اردوغان وعقدة الابادة الجماعية
    الأحد 26 أبريل / نيسان 2015 - 13:07
    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    البدو و عقدة قيادة بلدان العرب الاكثر تطورا.
    "اذا انشغل ناس اليوم  يبحثون و يتخاصمون في رجال اموات، هذا دليل على موت المجتمع، اما اذا تخاصم و ناقش الناس في رجال احياء مازالوا يمارسون العمل او السياسة فهذا مجتمع حي يسير في طريق المستقبل." - الدكتورعلي الوردي

    من تلك الشعوب، العربية و التركية. ان التطرف العرقي و العنصري و الطائفي كان و ما يزال في صميم التفكير بعض شعوب هذه المجتمعات و قادتها الى هذا  اليوم .
    يهتاج ويتعصب رجب اردوغان عند سماع كلمة الابادة الجماعية genocide التي قامت  بها الامبراطورية العثمانية الخرفة (الرجل المريض) في قتل جماعي شمل اكثر من مليون و نصف من الشعب الارمني. وينكر اردوغان هذه الحقيقة بل يتبجح بتطور هذه الامراطورية علي يد كمال اتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة. لكن هذه الحقيقة تبقي نصف مطمورة في التاريخ لهذه الدولة مهما حاولوا التظاهر بالنظام الديمقراطي. فتركيا اشتركت في حربين عالميتين مع المتطرفين الشوفينيين النازين الالملن. و هذا بحد ذاته اثبات على تفكير قادة هذه الامبراطورية و وريثتها هذه الجمهورية. فتاريخ هذه الابراطورية عند انشائها و احتلالها للشعوب العربية و الشرق اوسطية و حتى لبعض الدول الاوربية  القريبة، وكما يخبرنا التاريح الذي يحاول اردوغان إنكاره، ان احد السلاطين العثمانيين امر بقتل مائة الف ممن كانوا علي عقيدة غير العقيدة التي نشأ هو عليها، ثم جعل من جماجم هؤلاء القتلى  منارة عالية و صعد عليها مؤذن يصيح بأعلى صوته "لا اله الا الله"، و سئل ابو السعود العمادي مفتي الاسلام في عهد السلطان سليمان القانوني عن اليزيدية. "هل يحل للمسيلمين قتالهم؟ افتونا مأجورين" فقال المفتي: الجواب و الله اعلم بالصواب :"يكون قاتلهم غازيا ، و مقتلوهم شهيدا لان جهادهم و قتالهم جهاد اكبر و شهادة عظمى". وهم اشد كفرا من الكفار الاصليين، و قتلهم حلال في المذاهب الاربعة "
    اصلا وكاثبات. وقوف تركيا الحديثة مع النازيين القدماء و الجدد هو دليل لا يقبل الشك بالفكر العثماني الذي مازال متاصلاً في افكار القادة الترك الجدد. و ابعد من هذا ان ظهور العنصر العثماني جاء  بعد  احتلال بغداد على ايدي التتار الذين أقدموا من اواسط اسيا في نهاية العهد العباسي هو اثبات على استمرارية صعود الدولة العثمانية في الشرق الوسط و شرقي اوربا .
    و لا تختلف اليوم افكار اردوغان و جماعته عن غيرهم من العثمانيين الغزاة القدماء. و هناك  هوس مغلوط عن وطنية و حكمة مصطفى كمال اتاترك، مؤسس تركيا الحديثة. انه لا يختلف عن غيره في عنصريته و اجرامه، ففي سنة ١٩١٥ حدثت الابادة الجماعية للأرمن وهو القائد العظيم في جيش الامبراطورية العثمانية، و في نفس الوقت  ذبح الاتراك ١٢٠٠٠٠ من الاكراد و من اليزيدية و اكثر منهم من عرب مصر. كما لا ننسى ما صنعه الاتراك في الحرب العالمية الثانية في العراق و سوريا. فمصطفى كمال أتاتورك لا يختلف عن غيره من الشوفنيين و النازيين الجدد .
    اقيم احتفالان عالميان يوم امس (25/4/2015) استذكاراً للقتلى في هذا اليوم (غاليبولي)، احدهما في جمهورية ارمينيا حضره الرئيس الفرنسي و الروسي و جمع غفير من العلماء و المفكرين العالميين و احتفال اخر في Gallipoli في تركيا.
    سعى جاهدا اردوغان ان يحشد له جمع عالمي كبير لاستذكار القتلى الاتراك و القتلى من الشعوب التي قاتلت التوسع العثماني، وبالأخص جنود استشهدوا من استراليا و نيو زيلندا وغيرهما.  كان اردوغان يهدف ليقول ان الحروب هي من تقتل الشعوب و ليس الجينوسايد (إبادة الجنس)، القتل الجماعي. الا ان اردوغان مطلوب لنفس الاسباب الاجرامية لدعمه وتاجيجه للارهاب في سورية و العراق  و في غيرها من البلدان العربية المغلوبة على امرها. فهل تذكر رئيس جمهورية العراق  قبل امس القتلى من الكرد (  ١٢٠٠٠٠) اكثرهم من النساء و الاطفال و الشيوخ؟  في نفس ذلك اليوم الذي ذهب يساند اردوغان؟ و لتبرئتة العثمانيين من القتل الجماعي؟.
    نفس كلام ينطبق على آل سعود، ملوك المملكة السعودية الوهابية السلفية، فبعد خسارة رجال ابن سعود على ايدي ال رشيد و لجوئه الى الكويت (المحتل عثمانيا انذاك)، و تعاونه مع العثمانيين بتسليحهم  الى ان اشتد عودهم، فهجموا في الليل على ال رشيد و ذبحوهم، هم و نساهم و اطفالهم، وهم نيام، هذا ايضا نوع من الجينوسايد. ومن قبلها كانت القبائل البدوية السلفية السعودية تعتاش على غزواتها المستمرة على جنوب العراق الغني و المتحضر و على اليمن، كلما ضاق عيشهم و قل زادهم و انحسرت الامطار لتسقي مراعيهم، هاجموا البلدان القريبة المتطورة نسبياً مثل الأردن والعراق.

    عندما يئس الاتراك في الدخول الى السوق الاوربية المشتركة في حينها، والى الاتحاد الاوربي الان . اعاد الاتراك صياغة سياستهم بخدمة الغرب (لعل يرق لهم قلب) بتاسيس شرطي مناطقي اخر  كالشرطي الاسرائيلي، لتعطيل مسيرة التطور التي تتطلع لها الشعوب العربية. و الانتقام من الشرق الاوسط، و تاسيس امبراطورية عثمانية جديدة، بالاضافة لكونهم شرطي ثاني مسلم في منطقة اسلامية. و التطرف العثماني متواصل اسلاميا وعرقيا. و اول محاولة لقتل البابا  في روما، كان على يد شخص تركي متعصب، اسلاميا و عنصريا. ان حزب اردوغان اخواني سلفي يدعي العلمانية كذباً، لا يختلف عن اي حزب اسلامي متطرف، مهما حاولوا صبغه بصبغة اوربية متطورة. و تهجم رجب اردوغان على قداسة البابا قبل ايام دليل على التطرف الديني السلفي .
    علق احد المفكرين الالمان، بـ"ان على اردوغان ان يعترف و يعتذر كما اعترف و اعتذر الشعب الالماني عن المذابح الفضيعة (atrocity and slaughter) التي ارتكبوها بالشعوب، ليصفي ضميره قبل ان يصفي تاريخ تركيا العثمانية و جمال اتاتركها. و ان الشعوب التي تتطلع الى مستقبل أفضل تترك خلفها التاريخ المعيب لها وتدينه، ولا تحاول ان تطليه بطلاء باهت مفضوح". ثم اضاف، "اذا كان العالم العربي مشغول بتاريخ و عهود بالية، ففي عالم اليوم مفكرون و مؤرخون و سياسيون لا تنطلي عليهم تلك الخزعبلات. واذا اراد ان يكون اوربيا عليه ان يفكر كاوربي ".

    عبد الصاحب الناصر
    لندن في 26/04/2015
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media