الولاية الثالثة لرئاسة اقليم كردستان العراق
    الأحد 26 أبريل / نيسان 2015 - 19:38
    د. صباح قدوري
    مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية في اقليم كردستان العراق وانتهاء ولاية الرئيس مسعود برزاني في 19/اب ـ اغسطس القادم، في الوقت الذي يشهد الاقليم تحديات كبيرة ومسؤوليات جسيمة ازاء الوضع الداخلي وعلى صعيد العراق والمنطقة، وعلى راسها محاربة الارهاب الدولي المتمثلة بـ (داعش) وعصاباتها الارهابية . تفاقم الازمة المالية والاقتصادية والتنموية، بسبب انخفاض اسعار النفط وتزايد نفقات الحرب، ومشكلة االنازحين والمهجرين الى الاقليم من جراء ذلك ، وسؤ الادارة . التوترات في العلاقات  بين الاحزاب السياسية وخاصة المشاركة منها في ادارة الحكم للاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ . التدخلات الاقليمية ومن دول الجوار، خاصة تركيا وايران في الشان السياسي وادارة الاقليم . اشكالية العلاقة مع الحكومة الفيدرالية في القضايا السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وخاصة ما يتعلق بملف النفط من الانتاج والبيع وحصة الاقليم من الميزانية الاتحادية،وفق الاتفاقية الاخيرة التي ابرمت مع المركز بهذا الخصوص. واشكالية العلاقة مع الفصائل الكردية في اجزاء اخرى من كردستان ، وخاصة في سوريا وتركية .

    وازاء هذا الوضع، تتداول اليوم احاديث ومناقشات على صعيد الاحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية في الاقليم وخاصة المتنفذة  منها في الحكم وعلى الصعيد الشعبي  في مواضيع ساخنة بشان انتخابات الرئاسية ، نوردها باختصار كالاتي:

    1ـ هل يحق للرئيس الحالي ترشيح نفسه للمرة الثالثة لهذه المهمة؟
    2-ـ هل يستمر النظام  السياسي الرئاسي في الاقليم ، وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، كما متبع لحد الان، ام تحويله الى نظام  البرلماني، اي انتخاب الرئيس من قبل البرلمان وتكون صلاحياته بروتوكولية اكثر من التنفيذية اسوة برئيس العراق الفيدرالي؟
    3 ـ ففي حالة الشطر الثاني من السؤال الثاني، يتطلب الامر الى تعديل مشروع دستور الاقليم المصادق من قبل البرلمان الكردستاني بشكل مفاجئ بتاريخ 24/حزيران-ـ-يونيو 2009، اي بعد انتهاء الدورة التشريعية للبرلمان السابق في 9/حزيران-ـ يونيو2009، وامراره مرور الكرام!
    4 ـ هل ممكن انتخاب الرئيس الحالي من قبل البرلمان الكردستاني؟

    ولمناقشة هذه الاسئلة، نرى بان ما يتعلق بالنقطة الاولى فان القوانين المعمول بها في الاقليم لاتسمح باعادة انتخاب الرئيس الحالي لولاية ثالثة.حيث تم انتخابه للولاية الثانية بحسب المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2005 انتخابا مباشرا للفترة الواقعة بين 2009 ـ 2013 . وتم  تمديدها لمدة سنتين بالاستناد الى القانون رقم 19 لسنة2013 المعروف باسم قانون تمديد ولاية رئيس اقليم في 20/اب ـ اغسطس2013 لمرة واحدة غير قابلة للتجديد ، وينتهي التمديد في 19/اب ـ اغسطس2015 .تم هذا التمديد في حينه على اثرعدم حصول التوافق  بين الحزبين  الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني اللذان يربطهما التحالف الاستراتيجي لتقاسم السلطة بينهما. فالاول كان متحمسا لطرح مسودة الدستور على الاستفتاء العام لاقراره ، اما الثاني كان بجانب اجراء بعض التعديلات في مواده قبل عملية الاستفتاء ، ولم ينجز ذلك لحد الان.

    ان الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكم من الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية  اعلنت مرارا ومن خلال اعلامها وتصريحات قادتها، بان القوانين المعمول بها في الاقليم لا تمنح اية فرصة لمسعود بارزاني للترشيح للدورة الثالثة. تتوقع هذه الاحزاب انه في حالة اصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على طرح الدستور على الاستفتاء بدون اجراء بعض تعديلات عليه وحصوله على التوافق الوطني ،لا يحقق نتائج ايجابية منه ،وقد يسبب ايضا الى خلق ازمة سياسية كبيرة في الاقليم .وترى بان الحل الصحيح لهذه المسالة ، هوترشيح بديل اخر من حزب الديمقراطي الكردستاني تعزيزا لممارسة مبدأ التداول السلمي للعملية السياسية والسلطة في الاقليم ، وتنتظر ايضا قطاعات واسعة من المجتمع الكردستاني بفارغ الصبر الى اجراء التغيير في العملية السياسية والظرف الراهن في الاقليم.
    اما  بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني ومن خلال اعلامه وتصريحات بعض قادته ، بان مسالة الولاية الثالثة لمسعود بارزاني خط احمر غير قابلة للنقاش اوالمساهمة.وتجري وراء الكواليس والاتصالات الثنائية المخفية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاحزاب الاخرى وخاصة مع حركة التغيير والاحزاب الاسلامية،  للمساهمة والتوافق معها ونزع التنازلات منها لايجاد مخرج قانوني لاستمرار مسعود بارزاني للولاية الثالثة، واضعاف دور الاتحاد الوطني في هذه العملية.

    اما  بخصوص الفقرة الثانية والثالثة المشار اليهما اعلاه ، هناك مخرج قانوني لهذه المسالة يتم : اما عبر تعديل قنون رقم 1 لسنة2005 المشار اليه اعلاه بعد حصول التوافق التام بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية والحكم بحيث يوفر فرصة ثالثة للترشيح، وهذا الاجراء يتطلب انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب، الا ان في الواقع العملي وارتباطا بالوضع الراهن للاقليم من مشاكل الحرب مع (داعش) وعصاباتها الارهابية ،والازمة المالية والاقتصادية التي يمر بها الاقليم حاليا، مع قصر الوقت لتنظيم الانتخابات ،لا يمكن تحقيق ذلك .
    واما عبر تعديل القانون رقم 19 لسنة2013 المشار اليه اعلاه وانتخاب رئيس الاقليم داخل البرلمان ،وتكون صلاحياته بروتوكولية وتحويل معظم صلاحياته التنفيذية الى رئيس الوزراء.ويقتضي هذا الاجراء اعادة النظر في التشكيلة الحكومية الحالية ومراجعة الوضع القانوني لبعض المؤسسات.
    وفي حالة عدم تحقيق ما جاء في الاجرائين المذكورين اعلاه، فان الرئيس بعد انتهاء مدة رئاسته يفقد شرعيته ويمكن ان يمارس بعض صلاحياته التي تتعلق بتصريف الاعمال  لحين اجراء الانتخابات المقبلة ، ولا يمكن ان يرشح  لها مرة الثالثة . وتتحول صلاحياته التنفيذية الى رئيس حكومة الاقليم.

    جوابا على الفقرة الرابعة المذكورة في اعلاه،اعتقد  بان الحل الامثل لهذه المعضلة ارتباطا بالوضع الحالي الذي يمر به الاقليم من تداعيات الحرب على الارهاب، وتازم الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي فيه، وعدم وجود فرصة كافية لتنظيم الانتخابات الرئاسية المباشرة اوتعديل بعض قوانين الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي،هو تخلي الحزب الديمقراطي عن مساعيه لتولى رئيسه ولاية ثالثة، والالتجاء الى انتخاب الرئيس داخل البرلمان  بعد التوافق عليه ،عن طريق تعديل القانون رقم 1 لسنة 2005 ، وتقليص صلاحياته بحسب متطلبات النظام البرلماني، ومنحها لرئيس الوزراء بصفته مسؤولا مباشرا عن الجهاز التنفيذي.

    ختاما، لتتظافر جهود كل الخيرين  لتنقية الاجواء السياسية في الاقليم من خلال توحيد الخطاب السياسي، وعقد مؤتمر وطني كردي وبمشاركة جميع الاطراف المعنية لجمع شمل وترميم البيت الكردي، وتوسيع الحوارات في اجواء ديمقراطية وممارستها فعليا في الحياة اليومية ، يستند على مبدأ المساواة في المواطنة والاعتراف بالاخر ،وفي تبادل السلطة بالطريقة السلمية ... واعطاء المجال للشعب الكردي للمشاركة الحقيقية في صنع القرارات السياسية ، خاصة المصيرية منها ...وفتح افاق جديدة للتعاون والتواصل والعمل المشترك لحماية المكتسبات المتحققة ... ومحاربة الفساد الاداري والمالي المستشري في المفاصل الادارية والحزبية، وايجاد رؤية واضحة وشفافة واستراتيجية بنائة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة...تفعيل دور واداء المؤسسات على اسس الانتاجية والمسؤولية ومبادئ الادارة الرشيدة ...وبناء المستلزمات الاساسية واللازمة لتطوير الفيدرالية على الصعيدين السياسي والمؤسساتي في الاقليم...ضرورة الاستفادة العقلانية من التجارب السابقة التي لم تجلب للشعب الكردي غير الاقتتال والدمار والحرب والويلات والتفرقة ، كما هو عليه اليوم. اذ اصبح الاكراد اداة وحلقة مركزية لمواجهة الصراع الدائر والارهاب المتفاقم في المنطقة . يقدمون المزيد من الضحايا البشرية والمادية ، والحرب الدائرة الان مع (داعش) وعصاباتها الارهابية خير مثال على ذلك ، وعلى حساب تحقيق المكاسب الحقيقية المتمثلة في حل المسالة الكردية حلا عادلا في المحافل الدولية . والحد من معانات هذا الشعب ، الذي يدافع عن الديمقراطية ومتعطش للحرية وصيانة الكرامة وفي تقرير المصير ، واختيار العلاقة والارادة الحرة والرغبة في العيش مع الشعوب الاخرى.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media