يحيى السماوي ، بين العدميّةِ والآيروتيك (2)
    السبت 23 مايو / أيار 2015 - 06:11
    هاتف بشبوش
    أيها الربّ الرخامي المنتصب كالمشنقة
    ليس مشعلا للحرية ماترفعه
    إخفض يدك
    فالبنتاغون يراه فتيلا لإحراق حقول العالم
    والـ " سي آي إيه " تراه سيفا
    لإستئصال رقاب مَنْ يرفض الإنحناء لآلهة المعبد الأسود في واشنطن
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الشاعر يحيى يبدو لنا واضحا من خلال ألنصوص أعلاه بأنهُ من مناصري الفئات المعدومة من بني البشر ، من مؤازري القضية الإنسانية العادلة ، إنه الشاعر الذي لايموت ، الذي يحيا مع الإخلاص والوفاء المطلق لكل ماهو صادق ، كما وأنه الشاعر الصدوق مثلما نقرأ في النص السرمدي والملحمي والمهدى الى صديقه الشاعر ( هاتف بشبوش) ، نص( أنا لستُ كلكامش ...لكنك أنكيدو) :
    ـ
    أنا لـسـتُ كلكامش ... لكنك أنكيدو
    " الى صديقي الشاعر هاتف بشبوش "
     
    مـثـلَ راعٍ صـغـيـر
    أقـودُ قـطـيـعَ أحـلامـي مُتبتِّلاً  ...
    أنـشُّ بـمـزمـاري ذئـابَ الـوحـشـة
    وأسـتـلُّ أضـلاعـي قـصـيـدةً قـصـيـدة
    لأعـبِّـدَ الـطـريـقَ لـقـدَمـيـهــا الـحـافـيـتـيـن
    ****
    وكـمـا يـحـتـضِـنُ طـفـلٌ يـتـيـمٌ دُمـيـتـهُ الـوحـيـدة :
    تـُطـبـِقُ صَـدَفـَـةُ رجـولـتـي عـلـى لـؤلـؤةِ أنـوثـتِـهــا
    خـوفـاً عـلـيـهــا مـنـي !
    ****
    ومـثـلَ راعٍ صـغـيـر
    يـقـودُ قـطـيـعُ الـقـُــبُــلاتِ فـمـي
    عـائـداً مـن مـرعـى شــفـتـيـهـا نـحـوَ واديـهـا الـمـقـدَّس
    لأبُـلَّ عـطشـي بـنـدى زهـرة الـلـوز ...
    فـأغـفـو عـلـى سـريـر نـخـلـةٍ مُـتـدثّـرا بـحـريـر غـيـمـة
    وسـادتـي هـديـلُ حـمـامـتِـهـا
    *****
    أنـا لـسـتُ " يـوسـفَ " ...
    فـلـمـاذا أحـلـمُ بـبـئــرٍ أســقـط فـيـه ؟
    ألـكـي تـضـفـرَ لـي مـن جـدائـِـلِـهـا حَـبـلا ؟
    أم لأعـرفَ أنّ لـي أخـوةً أعـدّوا الـدّمـوع طـمـعـاً بـالـمـيـراث ؟
    لـيـس لأبـي مـن الـقـطـيـعِ إلآ الـرَّوث والــبـعــر ...
    وأنـا لـيـس لـي غـيـر ضـلـعٍ ثـقَّـبَـتْـهُ الأيـامُ فـصـار مـزمـارا !
    ولـي مـن الـوطـن : الـتـرابُ الـعـالـقُ بـحِـذائـي !
    *****
    يـاهـاتـف :
    أنـا لـسـتُ كـلـكـامـش ...
    لـكـنـكَ أنـكـيـدو !
     
    ــــــــــــــ
     
    أنا أعرف متى كُتبت هذه الشذرات الفضية الملحمية  .. كتبت في لحظةٍ   كانت  فيها الحروف كلها عارية وما من مدثرٍ لها ، عارية ربُّها ماخلقها ، وصافية مثل صفاء قدميها الحافيتين ، أو مثل  ذلك الرجل الذي زرع الأمل في قلب كونفوشيوس ( الرجل الذي بلا قدمين ) ، نصُّ ثلثاه جاءا على السليقة الحقيقية التي لاتتكرر الاّ في ماندر ، ثلثاه إلهياً على تركيبة  جلجامش ، والثلث الباقي جاء بكاءً ذارفاً للدمع على فراش أنكيدو وهو البشريّ المريض  والعليل والذي ترك بموته الحلقة الكاملة عن الملحمة التي كتب عنها التأريخ بما قرأناه وما لم نلحق أنْ نقرأه , وبما سمعناه من معزوفات  آخرها معزوفة الموسيقي الدنماركي (بير نورد  ) والتي سماها معزوفة كلكامش .
    فكيف لي أنْ لا أطرب على مثل هذه النصوص التي  ما إنْ أفتح أزرار الفيس بوك وفي الساعة العاشرة ليلا حتى أجدهُ أمامي ماثلاً يصيح بي إنهض لصديقك الخالد ( يحيى) الذي يمسك مزماره ماشيا على طريق الحجّ الى بتهوفن عازفا بأضلعه كل ماكتبه في النبوغ الشعري  لكنه يرفض في اللحن أنْ يكون كلكامشياً ، أنه ذلك الذي أخذ بنصائح سيدوري وظل يشبع أطفاله ويكسوهم جيدا ويكون مبتسما الى زوجه ، ويملأ كرشه ، هذا ماسوف يأخذه من الحياة لاغير . بل هو الراعي في رائعة كزانتزاكيس ( المسيح يصلب من جديد)  وقولته الشهيرة ( واجبنا أنْ نقف أمام الهاوية بكبرياء)  مثلما وقفها البطل الخالد الشهيد الشيوعي إبن السماوة البار ( ابو ظفر) . أبو ظفر أيضا كان في يوم ما طفلا وله الكثير من الدمى ، وياما وياما كان يحاول أنْ يدخل تلك الحوارية الجميلة بين العمالقة والمشاهير ( ميكي موتو) صانع اللؤلؤ الياباني  وأديسون مخترع الضوء ، حيث يقول ميكي موتو الى أديسون : أنت أضأتَ العالم ، فيقول له أديسون : وأنت أضأت أعناق النساء بصنعك هذه اللألئ  ياميكو ، فيبكي الإثنان بكاءَ حقيقياً أبكى الجالسين حولهم . كلُّ له دوره في الحياة كما الطفلة اليتيمة التي ذاقت الأمرّين في البؤساء عظمة فيكتور هيجو ، حتى أنقذها البطل جان فاليجان وكان الذي كان ، وعاشت الحياة المراد لها أنْ تعيشها بعد يتمٍ وفقر  حتى حصلت على راعٍ لها ( زوج) يقود قطيع القبلات ، ومن لايقبل بهذه المهنة التي ترفل بالهناء ! لله در الكبير شاعرنا يحيى على إختراع هذه المهنة المغناج ، وحينما يعود مساءً  من المراح ، يكون الليل قد حط أول بشائره ، يعود الراعي الى تلك الأمكنة التي من يدخلها لابد أنْ يسقط عليها كسقوط الندى ، يلجها حينما يهجع السامرون وهي تهمس في أذنيه  على مهلك حبيبي  فإنّ شفتيك على مقربةٍ من اللحم المعافى ، اللحم الذي أثار في الرسام العالمي ايغون شلي  شبقاً وفناً ، فكان يجثو على طرف السرير  يقود قطيع القبلات ، بينما هي ترفع علامة الإنتصار بفخذيها  . هنا الراعي لايحلم ، بل هو في البيدر يحصد كل ما جناه . وحينما يحلم  فإنه يحب الحلم النابض بالحياة  لا الحلم المنتحر . لا أصيّر نفسي يوسف ، دع الحياة كما هي ، إذا أرادتني أنْ اكون يوسف فبها  ، مثلما حصل للشاعر يحيى في حقيقة الحياة لابحلمها ، وأنا أتذكر قصته مع أحد أصدقائه ( وهو بمثابة الأخ)  حينما أودعه وإئتمنه على ماله في زمن الطاغية صدام  ، وحينما عاد يحيى الى الوطن ، لم يجد غير الهباء والطعن بالسكين ، إنها الأخوّة اليوسفيّة التي لايرجوها الشاعر يحيى  . بل هو الشاعر المنخليّ ( المنخل اليشكري) وفتاه الخدر ، فهو تارة رب الخورنق والسدير ، وتارة رب الشويهة والبعير . هو ذلك الشاعر الذي له الضلع المثقوب ، حتى صار أداة موسيقية كما الناي يفيض به أحزانه ، كما القول الدارمي ( متعجب بدنياك نص كلبك زروف / شو كًلبي منخل صار بيه العمى يشوف ) . إنه الشاعر الذي لايملك غير حذاء البدوي الأحمر " محمد الماغوط "  : (لايربطني بهذه الآرض سوى حذائي) . إنه الشاعر الذي يعيش الجدلية الأزلية المترابطة التي لايمكن لها أنْ تنفصل حتى لو أراد هو ، حتى لو أسس في هذين البيتين الأخيرين واللذين اختتم بهما شذراته الرائعة ، البيتين الحمّالين من المعنى الكبير ( ياهاتف  : أنا لست كلكامش ، لكنك أنكيدو) ، وهل يمكن  لكلكامش أنْ يعيش بدون أنكيدو ؟ وهل يمكن لنا أنْ نتكلم عن الملحمة الأسطورية بدون ذكر التوأمين السياميين اللذين لايمكن لهما الإنفصال ( كلكامش وأنكيدو )  لايمكن لنا أنْ نعيش الليل دون المرور بالنهار ، لايمكن لنا أنْ نتنفس دون انْ نشهق ، لايمكن لنا انْ نحيا دون انْ نموت ، لايمكن لنا أنْ نعرف الأسود دون معرفة البياض ، البياض الذي عاشه بمرارة الشاعر الراحل أمل دنقل وهو على فراش الموت في المستشفى ولون البياض الذي أصبح كئيبا عليه ،  من الشراشف الى الحيطان . وهكذا هي الجدلية المترابطة التي رسمها لنا الكبير يحيى ، وأنا بدوري كاتب المقال اقول : /أنا لست أمسَكَ ، بل أنت غدي / أنا لست شمسَك ، بل أنت قمري ، أنت المعرّف والمعروف وأنت الشلاّل القادم من جموع البائسين كما نقرؤك في هذه الروائع التعريفية المنحوتة على الجبين من المنحوتات الفضية ( تعاريف) :
    الـخـسـارةُ : أنْ أربـحَ الـمـطـرَ والـنـهـرَ والـيـنـبـوعَ
    وأخـسـرَ قـطـرةَ الـحَـيـاءِ فـي جـبـيـنـي !
    *
    الـشــقـاء : أنْ أكـون الـسـعـيـدَ الـوحـيـد بـيـن جـمـوع الـتـعـسـاء !
    *
    الـطـمـأنـيـنـة : إنّ زنـزانـةً أغـفـو فـيـهـا بـأمـان
    هـي أوسـعُ عـنـدي مـن وطـنٍ شــاسـعٍ لا أمـانَ فـيـه !
    ـــــــــــــ
    الخسارة ، الحياء  ، الشقاء ، السعادة ، التعاسة  ،  الطمأنينة ، الأمان ، كلها تنتمي الى عالم (السوفتوير) أي عالم المعنويات والإنسانيات ، وما يتداركه الإنسان في حقوقه ، ومطالبته في تحقيق أمانيه وأحلامه الضاربة صوب الحياة الحضارية المنشودة التي لاتزال الكثير من بلدان الشرق تفتقر الى أدنى مستوياتها . بينما المطر ، الينبوع ، النهر ، الوطن ، كلها تنتمي الى ميثيولوجيا الأزل والضاربة صوب الأبدية واللانهايات  . أما الزنزانة فهي من صنع الأشرار ، يقال أنّ القوانين هي من صنع الأقوياء الذين وضعوها على مقاساتهم  كي يستطيعوا السيطرة والحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة والنهب والسلب  ، فوضعوا قوانين جائرة بحق السراّق واللصوص الذين هم أساسا ينتمون الى طبقة الفقراء ،  وزجهم في ما يسمى الزنزانة . العالم حتى اليوم هو مسيطرُّ عليه من قبل الأشرار . العالم اليوم وفي ظل هذه القيم الإنسانية هو أشبه بمسرحية صمؤيل بيكيت الأيرلندي ، بطل مسرح اللامعقول وأشهر مسرحياته ( في إنتظار جودو) بطل المسرحية لايظهر أبدا ، البطل هو الحلم البعيد ، البعيد المنال ، فكيف لنا وسط هذا العالم الشرير الذي يسعى الى الربح دون أدنى حياء ، كما  يحصل اليوم في العالم العربي الذي تشرذم  كلٌّ في قطبه في سبيل تحقيق غايات مريضة على حساب الآخرين . هرون الرشيد كان يقول ( اينما تمطرين فخراجك لي ) ، لكنه لم يدر أنه الخاسر في النهاية ، الإسكندر المقدوني إحتل اغلب بقاع الأرض ، لكنه في النهاية حينما كان في الصيد ، سقط من الحصان ونظر الى مساحة جسده التي لاتشكل سوى متر ونصف من هذه الآرض الشاسعة ، تراجع عن نواياه الشريرة . أما قول الشاعر يحيى (أنْ أكـون الـسـعـيـدَ الـوحـيـد بـيـن جـمـوع الـتـعـسـاء !) فهي وربي المتضادة مع القول الشهير ( حشرُّ مع الناس عيد) ، فهذه هي الطمأنينة الحقيقية التي يسعى اليها الثائر والشاعر والإنسان البسيط على غرار قوله (الـطـمـأنـيـنـة : إنّ زنـزانـةً أغـفـو فـيـهـا بـأمـان/ هـي أوسـعُ عـنـدي مـن وطـنٍ شــاسـعٍ لا أمـانَ فـيـه !) ، وهذه قد وصفت في رواية رائعة بأسم (كاسبار هاوزر) لا أستطيع تذكر كاتبها ولكنها تحكي قصة طفلٍ تربى في عرين الأسُـود ، كان مدللاً بشكل رومانسي مثير ، حتى كبر وترعرع على لغة هذه الوحوش الكاسرة التي لاترحم ، هذه الوحوش التي إذا ماجاعت تأكل بعضها البعض . وفي يوم كان الطفل الذي كبر قد خرج من عرين الأسود وتمشى في المراح الواسع ولم يدرِ انّ قدميه أخذتاه الى عالم المدينة  ، أي عالمه الحقيقي الذي لابد له أنْ يعيش فيه ، عالم الإنسانية ، لكنه لايتكلّم ولايعرف النطق ، فتجمهرت  حوله الناس مندهشة منذهلة من هذا الإنسان الغريب ، فبدؤوا يرمونه بالحجارة ومالديهم من الأدوات الجارحة ، يصرخ يتألم ويئن ، وما من رحمة أو شفقة ، فوجد نفسه سجينا في هذا العالم الفسيح ومن قبل بني جنسه ، متعذبا ، مكروها ، حتى رجع أخيراً الى عرين الأسود ، الزنزانة التي كان فيها مدللا وسط هذه الأسود ، الزنزانة التي جعلته يشعر بالطمأنينة والأمان . رواية أعطتنا من الرسالة الحقيرة لبني البشر ومايفعله مع بني جنسه ، مثلما يحصل اليوم من عراك رهيب وقتل وتشريد ، كلّه يحصل على أيدي من إستباحونا وجعلوا منا أمةُّ ذليلة لنقرأ ماجاء على لسان الشاعر في ( رباعيّة) ....
     
    بُـعـدي عـن الـحـزنِ لا قـُـربي مـن الـفــرَحِ
    شـلَّ الــسُّـلافــةَ فـي ثـغــري وفـي قــدَحـي
    تـعـشـو الـضُّـحـى مُـقـلـي إنْ زارَ جـفـنَـهـمـا
    طـيــفُ الــفــراتِ وقـد أضـحـى عـلـى تــرَحِ
    ويــحَ الــذيــن اســـتــبــاحــونـا بـألــفِ يــدٍ
    مـجـذومـةِ الـنـبـضِ قـد شـُـدَّتْ إلـى شـَـبَـحِ
    لا لــيــلُ دجــلــةَ يــقــفــو نـجــمَـهُ سَــمَــرٌ
    ولا الــــنـــهـــارُ تــزيّــا بُــردةَ الـــقـُــزَحِ
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    لو نقرأ مظفر النواب والجانب الفلسفي الكبير في ( تعب الطين ، تعب الطين ، تعبَ طينك ياالله) ، لوجدنا انّ الحزن هو الأشد التصاقا ببني البشر منذ الصلصال الأول ، الذات الأنسانية حزينة على الدوام لكثرة تبادل الموت والميلاد ، فبعد كل ميلاد حتما هناك موت ، والموت لايخلف غير الحزن ، فمازال العدم هو المستقبل المنتظر لنا ، فنحن على الدوام متعبين ونردد مع أنفسنا ( تعبّ طينك ياالله) مع إدراك الذهن لهذه الجدلية المخيفة . وهنا نرى يحيى السماوي بفلسفته الخاصة وبعده الثقافي ، حتى وإنْ إقترب من الفرح ، وأشد فرحنا نحنُ كعراقيين هي أماسينا ورفع الأنخاب مع الحشر الجميل من الأصدقاء ، مع السلافة (الخمر اللذيذ ، بل الأشد طعما وذوقا) ، وحتى مع هذه الأجواء ، نرى العراقي لايمكن أنْ تكتمل سكرته ونشوته والوصول الى نرفاناه الخصوصية مع الترنّح ، الاّ مع الحزن ، ولذلك نرى العراقي حينما يثمل يتناول الدارميات حتى وإن كان لايفهم في لغات الشعر ، لايمكن أن تشتغل ( السلافة) في الرؤوس الاّ مع الأتراح ، لايمكن أنْ نرى الكأس مليئة بدون أنْ يدب في أحشائنا همٌّ وغمّ ، عجيب غريب حالنا كعراقيين ، ولم يكن الشاعر يحيى في هذه الرباعية غير نسّاجٍ رهيب ، غير حرفيٍ ماهرٍ في صنع سجاد الشعر ، حتى وإنْ أعشى في الظهيرة ، وكأني أرى (الأعشى) بعينه وهو يبوح لنا ماهو خارج عن العقل ، خارج عن معطيات النهار وتلازم الغشاوة فيها بدلا عن الليل وحلكته . صورة من قبل الشاعر تحفزُ فينا ، اننا ومن كثرة أحزاننا وهمومنا أصبحنا نرى في الليل لكثرة اللصوص من ذوي في بلادنا ، نراهم حتى وإنْ كانوا أشباحاً( ويــحَ الــذيــن اســـتــبــاحــونـا بـألــفِ يــدٍ /مـجـذومـةِ الـنـبـضِ قـد شـُـدَّتْ إلـى شـَـبَـح) ، بطرس الأكبر قيصر روسيا في القرن السابع عشر سن قانونا ضريبيا على كل من يسعى ويقوم بإطالة لحيته سواء إنْ كان من رجال الدين أو من عامة الناس للتخلّص من أكاذيبهم وخداعهم في اللصوصية . أما في وضح النهار فهم معروفون للقاصي والداني ، فلا ضير إن أعشينا وأصابتنا الغشاوة عنهم . في دراسة عن الإنسان وهمومه وصراعاته ، وجد العلماء أنّ الإنسان يتبع الى نوعين من القردة ، نوع يسمى الشمبانزي ، وهذا يقوم بالدفاع عن نفسه وأحيانا يقوم بالقتل إذا ما أجبر على ذلك ( هذا النوع هم سياسونا ومستبيحونا سفلة اليوم ) ، أما النوع الثاني هو ( البونوبو) وهو الأقرب الينا نحن محبي السلام والتعايش ، وهذا يقوم بممارسة الجنس في حالات الإعتداء عليه ، أي إنهم إذا إجتمعوا وتخاصموا يقومون بالمضاجعة للتكاثر والتناسل بدلا من القتل ، ولكن الغريب في الأمر أنّ ( البونوبو) في حالة إنقراض ، بينما الشمبانزي ( سياسيونا اللصوص) باقٍ  حتى الآن بأعداد هائلة ، وهذا مايفسر حزننا وبؤسنا  وبكاءنا على حالنا كما في الرباعية أعلاه التي جادتْ في إعطائنا موضوعا فلسفيا بحتا يليق بشاعر كبير ، ديدنه الدائم أنْ يفضح كل من جاء يعترك على مقاليد الحكم والنفط الذي جلب لنا النقمة على مر السنين الغابرة ، وقد أتحفنا الشاعر برائعته التي تخص الموضوع ( النفط)   :
     
    الـنـفـطُ الـذي لا يـمـلـكُ مـنـه الـفـقـراءُ إلآ الـسّـخـام ...
    الـنـفـطُ الـذي أشْــبَـعَـنـا جـوعـاً : مـتـى يـجــفُّ ؟
    سـنـبـقـى نـنـزفُ دمـاً حـتـى آخـر بـرمـيـل نـفـط !
    هـو لـيـس عَـسَـلاً
    فـلـمـاذا يـتـقـاتـلُ مـن أجـلِـهِ ذبـابُ الأبـاطرةِ والـلـصـوص ؟
    ــــــــــــــــــــــــ
     
    هؤلاء يلعبون معنا لعبة مصاصي الدماء  وليس على غرار دراكولا ، هذا رومانيٌّ مات منذ قرون ، بل على غرار تلك الترسانة السينمائية التي تعترف وتوثق كل الجرائم الكبرى  عن هؤلاء المصاصين و مدى حبهم للجشع والقتل الذي من ورائه يأتي المال ثم المال  ولتذهب الإنسانية الى الجحيم ، إنهم أحفاد آدم سميث ذلك الرجل الذي غدر بأعز أصدقائه  حيث كان آدم سميث يدرّسُ أبنَ صديقٍ له , فتركهُ لكونهِ فقيرا وذهب الى أحد ألأثرياء طمعا بالمال ، ومنذ تلك اللحظة بدأ رحلته في نظرية الإقتصاد الرأسمالي الجشع ، حتى ورّث لنا هذه الأنظمة الرأسمالية المشوّهة . بينما ماركس وانجلز وجينا زوجة ماركس كلهم أثرياء ، تركوا عالم الثراء وعاشوا في أزقة الفقراء لنصرة قضيتهم المستمرة حتى اليوم . لذلك فإنّ هذه الأمة إذا لم تجد لها مأرباً وخلاصاً ، فإنّ هؤلاء الوحوش سوف يمتصون دماءنا حتى آخر قطرة منها ، ولن يبقى لنا غير السخام الذي نزوّق به وجوهنا  كي نكون مثل ذلك الرجل الإعرابي الأسود الذي يشبه سواده سخام المدفأة ذات الفتيل ( الجولة)  فمرّ عليه الأصمعي وقال له ما اسمك يا أخ العرب ؟ فقال الإعرابي إسمي زيتون ، فنظر الأصمعي جيدا  فلاح له أنّ الزيتون أسودَ ولاغبار على ذلك ،  لكنه يحتوي على لمعان ، أما هذا الإعرابي الأسود فليس له لمعان سوى سخام ( الفتيل)  فقال له الأصمعي ( سمّوكَ زيتون وما أنصفوا / لو أنصفوا سمّوك زعرورا .... لأنّ في الزيتون  نوراً يضيء / وأنت لاضوءا ولا نورا ) . أنا أعتقد أنّ من يمتلك النفط  سوف يكون مثل هذا الذي يدعي بإسمه زيتون ، مثل السعودية التي تدعي بأنّ لها وجهاً لامعاً حضارياً ، بينما هي في حقيقة الأمر كلها عبارة عن وجوه سوداء مغبرة على مر التأريخ . هؤلاء لم يكن لهم من موقف مشرّف أبدا ، غير أنهم خلّفوا وراءهم الكثير من القصص السيئة والتي كتب عنها الكثيرون من الشعراء في ومضاتهم ومطولاتهم  ، الومضات التي على غرار ماكتبها الشاعر يحيى ، أنها الومضات العذبة بالنسبة لنا نحن أعداء الرجعية ، بينما هي وصمة عار في جبين كل الطغاة ، لنقرأ هذه الأسطر التي خطها لنا الشاعر بعنوان ( ومضة)  :

    يتبــــــــــــــــــــــــــــــع في الجزء الثالـــــــــــــــــــــــــــــــــــث


    هــاتف بشبــوش/عراق/دنمارك


    1. يحيى السماوي ، بين العدميّةِ والآيروتيك (1) - هاتف بشبوش
      15/05/2015 - 20:57 ثقافة وأدب
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media