عرض كتاب: من ماهيات سيرة عبد الكريم قاسم ، الجزء الثالث / المؤلف الدكتور عقيل الناصري
    الأربعاء 6 مايو / أيار 2015 - 18:29
    * اسم الكتاب: عبد الكريم قاسم في يومه الأخير؛
    * المؤلف : د. عقيل الناصري؛
    *الناشر : دار الحصاد ، دمشق 2015، بثلاثة أجزاء.
                  { انه كان رجل الوسطية في عصر التطرفات و بذا كان سابقا لزمانه جاء ورحل قبل الاوان هذه تراجيديا شكسبيرية فريدة }
                           السيسيولوجي القدير فالح عبد الجبار
    دأب الدكتور الناصري المختص بسيرة الزعيم عبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز، على استكمال مشروعه الثلاثي الخاص حول السيرة الشحصية للزعيم. وقد صدر له من هذه الثلاثية لحد الان ثلاثة كتب وهي :
    - الكتاب الأول : عبد الكريم قاسم ، من ماهيات السيرة الذاتية 1914- 1958ـ دار الحصاد ، دمشق 2006، ب 575 صفحة من الحجم الكبير.
    - الكتاب الثاني : الجزء الأول، عبد الكريم قاسم من ماهيات السيرة، 14 تموز الثورة الثرية، دار الحصاد ، دمشق 2009، ب 542 صفحة من الحجم الكبير.
    - الكتاب الثاني، الجزء الثاني، الصراع الاجتماعي السياسي في زمن الجمهورية الأولى، قيد الانجاز.
    - الكتاب الثالث، بثلاثة أجزاء : من ماهيات السيرة، عبد الكريم قاسم في يومه الأخير، دار الحصاد دمشق 2015، ب 1100 صفحة من الحجم الكبير. وقد صدرت طبعته الأولى في نهاية 2002ـ من ذات الدار، وعدد صفحاته 540 من الحجم الكبير.
    لقد مهد الدكتور الناصري لهذه السيرة بشكلها ألأولي بكتاب عنوانه:
    - قراءة أولية في سيرة عبد الكريم قاسم (21/12/1914- 9/2/1963)، دار الحصاد في آب 2003، وطبعته الثانية ببغداد المستنسخة، بدون تاريخ ولا دار للنشر.
     سبق للدكتور الناصري أن أصدر عن ذات الموضوع كتابان آخران هما :
    - الجيش والسلطة في العراق الملكي1921- 1958،  دفاعاً عنن 14 تموز، ط. الأولى ، دار الحصاد، دمشق 2000، ب 320 صفحة من الحجم الكبير. وقد صدرت طبعته الثانية المنقحة والمزيدة في بغداد من قبل دائرة الشؤون الثقافية 2005، ب430 صفحة من الحجم المتوسط، وهو يجيب عن سؤال اتهامي للثورة مضمونه انه لولا الثورة لما سيطر الضباط على السلطة، والكتاب يحلل دور الضباط في إدارة الدولة الفتية ، من خلال تحليل اصولهم الاجتماعية وكذلك من خلال تحليل موضوعي وبالارقام لبنية سلطة الوزارة  الملكية حسب الاصل المهني للوزير وهيمنة الضباط عليها.
    - ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم في بصائر الآخرين، دار الحصاد دمشق 2012،و ب444 صفحة من الحجم الكبير. وهو يناقش اكثر من ثلاثين دراسة عن قاسم وتموز.
    لقد شرع المؤلف في البحث عن الظاهرة القاسمية وثورة تموز منذ أمد بعيد وما يقارب من ثلاثة عقود حيث كان جوالا في المنافي البعيدة وهو يحاول شرح الابعاد الحقيقية الكامنة في أهمية التغيير الجذري الذي حدث يوم 14 تموز والذي قاده وخطط له الزعيم بمعية أهم ضباط تنظيم ( المنصورية ) والتي شرع في تأسيسه وترأسه منذ مطلع عام 1950 عندما كان ضابطا في حامية الحلة، ومن ثم اتحاده مع تنظيم بغداد للضباط الأحرار وتم انتخابه رئيساً للجنة العليا.
    الكتاب الحالي للدكتور الناصري بأجزاءه الثلاث، يتحدث عن صيرورة الاغتيال المادي ليس لقاسم فحسب ، بل لأهم تجربة تنموية وحداثوية لتاريخ العراق المعاصر.. متتبع بموضوعية تاريخية صادقة أغلب ما يحيط بهذه الصيرورة. إذ سلط الضوء في البدء ( الفصل الأول 122 صفحة) عن موضوعة لها أهميتها المعاصرة  في سيرورة النظام السياسي ألا وهي تاريخية الحركات الانقلابية في العراق ضمن مرحلتين هما: المرحلة الملكية وفي الجمهورية الأولى ( 14 تموز58- 9 شباط 1963)، متتبعا جذور الظاهرة  الانقلابية وكذلك ظروف سيطرة العسكر على المفاتيح الأراسية للسلطة الملكية منذ تأسيسها ولنهايتها. ومن ثم تعقب الحركات الانقلابية السبعة التي بدأت منذ الثلاثينيات وانتهت في اعقاب فشل حركة مايس التحررية عام 1941.. كما يسلط الكتاب الضوء المكثف على مميزات هذه الحركات وارتباطاتها بمثلث الحكم المتمثل في : مؤسسة العرش ورئاسة الوزارة والسفارة البريطانية الحاكمة فعلا عبر رموزها.
      كما يتعقب المؤلف هذه الظاهرة في الجمهورية الأولى، معددا أهم ما تميزت به هذه الظاهرة وابعادها وماهياتها.. ومحللا طبيعة القوى الاجتماعية وأحزابها، التي قادتها وارتباطها بالقوى الاقليمية والمراكز الراسمالية وهي: احزاب التيار القوماني ، بعض القوى الاسلاموية ، قوى العهد الملكي ، بعض المغامرين من ضباط المؤسسة العسكرية، و اقطاعي قوى التيار القومي الكردي والحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي نهاية هذا الفصل يستخلص المؤلف عِبَرْ المرحلة ودروسها المستخلصة لمستقبل العراق وفيها الكثير مما يمكن الاستفادة منها في المرحلة الحالية لتطور النظام السياسي وتعميق البعد الديمقراطي على ضوء ما وصلت إليه الأمور في تهديد الدولة العراقية.
     اما (الفصل الثاني 148 صفحة) فيسلط الضوء التحليلي المقترن بالبعد التاريخي والمقولة العلمية، على أرأس المحاولات الانقلابية وعددها ستة محاولات بالاضافة الى ذكر اسماء المحاولات الاخرى.. أن هذا الفصل يعتمد بالاساس على افادات ذات المشتركين بهذه المحاولات وتلك المصادر التي باركتها القوى المتآمرة ليس على قاسم وجمهوريته فحسب ، بل وعلى ذاتها وبرامجها وعلى مشروعها المستقبلي ( إن كان لها مشروع). ومن الملفت للنظر أن الموضوعي الصادق علمياً في هذا الفصل انه يحاول الكشف على الكوامن الذاتية المأزومة للقوى السياسية المتأمرة، كأفراد أو تنظيم، والتي اعترفت بهذه المحاولات وبالتالي فضحت نفسها وارتباطاتها وكشفت زيف الادعاءات التي حاربت قاسم وتوجهه وتسترت خلفها هذه القوى وديماغوجية شعاراتها.
    في حين ركز (الفصل الثالث 114 صفحة) على مسألة ذات اهمية تتعلق بارتباط قوى الانقلاب ( المنفذون المحليون) بالمراكز الرأسمالية العالمية وبالتحديد بالولايات المتحدة وبريطانيا، عبر مقولة اشتهرت في المجال السياسي العراقي لأمين سر القطر لحزب البعث علي صالح السعدي من كونهم جاءوا الى السلطة بقطار أمريكي. فقد تتبع المؤلف هذه العبارة على لسان كم كبير من الشهود ، ذوي المنطلقات الفكرية والسياسية المتباينة وحتى من انصار الانقلاب ، ومن خلال وقائع  مادية ومعنوية بعضها استند الى الوثائق الرسمية لهذه المراكز الراسمالية.وبعضها الآخر جاءت على لسان مختصين اجانب.. وفي اعتقادي فقد افلح المؤلف في رصد هذه الظاهرة حد الاقتناع لمن لا يريد الاقتناع .
     اما (الفصل الرابع 88 صفحة) فقد ركز على الجوانب العملية لخطة الانقلاب التي وضعها ، كما يعتقد المؤلف، خبراء اجانب ذو كفاءة تخصصية بالانقلابات في العالم الثالث ومختصين بإجهاض الحركة الشيوعية فيها .. مشيرا في بحثه إلى جملة من النقاط هي خارج السياقات المألوفة للعسكريين المنفذين والقيادة المدنية لقوى الانقلاب والذين ليس لهم كارزمية مهنية على الاقل أو تجربة سياسية عميقة.. انهم مراهقوا الفعل الحزبي .. فتتبع  الكتاب خطة الانقلاب ومساراته والشارع السياسي المؤيد له.. خاتماً ايها ومحللاً للبيان الأول  للانقلاب وماهية توجهاته مستخلصاً عدم مصادقيته وبكونه انشاء مدرسي لا اكثر ولا اقل، احتوى على بعض الجمل (الديماغوجية والشعاراتية ) وكذب نفسه بنفسه من خلال التجربة الحياتية لمسار الانقلاب وتوجهاته وصراعاته والبدء بالقضاء على نفسه من خلال الانقضاض أولاً على مناصريه من كرد واحزاب قومية وقوى دينية ومن ثم انقسامه ماديا ومعنوياً.
    أما (الفصل الخامس 110 صفحة) فقد تطرق لليوم الأخير لعبد الكريم قاسم من خلال تتبعه الزمني لوقائعه منذ بدايات ذلك اليوم المشؤوم ، ليس لذات قاسم فحسب ، بل لجوهر المسيرة السياسية والتنموية ولاحلام الطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدود.. إن لم يكن للعراق برمته ووحدته ومؤسساته السياسية وكيانه الاجتماعي وتفتت الهوية الوطنية التي صاغتها الثورة الثرية على اسس مادية.. فالانقلاب قتل  هذه الهوية وسار في طريق تقسيم الوطن في أمده البعيد.
     في الوقت نفسه اشار المؤلف إلى الخطابين الاخيرين لعبد الكريم قاسم كما وردت في اكثر من مصدر ورصد الاختلافات فيما بينها.. ولم يكتف بذلك بل حاول إلقاء الضوء على مقاومة الانقلاب من خلال بعض شهوده الاحياء الذين شاركوا في المقاومةسواءً في الكريمات أو/ و الكاظمية وعقد الاكراد وفي بقية مدن العراق، بل حتى انه كشف بالضوء المعلوماتية المكثفة عن محاولة ضباط الصف والجنود في فوجي الدبابات الثالث والرابع في معسكر ابي غريب ذاته والذي أنطلق منها الانقلاب. وختم الفصل بتحليل لبيان الابادة ، كما اطلق عليه المؤلف، وهو البيان رقم 13 السيء الصيت والذي حرره وزير خارجية حكومة الانقلاب طالب شبيب والمتهم من قبل (رفاقه) البعثيين بالعمالة لقوى عربية واجنبية.. رغم أن البيان صدر بتوقيع الحاكم العسكري العام العقيد رشيد مصلح، حيث دعى البيان إلى إبادة كل من يتصدى للإخلال بالأمن .
     وكان (الفصل السادس 95 صفحة) يتمحور حول نهاية تراجيديا عراقية العراق .. حيث اطنب المؤلف في وصف الساعات الاخيرة من حياة قاسم بعد أن اغلقت منافذ الوعود التي اعطاها له ضباط الوحدات العسكرية الذين تعاملوا معه تعاملا وظيفيا بحتاً، فبدأ بمفاوضات الانقلابين من اجل حقن الدماء ثم استسلامه واستجوابه وما دار من حديث بينه وبين رهط الانقلابيين وما تبجح به عبد السلام عارف من إدعاءات كاذبة لم تبررها الحياة ولا مقدرته الذاتية .. من بعدها وصف الكتاب اعدامه الحياة مع بقية رفاقه. لقد تطرق هذا الفصل وذكر بالاسماء كل من ساهم في تنفيذ هذا الانقلاب الدموي واغتيال الحلم العراقي.. ويمكن للتاريخ أن يسجل ان نهاية هذا الأمل في عراق مستقل قد توقف وكان مآله قد بدأ يتفسخ.. ويبدو ان نهايته المخطط لها من القوى الكبرى والمراكز الرأسمالية  وتنفذه قوى محلية قد أزف منذ ذلك الحين.. اي منذ اغتيال قاسم والهوية الوطنية العراقية.
    لقد اضيف الى الكتاب ذو الابعاد التاريخية والسيسيولوجيا السياسية المتعددة، عدة ملاحق (190 صفحة) بلغ عددها (23) ملحقا قد أضفت على وقائع هذا الانقلاب بعدا حياتيا وذو نكهة حيوية وذلك بما رسمته من خلفيات للحدث المركزي، كما انها كشفت بالوثائق مدى ارتبط هذا الانقلاب بالقوى الدولية.
    لقد استخدم الكتاب ومؤلفه الكثير من المصادر  بلغت في حدود 364 مصدرا ما بين كتب ودراسات ، وثائق ورسائل واطاريح اكاديمية ومقابلات عدة  نتيج عنها هذا السفر الخالد.. انها الغنى المعرفي وموضوعية البحث .. كما انها ليس دراسة تاريخية فحسب بل سياسية وسيسيولوجية حاولت الربط بين الحوادث بروح علمية فائقة الدقة والملاحظة الذكية لهذا اتعقد ان الكتاب جدير بالقراءة.. ولنساهم كقراء ومعنيين في رفد هذه الموضوعية بالوقائع الصادقة أنه تاريخنا الواقعي.

                                                    
                ستوكهولم في الأول من أيار 2015   
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media