ماذا بعد دحر «داعش» ؟
    الأثنين 15 سبتمبر / أيلول 2014 - 04:49
    شيرزاد شيخاني
    كاتب ومراسل صحفي
     بعد خطاب الرئيس الأميركي وانعقاد مؤتمر جدة لمواجهة الإرهاب، يبدو أن تحالفا دوليا سينشأ عن قريب لمحاربة "داعش"، والاهتمام الدولي والإصرار الأميركي على قطع دابر تنظيم "داعش" ينبئان بقرب تخلص العراق من شرور هذا الإرهاب الأسود الذي ضرب البلد وبات ينتشر كالسرطان في بقية أنحاء المنطقة ويهدد المجتمع العالمي برمته.
    بذلك أصبحت أيام "داعش" معدودة في العراق، وستضعف شوكتها كما تنظيم القاعدة في السنوات الأخيرة، ثم ستتداعى إن شاء الله ويستعيد العراق عافيته.
    عفوا..هل سيستعيد العراق عافيته بعد التخلص من "داعش"؟.
    هذا هو السؤال المحوري والأهم في هذا الظرف، لأن ما فعلته "داعش" وما بثته من فتنة وفساد وإجرام من قتل جماعي وتدمير مؤسسات البلد لم يكن شيئا هينا، وأن حجم الخراب والدمار الذي حل بالعراق لا يكمن فقط في تهديم مؤسسات الدولة وتفجير الجسور والمراقد الدينية، بل يكمن في ما أثارته تهديدات "داعش" واحتلالها لبعض المناطق العراق من الفتن والمنازعات التي ستمتد توابعها للمرحلة المقبلة، لذلك فإن أهم تحد يواجه العراق بعد طرد "داعش"، هو إعادة اللحمة الوطنية بين المكونات العراقية.
    لا جدال في أن أخطر تهديد لا يزال قائما ضد الدولة العراقية منذ سقوط صنم الدكتاتورية في ساحة الفردوس وخلاص الشعب العراقي من النظام البعثي الفاشي، هو العنف الناجم عن الصراع الطائفي، فقد كان هذا الصراع دائما هو المنفذ الذي تسللت منه القوى الإرهابية الى أرض العراق لتحويلها الى ساحة حرب حقيقية، إذ أن هذا الصراع الطائفي كان المغذي الرئيس لقوة الإرهاب وضعف الدولة بالمقابل، فلا يجوز ان الدولة تخوض حربا ضروسا ضد تنظيمات إرهابية قادمة من وراء الحدود هدفها الأساسي هو تقويض المسيرة الديمقراطية في العراق، ويخرج الآلاف من أبناء بعض المحافظات بتظاهرات معادية للسلطة، بل أن بعض عشائر تلك المحافظات انضمت فعليا الى صفوف تلك القوى الإرهابية ضــد الحكومـــة.
    والمشكلة الأكبر هي انضمام بعض القيادات السياسية الى هذا المشهد المرعب من خلال حشد التأييد للعنف الطائفي، رغم أن معظمها مشاركة بالحكومات التي تنطلق التظاهرات ضدها، وهذا بحد ذاته كارثة كبرى في الحياة السياسية، فإذا أردنا أن يستعيد العراق عافيته يجب أولا أن نعمل بجد من أجل إنهاء الصراع الطائفي وكذلك النعرات القومية، وقد تكون الصراعات السياسية مقبولة بحدودها القانونية خاصة إذا كانت تجري ضمن الأطر الدستورية، وهذا حق لكل قوة سياسية، ولكن إقحام الصراع الطائفي أو القومي بتلك الصراعات العبثية سيخرب البلد أكثر، وسيكرس وجود "داعش" والقاعدة في البلد، أو على الأقل سينتج دواعش وقواعد أخرى ما دامت التربة تقبل بظهورهم ونموهم.
    يجب أن تكون التجارب المريرة وبحر الدماء التي سالت خلال السنوات العشر الماضية كافية لإقناع القادة العراقيين بالكف عن نصب الكمائن لبعضهم البعض، وأن يتوقف قادة الدولة عن نسج المؤامرات الواحد ضد الآخر، وأن تتوقف الكتل والكيانات السياسية عن الاستقواء بالطائفة، فها هي دولة الطائفة التي أعلنتها "داعش" تحاربها جميع الدول والأمم المتحضرة، بل هي مرفوضة حتى من قبل علماء الأمة والقوى الإسلامية المعتدلة، فلماذا الإصرار على  التمسك بتوابع فتنة أودت بالمسلمين الى  التهلكة منذ أربعة عشر قرنا.
    أما آن لنهر الدماء أن يتوقف وأن تنصرف جهود الدولة نحو البناء والتنمية واستعادة المواطن لحريته الحقيقية بالعيش الآمن وتحقيق العدالة الاجتماعية.
    إنه لظلم كبير أن تصرف مليارات الدولارات من الدولة على الحرب ضد الدواعش والقواعد ومن يقفون وراءهم من أهل الدار، وتلامذة مدارسنا يغوصون في الوحل بطريق ذهابهم الى  المدرسة.
    نعم لقد حان الوقت لنودع صراعاتنا وخلافاتنا بقتل "داعش" ودفنها الى الأبد، لكي نبني حديقة وطننا من جديد ونزرعها بكل أنواع الورود الزاهية والجميلة.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media