عن دار" مندائية" للنشر والتوزيع، صدر كتاب" تحت ظلال السنديان الايطالي/ مقالات في الثقافة والفنون" للفنان الكاتب موسى الخميسي
    الأحد 19 أبريل / نيسان 2015 - 22:22
    عن دار" مندائية" للنشر والتوزيع، صدر كتاب" تحت ظلال السنديان الايطالي/ مقالات في الثقافة والفنون" للفنان الكاتب موسى الخميسي. كتب مقدمة الكتاب الناقد الفني المصري سمير غريب
    المجد للنور... والجحيم للنار
    بقلم سمير غريب

    هذا الكتاب الممتع الثري بمادته وافكاره، سياحة ثقافية في ايطاليا، قام بها مثقف عربي يتمتع بحس فني مرهف وثقافة فنية متميزة. والسياحة هنا بمعنى الانتقال بين الموضوعات بما ترتبط به من مدن واماكن وازمنة واجواء. اما الثقافة فتبدو خلال فروعها في الفن والادب والتاريخ والآثار.
    والاخ موسى الخميسي يقيم في ايطاليا منذ سنوات طويلة. وهو محظوظ في ذلك. فايطاليا صاحبة واحدة من اهم الحضارات البشرية وهي الحضارة الرومانية التي اثرت بأكثر ما اثرت على مسيرة الفن التشكيلي وحتى اليوم. اذ يمكن القول انه لا يمكن دراسة الفنون التشكيلية بغير دراسة الفنون الرومانية المتميزة وبخاصة في مجالات النحت والخزف والفسيفساء. ولم يقتصر فضل ايطاليا الفني على العالم على موروثات الحضارة الرومانية، بل استمرت في لعب دورها الخلاق بانجاب مطوري الفنون في مراحل زمنية متتالية سواء في العصور الوسطى او عصر النهضة وحتى العصر الحديث. وبدورهم ابتكر مطورو الفنون الايطاليون هؤلاء مدارس واتجاهات بل وانواع فنية جديدة باستمرار. واستطاعت ايطاليا ان تحافظ على كثير من ملامح حضارتها في مراحلها المتعاقبة على المستوى المادي المتمثل في المباني والاسوار والشوارع وحتى مدن بأكملها، في نموذج فريد يجعل هذه الآثار حية دائمة يعيش فيها الناس، يولدون ويموتون ويمارسون جميع مظاهر الحياة. هذه ميزة ايطاليا الاولى الفريدة بين دول العالم.
    عدا هذا شاركت ايطاليا عبر مبدعيها المتنوعين في مسيرة الفنون ولآداب منذ كتابة دانتي ألْغِييري لرائعته "الكوميديا الالهية" وحتى روايات امبيرتو ايكو المؤثرة. ومنذ ان ابتكر فنان ايطالي فن "الفريسك" يقال انه جيوتو، وابتكارات ليوناردو دافنشي الخالدة، وحتى اعمال موراندي، وآفرو وغيرهما.
    وهل ننسى الدور الرئيسي للسينما الايطالية في تعريف العالم بـ "الواقعية الجديدة" ومرور كل الانتاج السينمائي في العالم بهذه المرحلة بشكل او بآخر؟؟
    وهكذا في باقي الفنون والآداب. وحتى لا ابدو مقدما جردا لمنجزات الثقافة الايطالية، اذن، هنا عاش موسى الخميسي وتعلم واستمتع. ولم يكتف بهذا وذاك، وانما انتج، ايضا، كتبا عما تعلمه ورآه واستمتع به. فكان هذا الكتاب المفيد الذي يتمكن القارىء من خلاله من الاستفادة بخلاصة حياة موسى الخميسي في ايطاليا، وكأنه وفر على القارىء الانتقال اليها، او شوقه اكثر ليرى ويقرأ ويعيش ما عاشه الفنان موسى الخميسي.
    بدأ موسى سياحته الايطالية من الحضارة الاتروسكية، السابقة على الحضارة الرومانية التي تناولها الكاتب في اكثر من جانب وتوقف بالذات عند اهم معالمها، روما وما فيها من الـ "الكولوسيوم" وحتى قبر الجندي المجهول، مرورا بكنيسة سيستينا الفريدة في العالم كله وبساحة نافونا. وذهب الى فلورنسا عاصمة عصر النهضة الاوربي كله وليس الايطالي فقط. وافرد مقالات لفنون عصر النهضة. ثم عرج على مدينة بولونيا موضحا اهميتها الثقافية والعلمية العالية، ومدينة سبوليتو العريقة، ومدينة كيوزي الاثرية وفرحها، وروعة المعمار في اوستيا التاريخية وعـــدد آخر من المدن التاريخية الآخرى.
    ومن السياحة في التاريخ الى السياحة في السينما: الواقعية الجديدة واهم اعلامها: دي سيكا وبازوليني وفلّيني وانطونيوني وروسلّيني وفسكونتي. لكنه تناول ايضا تلاميذ هؤلاء من الاجيال التالية.
    الادب يحتل جانبا لابأس به في هذه السياحة. وقد وفق الكاتب في اختيار نماذجه الايطالية المهمة مثل: الاديب الصقلي ليوناردو شاشا والشاعر المغامر غابرييله دانّونسيو والكاتب سيلونى والروائي البيرتو مورافيا، والشاعر كوزيموندو والشاعر انغيرتي والشاعر بافيزى ودينو بوزاتي وبازوليني وايتالو كالفينو واليزا مورانتي واومبيرتو ايكو واخرين.
    كان لا بد ان يتوقف هذا الفنان اكثر من مرة عند الابداع التشكيلي الايطالي الحديث، لكنه لم يكتف فقط بالموضوعات التقليدية او الشائعة، وانما حدثنا عن لوحات الطباشير الملونة التي يرسمها الفنانون الفقراء غلى ارضيات شوارع مدينة مانتوفا الايطالية، وعن اعمال الزهور الفنية، والملصقات الجدارية، والاعلان في الشوارع. عدا هذا فقد ذهب الى اهم معرض دولي في الفنون التشكيلية في العالم وهو بينالى فينيسيا، وبيناله فن العمارة، وقام بعرض للرسم الايطالي عبر المائة عام الاخيرة، وكتب عن عدد من فناني عصر النهضة وعدد اخر من المعاصرين.
    في المسرح، يتضمن الكتاب مقالات مفيدة: واحدة عن فن الاوبرا، والثاني من مسرحي ايطالي غير مشهور خارج ايطاليا لكنه مهم داخلها هو جورجيو سترهلر ومقال عن بيرانديلّو واخر عن الممثل المسرحي ادواردو دي فيليبو.
    اخيرا لا استطيع ان اخفي اعجابي بمقال نصحت الصديق موسى الخميسي بضمه للكتاب، وهو مقالته الناقدة النافذة عن "الفن التشكيلي الغربي... الى اين؟" فانا اشاركه ما ابداه فيها من اراء بشكل عام.
    هنا، في هذا الكتاب، على الاقل، نجد نورا عراقيا مستحقا غير نيران هولاكو الجديد الذي احرق بغداد في ربيع الاعوام الاولى من القرن الواحد والعشرين فالمجد للنور، والجحيم للنار!
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media