العربية وتحديات العولمة
    الخميس 18 ديسمبر / كانون الأول 2014 - 19:09
    علي محمد البهادلي
    " في شهر تشرين الأول 2012 عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو تقرر تكريس يوم 18 كانون الأول يوماً عالمياً للغة العربية، ولأن اليوم الخميس هو الثامن عشر من كانون الأول،   لا بد من وقفة قصيرة مع هذه اللغة التي كرمها الله بأن تكون لغة القرآن الكريم؛ لثراء مفرداتها وقدرتها على استيعاب مختلف المعاني.
    منذ اختلاط العرب بالأعاجم؛ بسبب الفتوحات الإسلامية وحصول الاحتكاك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بينهم، حدث ما يقلق الحريصين على العربية من تأثرها في اللغات الأخرى، وهو أمر طبيعي نتيجة للاحتكاك، فلا بد من تأثير وتأثر، فشمروا عن سواعدهم وهبوا لتسطير المصنف تلو المصنف في حركة فكرية تعبوية لم يشهد لها تأريخ المنطقة من مثيل، فابتداءً بإشارة الإمام علي(ع) على أبي الأسود الدؤلي بوضع قواعد لهذه اللغة، وهو ما رواه بقوله:((دخلت على أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ فرأيته مطرقا مفكراً، قلت : فيمَ تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال سمعت ببلدكم لحناً فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية، ثم أتيته بعد أيام فألقى إليَّ صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام : اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل، ثم قال : تتبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر))
    ومروراً بأساطين العربية كيحيى ابن يعمر وعنبسة الفيل وليس انتهاءً عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء، فكل هذه الجهود وما تلتها أسَّست مدارس وحلقات بحثية انبثقت خلال الدرس القرآني والنحوي،  وامتدت لتشمل العلوم والفنون بمجالاتها كافة، فيمكن القول إن الثقافة الإسلامية بمجمل تراثها الفكري والفلسفي قد ترعرعت في أحضان الدرس القرآني واللغوي، وليس هذا مغالاة، فتقليب صفحات التراث العربي والإسلامي كفيل بإثبات هذه الحقيقة الناصعة؛ لذا ينبغي للمختصين باللغة العربية أن يستنقذوها من مخاطر جديدة، ربما تكون أكثر خطراً مما سبق، فوسائل الاتصال الحديثة والثورة المعلوماتية التي غزت العالم ليس بتقنيتها فقط بل بما سُمِّيَ بــ" الغزو الثقافي" والعولمة والأمركة.. وهلم جراً، كل ذلك أحدث تغييرات كبيرة جداً في المجالات كافة، ومنها اللغة، وإذا كانت المجامع اللغوية حدَّت كثيراً من المخاطر أبان القرن العشرين، فإننا اليوم نشهد تراجعاً ملحوظاً في عملها حتى لا نكاد نرى فعلاً ذا بال في مواجهة اللحن الذي تسرب إلى الكتب والصحف والإعلام المرئي والسمعي بل إلى أروقة الجامعات.
    فمن واجبنا اليوم أن ندافع عن العربية وأن نذود الأخطار عنها بكل ما أوتينا من جهد؛ إذ إن أمتنا مدينة لهذه اللغة بكل ذلك التراث الحضاري الذي سطرته المداد وروته بالدماء، حتى اختلط لون المداد بلون دماء الشهداء في نهر دجلة عند غزو الأقوام الهمجية عواصم الفكر والأدب، ولا بد للمعنيين بهذا الأمر أن يستعينوا على أمرهم هذا بالتقنيات نفسها التي هي سلاح ذو حدين.
    ونحن في العراق اليوم نواجه هجمة كبيرة من المحيط العربي الذي امتزجت مكائده مع دول عالمية  على هذا الإرث الحضاري العظيم، ويا للأسف لم يرعووا ولم يقفوا وقفة مشرفة تجاه العراق الذي هو موطن المدارس النحوية والكلامية والفلسفية والفقهية، ونذكرهم الله الله بالعراق الذي حفظ كل هذا الإرث  (( وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)).
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media