داعش دمرت خمس حضارات مرت على العراق، فهل دمرت داعش ايوان كسرى؟
    الثلاثاء 30 سبتمبر / أيلول 2014 - 19:35
    د. أياد حلمي الجصاني
    عضو جمعية الاكاديميين العراقيين ونادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا - النمسا
    قرأت بالامس في الانديبندنت البريطانية * ان داعش اصبحت على مقربة ميل واحد من بغداد وفي مقالة اليوم تقول على بعد ساعة منها فاين اذن غارات الخمسين دولة في حلف اوباما للقضاء على داعش فهل ساعدت طائرات الحلف على تقهقر داعش ام تقدمها نحو بغداد ؟ لم استبعد قيام هؤلاء الوحوش بكارثة تدمير طاق كسرى مثما قرأت في صحيفة الاخبار هذا اليوم تحت العنوان اعلاه .  فتذكرت ايام الشباب في بغداد وكيف كان إيوان كسرى ** بالمدائن في سلمان باك القريب من بغداد مرتعا للقاء الاحبة حيث ينتظر البغداديون حلول فصل الربيع لزيارته وقضاء اجمل الاوقات في عطلاتهم حوله .  وبشهرته كان وما يزال يضرب به المثل في ايام المسرات . كنا نقصده ونحن صغار مع اهلنا في الاعياد وربما كان كثير من العراقيين لا يعرفون تاريخه  . كانت تنتشر من حوله المقاهي وبعض المطاعم  والحدائق والمزارع ويزيده الامن واجواء الربيع  بهجة . وبعد الاحداث الحزينة التي مر وما زال يمر بها العراق منذ الخمسينيات من القرن الماضي ، اهمل هذا المكان الاثري بل يقول لي صديق ان كثيرا من الناس سرقوا الاجر اي الحجارة الحمراء الكبيرة منه واخذوها ليبنوا بها . ولا اشك في ذلك بعد ان شاهدت مرة في بعض ازقة بغداد ان فتحات المجاري الحديدية الصنع قد اختفت منها ! يا للاسف الشديد ويا للحسرة لاننا اليوم بالحقيقة لسنا بناة حضارة كما كان الاجداد السومريون والبابليون او حتى المسلمون العرب الاوائل . ولو عرف آل ساسان ان مصير قصورهم ستصبح على هذا الحال لما بنوها هنا لكنها كانت امبراطوريهم . ان حزني لكبير جدا اذا ما هدم الوحوش الجدد على ارض العراق من داعش وماعش وغيرهم هذا الاثر الخالد . ولربما ينظر الكثيرون من اخوتنا ابناء السنة الذين يصفون اخوتهم ابناء الشيعة العرب المحبين لهذا المكان بالصفويين وهم ينظرون الى بقايا هذا الصرح الخالد بانه من آثار الفرس التي يجب محوها من ارض العراق مثلما تنظر داعش بكل تاكيد بعد ان هدمت الكثير من المعابد والكنائس وقبور الائمة في الموصل  . لكن صديقا لي اخبرني ان صدام حسين دكتاتور العراق السابق قد خلد معارك العرب في احتلالهم لفارس في رسم بانوراما كبيرة في مكان قرب الطاق اعتزازا وفخرا بالتاريخ . ولو وقعت كارثة التدمير حقا سابكيه كثيرا رغم وجودي في الغربة ولم ازره منذ اكثر من خمسين عاما لا اني من اصول فارسية بل انه الاثر العظيم الذي يرمز بكل فخار الى انتصارات العرب الاوائل الذين جاءوا من صحرائهم بايمانهم الجديد متجهين صوب بلاد فارس لقهر واسقاط الامبراطورية الساسانية . ولو عرف هؤلاء العرب ما سيحل بهذا المكان لما دخلوا واحتلوا العراق واسقطوا تلك الامبراطورية . لقد كتب عنه الكثيرون ومنهم الدكتور عثمان قدري في اليوكوبيديا ****  الذي قال عنه : "انه أمسى مضرب المثل في انقطاع السرور وذهاب السلطة ، وتفاهة الحياة الدنيا ، والدمار والهلاك" . كما ان اعظم من خلد  هذا الصرح الخالد هو الشاعر العربي الكبير البحتري*** في سينيته الشهيرة التي انشدها وهو يلقي بنظره الى ايوان كسرى التي يعجز الانسان العربي عن وصف جمالها وروعة دقتها واحداثها وكم تنبأ البحتري مثل الدكتور عثمان بنحس الزمان ووصف كيف اصبح اليوم محمولا هواه من الاخس الاخس وكيف كانت رباعهم  محلا للمسرات وكيف اصبحت  مكانا للنحس والتاسي وكيف جعلت منه الايام مكانا للمآتم بعد ان كان مكانا للافراح والاعراس .    فالى متى يظل العراق مسرحا للكوارث والمجازر ؟ فلننظر الى بعض ما قاله البحتري في قصيدته الخالدة في هذا الخصوص :                     .                                                                                                                                       
       صنت نفسي عما يدنس نفسي *** وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ        
      وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحمو     ***  لًا هَواهُ مَعَ الأَخَسِّ الأَخَسِّ        
    عُمِّرَت لِلسُرورِ دَهرًا فَصارَت *** لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأسيَ
    عَكَسَت حَظُّهُ اللَيالي وَباتَ الـ *** ـمُشتَري فيهِ وَهوَ كَوكَب نحس
    مُشمَخِّرٌ تَعلو لَهُ شُرُفاتٌ *** رُفِعَت في رُؤوسِ رَضوى وَقُدس
    لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللَيالي ***          جَعَلَت فيهِ مَأتَمًا بَعدَ عُرسِ
             لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ ***        سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ
                 
               
    راجع رجاء :
     *Isis 'just one mile from Baghdad' as al-Qaeda fighters join forces against Syria air strikes , the Independent. Isis an hour away from Baghdad - with no sign of Iraq army being able to make a successful counter-attack 29 Sept.and 30 Sept. 2014.

    ** اليوكوبيديا :" بُدأ ببناء طاق كسرى في عهد كسرى الاول انو شروان عام 540  للميلاد وبعد ان استولى المسلمون على المدائن حولوا الطاق الى مسجد عام 637 م . ويذكر ان في صبيحة ولادة النبي محمد ( ص) اهتز إيوان كسرى، وسقوطت منه  اربعة عشرة شرفة. تقوم الان جامعة شيكاغو بالتعاون مع الحكومة العراقية باعادة بناءه في ما يسمى بمشروع ديالا " Diyala  Project" . فهل حقا ان مثل هذا المشروع قائم الان ؟
    ***  كوغلة عن مجلة "صيد الفوائد" في مقالة للدكتور قدري عن " سينية البحتري " كاملة
    **** اليوكوبيديا : " هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي ، و اشتهر بالبحتري نسبة إلى" بحتر"وهي قبيلة يمنية الأصل ، ولد بمنبج في الشام ، و نشأ في قبائل طيء ،و تنقل بين القبائل البدوية ، وتأثر بفصاحتها ثم استقر في بغداد و مدح الخليفة المتوكل ووزيره الفتح بن خاقان".                                          
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media