لماذا سوريا...؟
    الأثنين 30 مارس / أذار 2015 - 21:35
    سعدات بهجت عمر
    قد تتعدد الأسباب والظروف التي أدت الى إعلان الحرب الكونية على سوريا العربية وبأشكال متنوعة، وقد تستحق هذه الأسباب والظروف البحث الطويل. كما أننا قد نتيه في عملية البحث ونحن نتبادل الاتهامات. لكن الأمر الأهم الذي سيبقى والحقيقة التي تبرز فوق كل الحقائق هما أن مأساة سوريا ليست أبداً مأساة سوريا لوحدها، ولا هي مأساة قتل مئات الآلاف من السوريين والفلسطينيين ومجموع الخسائر المادلية الفادحة.
    إن ضرب سوريا لتدميرها إنما ضرب لتدمير الوطن العربي، ومأساة سوريا هي خسارة القومية العربية التي تقول بوحدة الوطن العربي، وهي مأساة النضال العربي الذي يكافح من أجل تحرير فلسطين، ولم يكن هدف عدو الأمة العربية عدو سوريا عدو فلسطين الذي أشعل فيها نيران الخراب والدمار. أن يكتفي بحرق هذا البلد الوحدوي المعطاء بقدر ما قصد من الإحساس أن تمتد النيران فوق الحدود لتشعل الوطن العربي.
    ضرب سوريا وتدميرها بهذه الوحشية عامل وظاهرة على الشقاق العربي والخلاف الرسمي بين الحكومات العربية فيزيد في تباعد المواقف السياسية، ويؤجج الصراعات القطرية التي تئن أمتنا العربية منها والتي تزداد مع الوقت وتلتهب لأتفه الأسباب.
    ضرب سوريا وتدميرها إنهاك الى أقصى حد مادياً ومعنوياً للكفاح العربي لتحرير فلسطين والأرض العربية السليبة، ومقاومة الأطماع الصهيونية فهو إستنزاف يومي للمقاومة ولسائر القوى الرسمية والشعبية على أرض المجابهة مع العدو الاسرائيلي.
    ضرب سوريا وتدميرها طعْنة نجلاء في قلب جبهة الصمود، وأي تكتل رسمي أو غير رسمي في مواجهة إسرائيل والاستعمار الجديد، وسياسة الاستسلام الداخلية في وقت يشتد فيه ساعد هذا الحلف في المبادرة للقضاء على كل ما هو عربي لسرعة التطبيع والاستلام للعدو الاسرائيلي، ويمنّي هذا الحلف نفسه بالتوسع، والامتداد الى انظمة عربية أخرى وضم المزيد من الأنظمة لكسر طوق العزلة التي نجح العرب في سوريا وفلسطين والعراق واليمن والجزائر ولبنان في فرضها على الطرف المستسلم.
    الحرب على سوريا في كل أوجهها حجة على وجود أمة عربية واحدة، وعلى تقسيم هذه الأمة الى دويلات متعددة بتعدد الطوائف فيها، وبالتالي الى خلق أمم ضمن الأمة الواحدة تتنازع وتتصارع وتتقوقع في إمارات متناثرة ومتنافرة بحيث لا تشكل خطراً على العمل العربي المشترك نحو وحدة قومية سياسية فحسب بل تصبح أيضاً خطراً يتهدد الدول العربية الموجودة نفسها، بحيث يلتهي كل قطر عن معركة الوحدة مع أشقائه في العروبة بمعارك داخلية للحفاظ على نفسه وللإحتفاظ بكيانه الداخلي وحدوده الحاضرة. كل ذلك يجري في وقت أصبح الإدراك بأهمية الوحدة العربية حقيقة تمليها الوقائع العملية والمصالح الاقتصادية وضرورات الأمن.
    الحرب على سوريا تعطيل للفكر العربي القومي، وذلك عن طريق إشغال في هذا الفكر، وقد تعدّى في مسيرة إثنتنين وخمسين عاماً من النزال المستمر مرحلة إثبات وجود الأمة نظريا وعقائديا الى مرحلة تحقيق وحدة الدول العربية التي تضم فيها شعوب هذه الأمة إشغالها بحروب وصراعات حياتية وتفصيلية تعيدها الى الوراء وتلهيها عن سعيها عن تحقيق طموحاتها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
    مأساة سوريا كما مأساة فلسطين صدمة للشعب العربي من المحيط الى الخليج وبعض دول جامعة الدول العربية. واذا كانت الدول العربية لهذا السبب أو ذاك وبهذا القدر أو ذاك عاجزة عن حل المعضلة فإن الجامعة العربية التي دعت الى مؤتمر للقمة العربية يوم السبت في الثامن والعشرين من آذار الجاري والتي تتشكل من هذه الدول لابد وأنها تعاني الآن من العجز نفسه، وعبثاً تحاول الأمانة العامة للجامعة الجادة في التحسس بأهمية دورها ومراجعة هذا الدور الذي أخطأ بإنهاء عضو مؤسس مثل سوريا في الجامعة أن يُسهم في عملية إنقاذ لأن أي مسعى يصطدم بعجز الدول العربية أو تعجيزها بالرغم من توافر النوايا والرغبات في إيجاد المخرج السليم.
    الحرب على سوريا حرب على مبدأ الحرية لسد الطريق على الفكر العربي القومي والعمل الوحدوي اللذين هما دائماً شرطان أساسيان لأي حركة وحدوية حقيقية، وان المؤامرة على سوريا مهما تعددت أدواتها هي مؤامرة على العرب على كل العرب، وما تدفعه سوريا حالياً بقوميتها هو قسط من الأقساط التي سيضطر العرب كلهم الى تسديدها مرغمين سيدفعونها من حقوقهم وحرياتهم ومن كرامتهم ومعنوياتهم ومن مصالحهم وثرواتهم ومن رجالهم ونسائهم وشيوخهم وأطفالهم.
    إن الموقف العربي المسؤول والواعي الموحّد وحده هو الذي يستطيع أن يتصدى للمؤامرة الصهيونية في جوهرها وأساسها فينقذ سوريا وينقذ فلسطين وينقذ العرب ويحمي سوريا ويدفع القضية الفلسطينية الى عدالة الحل في العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ويحمي العرب وأرض العرب وسمعة العرب.
    ونحن بتقديم هذه الكلمات لا نهذي ولا نُفصح عن أحلام ولا نُروّح عن أتعابنا وهمومنا بتخيل المعجزات. إذ أن سوريا بمميزاتها قبل الحرب الكونية وأثناء تصديها طيلة أربع سنوات لهذه المؤامرة أصبحت بصمودها مضرب المثل توفر لنفسها مقومات النهوض والصمود حتى وهي تئن من تحت الدمار والنار. سوريا هذه تحفظ لسوريا الغد ولفلسطين وللعرب بمقومات البقاء والانتصار لتبدو حياة الإنسان العربي قدرا رائعا ، وهي الآن على لسان قيادتها تنتظر التجاوب الشعبي العربي العريض دون حصر لتنطلق به ومعه لا لتحافظ على وجودها وعروبتها فحسب بل لتحتل مكانها الطبيعي الطليعي الأول في خط المواجهة أمام أعداء العروبة.
    رحمك الله جمال عبدالناصر

    21/3/2015
    سعدات بهجت عمر
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media