"داعش".. ثأر البعث
    الأثنين 30 مارس / أذار 2015 - 18:22
    علي شايع
    كان وقت العصر الذي قضيته قبل يومين في العاصمة السياسية الهولندية (لاهاي) مراً وفجائعياً، فالذاهب إلى السينما غالباً ينتظر أن يعود بمسرّة وحبور، لكني عدت من عرض لفيلم عراقي دعوت له صديقاً هولندياً هو مدرس قديم وموسيقي مثقف ومرهف الحس، حدّ أني سمعت نشيجه مع بعض المشاهد لأكثر من مرة، جالساً إلى يساري، وكذا حال ابنتي (16 سنة) التي بقيت متشبثة بيدي اليمنى طيلة فترة العرض، وكنت أسمع وجيف قلبها الصغير.
    كان فيلم (تحت رمال بابل) لمخرجه محمد الدراجي، صادماً وحزيناً ومصنوعاً (للثأر) بإعلان حقيقة يجمع فيها الدراجي بين الروائي والوثائقي، مستضيفاً شهود عيان على المقابر الجماعية التي ارتكبها الطاغية وأعوانه بحق آلاف الأبرياء، وبعضهم كان من الناجين من الموت بأعجوبة.
    الفيلم عرض لأربعة أيام في أهم صالات العرض السينمائي في العاصمة الهولندية. ردود فعل مختلفة استمعت لها عن الفيلم في الوسط الهولندي الحاضر، فصناعة الفيلم وحرفية إنتاجه، كانت عالية وتدل على وعي. ولي وقفة لاحقة طويلة عن هذا المنجز المهم الذي يترك في من يشاهده عشرات الأسئلة، عن حكايات لم تكتمل، حتى كأن المخرج يريد أن يجعل لكل من مروا في ثنايا فلمه حكاية منفردة مستقبلاً، في مشروع ضخم بدأه بفيلمه السابق (ابن بابل) لتتداخل الحكايات ويتواتر الألم.
    الفيلم يتحدث عن جندي منسحب من حرب الخليج الثانية/ معركة (الكويت) مروراً بأجواء الانتفاضة، حيث يعتقل ويتم تعذيبه لفترة طويلة في سجون الطاغية، وصولاً إلى إعدامه مع الآلاف في مقابر جماعية، يروي عنها أبطال فيلمنا الحقيقيون الناجون حكايات مروعة، فالشهود الذين يضمّن الدراجي شهاداتهم يضيفون شيئاً مهماً في تدوين الحدث، وقد أراد لحضورهم صدمة قوية، وهي ما كانت له بالفعل.
    مشاهد التعذيب المفزعة التي يحاول الفيلم تصويرها، جعلت الصالة تضج بالنحيب، وتركت لدى صديقي الهولندي سؤالاً لم يصبر عليه، حتى همس في أذني:"القساة الأجلاف، الذين عذبوا هؤلاء الناس، وقتلوهم، أين ذهبوا؟!.." وأردف بسؤال أشد وجعاً.."هل أصبحوا دواعش؟.."
     وللحق من يبصر تلك الوحشية التي يتم التعامل بها مع المعتقلين، وينظر إلى مشاهد العنف اليومية الآن التي ترتكبها عصابات "داعش" الإجرامية، ومن يسمع حكايات من المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم الإرهابي وكيف يتم التعامل مع الأهالي، ومن يطالع أخبار مدينة تكريت وهي على مشارف تحريرها التام، سيدرك أن "داعش" كان ثأراً للبعث. مدينة تكريت البطلة عانت في سابق الآوان من بطش الطاغية وعائلته، لكنها اليوم يتمثل لها مشهد البعث بكل جلف أوغاده وسلطته وبطشه، ولعلّها تعيش أياماً شبيهة بزمانهم ورعب مقابره الجماعية، وقد قال كبيرهم الذي علمهم القتل: "لا أهتم بالعدد، ألف أو ألفين أو ثلاثة، أو عشرة آلاف.. سأقطع رؤوسهم دون أن ترتجف لي شعرة واحدة."
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media