سامي ميخائيل ورحلة اللغة العربية بين بغداد وحيفا
    الأثنين 2 مارس / أذار 2015 - 22:20
    سامي ميخائيل في لقاء تلفزيوني
    مجلة (ونلتقي) اون لاين - مارس الروائي المتألق سامي ميخائيل الكتابة في العراق بالعربية حتى هروبه في اواخر الاربعينات ، ثم واصل الكتابة بالعربية في بدء سنوات إقامته في إسرائيل في صحف شيوعية . تطرقت شخصياته في بواكير رواياته الى اللغة العربية والعراق كما حافظ على هذا النهج عند انتقاله للكتابة بالعبرية . ماذا يؤشر ذلك؟

    بمناسبة صدور كتاب سامي ميخائيل "ماسة من القفر ” ، استضاف بيت أفي حاي ، من درر المؤسسات الثقافية التي تجسد التعايش والتعددية في القدس الغربية، امسية أدبية كرسها للروائي سامي ميخائيل وانتاجه الأدبي.

    في هذا الكتاب يعود ميخائيل مجددا الى العراق الى قصة حب جارف تجمع كمال بالماسة ، يهوديان في مقتبل العمر تدور وقائعها في الثلاثينات من القرن العشرين على خلفية الأحياء العراقية التي يقطعها نهر دجلة .جمعت خشبة المسرح  ياعيل عريفة الحفل، إضافة الى الروائي سامي ميخائيل الباحث والمستشرق يوفال عيفري والثاني أنطون شلحت ناقد أدبي. كانت الأجواء في القاعة، التي تغص بأطياف المجتمع الإسرائيلي، احتفالية وجاءت صدى للحوار المنمق على خشبة المسرح. وتخللت الحوار نسمات حب بالعبرية أفاحتها المغنية ديكلا العراقية الأصل .

    يهود العراق الأكثر مساهمة

    اختار انطون شلحت الإقتباس من خطاب القاه سامي ميخائيل الذي لا يخلو من التواضع في احدى المناسبات يعبر فيه خير تعبير عن نقده الجريء يقول فيه إن إسرائيل كانت أعجوبة في بداية عهدها لكنها طمست في خطاب يعزلها عن الشرق الأوسط بل يضعها على قدم المساواة مع جيرانها وهذا سامي ميخائيل يريد أن ينقذها من براثن التعذيب النفسي والغرق في بحر من الكراهية تتخيله عن جيرانها ومحيطها وكأنها تريد بذلك حشد طاقاتها لمواجهة العدو.

    وأضاف شلحت الذي تجمعه بالروائي زمالة منذ تعارفهما في صحيفة الإتحاد أن خطاب سامي تطرق الى ثلاثة أمور مهمة جدا لم تخضها إسرائيل: وهي مكانة إسرائيل في العالم العربي ، الفوارق العنصرية الإجتماعية والبون بين العلمانية والدين”.

    وردا على سؤال آخر تطرق شلحت الى دور يهود العراق في بداية عهد إسرائيل ":إضافة الى الكتابة في الصحف والمجلات الشيوعية فإن تمكُن يهود العراق من اللغة العربية ساعد الفلسطينيين في  اسرائيل في وقت لم تكن توجد فيه مكتبات حيث كانت مجلة الجديد الثقافية الشهرية التي تصدرها صحيفة الإتحاد الشيوعية ". ثم يمضي قائلا ونبرة هزلية :” غير ان تمكنهم من اللغة العربية جعلهم من المرشحين المفضلين للعمل في الشاباك اي الأمن العام إضافة الى العمل في مجال الضريبة والبنوك”.

    الأدب والسياسة يدا بيد

    وروى سامي عن لقاءاته – التي تعزز خطأ السياسة الإسرائيلية حسب تعبيره – بشخصيات عربية وإيرانية منها حوار بين الأديان في الفاتيكان . ورسم صورة دقيقة للمشهد  وهو يلقي خطابه امام كرادلة وائمة وهو بينهم الوحيد الذي ليس برجل دين  . كان أحد آيات الله يجلس أمامه  و”منظره يثير في قلبه الفزع لكثرة التهديدات التي نسمعها في إسرائيل عن نية إيران إبادة الشعب الإسرائيلي” وفقا لتعبيره  فما كان منه الأ الإرتجال قائلا:” السلام عليكم .ولدت في العراق  انا سامي ميخائيل اليهودي المحب لليهود وسامي ميخائيل المسلم المحب للمسلمين وسامي ميخائيل المسيحي المحب للمسيحيين” باعتباره يحمل اسما لا يمكن من خلاله  تشخيص الديانة وكوسيلة لتذليل حواجز الريبة .

    وبعد أن انهى كلمته فما كان من اية الله  المعني الا الوقوف لمصافحة  سامي "متعدد الأديان”،  قائلا له بالعربية: اهلا وسهلا وهنا تأتي المفاجأة : رجل الدين هو الآخر عراقي ،هرب من بطش النظام البعثي من النجف الى إيران . تناول سامي هذه التجربة لتوصلنا الى شاطيء العقلانية بعيدا عن الآراء المسبقة والتعميم ، تلك الأسوار التي يساعد الساسة على بنائها  لنعاني منها في النهاية !

    العربية قاسم مشترك في المنطقة


    وردا على سؤال عما يتوخاه  الروائي في إنتاجه الأدبي من الذهاب والإياب الى بغداد في "عاصفة بين النخيل” و”عايدة”  وفي الرواية الجديدة ” ماسة من القفر”يؤكد الكاتب انه متمسك بذاكرته العراقية التي تعود جذورها الى ما يزيد عن 2500 عاما وهي أكبر دليل على أن الذاكرة الجماعية اثبتت قدرة اليهود على المفاوضات مع الغزاة والمستعمرين الذي اكتسحوا العراق مرارا عبر التاريخ وبالتالي فإن بقائهم مئات العقود في أرض الرافدين كطائفة مثمرة ومنفتحة على المجتمع العراقي خير دليل على انتمائهم لبلد الرافدين”.

    واضاف ميخائيل، أن إسرائيل هي جزء من هذا الشرق وليست جزءا من أوربا. أما عن الحب الذي لا تخلو منها رواياته فهو يصف أهمية الحب  بأنها قوة بناءة  فيما الكراهية قوة هدامة حتى للجسم ، ولا يمكن ان يتنازل الجسم بدوره عن الحب ، اذ يغدو بدونه كمن قُطع رأسه فكيف له الحياة؟

    ”اختراق الخطاب الصهيوني”


    اما الباحث يوفال عيفري فقد آثر الحديث عن كتابات ميخائيل التي تميزت باختراق الخطاب الصهيوني القائل بأن اليهود جاؤا الى اسرائيل بمحض ارادتهم او من دوافع صهيوينة مؤكدا ان الكاتب هرب من مطاردة الشيوعية في العراق باعتبار اليهود مبادرين في تبني الأفكار السياسية الجديدة و قال ميخائيل إنه لم ينزع رداءه العربي الذي يعتبره من الأمور المشتركة مع الجيران على نقيض الرداء الأوروبي الذي حاولت الزعامة فرضه على القادمين الى إسرائيل.

    ومن خلال قراءة مقطع من كتاب” الماء يلامس الماء ” التي هي عبارة عن حوار بين صوت الكاتب وشالوم درويش الذي يمثل شخصية المحامي شينا يقول فيها انه منهمك في جمع الكلمات اليهودية العربية للحفاظ عليها في إشارة الى مكانة اللغة اليهودية العربية الدراجة التي أمست تراثا بعد ان كانت لغة حية لها اصداء. وفي مداخلة أخرى أشار الى الكتاب "عايدة ” قائلا ان بطل الرواية الذي اراد أن يكون اليهودي العراقي الأخير أمسى آخر عراقي قبل ان يدخل العراق في حيز التجزئة والفئوية.

    رواية عبرية تكملة لرواية فلسطينية

    وكشف شلحت أنه تعرف على الروائي بصورة أعمق من خلال الرواية التي جاءت تكملة لرواية غسان كنفاني الفلسطيني "عائد الى حيفا” والقى الضوء  في مقاربة عن شخصية المرأة العربية لدى سامي ميخائيل في رواية” حمائم في ترافلغار” حيث انها شخصية ذات دور فعال وإرادة وصاحبة قرار وليست كما في المجتمع الفلسطيني مغلوبة على أمرها . اما الجملة التي تركت صدى عميقا  لديه فهي الدعوة الى الإمتناع عن تلويث اللغة فكلنا من سلالة بني آدم وليس هناك عرقٌ متدني عن غيره.

    اختتمت الأمسية  المغنية  ديكلا بإغنية "الى بيتي” كما غنت بالعربية حبيتك بالصيف لفيروز ولم تخلُ هذه المداخلات من روح الدعابة التي كان في مقدمتها هذا الروائي وهو يقول إنه لا يكتب حاليا سيرته الذاتيه لأنه لا يزال صغيرا فإن عمره لم يتجاوز ال 89 عاما علما بأن والدته توفيت عن عمر يناهز المئة ونيف!!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media