من ذاكرة التاريخ .. البعثيون والشيوعيون والجبهة الوطنية
    الأحد 26 أبريل / نيسان 2015 - 19:34
    حامد الحمداني
    منذُ أن عاد البعثيون إلى الحكم عن طريق انقلاب 17ـ 30 تموز 968 وقف الشعب العراقي من الانقلاب موقفاً سلبياً إدراكاً منه أن الوجوه التي جاءت إلى الحكم هي نفسها التي قادت انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963، ويتذكر الشعب تلك الجرائم التي ارتكبوها بحقه وحق القوى السياسية، ولذلك كان همّ البعثيين هو تثبيت حكمهم، وتبييض صفحتهم السوداء فلجأوا إلى اتخاذ بعض الخطوات لاسترضاء الشعب وقواه السياسية، وبالأخص الحزب الشيوعي العراقي الذي يتمتع كان بتأييد ودعم جانب كبير من أبناء الشعب آنذاك، حيث ركزوا كل جهودهم لجره إلى التعاون معهم، وصولاً إلى التحالف وإقامة ما دعوه بـ [الجبهة الوطنية والقومية التقدمية] معه .وكان من جملة تلك الإجراءات:

    1 ـ إصدار قرار بالعفو عن السجناء السياسيين في 5 أيلول  1963وإطلاق سراحهم.    
    2ـ إصـدار قـرار بإعادة المفصـولين السياسيين المدنيـين إلى وظائفهم وكلياتهم  ومدارسهم في 12 أيلول 1968 .                                                
    3 -احتساب مدة الفصل لأسباب سياسية قدماً لغرض الترفيع والعلاوة والتقاعد.
    غير أن تلك الإجراءات لم تكن كافية لجرّ الحزب الشيوعي والقيادة المركزية المنشقة عن الحزب آنذاك لتشكيل جبهة وطنية عريضة، فقد كان المطلوب من حزب البعث تشريع دستور دائم للبلاد عن طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلس تأسيسي، وإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية الصحافة وحرية النشاط الحزبي والنقابي، وهذا ما لم يوافق عليه حزب البعث.

     ولذلك لجأت القيادة المركزية [الجناح المنشق عن الحزب الشيوعي ] إلى الكفاح المسلح ضد  سلطة البعث، وجرى مهاجمة دار صدام حسين وصلاح عمر العلي، وإطلاق الرصاص على الدارين، ولذلك قرر البعثيون العمل على اعتقال قيادة الحزب [القيادة المركزية ] وكوادرها، وتصفية تنظيماتها. وفي شباط عام 1969 ، استطاع البعثيون إلقاء القبض على زعيم التنظيم [عزيز الحاج] وأعضاء قيادته، وسيقوا إلى [قصر النهاية] أحد أهم مراكز التعذيب لدى البعثيين لإجراء التحقيق معهم، وهناك أنهار عزيز الحاج، وقّدم اعترافات شاملة عن تنظيم حزبه، ومكّن البعثيين من إلقاء القبض على أعداد كبيرة من كوادر وأعضاء الحزب، وجرى تعذيبهم بأبشع الوسائل من أجل الحصول على المعلومات عن تنظيمهم حيث استشهد العديد منهم تحت التعذيب كان من بينهم  القائدين الشيوعيين  [متي هندو] و[أحمد محمود العلاق] فيما أنهار القيادي الثالث [ بيتر يوسف] ملتحقاً برفيقه عزيز الحاج، ومقدماً كل ما يعرف عن تنظيم حزبه، وكافأ البعثيون كلاهما حيث جرى تعينهما سفيرين في السلك الدبلوماسي في فرنسا والأرجنتين، وذهب ضحية اعترافاتهم عدد كبير من الشيوعيين المخلصين، وزُج في السجون بأعداد كبيرة أخرى،  وبذلك تسنى للبعثيين توجيه ضربة خطيرة للقيادة المركزية ولم يتعافى الحزب منها إلا بعد مرور سنة على تلك الأحداث حيث تسلمت قيادة جديدة للحزب بزعامة[إبراهيم علاوي] وبادرت تلك القيادة إلى تجميع قوى الحزب وتشكيل تنظيمات جديدة .

     إلا أن تلك الضربة كان تأثيرها ما يزال يفعل فعله، حيث فقد الحزب العديد من أعضائه إما قتلاً أو سجناً أو اعتكافاً عن مزاولة أي نشاط سياسي  بسبب فقدان الثقة التي  سببتها اعترافات عزيز الحاج و بيتر يوسف وحميد خضر الصافي وكاظم رضا الصفار أعضاء القيادة .

    أما الحزب الشيوعي [ اللجنة المركزية ] فقد ألتزم جانب السكوت عما جرى، وتمسك بالهدنة المعلنة مع حكومة البعث ثم بادر الطرفان البعث والشيوعي بالتقارب شيئاً فشيئاً بعد أن أقدمت حكومة البعث على جملة من القرارات والإجراءات التي أعتبرها الحزب الشيوعي مشجعة على هذا التقارب، وبالتالي التعاون والسعي لإقامة جبهة وطنية فيما بعد.
    فقد أقدمت حكومة البعث على الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديمقراطية، ووقعت في 1 أيار 1969 عقدا مع بولونيا لاستثمار الكبريت وطنياً، كما تم عقد اتفاقيتين للتعاون الاقتصادي والفني مع الاتحاد السوفيتي وبولونيا في 5 تموز 969 .

    ومن ناحية أخرى قام الحزبان بنشاطات مشتركة في اجتماعات مجلس السلم العالمي، وانتخابات نقابة المحامين عام 970 ، وسمح البعثيون للحزب الشيوعي بإصدار مجلة [الثقافة الجديدة].
     كما تم تعيين الشخصية الوطنية المعروفة السيد[عزيز شريف] وزيراً للعدل في 31 كانون الأول 1969.
    لكن تلك الإجراءات لم تكن لترضي الحزب الشيوعي الذي كانت له مطالب أساسية هامة تتعلق بالحريات الديمقراطية، فقد أعلن الحزب أن دخول السيد عزيز شريف الوزارة بصفته مستقلاً، وأن دخول أي شخصية وطنية في الوزارة ليس بديلاً عن حكومة جبهة وطنية، وأن تمثيل كل الأحزاب الوطنية في السلطة على أساس برامج ديمقراطية متفق عليها هو الطريق الصائب.

    البعثيون يضعون شروطهم للجبهة
    وفي العاشر من تموز تقدم حزب البعث بشروطه للحزب الشيوعي لقيام جبهة بينهما، طالباً من الحزب قبولها والإقرار بها كشرط لقيام الجبهة، وكان أهم ما ورد في تلك الشروط :
    1ـ اعتراف الحزب الشيوعي بحزب البعث كحزب ثوري وحدوي اشتراكي ديمقراطي.                                                                                          
    2 ـ وجوب تقييم انقلاب 17 ـ 30 تموز كثورة وطنية تقدمية.
    3ـ وجوب إقرار الحزب الشيوعي بالدور القيادي لحزب البعث سواء في الحكم أو قيادة المنظمات المهنية والجماهيرية 4 ـ وجوب عدم قيام الحزب الشيوعي بأي نشاط داخل الجيش والقوات المسلحة.
     5ـ العمل على قيام تعاون بين الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية وحزب البعث.
     6ـ القبول بالوحدة العربية كهدف أسمى، ورفض الكيان الإسرائيلي، وتبني الكفاح المسلح لتحرير فلسطين.  
                              
     ورغم أن شروط البعث كانت غير مقبولة من جانب قواعد الحزب الشيوعي، إلا أن الحزب أستأنف حواره مع حزب البعث من جديد، وما لبث الرئيس أحمد حسن البكر أن أعلن في 15 تشرين الثاني 1971 عن برنامج للعمل الوطني عارضاً على الحزب الشيوعي، والحزب الديمقراطي الكردستاني القبول به لإقامة جبهة وطنية بين الأطراف الثلاث.

    وفي 27 تشرين الثاني أبدى الحزب الشيوعي رد فعل إيجابي على البرنامج في بيان له صادر عن المكتب السياسي داعياً حكومة البعث إلى تحويل البرنامج إلى نص مقبول لدى جميع الأطراف التي دُعيت للعمل المشترك، ووضع نهاية حاسمة لعمليات الاضطهاد والملاحقة والاعتقال ضد سائر القوى الوطنية .

    ثم جرت بعد ذلك لقاءات ومناقشات بين الأطراف دامت أشهراً حول سبل تحويل البرنامج إلى وثيقة للعمل المشترك دون أن تسفر عن توقيع أي اتفاق. لكن البعثيين أصدروا قراراً في 4 أيار 972 ، يقضي بتعيين أثنين من قادة الحزب الشيوعي في الوزارة وهما السيد  [مكرم الطالباني ] الذي عيّن وزيراً للري، والسيد [عامر عبد الله ]، الذي عيّن وزيراً بلا وزارة .

     أحدث ذلك القرار انقساماً في صفوف الحزب الشيوعي، وتباعداً بين القاعدة والقيادة، فلم تكن تلك الخطوة مبررة من جانب كوادر وقواعد الحزب من دون أن يكون هناك برنامج متفق عليه، ويحقق طموحات الحزب في إيجاد نظام ديمقراطي حقيقي، وفرص متكافئة لكل حزب للقيام بنشاطاته السياسية في جو من الحرية الحقيقية، إلا أن قيادة الحزب اتخذت قرارها بالموافقة على المشاركة في الحكومة، بعد نصيحة قدمها لهم رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي [كوسجين] .

    كان أمل الحزب الشيوعي أن تتحول هذه المشاركة إلى اتفاق حقيقي بين الأحزاب الثلاثة على برنامج يحقق طموحات الجميع، واقترحت قيادة الحزب على حزب البعث منح مجلس الوزراء صلاحيات أوسع لإدارة شؤون البلاد التي أحتكرها مجلس قيادة الثورة البعثي.
    كما اقترحت تعديل الدستور المؤقت بما يحقق السير بهذا الاتجاه، وطالبوا بإطلاق حرية الصحافة، وإصدار صحيفة الحزب بشكل علني، ووعد البعثيون بدراسة هذه المقترحات.

    غير أن الأمور استمرت على حالها السابق أكثر من سنة، ولاسيما وأن ظروف البلاد كانت تستدعي التعجيل بهذا الاتجاه بعد اشتداد الصراع مع شركات النفط، وقرار حكومة البعث بتأميم شركة نفط العراق العائدة للشركات الاحتكارية في الأول من حزيران 1972 .
     واستمرت العلاقات بين الحزبين على وضعها ذاك حتى وقوع محاولة ناظم كزار الانقلابية، حيث دفعت تلك الأحداث إلى تكثيف الجهود من أجل الاتفاق على برنامج للعمل الوطني.

    وفي السابع عشر من تموز وقع [أحمد حسن البكر] بالنيابة عن حزب البعث، والسيد [عزيز محمد] السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ميثاقاً للعمل الوطني، وبذل الطرفان جهوداً حثيثة من أجل إدخال الحزب الديمقراطي الكردستاني معهم في {الجبهة الوطنية والقومية التقدمية} التي انبثقت بعد توقيع الميثاق إلا أن جهودهما لم تسفر عن أية نتيجة، من دراسة مواد ميثاق تلك الجبهة نجد أن البعثيين لم يقدموا أية تنازلات جوهرية للحزب الشيوعي، وكل ما قدمه حزب البعث له هو التالي :

    1 ـ حصول الحزب الشيوعي على الشرعية القانونية لمزاولة نشاطه العلني، مع إصدار صحيفته المعبرة عن سياسته [طريق الشعب] والتي صدرت بالفعل.  
                                                                     
    2 ـ مشاركة الحزب الشيوعي في الحكومة بوزيرين، لكن تلك المشاركة في الوزارة لم تكن جوهرية، أوذات تأثير على سياسة الدولة، هذا بالإضافة إلى أن مجلس قيادة الثورة الذي ينفرد به البعثيون هو الذي يقرر سياسة الدولة، ويتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية.

      وفي المقابل قدم الحزب الشيوعي للبعثيين تنازلات واسعة وجوهرية كان أبرزها :
    1ـ إقراره بأن انقلاب 17ـ 30 تموز ثورة وطنية ديمقراطية اشتراكية!!.
    2 ـ الإقرار بمبدأ قيادة حزب البعث للجبهة.
    3 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على بقائه بعيداً عن الجيش والقوات المسلحة الذي أصبح مقفلاً لحزب البعث.
    4 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على الدور القيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي للمنظمات النقابية والاجتماعية والاتحادات العمالية والفلاحية، والطلابية.
    5 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على موقف حزب البعث من قضية فلسطين، والوحدة العربية، وهكذا يتبين لنا أن الحزب الشيوعي قد خسر الكثير من المواقع لصالح البعثيين،
     وقدم لهم الكثير من التنازلات من دون أن يحصل على أي دور هام وأساسي في تسيير سياسة البلاد، وإنما أصبح في الواقع تابعاً لمشيئة ومخططات حزب البعث مما أثار غضب واحتجاج رفاق الحزب.

     أحدثت موافقة قيادة الحزب الشيوعي على شروط البعثيين وتوقيعه على ميثاق الجبهة شرخاً كبيراً بين القيادة من جهة والكادر وقواعد الحزب من جهة أخرى، حيث لم تستطع قواعد وكوادر الحزب هضم تلك الشروط، وكان الشعور بخيبة الأمل والقلق على المستقبل، وعدم الثقة بالبعثيين سائداً صفوف الحزب وجانباً كبيراً من كوادره، ولاسيما وأن تلك الجرائم التي أرتكبها البعثيون بحق الشيوعيين بعد انقلاب 8 شباط 1963  ما تزال ماثلة أمام عيون الجميع، فتلك المآسي لا يمكن أن يطويها الزمن بهذه السرعة، وعِبَر هذه الجبهة التي قامت على أسس غير متكافئة على الإطلاق.

    كان الشعور العام لدى كل متتبع لسياسة البعثيين هو أن هذه الجبهة لن يكتب لها النجاح، وأن البعثيين لا يمكن أن يضمروا للشيوعيين الخير، لكنهم لجاءوا إلى إقامة الجبهة معهم لمرحلة معينة يستطيعون خلالها تثبيت أركان حكمهم، وإحكام سيطرتهم على الجيش، والقوات المسلحة الأخرى وأجهزة الأمن، فالجبهة في الحقيقة لم تكن هدفاً إستراتيجياً لحزب البعث، وإنما كان تكتيكياً يمكنهم من العبور إلى شاطئ الأمان وتثبيت حكمهم.

      فعلى الرغم من قيام الجبهة لم يكفّ البعثيون عن مضايقة الشيوعيين وتقليص نشاطهم وتحجيمه، واستمرت أجهزتهم الأمنية في ملاحقة واعتقال العديد منهم  بحجج وتبريرات مختلفة حتى وصل الأمر إلى أن تصبح اللقاءات مع قيادة البعث تدور حول الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية، وقد سبب ذلك في تنامي خيبة الأمل لدى قواعد الحزب من مستقبل الجبهة، لا بل بدأت الأصوات تظهر وتعلوا شيئاً فشيئاً متهمة قيادة الحزب باليمينية وبالتفريط بمصالح الحزب وجماهير الشعب، وبدت الجبهة مجرد اتفاق بين قيادة حزبين تفتقد تماماً إلى أي قبول جماهيري، وكلما مرت الأيام كلما كان التباعد بين قواعد الطرفين يزداد عمقاً وبدأ رفاق الحزب يحذرون مما يخبئه البعثيون لحزبهم.

    لم تمضي فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض ظاهراً بين قيادة الحزب وقواعده، كما بدا واضحاً أن قيادة الحزب غير بعيدة عن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي، بل وفرض إرادته على مجمل سياسته، ولاسيما بعد أن وقع البعثيون معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في نفس العام، وقام الاتحاد السوفيتي على أثرها بتزويد حكومة البعث بالأسلحة الحديثة والمتطورة، ومدت الجيش العراقي بالخبراء العسكريين .

     لكن البعثيون استخدموا تلك الأسلحة بعد ذلك في قمع الشعب العراقي عرباً وأكراداً، وتصفية ما كان يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي أقاموها مع الحزب الشيوعي  مصحوبة بأعنف حملة اعتقالات وتعذيب وقتل للعناصر الشيوعية وكل مناصري الحزب، كما استخدموا تلك الأسلحة في العدوان على إيران والكويت، وزج العراق في حروب كارثية مدمرة.

    نهاية الجبهة والبعثيون يشنون الحرب على الشيوعية:
    لم يكد البعثيون يصفون الحركة الكردية بعد تفاهمهم مع شاه إيران، وعقد اتفاقية الجزائر، حتى بدءوا يشعرون أن مراكزهم في السلطة قد أصبحت قوية، فراحوا يتصرفون وكأن الجبهة غير موجودة، وتوضح هدفهم الحقيقي من قيام الجبهة، ولم يتحملوا وجود شريك لهم في السلطة حتى ولو كان ضعيفاً، بل لم يتحملوا حتى صدور صحيفة علنية للحزب الشيوعي، أو القيام بنشاط جماهيري للحزب وهم الذين جاءوا بالأساس يوم 8 شباط 1963، وعند عودتهم إلى الحكم في عام 1968 لتصفية الحركة الشيوعية في العراق.

    لقد بدأت المضايقات والاعتقالات تتصاعد ضد أعضاء الحزب وجرى اغتيال العديد من قادته وكوادره عن طريق الصدم أو الدهس بالسيارات، أو إطلاق الرصاص، مدعين بأنها حوادث مؤسفة وقيّدت ضد مجهول !!، وكان من بين القياديين  الذين استشهدوا بهذه الطريقة كل من الرفاق [ستار خضير] و[محمد الخضري] و[شاكر محمود]، كما بدأت صحف البعث تتعرض للحزب الشيوعي وتوجه حملاتها ضده، وأصبح الحزب أمام وضع صعب للغاية، وكانت اللقاءات بين الحزبين تدور كلها تقريباً حول التجاوزات التي يعاني منها رفاق الحزب، ولم تعد الجبهة سوى حبراً على ورق.

    أدرك الحزب الشيوعي أن هناك مخططاً بعثياً لتوجيه ضربة جديدة وموجعة له، وبدأ يرتب أوضاعه للعودة إلى العمل السري وتشديد الصيانة، وخاصة بالنسبة للقيادة والكادر، وغادر العديد من قادة الحزب العراق هرباً من بطش البعثيين بعد أن تأكد لهم أن الحملة البعثية ضد الحزب قد باتت وشيكة، وحدث الذي كان بالحسبان، وشنّ البعثيون عام 1978 حملة واسعة النطاق لاعتقال ما أمكن من قيادات وكوادر الحزب وأعضائه في كافة أنحاء البلاد.

     لكن معظم أعضاء القيادة كان قد أفلت من الاعتقال وهرب البعض منهم إلى خارج العراق، واختفى البعض الأخر ليقود الحزب، في ظل ظروف العمل السري البالغة الصعوبة، بينما وقع في أيدي البعثيين أعداد كبيرة من أعضاء الحزب، حيث جرى تعذيبهم بأبشع الأساليب والوسائل لانتزاع الاعترافات منهم حول تنظيمات الحزب، وكان من بين القياديين المعتقلين الدكتور [صفاء الحافظ ] و الدكتور[ صباح الدرة ] و[ حازم سلو] الذين استشهدوا جميعاً تحت التعذيب.

    كما قامت السلطات البعثية بكبس مقرات الحزب، وصحيفته [طريق الشعب] وصادرت مطبعة الحزب وكل الوثائق الموجودة، وجرى جمع كافة الكتب الماركسية والتقدمية من الأسواق ومن الدور التي داهمتها قوى الأمن وتم إحراقها، وجرى إعدام العديد من رفاق الحزب، ومات تحت التعذيب أعداد أخرى، وزج  الآلاف بالسجون.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media