كم من متعلمينا مثقفون؟
    الثلاثاء 16 ديسمبر / كانون الأول 2014 - 13:34
    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    من هو الشخص المثقف؟ سؤال يستحق البحث للوصول الى وصف حقيقي وثابت لنلتزم به في العالم العربي في لغتنا، وكذلك لغيابه ضمن توصيف المجمع العلمي العربي كغياب غيره من المصطلحات العلمية الغائبة  .

     من احسن التوصيف الذي حصلت عليه من الانسكلوبيديا الببريطانية هذا الشرح او التوصيف: "هو الشخص الذي يضع قيمة عالية للاشياء التي تهم الفكر بصورة عامة، ويهتم في فهم  المسائل الاجتماعية و الانسانية و الجمالية و الفلسفية، خصوصا على المستويين، المجرد و العام." و وصف اخر جميل استعيره ، هو: "ذلك  الشخص الذي ينتصر للمشاكل التي تتطلب العقل لينتصر على الجانب الحيواني في طباع الانسان". يعتقد ابن خلدون ان الانسان يولد و فيه الشر و الخير الى ان ينتصر لأحد هاتين الحالتين باستعمال العقل وفكر والمنطق  .

     و يقول المفكر السعودي  ابراهيم البليهي ، اننا في حاجة الى اعادة تأسيس ثقافة، و الابداع سابق  للنظريات. و ان الانسان يولد وهو حبيس بيئته، الى ان يتعلم و يستعمل العقل والفكر والا سيبقى حيواناً غير قابل للتغير، و جهل الجهل يغتال العقل. و يقول عن الثقافة أنها ما قبل التعليم  و مع التعليم و ما تبقى في الذاكرة بعده .

    ان الانسان يولد حبيس بيئته و اذا بقى الانسان  يدور في هذه البيئة و عاداتها سيبقى جاهلا. لذا على الانسان ان يتعلم ، ليس تعليما لغويا او حرفيا او حسابياً و غيرها، بل ان يتعلم إستعمال العقل ليتوصل الى حدود المنطق بعد البحث و التفكير .، وكيف يتعلم تعليم نفسه إلى نهاية عمره.

    و يقول المفكر العراقي الدكتور على الوردي: "إن الفكر البشري حين يتحرر و يخرج على التقاليد لا يستطيع ان يحتفظ بطابع اليقين على اي صورة . انه حين يشك  في امر واحد من امور حياته لا يستطيع ان يقف في شكه عند هذا الحد، فالشك كالمرض المعدي لا يكاد يبدأ في ناحية حتى يعم جميع النواحي، و الانسان ان يكسر تقليدأ واحدأ لا بد ان يأتيه يوم يكسر فيه جميع التقاليد.وهو بذلك قد استفاد من جهة و تضرر من جهة اخرى، الا اذا تحصن بالثقافة مسمرا .

    كتب المثقف العراقي الدكتور عبد الخالق حسين مقالاً قيما  حول انتشار الاشاعات الضارة و عن سبب انتشارها السريع و بالأخص بين (المتعلمين) بعنوان: (لماذا فشل المالكي في اطلاق  ابنه و امواله المحتجزة في لبنان).

    ما يهمني هنا هو قوة تأثير الاشاعة و تقبلها ثم إعاداة نشرها بين المتعلمين العراقيين، على الرغم من سخافتها و ضعف مستوى اخراجها. ليس موضوعي اتهام المالكي ام عدمه  فقد كتب الدكتور عبد الخالق حسين كثيرا في هذا الخصوص و اجاد في موضوع الاشاعات ، انما انا مهتم بموضوع (الكسل) في اعمال العقل لقراءة الشائعات ومدى مصداقيتها او كذبها . كنا و مازلنا ننتقد سفراء الدين الراجلين الذين ينتقلون بين القرى و الارياف العراقية يستغلون بساطة الناس و سذاجتهم و يشوشون أذهانهم بخزعبلات خرافية لاستمالة عواطفهم التي تترجم بكرم هؤلاء البسطاء لهؤلاء الدجالين من قوتهم و اموالهم القليلة  .
    اتذكر نقلا عن احد الاصدقاء من مدينة النجف الأشرف، عندما كان يزور البسطاء في مواسم الزيارات و عندما كان طالبا في الثانوية. قال إن المزوِّر (الشخص الذي يقرأ مراسيم الزيارة) ان يستدرج هؤلاء الناس البسطاء ويستدر عواطفهم و احاسيسهم الى حد ان يتكرموا عليه بالعطاء .
    ان  في احد  الايام  ما بين الزيارات كانت مجموعة من اهل  الحي و معهم شابة عروس جديدة بان من ذيل فستانها المطرز، اي كانوا في فرح و لم يتمكن من ان يبكيهم ، فقرأ عليهم هذا ادعاء من عندياته .
    حاويلي يا مير حسين
    منه الغسله و شاله
    و منهم الخيط ثوبيج
    و منهو الكشكش ذياله .
    فاخد الناس بالبكاء،  ليس لذكره النفنوف بل لذكره مصيبة الحسين وما تعرض له من ظلم.

    فمن البساطة الاستخفاف بالناس البسطاء ، ومن من المؤسف ان يستجيب المتعلمون للإشاعات، و لغاية يعرفونها، ثم يعودون ينشرون تلك الإشاعات طوعاً.  ارسل لي ( صديق العمر, عمرها ٥٢ سنه) هذه الاشاعة ، فكتبت له عن سبب اعادة نشرها و سبب عدم التفكير في مدى مصداقيتها، و ناقشت له منطقيا الاسباب حسب فهمي لها. فكتب صديقي: "قد لا يكون  المقال المنشور ( عن المالكي حرامي بغداد) صحيحا. لكن السبب الذي دعاني لارساله هو لقناعتي بان المالكي و حاشيته و غيرهم قد سرقوا العراق فعلا".

    اذاً و بكل سهولة نتهم شخص بجريرة غيره دون ان نتأكد من اجرامه او فعلته او سرقته للمال العام .
    نسمع اليوم موجات (كصرعات الموضة) من النقد والنصح و التكبير لحكومة السيد العبادي، و كأنها تختلف مائة بالمائة عن حكومة المالكي "الجائرة المستبدة"، و بالأخص التي "عزلت العراق" عن العالم  و عن الدول العربية الشقيقة. و هذا تبرع سخيف للحط من سمعة  العراق والعراقيين. في الحقيقة أن الدول العربية هي التي عزلت العراق، و وقفت على الضد من مسيرته و لم يكن العراق يوما من الايام ضد اي بلد عربي بل هم من شجع داعش (البعث)، و الارهاب و وصفوا العراق بالصفوي و التابع لايران، و مولوا و ساعدوا بنشأة البعث الداعشي. و ان وقوفهم مع العراق اليوم (ان كانوا صادقين) انما لخوفهم من داعش(صناعتهم)، و لخوفهم من اسيادهم الامريكان الذين بدلوا سياستهم و اعترفوا بأخطائهم حول  داعش و الارهاب. و ليس لأخطاء عراقية، بل العراق ضحية أخطائهم إن لم نقل جرائمهم. وهذا موضوع يدل على سطحية الثقافة التي تدور في العراق اليوم. و كانت السعودية اول بلد يزوره المالكي بعد تسلمه السلطة التنفيذية سنة ٢٠٠٦ .

    ليس الارهاب وحده من يقف امام تطور العراق كبلد موحد مستقل بل كثير من المتعلمين لأسباب شخصية بحتة تعودوا عليها و اصبحت جزءً من ثقافتهم الاجتماعية والسياسية الموروثة.
    و من تلك الاسباب: وقوفهم ضد الدين و المتدينين حتى لو كانوا من المتفتحين من  الشيعة مثل المراسل البريطاني بول وود لشبكة  الـ(BBC)  الذي اتهم المليشيات الشيعية في مدينة جلولاء وهم في مقبرة جماعية في بلدة يسيطر عليها البيشمركة، وهم من اشار له بالمقبرة و انها لشيعة عراقيين كما نقلها مباشرة  من المنطقة نفسها، فكتبت للشبكة استفسر: هل يخيف شيعة العراق الناس حتى  وهم في مقابر جماعية؟.
    من حق الناس ان يؤمنوا بأية الايدلوجية يريدون، ولكن بشرط ان لا تستعبدهم تلك الايدلوجيات و تمنعهم من التفكير النقدي المستقل في المستقبل، و الاعتراف بان العالم يتغير، والناس تسير الى الامام، و ان الجمود هو الموت بعينه، ربما كالموت  السريري  .

    عبد الصاحب الناصر
    براغ في 16/12/2014
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media