الثأر بالفضيلة
    الأثنين 2 مارس / أذار 2015 - 23:25
    علي شايع
    امرأة يابانية قـُتـِل حبيبها الصحفي في مدينة الفلوجة سنة 2004، فأرادت أن تثأر له، وتجعله يرقد بسلام أبديته، مرتاحاً لمنجز إنسانة مضت على طريقتها الخاصة، تحشدّ الجموع للتعريف بقيمة رسالة زوجها وغايته الأساس في الوقوف كشاهد إعلامي ينقل وقائع ما يجري، داعية إلى مناصرة ومعاضدة مشروعها الثأري ممن قتلوه، في مواجهة وتحد فريد من نوعه، أنفقت فيه جلّ وقتها، وطافت لأجله الأصقاع..طوافاً لا يشابه ما فعلته (البسوس) التي أشعلت حرباً راح فيها أفاضل القبائل (من أجدادنا العرب) لأجل ناقة!، بل إن تلك المرأة اليابانية النبيلة، جعلت من آلامها على زوج قتله إرهابيون أشرار، درساً إنسانياً يستحق الاحتفاء، فبعد أن جمعت أكثر من 17 مليون دولار، من أخيار عرفوا حكايتها، واحتشدوا معها في مشهد صدق عظيم، مجلّين سعيها لأجل ثأر رأت أن تجعله شاخصاً في معلن الوعي، بهيأة مستشفى كبير في مدينة الفلوجة، مكان سقط ذلك الصحفي شهيداً، وبقيت روحه تضج بالسؤال الرافض للعنف.
     
    المستشفى سينقذ حياة الناس وسيشعر كل من يمرّ في جنباته بمعنى آخر للثأر، يفوق كل ما عرفناه وسمعنا به، لحظة يرى الداخل لأروقة المبنى صورة صغيرة لصحفي شهيد ويطالع حكايته.

    ولم تكن تلك المرأة اليابانية النبيلة، لتقف عند هذا المستوى الإنساني، بل اعتبرت إن مشروعها لم يكتمل بعد وإن عليها تأمين الاحتياجات الطبية والدواء عبر رصد مبالغ سنوية لجعل المستشفى في ديمومة استعداده لاستقبال المرضى والجرحى، وبالطبع لم يكن في حسابات تلك الإنسانة الوديعة أن يستمر مشهد الدم والترويع كل هذا الوقت، ولا بحساب الآملين بالتغيير الأجمل؛ أن يصبح العنف سائداً وحاضراً مراً، وأن يكون ما أرسلته لإنقاذ حياة الناس من عدد ومواد، قيد استعمال "الدواعش" وتحكّمهم، وأن تتحول شفرة الفعل الباطنية التي جمعت حولها ملايين الأصوات في اليابان، لتبقى ماثلة في الزمن، أكثر من جريمة الإرهاب وعنفه.. إلى سؤال عن مصائر أهل تلك المدينة.

     بالطبع سيبقى من أنفق من ماله وإن كان المبلغ بسيطاً، مستذكراً مشاركته بثأر الفضيلة في تلك البقعة، أو بدأ يعرف اسم المكان إن مرّ في الأخبار، وبأسف وحزن عميق تساءلت يوم أمس، ترى كيف تلقى هؤلاء الناس خبر إحراق تنظيم "داعش" الإرهابي، قبل يومين، لأحد عشر (كوكباً) من خيرة شباب الفلوجة أحياء؟.

    ما الذي ستقوله تلك المرأة، وكيف يمكن أن تشفع الكلمات بين يديها الآن، وهل ثمة ما يفسر لها، وهي تتابع أخبار المدينة ومستشفياتها، مستوى التوحش والقسوة، والتراجع المفجع، بقطع أطراف الأطفال وجزّ الرؤوس، والإحراق في "دولة" الظلام والظلامات، وغياب نار الوعي ونوره.
    ونار لو نفخت بها أضاءت.. ولكن ضاع نفخك في (الرمادي)!. 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media