امنحوا الشعب الكردي حقه في اختيار رئيس لاقليم كردستان
    السبت 25 أبريل / نيسان 2015 - 20:16
    جمال فاروق الجاف
    كاتب ومحلل سياسي كردستاني
    مع اقتراب انتهاء مدة ولاية رئيس اقليم كردستان ( ستنتهي في 19 اب من العام الحالي)،  تدور اليوم في الاروقة السياسية الكردية سجال مكثف حول نقطتين اساسيتين  وهما: تغيير النظام السياسي للاقليم من الرئاسي الى البرلماني اسوة بالنظام السياسي العراقي ،  والنقطة الاخرى هي امكانية تجديد ولاية الرئيس مسعود البارزاني لولاية ثالثة.

    كنت قد كتبت في حينه مقالا بعنوان(هل من حق الشعب ام البرلمان ان ينتخب رئيس اقليم كردستان ؟)*1 . و لدى عودتي لقراءة المقال تبين لي بانه مازال ساري المفعول ليومنا هذا، لذا فقد ارتأيت ان استعين ببعض مما جاء فيه. لقد ذكرت في حينه بان الحديث عن برلمانية النظام السياسي في العراق حديث سابق لاوانه وذلك لأن دستور الاقليم  يقر بوضوح وفي الماده الاولى من الباب الاول ما يلي ( كوردستان - العراق اقليم ضمن دولة العراق الاتحاديه نظامه السياسي برلماني جمهوري ديمقراطي...). وقد تبدو هذه المادة وافية لغرض التخلص من معمعة النظام البرلماني ، ولكن في الظاهر انها لم تجدي نفعا بالنسبة للمعارضين، فهم متشبثون بحججهم ليبرهنوا بان النظام الحالي هو نظام رئاسي و حججهم مرتكزة على نقطتين:
    1- ان صلاحيات رئيس الاقليم واسعه.
    2- الرئيس ينتخب من قبل الشعب بدلا من البرلمان
    ومن هنا يتبين ان المقصود ليس الدستور ولا  قضية برلمانية النظام، بقدر ما يتعلق الامر بمنصب الرئاسة وصلاحيات الرئيس.. فان مسألة تقليص صلاحيات الرئيس مثلا، يمكن التعامل معها سواء اكان النظام رئاسيا او برلمانيا. وعليه فان استعانة المعارضين بالنموذج العراقي ,وجزئه المتعلق بصلاحيات رئيس جمهورية العراق ليس سوى محاكاة ساذج لنموذج يخص العراق حصرا وليس مقياسا عالميا يقتدى به في كافة ارجاء العالم. فهناك دول برلمانية يتمتع فيها رئيس البلاد بصلاحيات اكبر او اقل من صلاحيات رئيس العراقي. فلماذا يعتبر النموذج العراقي هو الاصوب والاسلم!! هذا في الوقت الذي كتب الدستور العراقي وسط ظروف غير طبيعية بحيث ادت الى تعكف قوى عراقية عن المشاركة في كتابته وتغاضت جموع غفيرة عن المشاركة في التصويت على صيغته. وكانت تلك الظروف قد استوجبت الاتفاق على ارساء صيغة تضمن تقاسم السلطة بين المكونات الرئيسية. ولما كانت نفس الظروف غير متواجدة في اقليم كردستان فلا مبرر للاقتداء بالنموذج العراقي وهو المعرض للتغيير مستقبلا حين تعود الاوضاع الى حالتها الطبيعية .
    اما عن قضية انتخاب الرئيس من قبل البرلمان فهي الاخرى غير قادره على حسم القضية. فعملية ديمقرطة النظام السياسي لا تقتصر على منح البرلمان حق انتخاب الرئيس. واخص بالذكر، هذا البرلمان المتحزب حتى النخاع و المسلوب الارادة بحيث لا يجروء اعضاءه من حك رؤوسهم دون موافقة احزابهم. فاسأل (واعمم سؤالي هذا على الصعيدين العراقي والكردستاني) هل هذا البرلمان يستحق شرف الانابة عن الشعب؟
    وعليه فلو تمسكنا بمبدأ انتخاب رئيس الاقليم من قبل البرلمان وسط الاجواء السياسية السائدة في اقليم كردستان فالنتيجة ستكون معروفة مسبقا ومتمخضة من توافقات اجريت وراء الكواليس بين الاحزاب الرئيسة الثلاث. ولكون هذه الاحزاب مسيرة من قبل رؤسائهم .وعليه فان رئيس الاقليم سيتم انتخابه من قبل ثلاثة اشخاص في المحصلة النهائية . فاين الديمقراطية من هذا. وهنا سيناريو ما قد يحدث فيما لو منح البرلمان حق انتخاب رئيس الاقليم :
    الحزب الديمقراطي الكردستاني سيرشح مسعود البارزاني. الاتحاد الوطني الكردستاني لا يحق له ان يتقدم بمرشح له وفق اتفاقية تقاسم المناصب بينه وبين حزب الرئيس والتي تقضي بمنح رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني و رئاسة الاقليم للديمقراطي الكردستاني. ومن جانب اخر فان حركة التغيير سبق وان بينت موقفها بعدم وجود مرشح لهم لرئاسة الاقليم.  وبهذا سيقتصر الترشيح لشخص واحد ومن دون منافسة!!
    وفي هذه الحالة يمكن للاحزاب الكردية الثلاث ان تلجأ الى حيلة سياسية لاضفاء صفة الشرعية الديمقراطية على مخطط انتخابهم لرئيس الاقليم، (كما حدث في عملية الاختيار بين الدكتور برهم صالح و السيد فؤاد معصوم لمنصب رئاسة الجمهورية)، وذلك بالايعاز الى نصف مندوبيهم في البرلمان بالتصويت بنعم والنصف الاخر بكلا. عندها ستكون النتيجة كالاتي: ( الديمقراطي الكردستاني كامل اصواته (38 صوت)، حركة التغيير (12 من مجموع 24 صوت)، الاتحاد الوطني الكردستاني  (9 من مجموع 18 )، بالاضافة الى 11 صوت من الاقليات واغلبها في كفة حزب الرئيس، ناهيك عن الاصوات المتذبذبة للاحزاب الاسلامية ومجموعها 11 صوتا، واغلب الظن بان اكثر من نصف اصواتهم ستحط في صندوق ( نعم) لمسعود البارزاني. .. وهكذا يكتمل النصاب و يخرج الجميع منتصرا، فالرئيس يعود الى كرسيه، والاحزاب تظهر وكأنهم قد اذعنوا لمباديء الديمقراطية بحذافيرها !! ولعل هذا هو سبب الانعطافة الفجائية لموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني وقبوله بالعودة الى البرلمان لانتخاب الرئيس بعد ان كان مصرا وبعناد مستميت قبل اشهر على مبدأ انتخاب الرئيس من قبل الشعب . وتدل الاجتماعات المتكررة لرئيس الاقليم في الاونه الاخيرة على ان العمل جاري في مطبخ مقر الرئيس لاعداد طبخة تمنح الرئيس كرسي الرئاسة على طبق من ذهب.
    خلاصة القول، النظام السياسي في اقليم كردستان، نظام برلماني وفق المادة التي ذكرتها اعلاه. وعلى المعارضه ان كانت جادة في منع السيد مسعود البارزاني من الترشح لولاية ثالثة، فمن الاولى ان تصب جام مساعيها لعدم ترشيحه ، وان تعمل على تقليص صلاحيات الرئيس، والكف عن المساس بالحق الشرعي للشعب في اختيار رئيسه. فلو انيط البرلمان حق انتخاب الرئيس فان السيد مسعود البارزاني سوف ينتخب حتما لولاية ثالثة ان شئنا او ابينا ، بينما لو منح الشعب الكردي حقه في انتخاب الرئيس فالنتيجة قد تفاجيء الجميع. فالشعب الكردي يرفض الاستغناء عن الديمقراطية لارضاء طرف واحد من العملية السياسية. ونقطة اخرى لا بد من الاشارة اليها وهي امتعاض الجماهير من السلطة الكردية وغير راض عن اداء رئيس الاقليم الذي قد اخفق في تحقيق اية تغييرات في محاربة الفساد والمحسوبية ناهيك عن التسبب في انقطاع رواتب الموظفين والبيشمركة مما ولد حالة من الاحتقان ربما سيؤدي الى انقلاب الشعب على حكامه بفيض من اصوات الرفض لولاية الرئيس لاربعة سنوات اخرى..
    اما الحديث عن منح السيد مسعود البارزاني فرصة الترشيح لولاية ثالثة فانني كنت قد بينت رأي في مقال سابق بعنوان (رسالة الى السيد مسعود البارزاني، ليتني لم اضطر لتدوينها).

     جمال فاروق الجاف


    1*(هل من حق الشعب ام البرلمان ان ينتخب رئيس اقليم كردستان ؟) http://bit.ly/1P9HCxa
    2* رسالة الى السيد مسعود البارزاني، ليتني لم اضطر لتدوينها       http://bit.ly/1QnbRm3
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media