إلى متى تستمر الاعتداءات على الصحافيين والصحافة؟
    السبت 28 فبراير / شباط 2015 - 21:57
    مصطفى محمد غريب
    لكثرة ما طالبنا بضرورة احترام حرية الصحافة وعدم الاعتداء على الصحافيين والحفاظ على حياتهم أصبحنا كمن ننفخ في قربة مثقوبة بحيث صرنا نعتقد أن البعض ممن لديهم سلطة القرار والمركز يضحك ملئ شدقيه لمجرد سماع جملة حرية الصحافة وعدم الاعتداء على الصحافيين وهذا ما يعكس الاستهتار بالقوانين التي سنت لحمايتهم وبمفهوم الديمقراطية التي يتغنى بها البعض ومنهم الذين يضحكون  ليس على حرية الصحافة فحسب بل على نقابتي الصحافيين العراقيين، لقد استمرت الاعتداءات وصولاً إلى الاغتيالات والضغوطات والاعتقالات ومحاصرة الصحافة الحرة طوال السنوات ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري على الرغم من وجود البعض من القوانين التي سنت من اجل حماية الصحافيين واحترام الحرية الصحافية وعدم التجاوز عليها باعتبارها السلطة الرابعة التي تتحمل مسؤولية الكشف عن المثالب والأخطاء من اجل التصحيح والبناء، مسؤولية المساهمة الحقيقية في توطيد العملية الديمقراطية في دولة المؤسسات المدنية التي أشار إليها الدستور على الرغم من النواقص التي من المفروض التخلص منها إذا كانت هناك نوايا وطنية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، لكن نلاحظ بين فترة وأخرى يهب البعض من الأجهزة الأمنية أو حمايات الجنرالات السياسيين أو الوزراء والبعض من النواب... الخ بالاعتداء على الصحافيين لمجرد أنهم صحافيون يعملون بما يفرضه ضمائرهم في ظروف تكاد أن تكون صعبة جداً ومهيأة للقتل بالتفجيرات والاغتيالات بكاتم الصوت وغيرها من أدوات التدمير والاعتداء عليهم وحتى على عائلاتهم ومن ثم إضافة إلى كل ذلك ملاحقتهم واعتقالهم وحتى الاعتداء عليهم بحجج لطالما تذكرنا بالحقب السابقة التي يُعتقل المرء لمجرد انه يحمل رأياً مخالفاً ليس إلا.
    وفي الآونة الأخيرة يتواصل هذا الخرق الفاضح لحقوق ليس الصحافيين فحسب بل حتى حقوق الإنسان ضارباً عرض الحائط العقوبات القانونية وأن هذا الخرق من قبل هؤلاء يقع تحت طائلة المسؤوليات القضائية، وقد ثبت بالملموس حصول عدة تجاوزات واعتداءات على الصحافيين في العاصمة بغداد وفي البعض من المحافظات نذكر منها على سبيل المثال الاعتداء الأخير بالضرب الذي حصل من قبل عناصر حماية مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية التابع لمستشارية الأمن الوطني في 18 / 2 / 2015 على مراسل ومصور السومرية سنان سعدي سبع الذي نقل " إلى مستشفى ابن سينا في المنطقة الخضراء وهو في حالة خطرة للغاية" إضافة إلى إصابة علي محمود حسن، كما لحق الأذى بعلي عبد الجبار مصور قناة دجلة وعدداً آخراً من الصحافيين حيث نقل المراسل المذكور إلى المستشفى لتلقي العلاج على اثر الإصابات التي لحقت به ولم تمر على الحادثة والاعتداء إلا يوم واحد ولحقها اعتداء ثاني في اليوم التالي 19 / 2 / 2015 أثناء قيام البعض من الصحافيين بتنظيم وقفة سلمية احتجاجية  بالضد من الاعتداء الأول حيث قامت عناصر من الشرطة بالاعتداء مرة ثانية والضرب المبرح  بالضد من الصحافيين المحتجين على أثره لحقت بالصحافيين المعتدى عليهم ومن بينهم مصور قناة الفيحاء حسين الموسوي كما تم نقل الصحافيين الذين تعرضوا للضرب والاعتداء إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم بينما اعتقل البعض منهم من قبل أفراد الشرطة والأمن.. وعندما نؤكد وجميع من حضر الواقعة انه كان احتجاجاً سلمياً كي لا تتأول الأمور بأنها " عنفاً مسلحاً أو إرهابياً معادياً تشملهُ الماد ( 4 ) إرهاب مثل أيام السيد رئيس الوزراء السابق  !!" وهو أمر منافي لأبسط مفاهيم حقوق الإنسان وحرية الصحافة ومفهوم الديمقراطية التي قال فيها اثر هذه الاعتداءات وزير الدفاع خالد العبيدي  أن "هذا الاعتداء لا يمت للديمقراطية بأية صلة خاصة ونحن نعيش في بلد ديمقراطي يحترم التعددية ويكفل دستوره حرية التعبير عن الرأي واحترام الرأي الأخر" ـــ  نعم هذا قول حكيم وعادل إذا كنا فعلاً نعيش في بلد يكفل دستوره حرية الرأي والتعبير ويحترم التعددية ومبادئ الديمقراطية، إلا أن ذلك على ما يظهر مجرد تصريح سوف يركض خلف التصريحات الأخرى لان الاعتداءات المستمرة على الرغم من وعود أجراء التحقيق فيها أصبحت على" فاشوش " وعسى أن لا يزعل وزير الدفاع أو مَنْ صرح قبله من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ورئيس البرلمان إلى آخر  المسؤولين الذي وعدوا بإجراء تحقيق " عادل وسليم وسوف تظهر النتائج ويحق العدل لأصحابه!!" ومن حقنا أن نسأل ـــ أين هي النتائج؟ ــــ وماذا اتخذ من عقوبات قانونية ضد مرتكبي هذه الاعتداءات والتجاوزات؟
    لقد طالب دائماً أكثر من مصدر حقوقي ومدني بمحاسبة الذين يخرقون القوانين التي تخص حرية الصحافة والصحافيين  كما أدان المرصد العراقي للحريات الصحافية في 19 / 2 / 2015 الاعتداء على مصوري ومراسلي قنوات فضائية أثناء تغطيتهم لمؤتمر عقد في المنطقة الخضراء في بغداد حيث أشار في بيان الإدانة بعد أن سلسل أسباب الاعتداء من قبل عناصر حماية مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية التابع لمستشارية الأمن الوطني وأكد على ضرورة إجراء تحقيق سريع لمعاقبة المعتدين، وأن "المرصد العراقي للحريات الصحفية إذ يدين الاعتداء السافر فإنه يستغرب أن يكون الاعتداء من جهات موكل إليها حماية المواطنين وفئات المجتمع لا لإذلالهم والتنكيل بهم"
    إن هذا الاعتداء يجب أن لا يمر بسهولة كغيره ولهذا وجدنا تأكيد مستشارية الأمن الوطني على اعتقال واحتجاز أفراد الحمايات للتحقيق بادرة جيدة نتمنى الوصول إلى نهاية المحاسبة القانونية وإحالتهم إلى القضاء العراقي، وان إقامة دعوة قضائية لينال هؤلاء المستهترين بحقوق الصحافيين والصحافة العراقية العقاب القانوني العادل كي يكون عبرة في المستقبل لهم ولغيرهم حيث لا يسمح بإذلال الصحافيين والتجاوز عليهم وعلى حقوقهم وعلى الحريات الصحافية.. إن شهداء الصحافة الوطنية العراقية الذين ضحوا بحياتهم من اجل شرف الكلمة وحرية الرأي  لابد أن يعاملوا باحترام وتقدس ذكرى استشهادهم التي كانت كنبراس أضاء بالكلمة الشريفة والحس الصادق والإخلاص للمبادئ الوطنية زوايا ودهاليز مظلمة واستطاعت هذه الكلمة وسطورها أن تنور الطريق أمام ملايين المواطنين، ولهذا هبت فلول الظلام والحقد من جميع الجهات والانتماءات  الرجعية والتكفيرية والطائفية لتمنعهم بالاعتداء على حياتهم متصورة أنها ستغلق باب المعرفة والنور ليبقى العالم في ظلام فكري دامس ولكن كما يقال هيهات فالمعرفة لا يمكن أن تكون جهل والحقيقة لا يمكن أن تكون ضلالة والصحافة الحرة لا يمكن إلا أن تكون مشروعاً معرفياً يهدف إلى الكشف والمساهمة  لكي يطلع الناس على الحقائق ليتخذوا الموقف السليم مما يجري حولهم من قضايا تتعلق بحياتهم والقضايا الأخرى وهي مختلفة ومتشعبة وفي البعض الأحيان تكون معقدة تحتاج إلى جهود جماعية لحلها، الصحافة الحرة تعتبر السلطة الرابعة التي تساهم في عملية التطور والتقدم وتعميق الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي وبهذا يشكل الصحافيون الآليات الفعالة لها وبهم تترسخ مفاهيم الحريات ومبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير بشكل مباشر وغير مباشر وما يحدث لهؤلاء الصحافيين المجهولين في بعض الأحيان من عنف واعتداء واغتيال يَنصب في خانة العداء لحقوق الإنسان ولحرية الصحافة ومحاولة لحجب المعرفة عن الناس وهي جريمة لا يمكن السكوت عليها وعلى القضاء العراقي إنصاف الحق ومعاقبة المعتدين والمسؤولين الذين يوجهونهم هم الأساس في الاعتداء على الصحافيين والصحافة الحرة، الاعتداءات الأخيرة على الصحافيين العراقيين يدل على الاستخفاف بالقضاء والقوانين المرعية وهو قمع لحرية التعبير وحرية الصحافة وعلى السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يبادر لإحالة هؤلاء الحمايات إلى التحقيق والقضاء العراقي لمعرفة من يقف خلفهم ومن حرضهم أو أمرهم بالاعتداء.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media