أحزابنا الشيوعية!!
    الثلاثاء 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 21:39
    د. صادق السامرائي
    بعد جولة في دول أوربا الشرقية , بين التساؤل والتأمل والقراءة والبحث والنقاش والملاحظة  , والإستفسار من عامة الناس وبسطاء المجتمع ومثقفيه ومهنيّه , طاردني سؤال غريب عنوانه -  لماذا فشلت الأحزاب الشيوعية في بلاد العُرب أوطاني ولم تفشل في أي وطن آخر؟!!

    تحيّرت في الإجابة ومضيت مندهشا بإنجازات الأحزاب الشيوعية في دول أوربا الشرقية , ومدى التقدم والتطور على جميع المستويات , وما أن إنفصلت عن الإتحاد السوفياتي حتى تلقفها الإتحاد الأوربي , لما تمتلكه من مواصفات حضارية راقية وقدرات متقدمة ومعاصرة.

    سيقول قائل أن الحزب الشيوعي لم ينجح بسبب الدين , وهذه أكذوبة وتضليل , فالحزب الشيوعي في جميع الدول الشيوعية لم يهدم معبدا واحدا من أي الديانات , بل أقدمها وأجملها وأكبرها موجودة في الدول الشيوعية سابقا , كما أعاد بناء ما هدمته الحرب منها.

    ويبدو أن الحزب الشيوعي كان ضد الدين السياسي , وربما ليس ضد الدين!!

    الحزب الشيوعي ضد أن يجلس الدين على كرسي السلطة , وكان مفكروه مصييبون تماما ومدركون لخطورة ذلك السلوك , والأدلة السابقة والمعاصرة تؤيدهم.

    في الصين الشيوعية هناك ملايين المسلمين وأقدم المساجد وأكبرها , وما تعرضت  لسوء من قبل الحزب الشيوعي , وكذلك في دول الإتحاد السوفياتي السابقة.

    ترى أين الخلل؟!

    يبدو أن عقليتنا لا تمتلك مهارات وقدرات إدراك الأفكار وتحويلها إلى مشاريع فعّالة في مسيرة الأيام , وإنما تحسبها شعارات وكلمات تسعى بها لسفك الدماء والدمار والخراب , وهذه العلة مزمنة ومتوطنة , وترجمت نفسها في الحالة التي نسميها ديمقراطية , والتي أدركناها وفقا لوعينا الأعوج المنحرف المضطرب , وسفكنا تحت راياتها دماءً ومزقنا المجتمع وألغينا الوطن.
    فالعلة ليست بالعقيدة الشيوعية والديمقراطية والرأسمالية أو أية عقيدة أخرى , العلة في أدمغتنا التي نعبر عنها بسلوكنا.

    فالحزب الشيوعي بنى دولا معاصرة ذات عمران بديع , وأوجد لكل مواطن عملا وسكنا ورعاية صحية وضمان إجتماعي كامل , يحقق حياة سعيدة ومتقدمة.
    فما كانت توجد مشكلة سكن أو بطالة في المجتمعات الشيوعية , فعقيدة الحزب التي ترجمها بدقة وعزيمة فائقة تتلخص بالعمل والإنتاج - الزراعي والصناعي – وبناء القوة بكل معانيها وآفاقها.

    فماذا فعلت الأحزاب الشيوعية في بلداننا؟

    أخطأ الشيوعيون العرب في عدم قدرتهم على إستيعاب العقيدة الشيوعية وتطويعها للحياة الصحيحة في مجتمعاتنا , فما قدموا مثلا حيا للعمل والإنتاج والبناء والتفاعل الوطني الخلاق , وتحولت نشاطاتهم إلى السعي للسلطة وحسب , وكأنهم لا يستطيعون التعبير العملي عن الحزب إلا بتسلم السلطة , وفي حقيقة الأمر تكونت في اليمن دولة شيوعية صرفة , وكان من الممكن أن تقدم مثلا يُحتذى به , وتكون منطلاقا متوافقا مع ما تحقق في دول أوربا الشرقية , لكنها تمحّنت في عجزها عن ترجمة الشعارات إلى مشاريع وطنية ذات قيمة حضارية معاصرة.

    فلا تزال دول أوربا الشرقية قوية عملاقة متباهية بعمرانها وبنيتها التحتية التي شيدها الحزب الشيوعي , ولا يمكنها أن تنكر ذلك , بل أن نسبة كبيرة من مجتمعاتها , لا تزال متمسكة بعقيدتها ومتفاعلة مع الواقع الجديد بوطنية فائقة.

    فأين نحن من واقعهم المتطور جدا , وكيف تتحول الأفكار المنيرة في مجتمعاتنا إلى ظلام دامس ووسيلة للخراب والدمار والتناحر الدامي المشين.

    وكم يتمنى المرء لو أن دولنا كانت ضمن الإتحاد السوفياتي السابق , بدلا من أنظمة حكمنا الجائرة المرهونة بالتبعية والإنصياع لإرادة الآخرين , وما بنت بل خربت ودمرت وفعلت ما يندى له جبين التأريخ والإنسانية , وبإسم أرقى القيم والمثل والشعارات المنيرة.

    ترك الإتحاد السوفياتي دولا عملاقة متكاملة تامة بمرافقها كافة , وشامخة متباهية بجمالها وروعة عمرانها وأنفاقها وأنهارها ومدنها , وكأنها تحف فنية متزاهية بكل ما فيها من روائع الإبداع الحضاري الأصيل.

    وتركت أنظمة الحكم في بلداننا خرائبا ومدنا بلا بنى تحتية , ولا قدرة على المعاصرة والتفاعل الإيجابي مع زمنها , وكم يخجل المرء من واقع حاله الوطني , وهو يقارن بين أوطان تُبنى وتتواصل في البناء , وأخرى تُخرب وتمضي في الخراب وبعنفوان لا يجرؤ عليه أعتى أعدائها.

    تلك حقيقة المعضلة العربية وجوهرها , وإنها في آليات الإدراك العليلة المنحرفة , وليست في أي شيئ آخر , وليقل أي قائل ما يحلو له أن يقول!!!


    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media