لا يُصلح عمالك الأدب ولا رعيتك الطبطبة
    الجمعة 22 مايو / أيار 2015 - 04:18
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    بداية: أطمئنك، لستَ فى كفة والمتأسلمون فى الأخرى، نقبل منكما من يزيد وزنه على الآخر، فوالله لو ثقل ميزانهم عنا جميعاً ما زدناهم عن وزنك سهماً، ولا قبلناهم عنك رفاقاً أو صحاباً. بسم الله. ناشدتك الترشح للرئاسة بعد الثورة، وقلت: إذا قرر الشعب قراراً فلا قرار لك، ونحن قد قررناك رئيسنا. شعبك اختبر إخلاصك وذكاءك ومهارتك فكنت لها، وقلنا: خير من استأجرنا القوى الأمين. وناشدتك بعد الرئاسة وقلت: لا يمنعك حياؤك أن تنهر ممن حولك من يستحق وتستبعده، ولا تجعل خجلك منه يؤخرك عن أن تستقدم غيره وتستأخره. لكنك حيّرتنا فى أمر هؤلاء، فإن كنت تطمئن منهم على نفسك، فنحن لا نطمئن على من حولك، فهم يخدعونك كما خدعوا من كان قبلك، ويمكرونك كما مكروه، ويكتبونك قصائد الغزل كما غازلوه، ويدّعون البطولة والريادة والنزاهة، وحين واجه الأمواج وحده أغرقوه. من رجالك من يدفعهم دفعاً إليك، ويسترون وجوههم عنك، وأول غيثهم قطرة وآخر دربهم ثورة. فوالله ما اقتربوا منك إلا لعزلك وما أبعدونا إلا لشغلك.

    وأقول لك قول المؤيدين المخلصين: خلافنا ليس عليك، خلافنا لك. كلانا جمعتنا الضرورة فى السفر، فلا تجعلنا نقبل بها غيرك. فى رفقتك من لا نطمئن إليهم. منهم من يستبعد عنك العالم فلا يقدر عليه، ويكشفك جهله، ومنهم من يستقرب منك الجاهل، فهو أقدر عليه، ويُظهرك علمه. فنراك تقود السرب وحدك، وتسافر أبعد مما نرى، وتنتظرنا على باب لسنا ببالغيه إلا بشق الأنفس، فلا نقوى على المسير من وحل الديْن والغلاء والفساد والوهن. أغلب عمالك يرهنون حياتنا ويستوقفونها، ويؤجلوننا الألم، حتى خطوات الطريق نعدها فى الذهاب وفى الإياب، فإذا علا صوتنا قالوا لنا لا صوت يعلو على المعركة، فخرست الأصوات وصرخ الفساد والغلاء والمرض، واحترنا بين الصراخ علامة العذاب والألم، أو الصمت علامة الرضا والأدب. والله نحن أمة فى خطر، ووالله ليس الإرهاب هو الخطر. مناجل الفساد تحصد الأرواح على الطرق بلا خجل أو ثمن، عودة أطفالنا فى المساء وبناتنا إلى أحضاننا أصبحت مدفوعة الثمن. اسأل وزيرك كم يكلف الفقير غذاؤه ودواؤه، واسأل الآخر كم مريضاً أدخلوه عنده على قدمين واستقبلنا فى المساء عزاءه. واسأل آخرهم كم يكلفنا حراسة ووجاهة وأناقة ويحدثنا عن الأمن المرتقب. واسأل كل عمالك كم يكلفنا فسادهم، أتدرى من أين ندفع ثمن الفساد؟ من قوتنا وعرقنا، من شربة الماء وقلة الدواء، من كتابة الحروف ومن سهرة المساء، من أمن الكبار، ومن صحة العجائز، ولقمة الصغار، هذا هو خوفنا الأكبر، والخطر الذى نخاف. وإذا أسرُّوا إليك أننا نخاف من غيره فقد كذبوا عليك، انظر يا سيدى لأم الشهيد فى الأمس القريب توزع الحلوى فى الجنازة، أرأيت كيف تسارع فى تجهيز أخيه للشهادة. أهذه أمٌّ تخاف؟ انظر إلى شعبك حين يلتف حول القنابل باحثاً عن مصاب أو رفات أو شهيد كيف ينسى أن نفس المصير ربما فى انتظاره؟ أهذا شعب يخاف؟ لا تصدّقهم أن نؤجل الحساب والعقاب حتى نرسو على شاطئنا القريب، فربما يباعدون بيننا وبين الشواطئ. حاسب عمّالك بالورقة والقلم، فهم لا يكتبون ولا يقرأون. فما زال يمنعك الأدب عن المحاسبة، فأمنوا الثواب والعقاب والمساءلة، وإذا سألناهم يشكون مثلنا، يشكون قلة الحيلة كالعجائز، وقهر الظالم كالنساء، وخيبة الأمل والرجاء، ولا أدرى من أين يأتون بهم إليك، من كتاتيب السياسة أو من صفوف البطالة، أو مخازن السماسرة لإلحاق العمالة، استوخموا أرضنا وأكتافنا، وترهلت هممنا وأفكارنا، وفقدوا الرؤية والنظر، ارفعهم عن كاهلنا، أو اجعل على رأس كل منهم من يراجعه ويحاسبه ويتابعه بالورقة والقلم، ويصحح أوراق إجابته باللون الأحمر بـ«لا»، واللون الأخضر بـ«نعم». فوزراؤك ومحافظوك ورجالك من ذهب منهم ومن أتى، لا يكتبون ولا يسمعون، من ذهب هدم، ومن أتى هدم وشعبك يدفع الثمن. وأتساءل: هل العيب فى مرضنا أو فى دواء حكامنا؟ أو الأصح أن نصنع ثورة علينا، أو نغيّر لكم شعبنا، أو يمزق البعض منا بعضنا؟

    أتدرى لماذا يستصرخك شعبك، فى الصباح وفى المساء، فى رغيف خبزه وكوب الشاى وشربة الماء، فى رصف الطرقات، وسد البلاعات، من يبحث عن وظيفة أو لقمة عيش أو مأوى للحياة وللممات، أتدرى لماذا تستصرخك النساء إذا اغتُصبن أو قُهرن، أو تأخرت نفقة الأولاد والبنات، أو فقد ابنها الوحيد حياته أو بعضها، من فقرها على باب مشفى بلا رحمة أو طبيب أو دواء، أتدرى لماذا تتجه عيون المظلومين إليك والمقهورين إلى بابك، ويرجون ثوابك وعقابك؟ لأن أكثر معاونيك ومحافظيك فاشلون، فيستبعدهم شعبك عن وساطتهم، ويخلون بينك وبينهم. حملك ثقيل، وأثقله أدبك، فلا تجعله نعمة لك ونقمة علينا. هاك دهاء معاوية، وحلم على، ودرة عمر، وإذا خرج منا ظالم أو فاسق أو خائن أو مغتصب فانبش فى القبور عن الحجاج يأخذ ثأرنا.

    أما عنا، فنحن شعب لا ينفع معه التدليل أو الطبطبة أو الدلع، شعبك مايص، إذا طبطبت عليه نام، وإذا دلعته اتلوى، وإذا ضحكت له زاغ عنك، وإذا كشرت فى وجهه غضب منك وانزوى، فلا تعرف له قبلة أو مراداً. شعبك دار مع ظالمه على هواه ففقد الرؤية والهوية والهدف. خذ بيده أول الطريق دون طبطبة، واتركه على شاطئ البحر، واجعل عدوه فى ظهره، وادفعه بقوة بكلتا يديك، لا تخف، لن يغرق، وسيصل حتماً إليك.

    "الوطن " المصرية

    "الأخبار"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media