هل يصل سعر برميل النفط إلى 40 دولاراً؟
    الأربعاء 17 ديسمبر / كانون الأول 2014 - 22:20
    صادق حسين الركابي
    منذ عام 2008 ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة الأمريكية من حوالي 5 ملايين برميل يوميا لأكثر من 9 ملايين برميل يومياً بزيادة بلغت 80٪. و منذ العام 2010 زاد انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى 3.6 مليون برميل يومياً. هذا الأمر ساهم في انخفاض أسعار النفط عالمياً و دعم الدولار.

    و بما أن المصافي في الولايات المتحدة قد صممت لتعمل على تكرير النفط الثقيل المستورد معظمه من غرب أفريقيا و الشرق الأوسط فإنها قد استطاعت أن تخفض من تكلفة الاستيراد. و يساهم انخفاض سعر البنزين في الولايات المتحدة بمقدار سنت واحد في دعم الاقتصاد الأمريكي بـ 3 مليارات دولار. كما انخفض الاستهلاك المحلي في الولايات المتحدة بمعدل 3.3 مليون برميل يومياً متزامناً مع انخفاض الطلب اليومي من المنتجات النفطية المكررة من 2005 إلى 2013 بمقدار 3.5 مليون برميل. 

    كما أثرت زيادة انتاج النفط الرملي في كندا بمقدار 1.6 مليون برميل يومياً في قلة اعتماد السوق الأمريكية على النفط المستورد من الشرق الأوسط و أفريقيا.

    بالمقابل من هذا فإن معظم الدول المصدرة للنفط قد وجدت نفسها في مأزق حقيقي خاصة و أن الأسعار التعادلية في الموازنات العامة لاقتصاداتها تتراوح في معظمها بمتوسط سعر يتجاوز الـ 100 دولار للبرميل.

    و لم تستطع مجموعة الدول المصدرة (أوبك) في اجتماعها الأخير أن تتفق على تخفيض الانتاج لرفع الأسعار و ذلك في محاولة منها لإيقاف نمو صناعة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة. و تعول هذه الدول على المعادلة التي تقول بأنه حتى يكون انتاج النفط الصخري مربحاً للمستثمرين فيه فيجب أن يباع البرميل بسعر يتراوح بين 85 - 90 دولارا.

    هل يتوقف انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة؟

    لكن السؤال ماذا سيحدث اليوم و برميل النفط قد بيع في الولايات المتحدة مؤخرا بـ 65 دولارا؟ و هل ستتوقف صناعة النفط الصخري و تعلن الشركات العاملة في تلك الحقول إفلاسها؟

    حقيقة العديد من الشركات ستكون غير قادرة على الاستمرار في ذلك القطاع خاصة و أنها تعتمد على التدفقات النقدية لتغطية التكاليف. لكن هذه النظرة لا تنطبق على كامل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بشكل عام.  فـ 20% فقط من الآبار في تلك الحقول تعتمد على سعر 90 دولار للبرميل ليكون الانتاج مربحاً ، في حين أن 80% الآخرى تكون مربحة حتى لو وصل السعر إلى 50 – 69 دولاراً للبرميل.

    كما أن المنتجين في تلك الحقول بدأوا مؤخراً بتغيير طريقة تشغيل الآبارمستخدمين تقنيات جديدة اهمها ما يسمى بالـ Super Fracking و التي تعتمد على ضخ كميات أكبر من التراب خلال عملية التكسير الهيدروليكي للصخور. و قد ساهمت هذه التقنية في رفع الانتاجية لتلك الآبار من 400 برميل إلى 600 برميل يومياً ما قلص من تكلفة السعر المعادل. الأمر الآخر يتعلق بالخدمات المقدمة لصناعة النفط الصخري. فقد نجحت الشركات خلال السنوات الماضية ببناء بنية تحتية قادرة على اجتياز الكلفة العالية للحفر ، بالإضافة إلى أنها دفعت نفقات الأرض ، الأمر الذي جعل بعض شركات النفط الصخري قادرة على أن تبقى منتجة و عاملة حتى لو وصل سعر البرميل إلى 30 دولاراً.

    بالإضافة لذلك فإن هناك آلاف الآبار الغير مكتملة و التي يمكن أن تتحول إلى منتجة بسرعة ، خاصة في ولايات تكساس و أوكلاهوما و داكوتا الشمالية و أوهايو و ايومنغ. و بالنسبة للشركات التي لا تمتلك النقد الكافي فإن أفضل طريقة لإكمال الآبار النصف مكتملة هو إنجازها بكلفة لا تتجاوز 5 دولارات للبرميل. و قد ساعدت كفاءة العمل و الانتاج في هذه الحقول في خفض التكلفة إلى 45 و حتى 35 دولاراً للبرميل كما أن الآبار التي كانت في السابق تنتج يومياً 150 برميلاً باتت تنتج اليوم 500 برميل. و قد تم تطور آلية العمل لتسريع الانتاج من 80 و 90 يوماً لتصل إلى أسبوعين فقط ما يعني أنه بدلاً من حفر بئر واحدة يتم حفر أربعة آبار بأخطاء أقل و انتاج أكثر.

    انخفاض الأسعار و الاستثمارات المستقبلية:

    و يؤثر السعر المنخفض لبرميل النفط عالمياً على استثمارات الشركات النفطية و انتاجها و مشاريعها المستقبلية. فقد ساهمت حالة عدم استقرار السعر في السوق إلى تعطل قرارات متعلقة بالاستثمارات النفطية كمشاريع التنقيب في أعماق البحار و أيضاً في إعاقة العديد من الصفقات الضخمة. فقد انخفضت صفقات النفط الجديدة في العام الماضي إلى 242 مليار دولار و هو أقل مستوى منذ 2009 ثم عادت هذا العام للارتفاع إلى 300 مليار دولار بفعل انخفاض القيمة السوقية لبعض شركات التنقيب لأقل من قيمة أصولها.

    و تهدد أسعار النفط المنخفضة بإيقاف مشاريع نفطية بقيمة 150 مليار دولار العام القادم ، بالإضافة إلى وجود 800 مشروع للنفط و الغاز بقيمة 500 مليار دولار تشمل 60 مليار برميل نفط يجب أن تتخذ الشركات قرارات للاستثمار فيها.

    هذه الحالة من التردد في السوق و التقلبات السريعة قد تجعل برميل النفط يهبط إلى 40 دولاراً حتى نهاية النصف الأول من العام القادم 2015 إلا قد تعاود الصعود مجدداً في نهاية العام إلى 70 دولاراً.

    فالاقتصاد العالمي الذي قد ينتعش مجدداً بفعل الوفرة المالية المتحققة جراء انخفاض التكاليف سيحتاج مجدداً للمزيد من الإمدادات النفطية التي ستتأثر بتأخر العديد من المشاريع النفطية. و على الرغم من انخفاض الطلب حالياً على النفط إلا أن السوق سيحتاج إلى كميات أكبر في نهاية العام القادم.

    من هو المسؤول عن خفض الانتاج؟

    إذا فهناك حقيقتان واضحتان في سوق النفط اليوم و هي أن النفط الصخري لن يختفي من المشهد و إنما ستقل التوقعات بزيادة انتاجه في الولايات المتحدة من مليون برميل إلى 350 ألف برميل يومياً إذا وصل السعر إلى 60 دولاراً للبرميل.

    و الحقيقة الأخرى أن انخفاض السعر لا يعتمد فقط على انتاج النفط الصخري بقدر الاعتماد على انتاج النفط من الدول المصدرة و الذي أتخم السوق بكميات تصل إلى مليوني برميل يومياً.  هذا يتطلب أن تتفق أوبك على خفض الكميات المنتجة بالتعاون مع دول من خارج أوبك للسيطرة على الأسعار.

    و قد عبر تقرير أوبك الأخير و الذي توقع انخفاض الطلب العالمي على نفوطها بمقدار 280 ألف برميل يومياً ليصل إلى 28.92 مليون برميل في اليوم ليعكس حجم التباطؤ في الاقتصاد العالمي و وفرة المعروض في السوق. و قد لا يسمح الوقت بانتظار اجتماع أوبك القادم و المقرر في حزيران يونيو العام القادم لأن ردود فعل الأسواق ستكون مزيداً من الارتفاع في سعر الدولار و هبوطاً متسارعاً في سعر البرميل.

    إلا ان خيار خفض الانتاج لا يبدو بالأمر السهل لدول أوبك خاصة و أن العديد منها تواجه أزماتها المالية و بشكل خاص العراق و فنزويلا. و قد يساهم التوجه إلى سوق المشتقات النفطية و تحويل جزء كبير من الصادرات النفطية إلى المصافي و الاستهلاك المحلي ، في التخفيف من الأعباء الاقتصادية للدول النفطية و خفض معروضها في السوق العالمية بشكل يرفع الأسعار.

    و في حال لم تتمكن أوبك من الاتفاق على خفض الأسعار فإن سعر البرميل قد يصل إلى مستويات أقل من 50 دولاراً للبرميل و قد تلامس مستويات الـ 40 دولاراً. عندها ستكون موازنات العديد من الدول المنتجة في خطر و لن تسلم من تلك التراجعات في الإيرادات حتى الدول التي حققت احتياطات نقدية كبيرة. و ليس هذا السيناريو بالمستبعد خاصة و أن النقاش اليوم في الولايات المتحدة يدور حول السماح لإدارة الرئيس أوباما بتصدير النفط الخام و الاستفادة مرة أخرى من خفض الأسعار في سوق المشتقات النفطية محلياً.

    و إذا كان هذا أمراً حقيقياً فإن الزيادة التي تبلغ اليوم مليوني برميل معرضة لتصبح ثلاثة ملايين برميل يومياً ما يعني ان النفط لن يكون خياراً مربحاً للتصدير في العديد من الدول المنتجة له.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media