السيد عمار الحكيم يدعو الى الوقوف بحزم ضد ظاهرة نفي الاخر واتخاذ موقفا صارما تجاه التطرف والاسراع بتشريع قانون الحرس الوطني
    السبت 31 يناير / كانون الثاني 2015 - 10:33
    بغداد (الفرات نيوز) - اكد رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم، على الالتزام بالدستور العراقي بعنوان العقد السياسي والاجتماعي واتخاذه مرجعية لحل الخلافات والتقاطعات، داعيا الى" الوقوف بحزم كدولة ومرجعيات دينية وقيادات سياسية وعلماء ومؤسسات مدنية ضد ظاهرة نفي الآخر، والسعي الحثيث للحوار المفتوح بين الزعامات الدينية ومعتنقي الاديان لضمان الوصول الى خطاب سلمي"، مشددا على" ضرورة الاسراع بتشريع قانون الحرس الوطني الذي يوفر الغطاء القانوني لدور القوى الشعبية في مواجة الارهاب"، مبينا ان" الاعتداء على المقدسات ومس الرموز هو الغذاء الاساس للارهاب"، داعيا الجميع الى" اتخاذ موقفاً صارماً تجاه كل مظاهر التطرف والاساءة والتجاهل للآخر".
    وقال السيد عمار الحكيم في كلمة له خلال المؤتمر الوطني للحوار بين الاديان والمذاهب الذي عقد في مكتب شهيد المحراب ببغداد اليوم:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اصحاب الفخامة والدولة والسيادة والمعالي ... اصحاب السماحة والفضيلة والنيافة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    قال الله تعالى { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
    يجتمع العراق اليوم في هذه القاعة.. بكل تعددياته القومية والدينية والمذهبية الكريمة ، وهو دليل على ان ما بيننا من روابط تدفعنا اكثر للاجتماع من الافتراق، وان القوى او العوامل التي تعمل على تمزيقنا ستفشل وستنتصر وحدتنا... فالعراق يكون قوياً عندما تكون كل مكوناته قوية، وواهم من يظن أن قوته يمكن أن تتحقق بإضعاف المكونات الأخرى، فالبلاد تنهض بجهود كل أبنائها، ولن يتمكن اي مكون لوحده على النهوض بأعباء بناء الوطن .. فالوطن للجميع والجميع للوطن .. ومن يقف بالضد من الحقيقة سينهار يوماً ما ، وحقيقتنا اليوم هي أن لحمتنا الوطنية متماسكة بحكم التداخل والتمازج بين كل المكونات، العرب مع الكورد والتركمان والشبك، الشيعة مع السنة، المسلمون مع المسيحيين والصابئة والايزديين، أنه التداخل والتواصل الاجتماعي، والنسبي، وكيف يمكن للحالات الطارئة ان تنهي تاريخا طويلا من التعايش والعيش المشترك والمصير الواحد والمصالح المتبادلة... حين نضع الاهداف الكبرى نصب أعيننا تتصاغر أمامنا كل التضحيات، وهدفنا الكبير هو بناء العراق واحلال الامن والسلام والتعايش بين ابناءه، ومن أجل هذا الهدف علينا، أن نحاصر الخلافات بالمشتركات الهائلة والكبيرة، وأن نتوجه نحو المستقبل، لإننا معنيون بصناعة المستقبل، الذي سيحاسبنا ويحكم على أعمالنا ومواقفنا , وان نتعظ من الماضي والحاضر، لنستفيد منه لا ان نقف عنده ونضيع فيه .

    أخوتي واخواتي الاعزاء سادتي وسيداتي المحترمون
    اليوم ينظر اليكم شعبكم على انكم قادته الدينيون ورموزه... ويتأمل منكم ان تنشروا الامل على طول جغرافيا هذا الوطن الحبيب الذي حملتموه في احداقكم.نحن جميعاً ندرك جيدا التركة الثقيلة التي خلفتها الدكتاتورية... والفجوات الكبيرة التي احدثتها في نسيج المجتمع العراقي..... والهواجس العراقية .... والفكر العراقي .. فلتبقى هذه الذكرى حية في عقولنا وضمائرنا كي لانتجاوزها ونتناساها ونبدأ بظلم بعضنا البعض ...
    أخوتي واخواتي الاعزاء المحترمون ..لقد عبرنا مرحلة كبيرة .. ولكن مازال الطريق أمامنا طويلاً..

    ولا يخفى عليكم ان منطقتنا تمر الان بظروف استثنائية لم تشهدها منذ 100 عام ... وان هذه الظروف تضغط على الواقع الداخلي العراقي ومن مختلف الجهات... فلنكن نحن البحارة الماهرين الذين ننجو بسفينة وطننا وسط هذه العواصف .. ونرسو بها الى بر الامان والحرية والازدهار ...

    فليس هناك مشكلة عصية على الحل ، متى ما آمن المختلفون بالحل المشترك والعيش المشترك .... وليست هناك أزمة لا يمكن الخروج منها , متى ما آمنا أن العراق فوق كل الازمات والالام... ويجب ان لا تتحول هوياتنا الى كانتونات تمزق شعبنا والوطن.. فاعتماد الوسطية والاعتدال والالتقاء في المنتصف لا يمكن اعتباره تنازلاً.. لان ديننا يأمرنا بذلك ولان الشجعان وحدهم هم الذين يعتمدون الوسطية ويلتقون في المنتصف.

    أخوتي واخواتي الكرام..
    أسمحوا لي وباسمكم جميعا أن نقول لشعبنا الكريم وبمختلف طوائفه وقومياته ومناطقه ...عرباً وكرداً وتركماناً وشبكاً ... مسلمين ومسيحيين صابئة وايزديين شيعة وسنة... كلمة واحدة وبقلوب متحدة وأرادة واحدة ...
    كلا للارهاب والطائفية ....
    كلا لاستهداف المقدسات والاستهانة والتعدي على الرموز الدينية ...
    كلا لانتهاك حرمة الوطن والمواطن ...
    كلا لظلم بعضنا للبعض الاخر ..
    كلا لأي انتقام او تشفي بعيداً عن العدالة والقضاء ...
    ونعم لعراقيتنا ... نعم لوطننا الواحد الموحد .. نعم لشعبنا الطيب الوفي الصبور ..
    نحن نعيش في محيط إقليمي ودولي تعصف به المشاكل والأزمات ومن الطبيعي ان يتأثر العراق بتلك الأزمات، لكن من غير الطبيعي أن يتحول العراق إلى طرف في تلك الأزمات, بل عليه ان يكون طرفاً مساعداً في الحل ومقرباً لوجهات النظر بين الاطراف .

    ومن هنا نؤكد على ان الحل يجب أن يكون حلّاً عراقياً..فإن اي حل مستورد من الخارج سوف لن يؤدي الا الى المزيد من الإشكاليات والتقاطعات بين أبناء الوطن الواحد..
    إن أخطر ما نواجهه اليوم هو بروز الدعوات التكفيرية والعدوانية التي تريد إلغاء الآخر ، وهذا يعني اللجوء الى القتل والتدمير والتهميش والعزلة والانقسام، وهو ما يحاوله البعض هنا وهناك ..وهذا يستدعي منّا جميعا الوقوف بحزم كدولة ومرجعيات دينية وقيادات سياسية وعلماء ومؤسسات مدنية ضد ظاهرة نفي الآخر وتسقيطه وتخوينه ورميه بشتى الاتهامات ومحاولة محوه من خارطة العراق .

    نحن بحاجة الى حوار جاد ..منطقي وموضوعي وشجاع يتحد حول المشتركات والمصالح المتبادلة لنطوق بها الخلافات ونتخذ القرارات ونرسم السياسات التي تقود العراق الى الوئام والسلام ، وهو يحتم علينا أن نغلّب منطق الحوار على أي منطق آخر ..ومنطق استحضار عوامل الوحدة والاتفاق أكثر من عوامل الفرقة والشقاق.. فمن خلال الحوار حول أمور جادة وحقيقية تنفع الجميع، وتحمي وتدافع عن الجميع، لا مجرد وعود وكلمات فارغة ,سيحصل الجميع على حقوقهم.. ونحن شركاء في المسؤولية فيما يحدث للبلاد اليوم، ولن يكون اي منّا بمعزل عن المسؤولية ، وعلينا أن ندرك ذلك، والتاريخ لا يرحم ..
    إن الإرهاب والعنف بكل أشكاله يستهدفنا جميعاً ليس كأفراد فحسب وإنما كمكونات وهويات مختلفة..وعلينا أن نقف بحزم ووضوح وصراحة ضد الإرهاب وضد الدعوات الإرهابية والطائفية التي تهدف إلى تمزيق العراق وتمزيق شعبنا.. وان الاتفاق على هذه الرؤى تلازمها رؤى مقابلة بان لا يتخذ بعضنا من محاربة الإرهاب او ما خلفه من مظالم وموروثات وانقسامات وسيلة للانتقام ولفرض سيطرة جديدة والتأسيس لظلم جديد سيرتد علينا جميعاً.

    إن السلاح يجب أن يكون بيد الدولة حصراً.. الدولة التي يجد فيها الجميع مكانه ومسؤولياته كاملة، فهي الراعية والمسؤولة عن أمن الوطن والمواطن، ولذا علينا الإسراع بتشريع قانون الحرس الوطني الذي يوفر الغطاء القانوني لدور القوى الشعبية في مواجهة الإرهاب.

    نجتمع اليوم بمناسبة اسبوع الوئام العالمي بين الأديان كما دعت اليه الامم المتحدة لنؤكد الحاجة الملحة الى التواصل والوئام بين معتنقي الاديان والطوائف المختلفة وسط عالم مليء بالكراهية والتطرف ...

    ان العالم اليوم يواجه تحدٍ حقيقي من قبل اصحاب الافكار المتطرفة والمنحرفة .... ويمكن القول انها حقيقة راسخة تربط بين الانحراف والتطرف !!..... فمتى ما كان هناك انحراف فانه ينتج تطرفاً ... وهذه القاعدة تنطبق على كل الأديان والمذاهب السماوية بدون استثناء .... لانه لا يوجد دين سماوي او مذهب آلهي يدعو الى الكراهية والحقد...

    اننا جميعا امام مسؤولية حقيقية في تمكين الأغلبية المعتدلة في العالم من اجل الوقوف امام هذا الزحف الاسود من الافكار الهدامة والمنحرفة والمتطرفة والمسيئة الى المقدسات والرموز الدينية.. فقد لاحظنا مؤخراً نشر الرسوم المسيئة لرسول الله {ص} في بعض الصحف ووسائل الاعلام والتي عبَّرت عن سلوك يبني حقداً جمعياً بعيداً عن العدالة ويفتقد لابسط مقومات المدنية والحضارة ويقوم على العدائية والتعصب ولا يمكن لمن يؤمن بقيم الديمقراطية والوئام والتعايش السلمي بين البشر ان يقف صامتاً امام هذا السلوك المشين تحت ذريعة {حرية التعبير}.. فالاعتداء على المقدسات ومس الرموز هو الغذاء الاساس للارهاب.. والامم لا تعيش اليوم في جزر معزولة، فالارهاب الذي لا نصطف جميعاً ضده في بلد سينتقل الى غيره من البلدان .. والافكار المسيئة والاستفزازية، ان لم يكبحها المصلحون والمعتدلون، سيتلاقفها المتطرفون والمنحرفون لتكون مبرراً لارتكاب الجرائم والافعال الارهابية، لأن الاعتداء على المقدسات سيحول مجتمعاتنا جميعاً الى فوضى عارمة تخاطر بكل ما دعا اليه انبياء الله ابراهيم وداود وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.. وتخاطر بكل المنجزات التي حملت رايتها الحضارة الغربية، وبكل القيم التي حملتها الحضارة الشرقية... ويجب ان نقف بقوة وحزم وان نكون صارمين في وجه قوى التطرف بكل اشكاله .

    ان نشر ثقافة التسامح هو السلاح الاقوى في وجه التطرف ، وهو الوسيلة الامثل لنشر قيم المحبة والوئام في المجتمعات ....
    وفي هذا الاسبوع نرى بوضوح عمق الرؤية الاجتماعية لامير المؤمنين الامام علي {عليه السلام}... حين يقول {الناس صنفان اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق}.... هذا هو الاسلام الصحيح والحقيقي ... وهذه هي الروح المنهجية للاسلام المحمدي ....
    نحن في العراق نمثل احد اكبر المراكز الدينية في العالم ... ومن هذه الارض انطلق الانبياء والمصلحون ونشروا رسالتهم وتعاليمهم منذ ادم عليه السلام...فهنا ارض نوح {ع} والطوفان.. وهنا كانت النار بردا وسلاما على ابراهيم..وهنا كتب التلمود البابلي.. وهنا كان انتشار الاسلام.. وهنا عاصمة امير المؤمنين علي عليه السلام.. وهنا استشهد الامام الحسين من اجل مواجهة الظلم والجبروت ونشر روح التسامح..وهنا تطورت المدارس الاسلامية الفقهية والكلامية من المعتزلة والاشاعرة والامامية وغيرهم.. وهنا طرق العرفان والفرق الصوفية المختلفة.. وهنا سيكون محط رحال المصلح الاكبر الامام المهدي عليه السلام الذي ينتظر فرجه الشريف جميع اتباع الديانات السماوية بمختلف مذاهبهم... فما احوجنا اليوم ان نكون نحن القدوة في هذا الوئام ونحن السباقون الى زرع هذا الانسجام بين الاديان السماوية والقوميات المختلفة... ولكننا نرى ان بعض من يدعي الانتماء الى الاسلام قد تحوّل الى جماعات متناحرة وانحرف في عقيدته واصبح التكفير والقتل او الإساءة للأديان والمقدسات هو منهجه وديدنه ...

    لذلك في هذه المناسبة ندعو الجميع .. ان ينشروا قيم الوئام والانسجام والتسامح بين الاديان في تربيتهم وسولكياتهم وعوائلهم اولا وفي المجتمع ثانياً ... وان نتخذ موقفاً صارماً تجاه كل مظاهر التطرف والاسائة والتجاهل للآخر ...

    اننا نستثمر هذا الحضور النوعي للقيادات الدينية والسياسية ونؤكد على النقاط التالية :-
    1-الالتزام بالدستور العراقي بعنوان العقد السياسي والاجتماعي واتخاذه مرجعية لحل الخلافات والتقاطعات .

    2- ادانة الارهاب والعنف والتطرف بكل صوره واشكاله والوقوف جبهة واحدة بوجه الجرائم الارهابية ولا سيما الارهاب الداعشي الذي استهدف جميع المكونات العراقية ومثل ابشع صور الوحشية والهمجية في تاريخنا المعاصر .

    3-ضمان الحريات الشخصية , والجماعية لمعتنقي الاديان , من دون التفريق بين دين وآخر وعدم التجاوز بأي شكل من الاشكال , ولأي سبب كان على الرموز الدينية والثوابت المقدسة لكافة الطوائف والاديان , ورفض التعدي عليها بذريعة الديمقراطية , وحرية التعبير عن الرأي .

    4-السعي الحثيث للحوار المفتوح بين الزعامات الدينية ومعتنقي الاديان لضمان الوصول الى خطاب سلمي تعايشي مشترك وحماية النسيج الاجتماعي وصيانة الوحدة الوطنية وتجنب اثارة الفرقة الدينية او المذهبية او القومية بين ابناء الوطن الواحد والوصول الى الحلول المرجوة عند حدوث الاختلاف والازمات عبر الحوار واللقائات المباشرة ومن خلال اللجوء الى الوسائل القانونية والدستورية , وقد عبر الله تعالى عن ذلك في القرآن الكريم ب ( الكلمة السواء ) , وهو اعظم مبدأ يمكن اعتماده في التعايش المجتمعي .

    5-اشاعة روح التسامح والوئام والمحبة والسلام وتعميق خطاب المواطنة الصالحة التي تجد في التعايش السلمي منهجاً , ووجوداً وتفعيل دور المؤسسات الدينية الساعية للسلام والمتبنية للخطاب الانساني والحواري المنفتح.

    6-دعوة السلطات التشريعية العراقية والاقليمية والدولية الى سن التشريعات التي تجرم الاسائة للرموز والمعتقدات الدينية واعتبارها تتعارض مع احترام حقوق وحرية من يعتقد بها ويقدسها .

    7- دعوة السلطات التنفيذية والقضائية في العراق والعالم الى الوقوف بحزم بوجه اي ممارسة تنال او تحط من شأن الاديان والطوائف وتحرض على الكراهية ومراقبة وسائل الاعلام وتشجيعها للعب دور ايجابي في تنقية الاجواء واشاعة التسامح .

    8- الحفاظ على التنوع الديموغرافي لاتباع ومعتنقي الديانات والمذاهب والمكونات العراقية وعدم السماح بتغيير مناطق سكناهم التي سكنوها منذ قرون متمادية .

    تقبلوا شكري الجزيل لاجتماعكم اليوم و وحدتكم ... وان التاريخ سيسجل هذه الوقفة وهذا الاجتماع في صفحاته البيضاء....
    بوركتم وبوركت جهودكم ... وحما الله العراق من كل سوء ... وحما شعبه الابي المعطاء من كل شر ...وحما المرجعيات الدينية ولا سيما المرجع الاعلى الامام السيد السيستاني {دام ظله الوارف} صمام الامان لوحدة امتنا ... وحماكم رموزاً وقادة لشعبكم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media