عقدة إيران في العراق 1-5
الجمعة 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 09:13
د. غسان نعمان ماهر الكنعاني
باحث عراقي مغترب
سأعرض لهذا الموضوع الشائك الفاعل في الساحة اليوم في كل ساعة كما يلي:
1- المعنى المقصود من "العقدة"
2- مراحل تطور هذه العقدة
3- عقدة إيران في العراق – ما قبل 1979
أولاً / عقدة إيران عند سنة العراق
4- عقدة إيران في العراق – ما قبل 1979
ثانياً / عقدة إيران عند شيعة العراق
5- إشتداد العقدة الإيرانية – مرحلة 1979-1991
6- تطور العقدة الإيرانية – مرحلة 1991-2003
7- تغير العقدة الإيرانية بين الاشتداد وعدم وضوح الرؤية – مرحلة ما بعد 2003
* * *
1- ماذا أعني بـ "العقدة"؟
العقدة ليست بالضرورة العقدة النفسية، فالمقصود – وإن كان يضم العقد النفسية في بعضه – هو "العقد التي تعيق الجريان الطبيعي للعلاقة بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد"...
العقدة هنا تعني "المشكلة" أكثر منها بمعنى "العقدة النفسية"، وإن كان الكثيرون يشكون من الأخيرة في الدائرة الطائفية.
الآثار السلبية لعقدة إيران
ربما تقول: وهل هناك آثار إيجابية؟! أقول: نعم، وهي الإلتفات إلى مكامن الخلل في الطرح، بل وحتى في تفاصيل العقيدة ذاتها – ولكن هذا موضوع آخر.
أما الآثار السلبية فهي أن عقدة إيران في العراق تعيق إمكانية التعاون الحقيقي القائم على أساس الثقة والود والتضحية والإيثار وجميع ما يتوقع من عدم وجود البغضاء والشك والضغائن. هذه المشاعر السلبية تعيق حتى الرغبة في الانفتاح الحقيقي وليس القائم على المصالح الآنية والأهداف المرحلية.
2- مراحل تطور هذه "العقدة"
لقد مرت هذه "العقدة" المشكلة بعدة مراحل مما شهدناه في حياتنا. فالبحث المختصر لا يعنى بأسس تكوّن هذه العقدة في التاريخ، لأننا إذا رجعنا إلى أيام الدولتين العثمانية والصفوية فسنجد أنفسنا أمام أسس قيام الدولتين، في الجانبين المذهبي والسياسي، وبالتالي سيتعين أن نرجع إلى الماضي الأبعد، فنلحظ الصراعات بين الدول التي تمذهبت بالمذهبين وكيف تداخلت السياسة والدين في تلك الصراعات (الحمدانيون والغزنويون والأدارسة والفاطميون والأغالبة والأيوبيون وسم ما شئت)، حتى نصل إلى أول نشأة المذاهب مع أول المشاكل السياسية في الإسلام، وهذا بحث طويل عريض آخر تماماً.
ولا مبالغة في هذا، فإن الجوانب النفسية والضعف الإنساني عموماً كان وراء جميع ما جرى، فلو رجعنا في الماضي شيئاً فشيئاً فربما نجد أنفسنا وصلنا إلى قتل قابيل لأخيه هابيل! بل ربما إلى ما قبل الخلق ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟))! (هناك جواب جميل لبديع الزمان الهمداني عندما قال أحدهم "لقد فسد الزمان" فيجيبه: "ومتى صلح؟!" ثم يبدأ بذكر لقطات من المراحل حتى يعيده إلى ما قبل الخلق.)
وعليه، فإن التناول سيكون لشكل هذه المشكلة في العراق حتى عام 1979 عندما انتصرت الثورة في إيران، وكان هذا منعطفاً مفصلياً في العراق والمنطقة بل والعالم، فلا عجب أن تشتد العقدة-المشكلة.
بعدها نعرض كيف اشتدت وتطورت وتغيرت هذه المشكلة في المراحل التالية: 1979-1991، و 1991-2003، و 2003 وما بعدها.
3- عقدة إيران في العراق
أولاً / عقدة إيران عند سنة العراق
وهي عقدة تشمل سنة بلدان الخليج العربية أيضاً، فالسني ينشأ وهو يكره إيران والإيرانيين عموماً؛ أما لماذا؟ قيل له: إنهم يكرهون العرب... ولا يدعونه يفكر أكثر إذ يعاجلونه بالسبب: لأن العرب قضوا على إمبراطوريتهم الفارسية في الفتح الإسلامي.
ما هو السبب الحقيقي للعقدة؟
السبب الحقيقي هو لأن غالبية الإيرانيين شيعة؛ والدليل:
1- لا تشمل هذه العقدة أكراد إيران، وما ذلك إلا لأنهم سنة. وأغلب الظن أننا لو جئنا بإيراني من القومية التركية وعرضناه على سني عراقي فإنه لن يشعر نحوه بتلك العقدة لأنه سيظن أن كونه تركياً يعني تسننه (بينما أتراك إيران شيعة قاطبة).
2- لا يوجد تنشئة بكره الأتراك على الرغم من أنهم حكموا العراق ما يقرب من أربعة قرون حكماً عنصرياً إلى درجة أنه لم يعين لا في ولاية بغداد ولا الموصل ولا البصرة طيلة هذه المدة الطويلة (التي ربما حكم فيها سبعون والياً أو أكثر) ولا وال عراقي واحد! هذه درجة من العنصرية لا أظن أن لها مثيلاً سوى في نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
3- على العكس هناك أحياناً ذكر لما "فعله الصفويون" عندما يدخلون العراق، مع أن الصفويين إضافة إلى القاجاريين لم يصل مجموع تواجدهم في العراق طيلة القرون التركية العثمانية أكثر ربما من 15 سنة فقط! ولم تشمل إلا مناطق الوسط والجنوب.
4- لا يوجد لفت نظر إلى أن غالبية علماء السنة الأوائل – أي الذين أسسوا المذهب السني – من الأعاجم والفرس تحديداً.
5- لا يوجد لفت نظر إلى أن إمام المذهب الذي يتبعه نصف العراقيين السنة، وهو المذهب الرسمي للدولة العراقية، الإمام أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى، فارسي؛ وهذا سارت عليه الدولة العراقية الحديثة التي لم تزل تعلن أن جنبتها العروبية هي الأقوى، حتى في عهد البعث وحربه مع الفرس!
6- لا توجد تنشئة توازي هذه التنشئة المعادية لإيران باتجاه الانجليز مثلاً مع أن هؤلاء احتلوا البلاد وأسقطوا الدولة العثمانية السنية وكانوا وراء كارثة فلسطين إلى غير ذلك مما يعرفه الجميع... ثم هم ليسوا مسلمين، وعليه فإن المشكلة مع الجار الإيراني المسلم أشد من المشكلة مع المحتل الانجليزي غير المسلم.
ما درجة امتداد هذه العقدة؟
هذا الأمر لعامة أهل السنة في العراق لا ينجو منه إلا أقل القليل النادر. طبعاً الدرجة تختلف بين من يعيش بين الشيعة أو بعيداً عنهم، ومن يتعرض لترسيخ هذه التنشئة في عائلة تعاني من المشاعر الطائفية مقابل من لا يتعرض لهذا – فالناس تختلف بطبيعة الحال، ولكن هذه العقدة – بغض النظر عن درجتها – عامة شاملة دون أدنى شك.
ولا بد من الإشارة إلى الدور الذي تلعبه المحددات الأخرى لهوية المجتمع أي مجتمع. مثلاً، المجتمع السامرائي في سامراء تعصبه الأول لمدينته، وفي مركز ذلك حبه الطاغي لإمام الشيعة العاشر علي الهادي (ع)، لهذا لا تجد هذه العقدة الإيرانية بالشدة التي عند مجتمعات أخرى... وهكذا.
ما هو أثر هذه العقدة على السني العراقي؟
إن عقدة إيران عند سنة العراق تعني شيعيتها كما قلنا. ولكن المشكلة هي في قضية أخرى هي أن أهل السنة مقتنعون أن مذهب الشيعة مذهب فارسي (لأن العراقيين السنة لم يتعرضوا لغسيل دماغ فرية التأسيس اليهودي من عبد الله بن سبأ لمذهب الشيعة، فنحن نتحدث قبل عصر الانترنت والمشاكل الحالية التي جعلت الناس تردد دون أدنى تثبت – فكما تعلمون أغلب الناس عقولها في آذانها مع الأسف الشديد) – وعليه:
الشيعي العراقي = أعجمي إيراني
كل أعجمي إيراني = عدو العرب
إذاً، بالاستعاضة: كل شيعي عراقي = عدو العرب
ولما كان العراق عربياً
إذاً،
نتيجة 1 : الشيعي العراقي = عدو العراق
نتيجة 2 : الشيعي العراقي = يحب إيران
ولما كان من يحب إيران شريراً سيئاً
إذاً،
نتيجة 3 : الشيعي العراقي = إنسان شرير سيء!
أما على مستوى الدولة العراقية
هذا على مستوى الفرد – سواء في الوعي الواضح أو المترسخ دون تحديد.
أما على مستوى الدولة العراقية، فإن النتيجة الواضحة هي كالآتي:
بما أن النتيجة ما بين "الشيعي العراقي = أعجمي معاد للعرب شرير سيء" في الحد الأقصى لأثر العقدة
و "الشيعي العراقي = مشكوك في عروبته، تابع للعجم، فمشكوك في ولائه" في الحد الأدنى لأثر العقدة
فمن الطبيعي أن مثل هذا "العدو الأعجمي" أو "المشكوك في ولائه وعروبته" على الأقل، لا يجوز له أن يتسلم مسؤوليات كبرى في الدولة لأن في هذا خطراً على الدولة كلها.
بعبارة أخرى:
تبقى السلطة بيد "عرب العراق الأقحاح" الذين "تنبع عروبتهم من تسننهم"، مع المراقبة الشديدة لعدم تمكين "الأعاجم الشيعة" من مجرد "التسلل" إلى مناصب قيادية.
ولكن هناك مشكلة:
بما أن الشيعة يمثلون النسبة العددية الأكبر للعراقيين (إحصاء سنة 1947 يعطي نسبة 54% من السكان للشيعة) فإن أي فتح لباب الفرص المتساوية للجميع على المستوى التمثيل السياسي والسلطة سيعني بالضرورة وصول أعداد كبيرة من الشيعة إلى السلطة، وعليه فالنتيجة هي:
أولاً – حكم دكتاتوري
ثانياً – الارتباط بشكل أو بآخر بقوى خارجية لضمانة استمرار الهيمنة (في حالة العراق يكون أحياناً بالارتباط بالأجنبي وأحياناً أخرى بالعربي).
فما نتيجة هذا كله؟
النتيجة تتمثل في أمرين:
1- رد الفعل الشيعي العراقي، بعقدة شيعية من إيران؛ وهذا سأعرضه في 4.
2- تصاعد الأزمات حتى الانفجار، وهو ما نعيشه الآن، وهذا سأعرضه في 5-7.
4- عقدة إيران في العراق
ثانياً / عقدة إيران عند شيعة العراق
لا يتوقع أحد أن يكون هناك عقدة من شيعة العراق تجاه إيران نتيجة الواقع الشيعي لإيران، ولكن هناك مشكلة عند شيعة العراق، تصل إلى حد "العقدة" عند البعض منهم، من إيران، إطارها العام هو "رد فعل" على "عقدة سنة العراق" تجاه إيران.
من أجل الدفاع قبالة العقدة السنية ضد إيران والتي تتضمن رمي الشيعي بالـ "أعجمية" وما يستتبعها من تهمة بمعاداة العرب والشك في الولاء للعراق، فإن الحل الوحيد عند الشيعي المعقد بهذه العقدة هو "النأي بالنفس عن إيران"، وحتى "إظهار" العداء لها، عسى أن يتخلص من هذه التهم التي تضرب أساس ولائه للوطن (الذي هو جزء أصيل منه) والدولة (التي ما قامت إلا على "جماجم شهدائه الأبرار" حسب تعبير الشيخ الشبيبي في رسالته-الصرخة إلى الرئيس وقتها عبد السلام عارف رحمه الله من التهجمات الطائفية على الشيعة / أي في "أيام العز" فتصور!).
ويبدو أن حالة اتخاذ موقف مجانب لإيران للتخلص من هذه التهم تدخل في أعماق البعض بحيث تؤسس حالة من العداء الحقيقي في دواخلهم لإيران. مؤكد أن بعض الناس يتعرض لتجارب سيئة مع الإيرانيين فينتج عنه رد فعل تجاههم يصل إلى العداء، ولكني أتحدث عن الحالة العامة التي لا تتعلق بمثل هذه التجارب، والتي هي – على أية حال – كثرت فيما بعد عندما لجأ الكثير من العراقيين إلى إيران وتم تهجير مئات الألوف إليها، وهذه مرحلة ما بعد 1979 نذكرها في حينه.
إن العامل المذهبي الجامع لشيعة العراق وشيعة إيران لا يمكن أن ينتهي، لهذا تجد أن الشيعي العراقي يحاول التعكز على عامل آخر كي يحيّد العامل المذهبي، ألا وهو العامل القومي. تجد الشيعي العراقي يتحدث عن عروبته هو، وكيف أن العرب يختلفون عن الإيرانيين، ويذهب في هذا بعيداً إلى درجة السقوط في العنصرية... عندها، إذا انتبه إلى نفسه فإنه يسارع إلى رمي الإيرانيين بالعنصرية – وكأن الصفة القبيحة في قوم تبيح وجودها في قوم آخرين.
ولكن هيهات – لأننا رأينا كيف أن البعثيين الشيعة لم يصعدوا إلى مراتب متقدمة إلا في حالات فردية قليلة جداً بحيث أنها يمكن تعدادها في فقرة واحدة من فقرات المقالات التي تحاول رفع تهمة الطائفية عن الحكم البعثي البائد. وهؤلاء لا بد أن يشتموا إيران ليل نهار من أجل التأكيد الدائم على عروبتهم وولائهم للعراق وليس للجانب المذهبي فيهم (هذا إن بقي منه شيء).
ضغط الحكم السني يديم "عقدة الشيعة"
يبقى الشيعي العراقي في حالة من محاولة إثبات ولائه للعراق وليس لإيران، وللعروبة وليس للفرس، لأنه يجد نفسه في حالة ضغط مستمر من الحكم السني الذي يشكل أمراً واقعاً في كل جوانب الحياة.
كيف يمكنه التخلص من العلم الحاصل بأن الملك أو الرئيس ورئيس الوزراء وقادة الجيش ومعظم أقطاب السلطة هم من المذهب السني؟ هذا يضغط باستمرار.
كيف يمكنه التخلص من العيش في ازدواجية المؤسسة الدينية – المرجعية الدينية الشيعية التي يطيعها في علاقته بربه + المرجعية الدينية السنية التي يطيعها في علاقته بعمله ومدارس أولاده في العطل الدينية الرسمية التي تحدد من قبل هيئة الرؤية الشرعية برئاسة قاضي بغداد الأول، السني على المذهب الحنفي؟*
كيف يمكنه التخلص من مسؤولية التعامل مع درس التربية الدينية ودرس التاريخ القائم على أساس العقائد والفقه حسب المذهب السني ودرس التاريخ القائم على الفهم السني لما حصل اللذين يدخلان في دراسة أولاده الشيعة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لا سيما الفارق الكبير بين التاريخ الوردي الجميل المجيد الذي في الكتب المدرسية والتاريخ الأسود القبيح خصوصاً في ما فعلته السلطات (صاحبة التاريخ الجميل) بأهل البيت (ع) وبالخصوص في أيام محرم الحرام؟ لا يستطيع أولاده كتابة ما يسمعونه في البيت والمسجد والحسينية أولاً لأنه يناقض المنهاج فيؤثر على إجاباتهم في الصف والامتحانات، وثانياً لأنهم سيدخلون في صراعات قام الأهل استباقياً بتحذيرهم من الدخول فيها تجنباً للأضرار المحتملة مع السلطة.
وطبعاً التاريخ يتحدث ليس عن انتصار "المسلمين" على الفرس، ولكن انتصار "العرب" على الفرس، وهذا يسهم في رفد العقد للصغار واليافعين بما لا يستطعيون إهماله لأنهم يحفظونه ويراجعونه للامتحانات.
هذه الحالة – المنهاج الدراسي – تصبح واقعاً ظالماً حقاً في المدارس التي لا يوجد فيها سني واحد، لا المدير ولا المعاون ولا المدرسون ولا المعينون والفراشون ولا الطلاب بأجمعهم، أي في مئات المدارس في وسط العراق وجنوبه وبعض شماله.
(*وكان الذين يريدون ردم الفجوة بين الشيعة والدولة يحاولون محاولات لطيفة في بعض الأحيان، محاولات لا تنسى. من هذه صدر البيان الرسمي أنه لم تثبت رؤية العيد وبالتالي فإن الغد مكمل لعدة شهر رمضان، أي محاولة استباقية من السلطة لأنها تتوقع أن مرجعية النجف ستعلن عدم ثبوت الرؤية؛ ذهبت إلى النوم مغتماً لأني في الابتدائية أريد العيد في اليوم التالي والملابس الجديدة والهدايا والعيديات! المفاجأة الحلوة كانت صباح اليوم التالي عندما أيقظني أخي الكبير ليخبرني، وإذا أكتشف أن مرجعية النجف أعلنت ثبوت الرؤية بعد منتصف الليل، وكان البث التلفزيوني قد توقف، فأعادوا البث وأعلنوا العيد الرسمي، وأطلقت مدافع العيد! كان هذا أيام الرئيس عبد الرحمن عارف رحمه الله تعالى، والذي كان يختلف عن أخيه المعروف بطائفيته – طبعاً لم تكن طائفية دماء كما حصل بعدها –، وكان حريصاً على تحسين العلاقات مع إيران وزيارته الرسمية إليها معروفة، وأذكر أنه في صيف عام 80 وكان المرحوم عبد الرحمن عارف قد عاد إلى العراق من تركيا، جلست في حديقتنا مع زوجته أم قيس – أهلها جيراننا وبقيت أمي رحمها الله تلتقي بها وبعبد الرحمن عندما كانت تزور تركيا قبل ذلك – بعد مغادرة جميع النساء في "قبول" أمي الشهري، فصارت تتحدث بحرية معبرة عن نفسها وزوجها كيف أنهما متألمان جداً لهذا الحال السيء في الحرب الإعلامية ضد إيران وحملات التهجير الظالمة، وفي كل هذا كانت تلقي باللائمة على حكم البعث – فهذا يؤشر إلى حقيقة المرحوم عارف المتعالية على الحال الدائم للدولة العراقية، وإن كان لا يستطيع الخروج عليه حتى لو أراد.)
مشكلة المراجع الشيعة الإيرانيين
وهذه من أكبر ما يواجه الشيعي العراقي في هذه المعمعة النفسية، فإنه إما يجد نفسه مقلداً لمرجع إيراني كاستمرارية لتقليد أهله لذلك المرجع أو نتيجة الانتشار الواسع لمرجعيته، وعندها هو بين خيارين:
الأول – النظر في تقليد مرجع آخر عراقي عربي غير إيراني، وهذا الخيار يجب أن ينطلق من معرفة ومن قناعة أكيدة وإلا فهو خيار يعني التلاعب بالعلاقة بالله تعالى
الثاني – البقاء على تقليد ذلك المرجع الإيراني ومحاولة إخفاء ذلك أو تبريره عند الحاجة إلى ذلك.
هذه المشكلة مفتضحة لأن غالبية المراجع الإيرانيين يستخدمون ألقاب المدن التي جاءوا منها، ولا تنفع كتابة اللقب الأشرف في حالة النسب الشريف قبل اللقب الأدنى إسم المدينة لأن الثاني هو المشكلة.
كيف يجيب صديقه السني إذا سأله: لماذا تقلد عالماً إيرانياً؟
بل كيف يجيب رئيسه في العمل خصوصاً إذا كان هذا الشيعي في وظيفة متقدمة نسبياً؟
لا بد من اللف والدوران، وحتى الكذب، أو محاولة التفسير – وكلها لا تنفع، لأن رئيسه لو كان جاهلاً في كل شيء فإنهم قد علموه أن "الشيعي يستعمل التقية" أو "بابا هذوله أهل تقية!"
ولكن مع مفارقة، "تنفيسية" ربما
مع ذلك، تجد الشيعي يقوم بما هو معاكس لحالة الدفاع، حيث يأتي بذكر مفردات شيعية – سواء على نحو الجد أو الهزل – بداع أو دون داع، وحتى يأتي بمفردات فارسية إيرانية، من طعام أو غيرها، لا تدري هل هي "للتنفيس" عن الضغط أم مما يخرج عفوياً وذلك لسبب مهم جداً:
التشيع ظاهر في حياة الشيعي أكثر من ظهور التسنن في حياة السني؛
فإن السني ارتبط تسننه مع الدولة السنية أصلاً، كما أن قضية الإمامة المسلوبة من أهل البيت (ع) غير موجودة ومعها سائر ظلامات أهل البيت (ع) ومآسيهم والتي يتذكرها الشيعي كل حين، وبما أن الإيرانيين شيعة (كنظرة عامة) فإن هذا كله يعيد التشديد على الجانب الإيراني في القضية، أي نعود إلى ذات "العقدة" السنية من إيران، فتنهض "العقدة" الشيعية للدفاع عن نفسها، وهكذا.
يتبع