قميص عتيق للبيع؟!
    الأثنين 22 سبتمبر / أيلول 2014 - 20:26
    د. صادق السامرائي
    قال: لكل مرحلة قميص.
    قلت: وماذا تقصد؟
    قال: أ تعرف "قميص عثمان"
    قلت: نعم وكيف لا أعرفه وقد حصل ما حصل بسببه.
    قال: وقميص يوسف
    قلت: "إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين. وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين".
    قال: نحن نصنع لكل مرحلة قميص , لكي نبرئ أنفسنا من مسؤولياتها , ونحقق رغباتنا خلالها ونأبى أن نواجه الحقائق التي تعيش حولنا وتحرك أمواج التفاعلات الإجتماعية والصراعات البشرية , ونلقي باللائمة على سراب قائم وعاصفة بشرية مرت, ونحسب الآبار براكين وديدان الأرض ثعابين والمخلوقات الآدمية وحوش بشرية أشرة , ونحن مثل حمل وديع يمتلك أعظم المخالب الإنسانية.
    قلت: ما هذا الكلام المبهم؟
    قال: إنه كلام واضح, لكنك لا تريد أن تقر به, لأنك تريد أن تعيش مرحلة وتأخذ منها كل ما يرضي رغباتك ويحقق سلطان نفسك وجبروتها. أرجو أن تبقى معي وأن لا تتخذ موقفا دفاعيا وتبريريا وإسقاطيا , وتحسب نفسك منزها ومعصوما , وتأمل معي بعقل منفتح وروح رياضية لكي نفهم أوجاعنا.
    قلت: حسنا...سأكون كذلك.
    قال: نحن نلغي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ما يجري في حياتنا, ونستحضر أسبابا بعيدة عنها , وندّعي بأن الكائن هو بفعل الذي كان ولا علاقة له بما يكون فيه.
    فالكائن مرتبط بكانَ ويكون مرتبطة بشيئ آخر, نحاول أن نتوهمه أو نتصوره , ونستحضره من مختبرات آليات نفسنا الدفاعية ونقر به على أنه أصل ما يكون.
    قلت: لقد وضعتني بين كائن وكان ويكون ولا أدري ما أجيب؟
    قال: هذا الجدار سقط ,  ماذا ستفعل؟
    قلت: سأحاول أن أعيد بناءه
    قال: لماذا لم تقل انه سقط بسبب الريح وتكتفي بقولك؟
    قلت: كيف يصح هذا؟
    قال: ولماذا لم تقل الجدار سقط , وبسببه أنا أعيش في العراء والحيوانات أخذت تدخل بيتي وتعبث بأشيائي, فضاع الأمان وأصبحت مهددا بالخطر, ولماذا لم تحمل بندقيتك وتطلق النار على أي من كان إحتراسا وخوفا وتوجسا من أنه سيداهم بيتك ويقتل أطفالك ويسرق أشياءك.
    قلت: لأنني في ذلك لن أحل المشكلة بل سأخلق مشروعا كبيرا للمشاكل والمصائب.
    قال: في هذه الحالة إنك لم تبحث عن قميص لمشكلتك, بل فتشت عن وسيلة لعلاجها
    قلت: وهذا الذي يجب أن نفعله
    قال: هذا يصح قولا ومنطقا لا فعلا.
    قلت: وماذا تقصد؟
    قال: لقد أمضينا القرن العشرين بعقدة القميص , وكلما أردنا فعل شيئ وجدنا له قميصا يمنعنا من فعله ورمينا بالأسباب عليه.
    في القرن العشرين إختلقنا ما لا يُحصى من القمصان التي كانت كلمات حق يراد بها باطل , لتحقيق إرادة البهتان والسكون والمنطق السلبي , الذي لا ينفع بل يضر الجميع.
    قلت: وكيف تثبت ذلك؟
    قال: لقد طرحنا شعارات جذابة وشكلنا أحزابا وطنية وقومية ودينية وغيرها.
    وقمنا بالتنظير للإصلاح , وثرثرنا كثيرا عن النهضة والتقدم وغيرها من الطروحات البراقة , ولكنها كلها وبلا إستثناء أخذتنا إلى غير ما وعدتنا به, وحققت في ربوع أيامنا مشاكل ومآسي متراكمة ومتفاقمة وحتى هذه اللحظة.
    وقد تم خياطة قمصان متنوعة كقميص الأعداء المختلف الألوان والأشكال , وكأننا نحسب أننا لا نعيش فوق الأرض.
    كل هذه القمصان كانت ألاعيب يراد بها الحفاظ على الكرسي لا غير, فانظر إلى أين أخذتنا حمى الكراسي والمناصب.
    قلت: يبدو أن في ذلك بعض الصواب.
    قال: نحن نفسر الأمور بأسباب خارجة عنها , ونتعلل بما لا يصح إلا أن يكون مصدرا للأزمات والتداعيات.
    أي إننا نعسّر ولا نيسّر.
    ونحزن ولا نفرح.
    ونقضي على الأمل ونزرع اليأس.
    قلت: وكيف تفسر ما يحصل هذه الأيام؟
    قال: لا جديد إنها قمصان مبتكرة تتناثر في كل مكان ,  ولن تحقق إلا ما يناهضها كسابقاتها , لأنها براقع من أجل الكراسي لا غير.
    قلت: لماذا لا تقول قمصان القرن العشرين وليس قمصان المرحلة؟
    قال: يبدو لي أنها كذلك , لكني قلت المرحلة, لأننا أبناء الحاضر , وعلينا أن نعمل من خلاله من أجل مستقبل أفضل, ومن أجل حرق كل قميص يوهمنا بالحق وتكمن وراءه غايات باطلة وطموحات فردية بائسة.
    علينا أن نرى بوضوح ونتفاعل وندرس بعلمية ونضع النقاط على الحروف , لا أن نمعن في الإبهام والتشويش والكذب والتخريف.
    قلت: أنت تتهرب من قميص المرحلة
    قال: لا..أنا أريد أن أمزقه لكي لا تتحقق المآسي وتستشري الآلام.
    أريد مرحلة بلا قميص, بلا تضليل وافتراء وغدر وتنكيل.
    أريد مرحلة صافية, كل البشر يعمل فيها من أجل هدف إنساني شريف واضح, خلاصته بناء الوطن وتحقيق أحسن الإستثمارات في الميادين الثقافية والعلمية والفكرية والإقتصادية ,  وأي ميدان آخر يفيد الأجيال ويساهم في تخفيف عنائها وتذليل صعوباتها.
    قلت: سأكون معك في تمزيق أي قميص يتم وضعه على منبر الحياة, فلقد تعبنا من مهزلة القمصان المشينة التي جلبت لنا الشرور.
    قال: هيا إلى العمل بعقول وقلوب متفاعلة متفهمة
    قلت: هكذا سنصنع أجيالا واعدة وتبا لقمصان الخداع والإمتهان والتضليل!!


    د-صادق السامرائي
    منشور في 27102006
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media