"مراكز بحثية" للتصدي للشيعة أم معسكرات لـ"القوة العربية المشتركة"؟!
    الأربعاء 20 مايو / أيار 2015 - 20:26
    عباس البغدادي
    لم يوصم جزافاً مشروع تشكيل "القوة العربية المشتركة" المنبثق من قمة شرم الشيخ الأخيرة بأنه مشروع برؤية ودوافع طائفية إقصائية مقيتة، تلتقي مع المشروع الصهيوأميركي المخطط له لتفتيت المنطقة وتعميق الأزمات فيها، مع ضرب الوئام والمصير المشترك بين الشعوب في مقتل، وذلك بفعل النفخ في نيران التعصب الطائفي والعرقي، وتكريس نزعات الانفصال والتشرذم، وفق أجندة "الفوضى الخلاقة" لجعل "الشرق الوسط الجديد" أمراً واقعاً يأتمر كلياً بأوامر أميركا واسرائيل.
    لقد توضحت جلية تلك الرؤية الطائفية بعد تنفيذ "عاصفة الحزم" كحلقة أولى من المسلسل الإجرامي، وكانت "العاصفة" في منطلقاتها تطبيقاً عملياً لتلك الرؤية المشؤومة والكارثية، بزعامة السعودية ومعها "مجلسها الخليجي" وباقي حكومات الارتزاق التي يسيل لعابها للبترودولار الخليجي، بغية استهداف إيران و"الهلال الشيعي" المزعوم، والشيعة عموماً، باعتبارهم جزءاً من "الخطر الإيراني"، وكأنهم ليسوا مواطنين أصلاء كانوا منذ مئات؛ بل آلاف السنين مندكين في جذور بلدانهم وسبقوا تشكّل ذلك "الخطر" المُفترى! حيث سوّقت السعودية وحكومات الارتزاق هذه الذريعة وجعلوها وقوداً محركاً لـ"عاصفة الحزم" جهاراً عياناً، فكان ما كان من حرق اليمن واقتراف المجازر المستمرة، وقبلها كان الدور السعودي الصريح في الحريق السوري، والموارب في الآخر العراقي!
    ومن الثمار العملية لطائفية "القوة العربية المشتركة" هي تمويل وتشجيع مرتزقة "الأبحاث والدراسات الفكرية والعقائدية" لتوظيف المتبنيات الطائفية التي تقودها التوجهات السعودية علناً، باتجاه تدمير ما تبقى من الوئام الأهلي المتصدع، و"الأخوة الاسلامية" النازفة بفعل جهود الفرقة الوهابية وأذرعها المتعددة في العالم الاسلامي منذ عدة عقود، وحرف بوصلة الصراع الحقيقي، لتوجيه السلاح الى صدر الشقيق مع سبق الإصرار!
    وضمن هذا التوجه تم الإعلان مؤخراً في القاهرة عن تأسيس "مركز الأئمة للدراسات" وشعاره العلني الصريح هو "التصدي للشيعة"، ولا يحتاج المرء الى كبير عناء لإماطة اللثام عن النوايا الحقيقية والإجرامية لهذا المركز (بفرض ان إشاعة الكراهية في الأمة وتأليب بعضها ضد البعض الآخر جريمة كاملة شرعاً وقانوناً)، حيث يفصح صراحة عن تلك التوجهات "محمد صابر" مدير المركز بقوله: "أن رؤية المركز تقوم على ثلاث قواعد رئيسية؛ رصد الحالة الشيعية بكل أبعادها العقدية والفكرية والسياسية، ومتابعة حركية التشيع في العالم السنّي وسبل مناهضتها، وكذلك صياغة مشروع فكري نقدي للدين الشيعي، والتواصل مع علماء الأزهر لدفع هذا الخطر"، وفي سياق متصل ذكر المتحدث الإعلامي للمركز بأنهم سيقومون بـ"رصد أعداد الشيعة في العالم الإسلامي ومراكز ثقلهم وقوتهم، ورصد أبرز قادتهم وأماكن تمركزهم"! والبعد الإستخباري واضح في "رؤية المركز" من هذه العبارات المقتضبة. كما لن يحتاج المرء الى جهد جهيد في كشف تزامن تخليق مثل هذه "المراكز البحثية" بالجهود الحثيثة لتشكيل "القوة العربية المشتركة"، بواقع ان قعقعة السلاح وصليل الحديد ينبغي أن تدعمهما حملة إعلامية و"فكرية" تمتطي صهوة الحرب، وتمهد الى تطبيع فكرة ان "الجهاد" ضد الشيعة أوجب مئات المرات من مجاهدة الأعداء والغاصبين والصهاينة الذي يعيثون في أرض المقدسات فساداً منذ عقود طويلة! مثلما نادى بذلك في السابق مشايخ القاعدة ومسوخ الدواعش والنصرة و"جيش الصحابة"، وكان آخر هذه العينات "إمام الحرم المكي" الذي خطب مؤازراً "عاصفة الحزم" وصارخاً بأنه يريدها طائفية بين الشيعة والسنة، ودعا الى إبادة الشيعة بعبارات صريحة! والأنكى ان شيخ الأزهر صمّ سمعه عن هذا النداء الشيطاني والمدمر لواقع "الأُخُوة الاسلامية" التي ينادي بها الأزهر وهو المتبجح دوماً بـ"الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف"! وهل ينتظر الأزهر ومشيخته أخطر من هذا النداء بلسان إبليس لصقَ جدار الكعبة الشريفة، حتى يتحركا ليقولا كلمة الحق ويُجرّما هذا النداء العدواني المشوه لتعاليم الاسلام الحقّة، والذي يضع العالم الاسلامي على حافة الهاوية؟ ان من صمت على ذلك النداء الإجرامي، لا نتوقع منه اليوم أن يتحمل مسؤوليته الحقيقية وهو يرى "مراكز بحثية" تتأسس في القاهرة بجواره لتؤجج نيران الحروب الطائفية وتمهد لـ"عواصف حزم" كارثية أخرى في المنطقة، وتخطط لإنتاج فتاوى تشرعن "التقرب الى الله" بشرب دماء الشيعة أو من يناوئ الفرقة الوهابية، هذا بعدما فطنت السعودية وبأدوات "القوة العربية المشتركة" الى أن الأوان قد أزف لتعديل بوصلة الحروب علناً، وتوجيهها باتجاه الشيعة حصراً، بعدما كان الأمر يتم بالمراوغة والتورية قبل هذا الوقت، بمعنى ان حروب القاعدة وداعش ونظائرهما لم تعد كافية تماماً، ولزم أن تُستكمل بالإرهاب الرسمي لجيوش "عاصفة الحزم" ومباركة الأزهر!
    وكما ان إرهاب القاعدة وداعش هو عابر للحدود، ولا يقر بإطار قومي أو إقليمي، كذلك "العاصفة" ومعها "القوة العربية المشتركة" لن تبقى عربية بطبيعتها، مثلما كان الباب مفتوحاً على مصراعيه لانضمام الجيش الباكستاني والسنغالي، والترشيحات ما زالت مستمرة.
    * * *
    بات الاختلاف الفقهي والمذهبي ذريعة كافية في نظر الوهابيين ومن والاهم لتجييش الجيوش "النظامية" لإحراق الأوطان بشعوبها ومقدراتها، بعدما كانت تُنفّذ ذلك بواسطة جيوش الارهاب التكفيري ومقاتليه، ليحل هذا الواقع محل معالجة تلك الاختلافات بالمنطق القرآني، والرؤية الاسلامية الواعية المرجحة للغة الاعتدال والدعوة الى الحق بالحسنى، وبمنهجية تحوّل الاختلاف الى عامل قوة وبناء، لا نيران فناء. وما نشهده اليوم بمثابة تدشين لحقبة من التوحش تقودها الوهابية، وكأن لم يكفيها بعد إرهاب القاعدة وداعش ونظائرهما وقد حوّل المنطقة الى قبر مفتوح وموئل للنكبات والحرائق، وما غذّى به ظاهرة الـ"اسلاموفوبيا" من أوسع أبوابها شرقاً وغرباً! فتأتي اليوم "المراكز البحثية" الخارجة من عباءة الحواضن الوهابية والتي تستثمر جهود مسوخ السلفيين في مصر لخدمة مشروعها التدميري في كامل المنطقة، لتسوّغ لـ"القوة العربية المشتركة" الذبح الشرعي لشعوب مرشحة جديدة بجريرة انها تنتمي لأتباع أهل البيت "عليهم السلام" ويقارعون الارهاب الوهابي، ولقنوا العدو الصهيوني دروساً قاسية لن ينساها في العقود الأخيرة.
    ها هي تحالفات جديدة تتشكل جامعة وحوش الوهابية وملوك البترول مع "جيوش" الارتزاق، وشطبوا جميعاً على "العدو الصهيوني" المفترض، واستبدلوه بالشيعة بين ظهراني هذه الأمة المنكوبة! فهل يأمل المرء خيراً من "قوة عربية مشتركة" تستفتح عهدها بدعم "مراكز بحوث ودراسات" تفتح النار الطائفية في عاصمة السيسي المُبَشِر بهذه "القوة"؟!
     
    abbasbaghdadi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media