وفد سعودي لفتح السفارة
    الأربعاء 26 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 03:22
    عبد الحليم الرهيمي
    إعلامي ومحلل سياسي
     وفقا لأكثر التصريحات الرسمية التي اطلقت خلال الفترة الماضية، اعلن مؤخرا بأن وفدا رسميا سعوديا سيصل خلال الايام المقبلة من اجل مهمتين: الاولى، افتتاح مقر السفارة السعودية في بغداد، والثانية، البحث في سبل التعاون والتنسيق على الصعيد الامني والاستخباري بين البلدين إذ يعتقد ان الوفد سيضم مسؤولين من اجهزة الامن والاستخبارات السعودية.
    ورغم اهمية هاتين المهمتين فان زيارة الوفد بحد ذاتها هي حدث مهم بالنسبة لبغداد وللرياض معا، حيث يشير الى بدء تحرك عجلة العلاقات بينهما الى آفاق واعدة بتطورات ايجابية على مختلف الصعد، انطلاقا من النجاحات المهمة التي حققتها الزيارة التاريخية لرئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ليس في كسر الجليد الذي كان قائما بين البلدين لنحو اكثر من عقدين، وانما ايضا لوضع الاسس المتينة لمنطلقات علاقات متطورة وحقيقية بين البلدين تضع وراءها كل الآثار السلبية للقطيعة التي كانت قائمة بين البلدين.
    الواقع ان افتتاح سفارة لأي بلد من البلدان في بلد آخر، هو اجراء دبلوماسي روتيني، لكنه بالنسبة للسعودية لم يكن كذلك كما يبدو. لقد اغلقت السفارتان العراقية والسعودية في بغداد والرياض بعد احتلال نظام صدام للكويت وتهديده باحتلال اراض سعودية، إذ تركت تلك الاحداث آثاراً مؤلمة على الكويتيين والسعوديين، ويبدو ان هذه الآثار المؤلمة لم تتبدد، بالنسبة للسعودية، حتى بعد الاطاحة بنظام صدام وإقرار النظام الجديد في العراق، وتمت اعادة افتتاح السفارة العراقية في الرياض، بينما لم تقابل السلطات السعودية العراق بقرار مماثل، وعندما جرت محاولات عراقية وعربية وربما دولية لإقناع هذه السلطات بإعادة فتح السفارة في بغداد، اكتفت قبل نحو ثلاث سنوات بتعيين بعثة دبلوماسية لها في العراق لكنها تقيم في عمان!.
    إن قرار السلطات السعودية الآن بإعادة فتح سفارتها في بغداد يقدم تأكيدات على اهتمام المسؤولين السعوديين بإقامة علاقات ايجابية مع العراق، وأهم هذه التأكيدات التي تعطي لهذا القرار تلك الاهمية، هو تأكيد وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل امام الصحفيين الذين رافقوا الرئيس معصوم في زيارته للسعودية "بأن السفارة ستفتح بأقرب مما تتصورون".
    ان افتتاح السفارة ونصب السارية فيها ورفع العلم السعودي فوقها كي يرفرف في اجواء بغداد بعد غياب دام تقريبا ربع قرن، هو بمثابة رمز مهم لبدء علاقات جديدة ومتطورة بين العراق والسعودية، وهي علاقات ما كان لها ان تبدأ بالشكل الايجابي والواعد بتطورها وتعزيزها لاحقا، لولا الخطر المحدق بالسعودية والعراق ودول المنطقة من القوى الارهابية وفي مقدمتها "داعش".
    اما المهمة الثانية للوفد والتي سيترافق القيام بها مع افتتاح السفارة فهي البحث مع نظرائهم العراقيين من قادة الاجهزة الامنية والاستخبارية في افضل سبل التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات للتصدي للخطر الارهابي الداهم لبلديهما، واذا كانت اجهزتنا الامنية والاستخبارية قد اكتسبت خبرة جيدة من خلال مواجهاتها العملية للارهاب خلال السنوات الماضية، فان للسعوديين ايضا خبرتهم العملية التي بدأت منذ بدء مواجهتهم لـ"الافغان العرب" الذين عادوا من افغانستان للسعودية في الثمانينيات، فضلا عن الخبرة العملية المتراكمة والطويلة لأجهزتها الامنية والاستخبارية واستفادة هذه الاجهزة من تعاونها وتدريبها على يد خبراء اميركيين وبريطانيين بحكم العلاقة الستراتيجية بينهم.
    وبذلك فان العمل والتعاون والتنسيق المشترك بين العراق والسعودية على هذا الصعيد، ومايتطلبه من اعمال اخرى، سيكون لمصلحة البلدين والشعبين، هذا فضلا عن ترافق ذلك مع تطور العلاقة بين البلدين على الصعد الاقتصادية والتجارية والطاقة، وخاصة النفط والكهرباء، لاسيما ان العراق يتطلع ويسعى لتوسيع مصادر تصديره للنفط ببناء ميناء جديد على البحر
    الاحمر.
    ان افتتاح السفارة ومجيء الوفد الامني الاستخباري هما امران يشيران الى تطور كبير في العلاقة بين العراق والسعودية، وسيدفعان القوى الاقليمية المتضررة من ذلك لتخريب هذه العلاقة، وهذا ما ينبغي التحوط منه كثيراً.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media