الوقاية الغائبة والعلاج العقيم!!
    السبت 28 مارس / أذار 2015 - 21:23
    د. صادق السامرائي
    القول بأن الوقايةَ خيرٌ من العلاج , وهم من أوهام السلوك البشري , فالنفس لا تتقبل مفاهيم الوقاية , لأنها لكي تتوقى عليها أن تمتنع , وما هو ممنوع يكون مرغوبا جدا للنفس!!

    ووفقا لهذه الطبيعة النفسية السلوكية التي تتفاعل في أعماق البشر , فأن مشاريع الوقاية أيا كان نوعها ما هي إلى حبر على ورق , أو تعيش في فنتازيا الخيال والتمنيات.
    قد يقول قائل أن في هذا الطرح مجانبة للحقيقة والصواب , لكنه لا يستطيع أن يأتي بأدلة وأمثلة تدعم رأيه , بينما الأدلة أوفر لإسناد غياب سلوك الوقاية عند البشر.

    فالبشر يعرف أن التدخين يتسبب له بالأمراض , وكذلك إحتساء الخمور والمخدرات والأكل الكثير  وعدم الحركة , لكنه يمضي في ذات السلوك , وتجده يتابع علاجات عقيمة لا تصلح ما أفسده عدم توقيه وإحترازه.

    فالغريب في السلوك البشري أنه لا يستوعب مفردات الوقاية من أي ضرر أو خطر , ويمضي في سلوكه المحكوم بالرغبات الطاغية على آفاق رؤيته وتبصره وإدراكه لذاته وموضوعه.

    فالذي لديه وراثة لمرض السكر , عندما تقول له بأنه سيصاب بالسكر إن لم يتحذر من كذا وكذا , لأن فحص دمه يشير إلى أنه مؤهل للإصابة , لا يأخذ قولك مأخذا جادا , وإنما ينكر ويقلل ويدافع ويبرر , وربما يغضب , وعندما تبدأ عليه أعراض مرض السكر يتواصل في سلوك الإهمال وعدم الإلتزام بالعلاج , ويمضي هكذا حتى تظهر عليه مضاعفات ومشكلات صعبة , فيكون جادا في العلاج , ولكن بعد أن صار العلاج لا يشفي بل يؤذي.

    وهذه النمطية السلوكية تنطبق على السلوك السياسي وغيره من التفاعلات في الحياة , فلا يمكن لسياسي أن يستوعب آليات الوقاية , وإنما يريد أن يعالج ما هو قائم وحاصل , وهذا يعني أن معظم القادة والساسة لا يسعون للوقاية وحل المشاكل , بل لصناعتها والتفاعل معها بآليات غابية ذات نتائج فادحة ونهايات مأساوية , يلصقون بها مسميات سامية.

    فالنصر السياسي يعني سفك الدماء , والبطولة إحراق ودمار وخراب وإهلاك , وإرتكاب فظائع ضد الإنسانية.

    وترانا اليوم عندما نتحدث عن الوقاية من الذي سيحصل , يُنظر إلى ذلك بعين الريبة والحذر , ويحسب نوع من الهذيان , لأن واجب القادة المواجهة والقتال لتحقيق البطولات ودخول التأريخ من أي باب فيه مهما كان سيئا وقبيحا.

    وما دام السلوك البشري يمتلك مناعة شديدة ضد الوقاية , فأن التداعيات تتنامى والأمراض النفسية والفكرية والروحية والعقائدية تتعاظم ولن تجد علاجا شافيا , وإنما عقيما ومساهما في ولادة غيرها وغيرها من رحمها السيئ!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media