هل هناك حياة اُخرى ؟ ج 12 / تلخيص كتاب الخرافة !
    الأحد 29 مارس / أذار 2015 - 15:40
    رعد الحافظ
    كاتب عراقي مغترب مقيم في السويد
    مقدمة :
    عندما هوى البهلوان (في هكذا تكلّم زرادشت ـ فريدريك نيتشه) من على الحبل المشدود بين قلعتين ,الذي كان يستعرض عليه بهلوانياتهِ .
    السبب كان قدوم بهلوان آخر شاب تخطّى الأوّل (قافزاً من فوقه) .فقدَ هذا الأوّل تركيزه فسقط على الأرضِ مُنسحقاً مُحطماً لكن غير ميّت بعد !
    و قبل أن يفارق الحياة قال لزرادشت الذي إقترب ليسمعهُ :
    (منذُ زمنٍ طويل كنتُ أعرف أنّ الشيطان يعّد لي مقلباً) !
    فأجابه زرادشت :
    (لا شيطانَ هناك ولا جحيم,إنّ روحكَ سيُسرع إليها الموت قبلَ جَسدكَ ,فلا تخشى شيئاً إذاً) !
    الآن أستمر في القراءة معكم ,والحديث في هذا الجزء الـ(12) من تلخيص كتاب الخرافة في عصر العِلم لعالم الفيزياء الأمريكي (روبرت لي پارك) يدور حول فكرة الحياة الأخرى !
    ***
    ص 93 / البحث عن حياة ما بعدَ الموت !
    عندما تنظر الى تماثيل بالحجم الطبيعي لمُحاربين يقفون مع أسلحتهم  بشكل أعمدةٍ متراصّة ,ستشعر كأنّك في جنازة مَهيبة ,فتخفض صوتكَ لا إراديّاً .إنّما تلك الجنازة كانت قد حدثت قبل 2200 عام ,عندما تجمّعَ هذا الجيش لحراسة أوّل إمبراطور على كامل أرض الصين في حياته اللاحقة.
    للصينيين تأريخاً حزيناً في منح قوّة خارقة لقادتهم .وكانت قوّة (تشن شي هوانغ) مُطلقة !
    سرّ الحفاظ على القوّة المُطلقة هو إبقاء الناس جاهلينَ بالعالم الخارجي !
    يتقبّل عموم الناس الخضوع التام ماداموا يعتقدون أنّهُ وضعاً طبيعيّاً !
    كان سور الصين العظيم الذي أكملهُ (تشن شي هوانغ) رمزاً للهوس بالإنعزاليّة في الصين الإمبراطورية !
    لكن في عالم اليوم ,فإنّ الأسوار التي لا تخترقها الجيوش تتغلغل فيها موجات الراديو بسهولة .لذا يتطلّب الإنعزال في العالَم الحديث التحكّم بالإعلام .هذا ما دفع الديكتاتوريّات لتتقيّأ على شعوبها الدعاية بإستمرار !
    عام 1955 كان البطل الثوري (ماو تسي تونغ) قد خسرَ الكثير من تأثيرهِ الشعبي نتيجة فشل خطته غير العمليّة  "الطفرة الكُبرى للأمام" .
    في محاولةٍ يائسة لإستعادة القوة أطلقَ (الثورة الثقافيّة البروليتاريّة) الكبرى المُرعبة .قام بتجنيد مليشيا من المتطرفين الصينيين الشباب أسماهم (الحرس الأحمر) ,شرّبهم بالحماس الوطني ثمّ أطلقهم على أعداءهِ السياسيين !
    ***
    ص 94 / تفويض السماء !
    في تأريخ الحُكم كان مُؤكداً أنّ توريثَ السلطة لذُريّةِ الحاكم هو أكثر الطُرق مُمارسة وأقلّها عقلانية لإختيار القائد اللاحق !
    كانت حسنته الوحيدة هي تقليص النزاع على الخلافة .لكن حتى في هذا المجال حدث فشلاً ذريعاً في بعض الحالات !
    دون مُفاجئات إكتشف الملوك والأباطرة أنّ شرعيتهم اُعطيت لهم في الحقيقة من قوّة عُليا .كانت فكرة الحقّ الإلهي للملوك في أوربا قد قُدّمَت بشكلٍ لطيف في العهد الجديد :
    [لتخضع كلُّ نفسٍ للسلاطين الفائقة ,لأنّهُ ليس سُلطاناً إلاّ من الله.... إذ هو خادم الله مُنتقم للغضب مِنْ الذي يفعل الشرّ] روميّة  13 / 1 ـ 4
    إذاً كيفما اُختير المَلك حتى لو ثبتَ أنّهُ مجرمٌ مخبول ,فلا يزال هو صاحب السلطة وفقاً للآية أعلاه !
    لابّدَ أنّ الملوك أحبّوا فقرة "المُنتقم" حيث يقوم المَلِك بتنفيذ "الغضب" !
    إنّ حجم المُعاناة البشريّة الذي شرّعتهُ هذه الآيات طوال القرون ,يصعب تخيّلهِ !
    بإستثناء العالَم الإسلامي سُلِبَ الملوك منذُ زمنٍ طويل من أيّ سُلطة حقيقيّة وإنّهُ لمنَ المُحرِج للإعتبارات العقلانيّة أنّ عدّة اُمم حديثة مازالت مُتعلّقة مع ذلك بعائلاتها المالكة لأغراضٍ طقوسيّة !
    إنّ الفكرة الصينيّة التقليديّة عن حُكم الملوك المُسماة "تفويض السماء" مُشابهة "للحقّ الإلهي" للملوك .لكنّها على الأقل تضيف قيدَ هروبٍ يسمح بخلعِ الأباطرة الظالمين !
    فالسماء تُباركُ سلطة الحاكم العادل ,لكنّها لن ترضى بحاكم غير حكيم فتعطي التفويض بالحُكم لشخصٍ آخر !
    وبشكلٍ مُحيّر ,عندما عُدّت الثورة خطئاً ,كانت الإنتفاضة الناجحة تُقبل كدليل على تفويض السماء .(معناها التأريخ يكتبه المنتصرون) !
    كانت الإنتفاضات يقودها أحياناً قادة فطريّون من اُصولٍ متواضعة .
    يصبحون بعد ذلك أباطرة مؤسسين سلالات جديدة !
    قد يكون الإمبراطور الجديد وذريتهِ المُباشرة مُستنيرين نسبيّاً .
    إنّما التأثير المُفسد للسلطة المُطلقة سينتج لاحقاً مُستبدين شديدي القسوة .
    خلعهم سيضع علامة بداية لسلالة اُخرى !
    ***
    ص 95 / ستارة الخيزران !
    رغم إعلان (ماو تسي تونغ) نهاية الثورة الثقافيّة عام 1969 ,فقد إستمرت مُستقلة حملات العُنف ,الإتهامات ,الإهانات العلنية ,الإعدامات الجماعيّة حتى  1976 عام موت ماو !
    مع (ماو) بدا أنّ التعاقب الوراثي في الصين وصل نهايته .ويبدو الآن من غير المُتخيّل أنّهُ سيعود يوماً ما !
    ربّما بعد أن تضعف ذكريات الرُعب الذي أحدثه (الحرس الأحمر) قد يُستَذكَرْ (ماو) كبطل أنهى الحُكم الوراثي في الصين !
    حصلَ كلّ هذا بعيداً عن نظرنا .فرُبع العالم تقريباً كان معزولاً خلف ستارةِ خَيزران !
    أدّت الزيارة التأريخيّة للرئيس نيكسون الى پكين عام 1973 حيث قابل ماو ,الى رفعِ زاوية من ستارة الخيزران بما يكفي لإعطاء العالم لمحة تلفازية أولى عن جمهورية الصين الشعبيّة !
    لكن كما نظرَ العالم نظرة خاطفة الى الرُعبِ في الصين ,كذلك حصل الصينيّون على لمحة من العالَم الحديث ,وإشتهوا مارأوه !
    ***
    ص 96 / ترك الضوء يدخل !
    بعد أكثر من ألفي سنة من الظلمة الكاملة حدث خروج جيش (تشن شي هوانغ) الفخاري الى النور !
    فبعد سنة من زيارة نيكسون صارَ الوضع أشبه بمجاز لتحوّل الصين من رجعية (الطفرة العظيمة) وجنون (الثورة الثقافيّة) الى اُمّة صناعيّة حديثة!
    عام 1974 اُكتشفَ جيش (تشن شي هوانغ) الفَخاري الذي قد يُعّد أكبر حدث آثاري في القرن العشرين (وربّما على الإطلاق) على أيدي فلاحين كانوا يحفرون بئراً ليس بعيداً عن قبر (تشن) !
    كانت بضع مئاتٍ فقط من التماثيل الفَخارية قد نُبِشَت حين اُصطحبتُ للموقع بعد عدّة سنوات (كعضو وفدٍ علمي من جامعة ماريلاند) !
    منذُ ذلك الحين كان أكثر من 8000 مُحارب وحصان فخاري (مُنتشرين تخطيطاً لحماية قبر تشن) ,قد نُبشت !
    لم يكن هؤلاء الجنود أشباه مُستنسخين بالجملة ,خارجين من قالب كجنود دُمى للأطفال .لا يشبه إثنان بعضهما .فالمقاتلون المختلفون يستعرضون حتى قَسَمات عرقية مختلفة تعكس المناطق الواسعة التي توّحدت تحت ظلّ تشن .تمّ نحت كل واحدٍ منهم من جنود أحياء في جيش تشن الواسع !
    كان هذا مستنيراً بشكل ملحوظ في زمانه ,فلعلّ تشن كان ليختار أن يدفن جيشه حيّاً !
    كان (تشن شي هوانغ) أقوى رجل في العالم .كان بوسعه تملّك أيّ شيء أراد مهما كانت كلفتهِ .لكن كثيراً من ثروات إمبراطوريته بُذّرَ على شيءٍ واحد لم يستطع شراءهِ : إمتداد سلطته وهو في القبر !
    وبشكلٍ مُستقل بنى الفراعنة الأهرام الكُبرى لنفس الغرض !
    في الصين أيام (تشن) لم يكن الدين بالمعنى الغربي موجود أصلاً !
    كان هناك وفرة من العرّافين الشافين بالسِحر والكبار من الحكماء المليئين نصائح حول تجنّب إثارة الأرواح .لكن لم تكن توجد كلمة للدين في اللغة الصينيّة .لم تكن لجموع الشعب أماكن للعبادة ولا كهنة يتوّسطوا للسماء!
    ملأ الإمبراطور دورَ الإله لأتباعهِ .لكن خِلافاً للآلهة القديرة لأديان الغرب ,كان تشن يحتاج جيشاً في العالَم الآخر ليُحافظ على مقامهِ في تلك الحياة !
    كلا النوعين الأباطرة والفراعنة ذاقَ السلطة المُطلقة ,لذا ليس غريباً أنّهم سعوا لترتيب نفس المنافع في الحياة اللاحقة ,كالتي إستمتعوا بها في هذهِ !
    بالطبع لم يكن هناك أيّ قصص من الجانب الآخر لوصف مدى نجاحهم في تحقيق مساعيهم تلك .إنّما الإيمان بحياةٍ اُخرى يبدو عالمي تقريباً !
    يُعلن الأمريكان عن إيمانهم بحياةٍ اُخرى بنفس القَدَر من الأعداد الهائلة التي تُعلن إيمانها بوجود الله .لكنّ الإستبيانات لا تقيس عمق الإقتناع !
    السؤال هنا / ما الذي يستعّد المؤمنون بالسماء للمراهنة على إيمانهم به ؟
    ***
    ص 97 / بطّوط صغير !
    عام 1997 قام 39 عضو في نِحَلة (بوابة السماء) في سان دييغو بالإنتحار الجماعي ,مُعتقدينَ أنّ أرواحهم ستؤخذ على متنِ سفينة فضاء (مُختفية خلف مُذنّب هايل ـ بوب) الى مملكةِ السماء !
    لايمككنا شرح لماذا حملوا هذا الإيمان .لابّدَ أن هناك طرقاً اُخرى سوى هذه يستطيع بها الناس برهنة إيمانهم !
    وأين الدليل الذي قادهم الى هذا النوع من الإيمان ؟
    يمكن أن تملأ مكتبة بكتب عن هذا الموضوع لكنّها ستنتهي جميعاً بنفس السؤال :كيف نعرف أنّ السماء موجودة أصلاً ؟
    يقول (رالف منكستر) من إرساليات وجود الله :
    علينا أولاً الإتفاق على سُلطة الكتاب المقدّس .فلو وافقنا عليها سنرى بعدها مايقوله عن السماء !
    حسناً إليكَ الجواب :هناك سماء طبعاً ,لأنّ الكتاب المُقدّس يقول ذلك !
    تقول الأغنية التي تعلّمناها كأطفال مسيحيين في مدرسة الأحد :
    (يُحبني يسوع أنا أعرف ذلك ,لأنّ الكتاب المقدّس يقولُ ذلك !)
    نتعلّم هذه الأغنية قبل أن نتعلّم القراءة ,باكراً جداً قبل أن تُملأ أدمغتنا بأفكارٍ مُتضاربة !
    أتوّقع أنّك قد تتذكر أوّل اُغنيتين تعلّمتهما ,وليس الثالثة ربّما .
    الأغنية الثانية التي تعلّمتُها كانت "بطّوط صغير" .
    كان والدي يسألني أن اُغنيها لأجله ,قال لي أنّها اُغنيتهِ المُفضّلة !
    كلّ شيء نتعلمه باقي حياتنا يجب أن يتلائم مع دروس الطفولة الصغيرة. بسبب وجود أفكار قليلة مُتضاربة في عقلنا في ذلك العُمر يقوم المِهاد Thalamus   بتحويلها رأساً الى اللوزة .
    كلّ شيء يتعلّمهُ الأطفال في تلك السنين المُبكرة مهم !
    ***
    ص 98 / سلطة الدين !
    يستمر (رالف منكستر) في شرح أنّ السماء مذكورة 580 مرّة في الكتاب المُقدّس ,"فمن الواضح أنّ الرب يُريدنا أن نفهم أهميتها" يقول !
    فجأةً نجد أنفسنا لا نتسائل عن وجود السماء إنّما عن سُلطة الكتاب المُقدّس
    (يرفض العِلم الإنصياعَ للسلطة لصالح الدليل التجريبي) كما كتب القاضي الفيدرالي (جون إي جونز) في رأيه عام 2005 في قضية (كيتزميلر) في مجلس مدارس دوفر .وهذا يذهب بنا الى قلب الصراع بين العِلم والدين .
    فالعِلم يرفض السلطة ,بينما الدين يقوم عليها !
    كان هذا هو مفتاح إستنتاج (القاضي جونز) أنّ نظرية التصميم الذكي ليست كما تدّعي نظرية علمية !
    ***
    ص 99 / البحث عن السماء !
    في اليومِ الذي أعلنَ القاضي جونز رأيه حول نظرية التصميم الذكي فتحتُ التلفاز على أخبار المساء لمحطة ABC  لتخمين ردود أفعال الإعلام .
    كانت هناك دعاية لبرنامج إخباري خاص سيُعرض لاحقاً نفس المساء :
    (السماء ماهي وكيف نصل إليها ؟)
    برنامج بطولِ ساعتين تقديم الإعلاميّة المعروفة (باربرا وولترز) .
    تسائلتُ كيف تستطيع ABC   ملء ساعتين من وقت الذروة الثمين ,حول موضوع لايُعرَف عنه شيئاً البتّه ؟ إنْ كُنتَ باربرا وولترز فذلك سهل !
    قابلْ المشاهير بدءً بالممثل (ريتشارد کير) الذي يقول أنّهُ بوذي ,الى سيّدة كاليفورنيا الأولى (ماريا شرايفر) ,وإسألهما هل يعرفان شيئاً عن السماء ؟
    الجواب : لا شيء أبداً ! رغم ذلك يريد الجمهور أن يسمع المشاهير !
    أدخِلْ بضع مُقابلات مع قادة دينيين (كالدالاي لاما) وهو مشهور نوعاً ما هذه الأيام ,مع بعض العُلماء (لتعطي الناس وقتاً ليقضوا حاجتهم) مع بضعة أشخاص تخيّلوا أنّهم كانوا هناك .
    ستكون بذلك قد غطيّتَ كلّ شيء معروف عن السماء ,بوقتٍ أقلّ من اللازم لمشاهدة السوبر بوول ! هذا يحدث لأنّنا لانعرف شيئاً بالفعل !
    أتت المعلومات الوثيقة الوحيدة ضمن الساعتين في مقدمة البرنامج .
    فقد صرّحَ إستبيان أخبار ABC   بأنّ 90% من عامة الناس يؤمنون  بالسماء مهما كانت !
    لكن في الواقع هذا يُخبرنا بالكثير عن العموم ,وليس عن السماء !
    حصلت إستبيانات اُخرى عديدة (من بينها إستبيان هاريس) فأعطتنا نفس النسبة تقريباً عن إيمان الناس بوجود السماء .
    لكن الأعداد تعطينا فكرة قليلة عن عُمق الإقتناع !
    فلماذا لايوجد هياج لشراء تذاكر السماء ؟
    لأنّهُ رغم كلّ الألم والإنزعاج الموجود ,فالحياة هي مايريده الناس !
    ورغم أنّ الجميع تقريباً إتفق على وجود حياة لاحقة ,لكنّهم لم يتفقوا على ماهيّتها !
    قال الكاردينال (ثيودور مكاريك /أسقف واشنطن) لباربرا وولترز :
    إنّ الكاثوليك يؤمنونَ بأنّ الجسد سيُبعَث ماديّاً وسوف نجتمع بأحبائنا !
    لكن زعيم المُسلمين الأميركان كان أكثر تحديداً ,فتحدّث عن سندسٍ وإستبرق وملذّات الأكل والخمر والجنس المُباح !
    إنّما التناقض الأكبر كان بين الإنجيلي (الميغا ـ كنسي) تيد هاغارد ,
    وإنتحاري مُسلم فاشل سجين في أورشليم (لاحظوا سماعهم لرأي إرهابي وقاتل خطير)!
    الأوّل كان متأكداً من كون السماء حصراً للمسيحيين المولودين ثانيةً !
    بينما الثاني (الإنتحاري) كان متأكداً بنفس القدر من أنّ السماء للمُسلمين وحدهم !
    بعد سنة واحدة من ظهورهِ في برنامج السماء ,اُجبِرَ هاغارد على الإستقالة من رئاسة الإتحاد الوطني للإنجيليين ,عندما إعترفَ بشرائهِ مُخدّر الميث من عاهِرهِ (الذَكَر) ! فهل كانت هذه من ضمن ملذّات السماء ؟
    ***
    ص 100 / روايات شهود عيان !
    إلتقيتُ بالقسيّن الكاثوليكيين ( ديفيد أوكونر و شون مكارتي /الذين شهدا حادث سقوط الشجرة عليّ) في اليوم التالي لحُكم المحكمة الفيدراليّة في قضية (دوفر) لأسمع ردّهم .
    كنّا إنقطعنا عن نزهاتنا المنتظمة قرب جدول الطاحون منذُ حوالي سنة .
    فقد تركت مُضاعفات حالة زكام شديدة (ديفيد اوكونر) مربوطاً الى قنينة اوكسجين .كنتُ أخشى أنّهُ لن يتحرّر منها .لكن في ذلك اليوم لاقاني في الباب دون قناع الأوكسجين .كان قد تحسّنَ كثيراً وفي مزاجٍ جيد .
    لكن (شون مكارتي) لم يبدو بخير هذه المرّة !
    كان صوته الرقيق دوماً ,غير مسموع الآن تقريباً .حاولتُ سماع مايقول بصعوبة فلدّي مشاكل متزايدة في السمع منذُ حادث الشجرة !
    لكن الحوار تحوّل بسرعة من (التطوّر) الى برنامج (باربرا وولترز) حول السماء .تصوّر (شون) الذي كان على حافة الموت من سرطان القولون قبل بضع سنوات ,أنّ الجزء الأكثر إقناعاً من البرنامج هو المُقابلات مع الذين مرّوا بخبرةِ القُربِ من الموت !
    يبدو أنّهُ لايوجد شيء أكثر من ذلك يجعلك تؤمن بالسماء !
    تضع مقالة مُتميّزة في تقرير (أخبار أمريكا والعالم عام 1997) عدد الأمريكان الذين مرّوا بتجربة القرب من الموت ب 15 مليون !
    يبدو أحياناً كأنّهم جميعاً قد كتبوا كتاباً عن ذلك يتضمن قصص متشابهة .
    إن كنتَ تبحث عن المُتشابهات فهي تتضمّن أحياناً ,أن تكون في نفق طويل مع ضوء لامع في النهاية وشعور بالإرتياح !
    كانت قصص خبرات القرب من الموت موجودة منذُ آلاف السنين .لكن تقنيات الإنعاش الحديثة جعلتها أكثر إنتشاراً !
    لكن بالنسبة (لعالِم) يصعب تخيّل دليل أوهى من هذا .كونه يقوم على الذكرى فحسب دون أيّ دليل مادي !
    الأسوء من ذلك أنّها ذكرى عن وقتٍ لم يكن فيه (الشخص) غير واعٍ فحسب ,بل كانت خلايا دماغهِ تموت وتطلق إشارات عمياء !
    إنّ ذلك أشبه بالبحث عن البصيرة الدينيّة في الهلوسات التي يحتثّها الپيّوت
     Peyote .و بالتأكيد ينسب عدد من الناس أهميّة دينيّة الى هلوسات الپيّوت تلك !
    نمتلكُ ميلاً كبيراً لربط مانراهُ مع ما نتذكرهُ .بينما هم ليس نفس الشيء !
    حين تعمى صورة ما يميل الدماغ للملء فيها بصور مخزونة في الذاكرة .
    بعد سماع قصص عن النفق والضوء ربّما يكون الناس أميل لوصفِ تجاربهم بالقُربِ من الموت بشكلٍ مشابه !
    مُعظم الأحكام التي نُدفَع في الحياة لفعلِها تقوم على دليل غير كافٍ !
    قد يكون هذا غير مُريح البتّه .فمعظم الناس يتوقون لشيء أو شخص يقول لهم ماذا يجب أن يفعلوا ويؤمنوا به .. أو لا !
    الناس قد تجد طرقاً بلا حصر لتجنّب مهمّة التفكير الشاقة !
    فقد يذهب البعض لألواح ويجا والبعض للطوالع وآخرون للبيّوت .
    لكن على أيّةِ حال ,فإنّ لمحة من السماء لا يُعثَر عليها في الوَمَضات الخافتة لدماغٍ يحتضر !
    (إنتهى الجزء 12 من تلخيص كتاب الخُرافة في عصرِ العِلم) !
    ***
    الخلاصة :
    صحيح أنّ الكتاب المُقدّس (للمسيحيين) ذكر السماء 580 مرّة .
    وربّما ذُكرت السماء (في القرآن) نحو 190 مرّة .
    وحتما حدث ذلك في جميع الكتب المُقدّسة !
    لكن ولا مرّة شرح لنا (نص مُعيّن)  ماهيّة السماء.ولا حتى قدّم توضيحاً يَسهُل التحقّق منه حول المسألة برمتها !
    من ناحية اُخرى فإنّ البحثُ عن الألغازِ والأسرارِ المُبهمة هي من طبيعة الإنسان عموماً .إنّما تجنّب التفكير الشاق والدخول في متاهة المُعادلات المُعقّدة والإحصائيّات وتجارب المختبرات الدقيقة ,أيضاً طبيعة معروفة لعامة البشر .
    قد يبدو الأمر متناقض ! لكن مَنْ قال أنّ حياتنا خالية من التناقضات ؟
    في الواقع نحنُ كبشر عاديين لا نستطيع القيام بجميع التجارب العِلميّة بأنفسنا لنرى إنْ كانت كلّ معلومة مذكورة صحيحة أم مُزوّرة !
    إنّما لو سرنا في الطريق العِلمي ,فسوف نفهم تلقائياً أنّ ثقتنا بالعِلم والعُلماء لها ما يُبرّرها,حسب ما نعرفهُ عنهم وما تراكم في أدمغتنا عبر الأجيال !
    ويبقى السبب الأهمّ في ظنّي لثقتنا بطريق العِلم وليس طريق الدين
    هو أنّ الأوّل لايقول بالمُطلق ولا يرفض إعلان نتائجه ونقاشها ورفضها ودحضها مراراً وتكراراً ,بل سيكون شاكراً على ذلك !
    لكن الطريق الثاني يرفض كلّ ذلك جملةً وتفصيلا .
    يقول لك أنا الحقّ المُبين فإتبعني !

    تحياتي لكم
    رعد الحافظ
    29 مارس 2015
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media