خارطة العالم سنة 2015
    World Politics Map in 2015
    الثلاثاء 16 ديسمبر / كانون الأول 2014 - 23:40
    د. ميلاد مفتاح الحراثي
    سنوات 2011 و 2012 و2013 و سنة  2014 هي سنوات التأزم العربي والإسلامي، وسنة 2014 خصوصا هي سنة الأزمات العربية والاحتضار السياسي. في تلك السنوات  ذاكرة العالم سوف لن تنسي مآسيها، وثوراتها الخارجية، وانقلابها الاجتماعي والسلوكي والاقتصادي، واضطرابات عواصم بعض دول الإقليم. بدءا من برامج الديمقراطية والمؤامرة التي تدفقت علي المنطقة العربية في غفلة من ساكنيها، ومن أزمة كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني، والأزمة الأوكرانية، إلي التأزيم الليبي، والي قنبلة ايبولا في إفريقيا، وصولا إلي ما صنفه الإعلام الغربي بالدولة الإسلامية، إلي مقتل الوزير الفلسطيني في الضفة الغربية علي أيدي " حماة المحراب والتابوت التلمودي"  كلها ملفات تأزم  تبقي في أفق 2015 مواد مشتعلة للمزيد من الابتزاز السياسي، والاستغلال الغير بريء، وهي أيضا ينبغي إن تشكل هاجزا لدي هذا الجيل الذي عاصر تلك السنوات العجاف في المنطقة العربية. السؤال ماذا سوف يتوقع هذا الجيل الذي لا يزال يعيش وقع الصدمات، والحرمان، والتسيب الدولاتي، من سنة 2015؟ وما هي التطورات التي يمكن إن تفاجئه في غفلة من الحكام العرب؟   وما طبيعة التحديات التي سوف تواجه الإقليم العربي المنكوب؟ وهل هناك من آفاق وفرص لسنة 2015 توفرها لهذا الإقليم وأجياله؟
    تدهور الثورات  والاضطرابات، والانفلات الاجتماعي والسياسي  في الإقليم سوف يؤرخ لها التاريخ بأنها  مشروع " بزنس" في غير توقيته ومكانه. لأنها  مشروعات وافدة نُفذت بأيدي محلية وإدارة خارجية. فالأزمة الأوكرانية، والليبية، والفلسطينية، والدولة الإسلامية، والقتال الحوثي اليمني، وهجمات ايبولا في إفريقيا،  ذالك الوباء الذي لا يختلف عن الأوبئة السياسية لأنها جلبت إلي الإقليم العربي المنكوب. هذا التأزم المُدول في الإقليم العربي سوف تكون لهُ جذوره، والتي سوف تجعل منهُ مجالا لتحفيزه نحو المزيد من الاضطرابات في الإقليم  لسنوات قادمة إضافية، خدمة لنظرية " التعطيل العربي".  وبالنتيجة، و علي هذا المنوال فالعالم سوف يعيش مرة أخري حالة عولمية، وبنفس التوتر والمستوي. انفصال الإقليم العربي المنكوب وبثوراته واضطراباته، والسبب يكمن في تلك المغامرة الجورج بوشية لغزو العراق، 2003، وفرض الحصار علي الشعب الليبي لعشر سنوات (1993-2003)، وتأمر الميديا العالمية في تغذية مشاعر العداء بين الدولة وشعبها في الإقليم سنة 2011، تحت مسميات "الديمقراطية والحرية والثوار، والرفاهية الاقتصادية". وكذلك الاعتقاد الغربي إن دولا في الإقليم في طريقها إلي الاضمحلال بسبب قيامها بقهر شعوبها، الأمر الذي قاد الغرب إلي قتل أهم رئيسين أثنين في الإقليم، الأول بالغزو والشنق، والثاني  من خلال حرب إبادة شاركت فيها 48 دولية أطلسية استمرت لمدة ثمانية شهور.    
    ,التدخل الخارجي خلال تلك السنوات العجاف في التعجيل بإنهاء أنظمة بالقوة من خلال دعوة تفعيل نظريات الديمقراطية والمؤامرة، واستبدالها بهويات سياسية مجهولة المعتقد والهدف والتوجه، عزز حالات التشرذم. سنوات كانت تتخذ من تغيير الأنظمة المجتمعية  وفقا لأسس نظريات المؤامرة، لان حتي الديمقراطية هي منتجع خصب لإنتاج فصول متنوعة من المؤامرات. هذا السيناريو والذي سوف يستقبله عام 2015 سوف يستمر محملا معه معاناة شعوب الإقليم ولعدة سنوات قادمة. علاقة سنة 2015 بالدولة الروسية. روسيا سوف تشهد المزيد من القلاقل حول حدودها، و قلاق مع جيرانها بدعم من خارج مجالها الحيوي. فالحصار الاقتصادي الغربي المفروض عليها سوف يؤهلها إلي المزيد من الاستعدادات اللوجستيكية ، الأمر الذي يؤدي إلي المزيد من إشعال بؤر توتر جديدة حول روسيا، لان الهدف الاستراتيجي للغرب هو الدب الصيني وتحطيمه اقتصاديا. الإدارة الأمريكية لا ترغب كثيرا في أن تري في كل غرفة أمريكية، سكنا أو مكتبا معشقا بمنتج صيني. والضعف الذي تشهده القارة السمراء،  وخصوصا الدول الضعيفة، والتي لا تملك إمكانيات الصمود والمقاومة ضد الإمراض التخريبية المبرمجة، والمصدرة إليها، مثل الإمراض والتطرف الديني والعنف السياسي، والتطرف، ساحة مهيأة للمزيد من الترشح للاضطرابات.
    السؤال هل  أزمات الإقليم العربي المنكوب من اليمن إلي العراق وسوريا وليبيا والسودان ومصر سوف تزداد سوءً قبل أن يُعتقد أنها سوف تتحسن؟ تونس يعتقد خبرائها بأنها حققت تقدما ايجابيا سنة 2014 ، ولكن التطرف ومعالم الدولة الإسلامية في تونس، مشروع حزب النهضة، سوف تكون ظلاله قائمة في أفق سنة 2015، بالرغم من أي تقدم ديمقراطي يُحرز في هذا البلد، ومؤشراته في جبل الشعابني جليه للعيان، إضافة إلي توتر الأوضاع الحدودية مع الجارة المنقسمة علي نفسها ليبيا. ومن غير المأمول أن تونس سوف تحقق أي نوع من الاستقرار الاقتصادي أو الأمني أو السياسي في أفق سنة 2015، لان مفهوم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لا تتم قراءته أو توقعه من خلال صناديق الانتخابات أو الترشح،  خصوصا أن مقومات الاقتصاد التونسي تعتمد علي الهبات  والمنح الخارجية.
    سنة 2014 شاهدت تقدم أنصار الدولة الإسلامية في العراق وفي سوريا وليبيا واليمن، ذلك التطور المفاجيْ والذي لم يعرف مصدر دعمه إلي ألان، وبسبب هذا الصعود الجديد للدولة الإسلامية التأزم العراقي والسوري سوف يزداد  سوءً. الغرب سوف يستمر في دعمه لمواجهة الدولة الإسلامية من خلال  إعادة تسليحه للجيش العراقي والفئات السورية المتحالفة معها  من  فتح  جبهات جديدة،  وبؤر تأزم في الإقليم، كل ذلك سوف يستمر باسم التعايش والديمقراطية والدفاع عن الأقليات العرقية والدينية في الإقليم. وفي منطقة الخليج  السيناريو المحتمل لديها سوف يكون معتمدا علي أسعار النفط  خلال سنة 2015 ومساهمتها في تمويل الاقتصاد المصري. بمعني، إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض فأن ذلك سوف ينعكس علي التمويل الخليجي لمصر للمساهمة في  تقليل شعبية الرئيس المصري السيسي، إذا دول الخليج قررت ذلك .
    والسؤال الأخر لسنة 2015 هل الحركات الجهادية  في الإقليم سوف تستمر في النمو والحراك المسلح؟  المأمول أنها سوف تنمو من حيث المكانة، والقوة المادية والتمويل، بالرغم من مقاومة الغرب لنموها وتوغلها في الإقليم.  بمعني سوف تستمر الحركات الجهادية في  نشر العنف الجغرافي، أي بمعني التمدد والتوسع في الإقليم.  أو هذه الحركات تتحول  من المركزية الجهادية إلي الإطراف الجهادية علي نسق تنظيم القاعدة. الإقليم وقراءته تشير إلي أن دول مثل لبنان  وليبيا ومصر واليمن وسوريا حيث ضعف سيطرة الدولة المركزية وضعف الحكامة و انعدام الشفافية سوف تسهم في الانتشار والتوسع لمعظم الحركات الجهادية في الإقليم، وقد يكون هذا الانتشار بمساعدة خارجية.
    ما هي طبيعة المفاجئات التي من الممكن  أن يحملها عام 2015 معه إلي العالم؟ احدي المفاجئات لعام 2015  تكمن في  الإحداث المهمة لسنة 2014 سوف تزداد عنفا وقوة ومواجهة مع  القوي التي هي من خارج الإقليم سنة 2015، ويمكن أن  تكون قضية الدولة الإسلامية في الإقليم والعداء الروسي  لسياسات الولايات المتحدة  من أهم القضايا الساخنة التي تولد مشاعر العداء للغرب. أما مرض ايبولا  سوف  يلتهم العديد من الأرواح في إفريقيا حيث من المتوقع أن هذا المرض سوف يقضي علي 2 مليون إنسان في أفريقيا سنة 2015.  الدولة الإسلامية أيضا سوف تستمر في قتالها  في المناطق التي تسيطر عليها، في سوريا والعراق والمناطق الحدودية مع تركيا وإيران ولبنان.
    وأخير ، أن أهم ما سوف يواجهنا به عام 2015  مفاجئته  للعالم بمجموعة من الكوارث ألكبري مثل الهجمات الالكترونية الضارية والمعرقلة لعديد الاقتصاديات العالمية ونتائج كارثية،  استمرار حالات الغضب والكراهية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم العربي المنكوب،   وكوارث مناخية  تصاحبها خسائر بشرية ومادية علي نطاق كوني واسع، واستمرار انخفاض أسعار النفط  والتي تؤدي إلي حالات كبيرة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الإقليم العربي المنكوب.

    الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي
    Dr Milad ELHARATHI
    Clare College, University of Cambridge UK
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media