليوم، لاسيما في بلدان العالم الصناعي. إذ تقدر المبالغ المكتنزة هنا وهناك بما يزيد على (تريليونين ونصف التريليون دولار). فقد أقدمت الشركات الصناعية العملاقة على اعتناق مبدأ الاكتناز النقدي وإيداع موجوداتها النقدية السائلة في أقبيتها وخزائنها الحصينة، إذ عُد هذا السلوك النقدي بديلاً للادخارالمصرفي. حيث ترقد تلك الأموال السائلة المكتنزة في سبات خارج دائرة الاستثمار وحراكه الحقيقي المنتج.وتتزعم ظاهرة الاكتناز النقدي اليوم، الشركات اليابانية والشركات الكورية الجنوبية والشركات الأميركية، ذلك لتجنب الانهيارات السريعة التي قد تتعرض إليها المصارف بسبب الأزمة المالية الدولية التي ابتدأت منذ نهاية صيف العام 2008 ومازالت آثارها الاقتصادية السلبية ممتدة حتى الوقت الحاضر. فالاكتناز كما هو معلوم للجميع يعني جمع المال وتكديسه والاحتفاظ بالمتراكم منه نقداً سائلاً لمدة زمنية طويلة بعيداً عن التداول ومن دون فائدة أو نفع اقتصادي. كما أن الاكتناز هو عكس الادخار. فالأخير هو عملية اقتصادية إيجابية ونافعة بكونه المصدر الرئيس للاستثمار ومصدر نماء الدخل. ويكون الادخار ضمن دورة تدفق الدخل ولا يخرج منها. وبهذا فقد سلك المدراء في قطاع الأعمال سلوكاً اكتنازياً يقضي بحماية أنفسهم من الخسائر التي خلفتها الأزمة المالية الدولية والانهيارات المرتبطة بها، ما ترك فرصة قليلة للنهوض بالاستثمار والتوسع به. فمن اللافت ان الشركات اليابانية تكتنز حالياً من عملة الين الياباني في خزائنها الحصينة نقداً بما يزيد على (2 تريليون) دولار أو ما يعادل نسبة 44 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لليابان. في حين تدخر الشركات الكورية مبالغ نقدية بعملتها الوطنية تقارب (نصف تريليون دولار) وهي تمثل نسبة قدرها 34 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية. أما الشركات الأميركية فهي الأخري تحتفظ اليوم بنحو (2 تريليون دولار نقداً) في خزائنها وبما يعادل 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأميركية.
    لقد قاد مثل هذا الاتجاه الاكتنازي المتحفظ في تشغيل الأموال الى هبوط النشاط الاستثماري،لاسيما في دولة صناعية ناهضة هي كوريا الجنوبية. فالاستثمار في الصناعات الكورية المنتجة للسلع المعدة للتصدير لم يتعد نموه السنوي في الأحوال كافة 1 بالمئة ومنذ العام 2008.
    وبهذا فقد أثار الوسط الاقتصادي تساؤلاً مهماً عن ماهية حل الإشكال الناجم عن الاكتناز النقدي وتعطيل العمل الاستثماري الحقيقي منذ العام 2008 وحتى الوقت الحاضر؟ ولكن الجواب الوحيد هو بإعادة توزيع تلك الاكتنازات النقدية بين أصحاب حقوق الملكية من حملة الأسهم.
    ختاماً، تقول الحكمة بهذا الشأن: إن الحرص الفائق على صحة الطفل وتحصينه من عدوى الجراثيم تقود به الى امتلاك جهاز مناعة ضد الأمراض ولكنه شديد الوهن!!.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media