إمّا إقليمٌ أو دولةْ
    الخميس 2 يوليو / تموز 2015 - 19:27
    سالم مشكور
    إعلامي ومحلل سياسي
    الاندفاعة التي عاشها رئيس إقليم كردستان منذ دخول داعش الى الموصل ، باتجاه الاستقلال ، تهديدا تارة ، وتهيئة لمستلزماته تارة أخرى ، تواجه عددا من الكوابح حاليا مما يجعل تحقيق حلمه هذا بالمستحيل في المدى المنظر . أعني بالاستقلال هنا هو الصيغة الرسمية التي تستجلب الاعتراف الدولي ، أما لاستقلال العملي فهو متحقق بالفعل مقابل سكوت الساسة العراقيين ، في حين ينبري البعض منهم الى الدفاع عن كل حالات الخروج الكردي على صيغة الفيدرالية ، بنفيها، أو تبريرها بانهم "أبناء وطن ويستحقون " ، الامر الذي يوفر غطاء لكثير من الممارسات الاستقلالية التي عادة ما تتم على حساب باقي العراقيين . ليس هذا إنكاراً لحقهم في الاستقلال ، بل توصيفاً لحالة تستعصي على التسمية تعيشها علاقة الاقليم بالمركز .
    منذ تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ، بعيد "إدخال”  داعش الى الموصل في حزيران من العام الماضي ، بأنه حان الوقت للاعتراف الدولي باستقلال أقليم كردستان، فهم البارزاني أن هذا الموقف سيدفع واشنطن الى دعم الاستقلال فيصبح تحقيقه ممكناً، فتوجه الى واشنطن حاملا هذا الملف لكنه عاد بموقف أميركي واضح بان الامر غير وارد حاليا وعليه الكف عن التلويح به .
    الموقف التركي بدا بعد "إدخال”  داعش الى الموصل وتوسعها خارجها ، وكأن أنقرة لم تعد تخشى إستقلال الاقليم . وفي لقاء جمعني بمسؤول في الخارجية التركية على هامش مؤتمر في أنقرة آنذاك سألته إذا ما كانت الهواجس التركية من تأثير استقلال كردستان العراق على الوضع الداخلي التركي ما زالت على قوتها السابقة ، أجابني مبتسما : لا .
    جوابه هذا كانت تدعمه سياسات الحكومة التركية تجاه الاقليم والتي وإن كانت تقوم على مصالح إقتصادية تركية ، أو بهدف مناكفة بغداد في فترات التوتر السابقة ،الا أنها كانت تساهم في توفير مقومات الدولة المستقلة للاقليم .
    اليوم تغير موقف أنقرة بشكل أوضحه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بموقف صارم من قيام دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية . صحيح انه كان يبدي رد فعل على التمدد الكردي داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا ، الا انه يسري حكما على أية خطوة مماثلة على حدوده مع العراق . نتائج الانتخابات البرلمانية وصعود التجمع الكردي التركي بثمانين مقعد مقابل خسارة حزب العدالة للاغلبية المطلقة في البرلمان زاد من عودة تحفظ أنقرة على قيام أية دولة كردية على حدود تركيا.
    وبغياب دعم خارجي لاستقلال الاقليم وتنامي معارضة كردية داخلية لسياسات البرزاني الاستقلالية عن المركز ، بات ملف الاستقلال بعيد التحقق حاليا ، وهو ما يحتاج من حكومة الاقليم الى أن تحسم أمرها وتتصرف كإقليم فدرالي وليس دولة داخل دولة ، أو بالاحرى ، دولتين داخل دولة ، فسلطة البارزاني لا تسري الان الا على أربيل ودهوك فيما السليمانية وكركوك وحتى كويسنجق داخل أربيل خاضعة لسلطة السليمانية .
    الامر يحتاج أيضا الى وقفات صريحة وشجاعة من سياسيي المركز لتصحيح الوضع الشاذ للعلاقة الحالية بين الاقليم والمركز ، والذي يبدو فيه الاقليم مستقلا عملياً مع مشاركته لباقي العراق بالموارد . وضع يثير حفيظة الشارع العربي العراقي ويعمق من مشاعر الكراهية والحقد بين الجانبين ، ويؤثر سلبا على شعبية الاحزاب العربية التي تسكت أو تدافع عن هذا الوضع ، ويجعل وصف العراق بالفدرالي أمرا يثير السخرية .

    الصباح: ٢/ ٧/ ٢٠١٥
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media